هلك شعبي من عدم المعرفة”! كان هذا هو تقييم الله لشعبه في مرحلة من العصور. ولكن هذا التقييم لا يزال يدوي في الأذهان ليقدم تحذيرا شديدا عن اهمال المعرفة الروحية، والفهم الضروري لحياة مثمرة تحوز على رضى الله وسلامه في القلوب. في الدراسة السابقة، كنا قد أفردنا على أهمية التدريب المسيحي في الحياة، وضرورته والتشديد عليه. وقد قدّم الرسول بولس تشبيهاً واضحاً عندما قارن التدريب المسيحي بالتدريب على السباق والرياضة الجسدية فقال: “لأَنَّ الرِّيَاضَةَ الْجَسَدِيَّةَ نَافِعَةٌ لِقَلِيل، وَلكِنَّ التَّقْوَى نَافِعَةٌ لِكُلِّ شَيْءٍ، إِذْ لَهَا مَوْعِدُ الْحَيَاةِ الْحَاضِرَةِ وَالْعَتِيدَةِ“. (1 تيموثاوس 4: 8). فما الذي يقصده الرسول بالتقوى؟

التقوى في المفهوم المسيحي هي موقف، واستجابة. ونقصد بالموقف هو المعرفة بمشتملات الأمور الإيمانية وهذه المعرفة تؤدي إلى استجابة بسلوك معين في الحياة لمقابلة القداسة التي يطلبها الله. هذه الدراسة تختص بموضوع المعرفة.

أهمية المعرفة

عندما يتقدم شخص بطلب الهجرة إلى بلد أخر، واحدة من المتطلبات التي تطلبها الدول هي معرفة طريقة الحياة في هذه البلد، فهم القوانيين، أسلوب التعامل مع فئات المجتمع والسلطة وهكذا، بالمثل في الحياة المسيحية. يقول الرسول يوحنا في افتتاحية الإنجيل ع 12: “وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ – أي المسيح- فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ“. وبما أنه قد صار للمؤمن الجديد هوية جديدة بصيرورته ابناً لله، وجب عليه أن يتعرف على أساسات هذه الهوية الجديدة وما يتضمنه الاندماج في العائلة الروحية التي أساسها ومركزها الله نفسه.

اكتشاف المعرفة

المصدر الرئيسي للحصول على المعرفة المسيحية، يوجد على صفحات الكتاب المقدس – كلمة الله. ففي الكتاب المقدس نتعلّم عن هوية الله كما أعلنها لنا. نتعرف أيضا على طريق الخلاص الذي رتبه لنا وطريقة الحصول عليه بالإيمان، نكتشف فكر الله من ناحيتنا، والطريق والخطة التي صممها الله لنا لنحيا بسلام تحت قيادته وارشاده، بل وايضاً الحصول على علاقة شركة حميمة ومضمونة مع الله ذاته. وهذا ما يعلنه شاهد العيان يوحنا تلميذ المسيح فيقول: “الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضًا شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً“. (1 يوحنا 1: 3- 4). والكتاب المقدس مليء بوعود الله للبشر، هناك وعد خاص لكل موقف صعب نتعرض إليه. فالمؤمن المسيحي يبذل الجهد في حفظ هذه الوعود وترديدها لتذكير نفسه بأمانة وقدرة الله العظيمة. وعلى هذا تكون قراءة ودراسة الكتاب المقدس هي ممارسة أساسية للمسيحيين الذين يسعون إلى النمو في إيمانهم، وتعميق فهمهم لكلمة الله، وتطبيق تعاليمها في حياتهم. ولكن قد يظن البعض بأن الكتاب المقدس صعباً في قراءته بسبب حجمه الكبير، أو بسبب التقسيمات فيه أو الكتب المختلفة منه. ولكن الواقع هو أن الكتاب المقدس هو رسالة محبة الله لنا، وعندما نفكر فيه بهذه الطريقة، سنسعد بمعرفة الله المحب من خلال قراءة رسالة محبته فنحبه أكثر. وقد اكتشفت أجيال المسيحيين بأن الطريق الوحيد للفهم والمعرفة هو بتخصيص وقت معين يوميا لقراءة الكلمة المقدسة والتأمل فيها في وقت هادئ مع الله في بداية اليوم وأخره. وسوف نقدم بعض الطرق العملية التي تساعد في معرفة كلام الله ودراسته.

– طلب الله

قراءة ودراسة الكتاب المقدس الفعالة تبدأ بالصلاة. فقبل أن تفتح الكتاب المقدس، خصص دقائق للصلاة وطلب إرشاد من الروح القدس. اطلب من الله أن ينير كلمته، ويفتح قلبك وعقلك لتلقي تعاليمه، وأن يقويك لتطبيق ما تتعلمه في حياتك. فيدعو كاتب المزامير الله قائلاً: ” اكْشِفْ عَنْ عَيْنَيَّ فَأَرَى عَجَائِبَ مِنْ شَرِيعَتِكَ“.

– القراءة المنتظمة

من المهم أن تقرأ الكتاب يومياً حتى وإن كان لمدة قصيرة. لربما ترغب في قراءة بعض الفصول من كتاب (سفرا) من العهد القديم، أو من العهد الجديد. يمكنك أن تعرف أكثر عن تقسيمات الكتاب المقدس، لتساعدك على فهم خريطة الكتاب. اقرأ ببطء وتأمل وتفكير. خذ وقتك في قراءة المقطع عدة مرات، مع الانتباه إلى التفاصيل والسياق والمواضيع الرئيسية. تأمل فيما يكشفه المقطع عن الله، وشخصيته، وخطته للبشرية. قد لا يكون لديك وقتا طويلاً للدراسة العميقة، فربما ترغب في تخصيص وقتاً أطول للدراسة العميقة في عطلة نهاية الأسبوع.

– سجّل وطبّق

إن فهم السياق التاريخي والثقافي للمقطع أمر ضروري لتفسير الكتاب بدقة. استخدم أدوات الدراسة مثل التفاسير والفهارس وقواميس الكتاب المقدس لاستكشاف المعلومات الأساسية ذات الصلة بالمقطع. ضع في اعتبارك المؤلف والجمهور والإطار التاريخي والنوع الأدبي للمقطع للحصول على فهم أعمق للمعنى المقصود منه. ثم فكر في كيفية تطبيق هذا المقطع على حياتك وظروفك. يمكن أن يكون تدوين اليوميات أداة مفيدة لتسجيل الأفكار والأسئلة التي تطرأ أثناء دراستك. ابحث عن:

الوعود التي تتمسك بها،

الوصايا التي يجب أن تطيعها،

الخطايا التي يجب أن تتوب عنها وتتركها.

وفوق ذلك فتّش عن الرب يسوع المسيح فهو الموضوع الرئيسي في الكتاب، إذن فمن المهم أن تتقابل معه شخصيا على صفحات الكتاب. إن دراسة الكتاب المقدس ليست مجرد تمرين فكري، بل هي وسيلة للتغيير. فسأل نفسك عن الدرس الذي تعلمته من خلال القراءة وكيف يشكل مواقفك ومعتقداتك وسلوكياتك.

– شارك وناقش

إن دراسة الكتاب المقدس مع الآخرين يمكن أن تعزز فهمك وتطبيقك لكلمة الله. شارك أفكارك وتأملاتك مع بعض الأصدقاء المقربين، وشارك في مناقشات حول المقطع مع أخوة مؤمنين. إن المشاركة في مجموعة صغيرة لدراسة الكتاب المقدس، أو حضور دروس الكنيسة لدراسة الكتاب المقدس، أو الانضمام إلى منتدى مناقشة عبر الإنترنت يمكن أن يوفر فرصًا للتشجيع المتبادل، والمساءلة، والنمو في فهم الكتاب المقدس.

– الخلاصة

إن دراسة الكتاب المقدس بفعالية هي رحلة تدريب تتطلب النية والانضباط والاعتماد على الروح القدس. وكما ذكرنا، فمن خلال البدء بالصلاة، واختيار كتاب أو موضوع، والقراءة بانتباه وتأمل، ودراسة السياق، وطرح الأسئلة، والبحث عن التطبيق، والمشاركة مع الآخرين، يمكنك اكتشاف غنى كلمة الله واختبار قوتها التي تغير الحياة. وبينما تبدأ في التدريب في دراسة الكتاب المقدس، ستجد الإلهام والقوة لتنمو في علاقتك مع الله وتعيش كلمته في كل مجال من مجالات حياتك. فيؤكد الرسول بولس: “كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، 17لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ“. (2 تيموثاوس 3: 16- 17).

والآن، ها هي فرصتك للحديث معنا عما تفكّر فيه
يا صديق، نحن نريد أن نساعدك في رحلة الإيمان. الخطوة التالية هي أن ترسل لنا برغبتك في المعرفة والإيمان لنتواصل معك، فنشجعك ونصلي من أجلك. نحن نتعامل بحرص وسرية مع كل رسائل الأصدقاء