تحتل الصلاة مكانة مركزية في الإيمان المسيحي. فهي الوسيلة الحيوية للتواصل مع الله، وتعزيز العلاقة الحميمة معه، وإطلاق العنان لقوته في حياة المؤمنين. ومن التفاني الشخصي إلى العبادة الجماعية، تتوغل الصلاة في نسيج التدريب الروحي، فتشكل المعتقدات، وتوجه الأعمال، وتثبّت القلوب في الإيمان بالله. في الدراسة السابقة، اكتشفنا أهمية التدريب على دراسة الكتاب المقدس، أما هذه الدراسة، فسوف نكشف عن ضرورية الصلاة والمبادئ العملية المصاحبة لتنمية حياة الصلاة النابضة بالحب والحياة من منظور الكتاب المقدس.

1. الشركة مع الله

الصلاة في جوهرها تدور حول التواصل مع الله، أي الدخول في علاقة شخصية وحميمة مع خالق الكون. فليست الصلاة مجرد واجب ديني فحسب؛ بل هي امتياز وفرح أن نقترب إلى الله في الصلاة، عالمين أنه يسمع صراخ أبنائه ويستجيب لهم. نعم، لا تستغرب فالكتاب المقدس يشجع المؤمنين بأن الله هو أبونا الروحي فيقول الرسول يوحنا عن المؤمنين بالمسيح: “وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ“. (يوحنا 1: 12) فالصلاة هي الوسيلة التي يعبر من خلالها المؤمنون عن حبهم وامتنانهم واعتمادهم على الله، ويختبرون حضوره ويتلقون إرشاده وراحته وسلامه.

2. التوافق مع إرادة الله وانتظاره

الصلاة ليس المقصود بها فقط أن تكون قائمة بطلباتنا أمام الله، بل تتعلق أيضًا بمواءمة إرادتنا مع إرادته. الصلاة المسيحية الحقيقية هي فرصة للخضوع لسلطة الله السيادية وتسليم خططنا ورغباتنا واهتماماتنا لإرادته الكاملة. وقد قدّم الرب يسوع مثالاً لهذا الخضوع في صلواته البشرية الخاصة، كما هو الحال في بستان جثسيماني عندما صلى قائلاً: “لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ” (لوقا 22: 42). ومن خلال الصلاة، يطلب المؤمنون حكمة الله وتمييزه وإرشاده، واثقين أن خططه أعلى وأفضل من خططهم. وكذلك تشمل فترات الصلاة، وقتا للاستماع وانتظار الله. الله في حكمته، لا يتأخر بل في الوقت المناسب يقدم الحل والفرج. عرف الملك داود هذا الأمر بعد خبرته مع الله فقال: “انْتِظَارًا انْتَظَرْتُ الرَّبَّ، فَمَالَ إِلَيَّ وَسَمِعَ صُرَاخِي“. (مزمور 40: 1)

3. الحرب الروحية

يعلن الكتاب المقدس بأن الصلاة سلاح قوي في الحرب الروحية، أي المعركة المستمرة ضد قوى الظلام والشر – التي قائدها الشيطان. الصلاة وسيلة للصمود في وجه الهجمات الروحية، ومقاومة التجارب، والتغلب على مكائد العدو. يحث الرسول بولس المؤمنين على الصلاة فيعلن: “إِذْ أَسْلِحَةُ مُحَارَبَتِنَا لَيْسَتْ جَسَدِيَّةً، بَلْ قَادِرَةٌ بِاللهِ عَلَى هَدْمِ حُصُونٍ. هَادِمِينَ ظُنُونًا وَكُلَّ عُلْوٍ يَرْتَفِعُ ضِدَّ مَعْرِفَةِ اللهِ، وَمُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيحِ“. (2 كورنثوس 10: 4- 5) مؤكدا على أهمية الصلاة كاستراتيجية دفاعية وهجومية في المعركة الروحية. وليست الصلاة لمحاربة العدو الروحي فحسب بل هي أيضا فعالة في مواجهة كل خوف من الناس. فكانت هذه عادة أبطال الإيمان كما يسجلها لنا الكتاب المقدس. صلى يعقوب عند خوفه من مقابلة شقيقه عيسو. وطلب موسى من الله أن ينجيه عندما علم بأن بني إسرائيل سيرجمونه في الصحراء. وابتهل يشوع لله بعد هزيمة إسرائيل من جيش صغير في عاي. وتوسل داود طلباً من الله أن ينقذه من مخاطر أعداءه. ونشر الملك حزقيا رسائل التهديد التي استلمها من عدوه أمام الله وطلب خلاصه. كل هذه كتبت من أجل نفعنا في الثقة في إله الكون الذي دعانا أن نصلي إليه قائلاً: “ادْعُنِي فِي يَوْمِ الضِّيقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي“. (مزمور 50: 15)

4. الشفاعة والالتماس من أجل الآخرين والنفس

الصلاة تشمل أشكالا مختلفة، بما في ذلك الشفاعة والتوسل. فتتضمن الصلاة الشفاعية رفع احتياجات الآخرين إلى الله، والدفاع عنهم، والوقوف في الثغر لهم أمام عرش نعمة الله. فيقول الرسول بولس: “فَأَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ، أَنْ تُقَامَ طَلِبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ، لأَجْلِ الْمُلُوكِ وَجَمِيعِ الَّذِينَ هُمْ فِي مَنْصِبٍ، لِكَيْ نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ، لأَنَّ هذَا حَسَنٌ وَمَقْبُولٌ لَدَى مُخَلِّصِنَا اللهِ“. (1 تيموثاوس 2: 1-3) وكذلك، تتضمن صلاة التوسّل في تقديم احتياجاتنا ورغباتنا وطلباتنا إلى الله. فيشارك الملك الحكيم سليمان بخبرته في فعالية الصلاة لتحقيق تدخل الله وتدبيره في الحياة بقوله: “فِي كُلِّ طُرُقِكَ اعْرِفْهُ، وَهُوَ يُقَوِّمُ سُبُلَكَ“. (الأمثال 3: 6)

5. الشكر والامتنان

محور الصلاة المسيحية هو موقف الشكر والامتنان. يتم تشجيع المؤمنين على الاقتراب من الله بقلوب مليئة بالامتنان لنعمه وأمانته. فعندما نتذكّر أعمال الله الطيبة من نحونا في الماضي تطمئن قلوبنا. وعلى هذا يشجع الرسول بولس المؤمنين في الثقة في طلب الرب فيقول “افْرَحُوا كُلَّ حِينٍ. صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ. اشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَتِكُمْ“. (1 تسالونيكي 5: 16- 18)، مدركاً أن الشكر ينشئ روح التواضع والقناعة والثقة في صلاح الله وتدبيره.

بعض الإرشادات العملية للصلاة

– حاول ان تخصص وقتاً معتاداً للصلاة: حدد وقتًا منتظمًا للصلاة في برنامجك اليومي، سواء كان في الصباح أو المساء أو أي وقت آخر يناسبك واستمر عليه.
– ابحث عن مكان هادئ: قم بإنشاء بيئة هادئة وخالية من التشتيت. اقفل جوالك لفترة او اتركه بعيداً عنك، لكي تتمكن من التركيز على الصلاة دون انقطاع وبدون غواية مطالعة رسائل أو إعلانات التواصل الاجتماعي.
– استخدم الكتاب المقدس كدليل: قم بدمج الكتاب المقدس في صلواتك، مستلهمًا من المزامير وصلوات يسوع والمقاطع الكتابية الأخرى. الله يتحدث إلينا من خلال كلمته المقدسة.
– كن صادقًا ومخلصاً: اقترب من الله بأمانة وشفافية، وشاركه أفراحك وأحزانك ومخاوفك وصراعاتك، اكشف له مكنونات قلبك. اعترف لله بذنوبك وتب عنها أمامه في الصلاة. الله يعرف كل شيء ولكنه يسعد عندما نشاركه ما نمر به من ظروف الحياة. لا تحتاج ان تكون في وضع معين للصلاة. البعض يفضل الجلوس والبعض يرغب في السجود، ولكن الله يهتم بحالة القلب المتضع امامه.
– استمع وانتظر الله: الصلاة ليست مجرد الحديث وتقديم الطلبات ولكنها أيضًا فرصة للاستماع. خذ وقتًا لتهدئة قلبك والاستماع إلى صوت الله وإرشاد روحه وتشجيعاته
صَلِّ مع الآخرين: بحسب المستطاع، ابحث عن فرص للصلاة مع رفاقك المؤمنين، سواء في مجموعات صغيرة، أو اجتماعات صلاة، أو خدمات الكنيسة، مما يعزز الوحدة والشركة في الصلاة ومشاركة التعليم والخبرة.
– واظب على الصلاة: كن مثابراً ومستمراً في الصلاة، واثقاً أن الله يسمع الدعاء ويجيبه في توقيته الكامل وبحسب إرادته الصالحة.

الخلاصة

الصلاة هي جانب أساسي من حياة الإيمان المسيحي. والتدريب عليها هو أمر حيوي، فيختبر المؤمنون قوة الصلاة المغيّرة في حياتهم ويشهدون على أمانة الله وتدابيره الرائعة فيحيون في سلام في عالم مضطرب. كما نصح الرسول بولس: “لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ. وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ“. (فيلبي 4: 6-7).

والآن، ها هي فرصتك للحديث معنا عما تفكّر فيه
يا صديق، نحن نريد أن نساعدك في رحلة الإيمان. الخطوة التالية هي أن ترسل لنا برغبتك في المعرفة والإيمان لنتواصل معك، فنشجعك ونصلي من أجلك. نحن نتعامل بحرص وسرية مع كل رسائل الأصدقاء