كانت الليلة تبدو كمثيلاتها السابقة، هادئة ناعسة في هذه القرية البسيطة. مجموعة من الرجال البسطاء التفوا معا وهم يتناقشون في أمور الحياة الرتيبة. كان عملهم الليلي هو رعي الأغنام على تلال بلدة بيت لحم اليهودية. وفجأة حدث ما قلب حياتهم رأساً على عقب، زيارة سماوية جلجلت في فضاء الليل، وأخبار مذهلة أُعلنت لهم من قِبل الزائر من السماء: «لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: 11أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ. 12وَهذِهِ لَكُمُ الْعَلاَمَةُ: تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطًا مُضْجَعًا فِي مِذْوَدٍ». هزّت المفاجأة أعماقهم. الخوف كان أول المشاعر ثم الدهشة والعجب، تلاها حب الاستطلاع والاكتشاف، وأخيراً الفرح والبهجة. وهذا الفرح هو نابع من وعد الله للإنسان وقصده من جهة خليقته. فبالرغم من سعي الإنسانية الدائب نحو الفرح إلا أنه لا يزال بعيد المنال عن الكثيرين، أغنياء كانوا أو فقراء. في هذا الأسبوع المبارك ونحن ننتظر الاحتفال بميلاد المخلص، يسوع المسيح، سنبحث في موضوع الفرح كما أعلنه الله.

تعريف الفرح المسيحي

الفرح بصورة عامة هو شغف أو عاطفة تتدفق في الجسم البشري تجعله يشعر بالقناعة والرضى والقبول. إنه رد الفعل الإنساني للأشياء المحببة سواء محسوسة أو مرئية أو فكرية. والفرح المسيحي هو تيار الرضى الذي يتغلغل في كيان المؤمن بالمسيح لقناعته بأنه لا ينتقص لأي شيء. وعلى هذا فهو يختلف عن مشاعر الفرح الأخرى لأنه ليس بالضرورة ناتج عن تأثير خارجي بل فيض داخلي يجعل النفس مستقرة والروح هانئة.

مصدر الفرح المسيحي

الفرح المسيحي هو أحد ثمر سكنى وعمل الروح القدس في نفوسنا. “وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ”. وهذا الفرح هو ناتج عن اتحادنا مع المسيح ومخاطبة الله كأبينا السماوي: “لأن جميع الذين ينقادون بروح الله هم أبناء الله” كما أعلن بولس في رسالته لروما والفصل8، آية 14. إن إدراكنا بأننا أبناء أحباء جداً لله يجعل فينا فيض من الاطمئنان والراحة والفرح. ونحن نحصل على علاقة البنوية هذه بالإيمان بالمخلص يسوع المسيح. كانت هذه هي بشارة الملاك للرعاة ولكل من يسمع هذه البشرى العظيمة. فالله يحبنا ويرحب بنا عندما نأتي إليه، بل ويطلب منا أن نسأل منه المعونة والغفران لذنوبنا الكثيرة، وهو مستعد أن يفعل أكثر جدا مما نطلب أو نفتكر. وهذه المعرفة طريق أكيد لإيجاد الفرح والسرور. ويتقوى فرحنا بتحقيق الإرادة الإلهية فينا.

أساس الفرح المسيحي

قدّم زائر السماء رسالة الفرح للرعاة البسطاء. وكان مضمون هذا الفرح هو مجيء مخلص العالم لأرضنا بالميلاد. وكيف ذلك؟ قديماً، كان الفرح سائداً في الجنة عند بداية الخليقة. كان أدم وحواء يتمتعان بشركة ألفة وعلاقة شفافة مع الله المحب ومع بعضهما، ولكن عندما عصا أدم وحواء أمر الله، فقدا هذه الشركة البهية، وكانت النتيجة: الانفصال، الخوف والحزن. وبعد مرور أزمنة طويلة، زادت فيها المعاناة والحزن وشر الإنسان جاء المسيح لينقذ الإنسان من شر نفسه. جاء ليصالح الإنسان العاصي مع الله القدوس ومع باقي البشر. جاء ليبدل حالة حزن الإنسان إلى حالة الفرح والسرور. فهتفت الملائكة: «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ -أي الفرح». كان ذلك بداية استرداد الفرح الذي فُقد في الجنة. وبعد أن دفع المسيح عقاب الذنوب التي عملناها ومات نيابة عنا ثم قام في اليوم الثالث كما وعد، تحققت العدالة السماوية، وصار للمؤمن بالمسيح الحق في استلام بركات الله من الفرح والبهجة والسرور. وهكذا فرح التلاميذ إذ رأوا الرب بعد قيامته.

تنبيه هام

يعتقد البعض بأن الحياة المسيحية بعد الإيمان ستكون حياة سهلة مليئة بالأفراح وتتوالى فيها البركات بلا صعوبات. وما أبعد هذا الاعتقاد عن الصواب. السيد المسيح لم يعد المـؤمن به بحياة خالية من المتاعب ولكنه وعد بأنه سيكون حاضراً مع المؤمن في وسط المتاعب ليعينه عليها. وهذا الحضور هو ما يجلب الفرح والطمأنينة. الرسول يعقوب يقول: “احْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ!”. وقد تسأل كيف أفرح في وسط المتاعب والضيقات؟ فيرد الرسول: “عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا. 4وَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ، لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ”. إن الله يسمح بهذه الضيقات والتجارب ليدرب عضلات الإيمان في المؤمن، فيتقوى ويتشدد. لذلك نقول: إن قبول إرادة الله بكل القلب هو المسار للفرح الدائم. قد تكون إرادة الله مؤلمة وغامضة في بعض الأحيان، ولكن الشخص الذي يعيش بالإيمان يعرف أن كل الأشياء تعمل معًا للخير بالنسبة للذين يحبون الله. – رومية 8: 28.

فهل تقبل ميلاد المسيح في قلبك يا صديق بالإيمان لتفرح بمحبته العميقة لك؟ وهل تستلم غفرانه لذنوبك فتتهلل بالفرح؟ وهل تستسلم لإرادته وقيادته لحياتك فيستمر تدفق الفرح فيك؟ وهل يكمل فرحك بمعرفة أن المسيح سيأتي ثانية ليأخذك لنعيمه، فتودع حياة الشقاء في العالم للأبد؟ هذا هو الفرح المسيحي.

والآن، ها هي فرصتك للحديث معنا عما تفكّر فيه
يا صديق، نحن نريد أن نساعدك في رحلة الإيمان. الخطوة التالية هي أن ترسل لنا برغبتك في المعرفة والإيمان لنتواصل معك، فنشجعك ونصلي من أجلك. نحن نتعامل بحرص وسرية مع كل رسائل الأصدقاء