الكلمة اليونانية “الإنجيل” تترجم بالعربية إلى “الأخبار السارة”. والسبب في مجيء الإنجيل – الأخبار السارة- هو أن هناك أخبار سيئة كثيرة. لا يستطيع الناس قبول الأخبار السارة ما لم يتعرفوا أولاً على ما ينتظرهم من أخبار سيئة بشعة. كنا قد بحثنا في الدراسة السابقة عن أهمية معرفة الله، وعمله وما يطلبه منا نحن البشر، يمكن أن تراجع هذه الدراسة هنا. وكنا قد انتهينا بسؤال هام ألا وهو: لماذا نحتاج أن نخلص؟ يجيب الرسول بولس على هذا السؤال في رسالته إلى كنيسة روما والفصل الثالث، فيقول: “أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ. 11لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللهَ. 12الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ“. وقد تقول يا صديق بأن هذه مبالغة كبيرة! فهناك الكثير من الصالحين حولنا؟ حسنا! تعال معي ندرس هذه المقولة. فإن كان محور الدراسة السابقة هو معرفة الله، فإن موضوع دراستنا الحالية هو طبيعة الانسان؟ او باختصار “من نحن؟”.
حقيقة الانسان
الانسان فاسد بطبعه. وهذه الحقيقة تنبع من واقع الحياة اليومي. وفساد الانسان يظهر في اعماله السيئة، نشاهدها على أجهزتنا، ونقرأها على صفحات الجرائد. لا تقتصر الاعمال السيئة على الواقع المحلي بل نراها في الأخبار العالمية أيضا، سواء كانت حروب او منازعات او فساد أخلاقي واجتماعي. كما ان الاعمال السيئة ليست بعيدة عنا، نراها في بيوتنا وفي تصرفاتنا اليومية. امتلأت المحاكم بالقضايا من كافة الاشكال للفصل بين الناس ورغباتهم المتعاركة. نحتاج قانون ونظام ووسيلة تحمينا من سوء تصرفات الآخرين لان الجنس البشري لا يوثق به. يقول الحكيم سليمان: “لأَنَّهُ لَيْسَ إِنْسَانٌ لاَ يُخْطِئُ“. وكذلك كاتب المزمور 130 يعلن: “إِنْ كُنْتَ تُرَاقِبُ الآثَامَ يَا رَبُّ، يَا سَيِّدُ، فَمَنْ يَقِفُ؟“. بل وحاجج تلميذ المسيح يوحنا بهذه الكلمات: “إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا“. والاعمال السيئة هي ما يسميه الكتاب المقدس بالخطية. إذن ينبغي ان نتوقف هنا لنعطي تعريفاً لمفهوم الخطية كما يعلنه الكتاب.
معنى الخطية
في القاموس العربي، هناك عدة مصطلحات تصف الخطية. فهي الخطأ، الذنب وجمعه الذنوب، المعصية وجمعها المعاصي او الآثام ومفردها الإثم. ويمكن تلخيص معنى الخطية في اتجاهين. السلبي أي المنع والإيجابي أي الكسر. والواقع ان الخطية بتعريفها السلبي تعني أخطاء الهدف او الفشل في تحقيق المستوى المطلوب والسقوط فيه. اما الخطية في معناها الإيجابي فتعني كسر ومخالفة للحق والعدالة والتعدي عليها. وكلا المفهومين يتضمن مقياس ادبي او شريعة ومثل أعلى نبغي الوصول إليه. ولكن للبشر مقايس مختلفة باختلاف معتقداتهم، فبأي مقياس أدبي نحتكم إليه؟ بما ان الله الخالق هو ديان البشر، فوجب الاستماع إليه في مقاييس الطهارة التي يطلبها. الله يهتم بالنية الكامنة وراء أي عمل، كما انه يهتم بالدافع والحافز وراء كل تصرف أو سلوك. ولهذا تكون الوصايا العشر التي قدمها الله لنبيه موسى قاعدة أساسية ودستوراً معتمداً لا يختلف عليه أحد. فتعال لنفهم المعايير التي يطلبها الله للحصول على رضاه. وهل ننجح في طاعتها أم نحن نخطئ ونذنب فيها؟
الوصايا العشر
هي مقاييس عدالة الله التي قدمها للبشر للعيش بحياة ترضيه وتعظمه، وهي تنقسم لمجموعتين. المجموعة الأولى 4 وصايا وتختص بالله والمجموعة الثانية 6 وصايا وتختص بالعباد. ولكيلا أطيل عليك، سوف اكتفي ببعض الوصايا على سبيل المثال لا الحصر لنرى ان كنا نحفظها ونطيعها بالكامل. يمكنك قراءة الوصايا العشر بالكامل.
1- لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. ليست بالضرورة أن تكون تماثيل ومنحوتات، ولكن كل ما يأخذ المقام الأول في تفكيرنا ومحبتنا. الرغبة المُلحّة في الحصول والامتلاك: مثل أحدث جوال، اقتناء بيت أكبر، أو سيارة أحدث، الموديل الأخير لألعاب الفيديو وماذا عن محبة المال والرغبة في المزيد منه؟ هذه ليست ألهه في حد ذاتها، ولكنها تصبح كذلك عندما تأخذ المكانة الأولي في حياتنا. فهل لله المكانة الأولى في حياتك؟ ام هناك الكثير من الأشياء تشاركه المكانة في قلبك؟
3- لاَ تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِكَ بَاطِلاً. اسم الله هو في الواقع طبيعة الله. الكتاب المقدس يعلمنا احترام اسم الله، فعندما نصلي نقول “ليتقدس اسمك”. ولكن كم مرة حلفنا باسم الله كذباً؟ وكم مرة سبحنا الله بلساننا ثم شتمنا الأخرين بنفس اللسان؟ فهل يصح هذا؟ وإن دعونا الله رباً ثم عصينا أوامره، أفلا ننطق باسم الرب باطلاً؟
5- أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ. هذه الوصية تشرح واجبنا تجاه والدينا. وتعني طاعتهم ونحن صغار ثم إكرامهم ونحن كبار. فهل نظهر الطاعة والإكرام للوالدين في كل الظروف؟ أم هناك أنانية ومحبة للذات في طلب الاهل أن يخدمونا في البيت؟ هل هناك جحود ونكران للجميل للوالدين في كبر عمرهم وعجزهم وتركهم بلا رعاية أو حنو؟
7- لاَ تَزْنِ. محتوى هذه الوصية لا يتضمّن فقط ارتكاب الزنى قبل الزواج للشاب والشابة، الخيانة الزوجية والاستباحة في العلاقات الأخلاقية، بل تشمل أيضا العادات السرية والانحراف الجنسي، مطالعة المواقع الإباحية والمجلات، التغرير والتحرّش والاغتصاب بل وتشمل أيضا الأفكار الشريرة في القلب تجاه الجنس الأخر. أرجو أن تقيّم نفسك في ضوء هذا الشرح؟
10- لاَ تَشْتَهِ. يقول أحد المفسرين بأن هذه الوصية تسمو بالوصايا من التطبيق الحرفي للتشريع المدني إلى صعيد الأخلاق الشخصية ومن التنفيذ الخارجي إلى المقياس الداخلي. القانون البشري لا يحاسب على الشهوة الداخلية مالم تتحول إلى فعل ظاهر. فالرغبة في القتل لا حكم قانوني عليها الا إذا قام الشخص بالقتل الفعلي. لكن الله ينظر للقلب ويعرف نيات الفكر وشهواته، ولا يمكن أن نخفي شيء على الله. الغيرة، الحسد، الشهوة، الرغبة في الانتقام والغدر متضمن في هذه الوصية. كيف تكشف هذه الوصية عن نيّة قلبك يا صديق؟
ثم يعلن الكتاب بأهمية تنفيذ الوصايا، كل الوصايا بقوله: “وَإِذَا أَخْطَأَ أَحَدٌ وَعَمِلَ وَاحِدَةً مِنْ جَمِيعِ مَنَاهِي الرَّبِّ الَّتِي لاَ يَنْبَغِي عَمَلُهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ، كَانَ مُذْنِبًا وَحَمَلَ ذَنْبَهُ”. لاحظ هنا ما يقوله الكتاب بأن الشخص يصير مذنباً حتى لو لم يعلم! هذا لأن الله قدوس وطاهر. ومن ثم يكون العقاب الإلهي حتمي لأن الله عادل.
وقد تسأل يا صديق: هذه أمور محزنة فعلاً لأننا نخطئ في كل يوم. وبناء على هذا الكلام، نحن مدانون أمام الله! نعم يا صديق، هذه هي الأخبار السيئة – نحن جميعاً نقف مذنبين أمام عدالة الله. لكن شكرا لله الذي رتب الوسيلة لنخلص وننجو من العقاب وهذه هي الأخبار السارة (الإنجيل). فيقول الرسول بطرس في كتاب الأعمال: “لَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ [أي المسيح] الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ”. أما لماذا هذا الحل أي خلاص المسيح، فسنجده في الدراسة التالية عندما نتعرف على ناتج عمل الذنوب والخطايا.
أسئلة للتفكير
– ما معنى الإنجيل؟ وماذا يقدم؟
– ماذا تكتشف عن حقيقة الإنسان؟
– ما معنى الخطية بمفهومها السلبي والإيجابي؟
– خذ بعض الوقت واقرأ وصايا الله العشر، وفكر بأمانة في تطبيقاتها وهل تنفذها؟
– بعد التأمل في الوصايا العشر وطريقة تطبيقها، ماذا عليك أن تفعل؟