لا يفشل المراقب للأحداث على كل من الساحة الإقليمية والدولية بأن يلاحظ أن العالم مليء بالشر والعنف. قد يتصور البعض أن التقدم العلمي، والصناعي سوف يؤدي إلي تحسين حالة الإنسان وأخلاقه. ولكن النظرة الدقيقة والباحثة تكشف بأن الإنسان لا يزال فاسداً كما كان أسلافه مهما اختلفت ظروفه، بيئته الاقتصادية أو العلمية. المشكلة ليست خارجية، كما أوضحنا في الدراسة الثانية، بل هي في الأصل مشكلة داخلية في طبيعة الإنسان وتصورات قلبه وفكره. فيؤكد الرسول بولس في رسالته إلى روما على ذلك بقوله: “إذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ“. (3: 23) وبما أن الطبيعة البشرية هي فاسدة، وغارقة في طين الذنوب والمعاصي، فوجب أن يكون الحل إلهياً. أن يأتي منقذ أو مخلّص طاهر أي بلا خطية لينتشل البشرية من قذارة الخطايا ويرد لها كرامتها التي خلقها الله بها في الأصل.

الخلاص الإلهي

الخلاص المسيحي معناه النجاة من الخطية ونتائجها، وكما أوضحنا في الدراسة الثالثة بأن نتائج الخطية البشعة ثلاث، ولذلك يتضمن الخلاص تحرير الإنسان من توابع الخطية جميعها. وقد تم هذا التحرير الكامل في شخص الرب يسوع المسيح. فالمسيح عمل المصالحة بين الله القدوس والإنسان المذنب وبذلك أنهى الانفصال عن الله، وكذلك قام بتحرير الإنسان من عبوديته الأدبية للخطية فأبدل التعاسة بالفرح ثم أحل المحبة والانسجام في القلب ليصبح الإنسان قادراً على عمل علاقات قوية متينة مع الآخرين. وكيف تم ذلك؟ يقول الرسول بولس في رسالته لروما: “وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا“. (5: 8) لم يكن موت المسيح صدفة، بل كان مخططاً في فكر الله منذ الأزل وتحقق في وقت حكيم حدده الله فيعلن الكتاب المقدس في رسالة غلاطية: “وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ“. (4: 4-5) وقد تحقق هذا الفداء الإلهي بواسطة الصليب.

أهمية الصليب

منذ فجر التاريخ، وعندما أخطأ أدم وحواء واكتشفا أنهما عريانين، قدّم الله الحل وألبسهما أقمصة من جلد – راجع التكوين 3- كان هذا مُستلزماً لموت حيوان ليلبسهما الله ويغطي عريهما. ثم قدم هابيل ابن أدم قرابينه لله من أبكار غنمه. ثم قام الأباء بتقديم الذبائح وبناء المذابح. وكانت هذه هي العادة حتى قبل أن تأتي شريعة موسى القائلة بأنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة” (عبرانيين 9: 22- لاويين 17: 11). ولأن العهد القديم تضمن رموزًا واضحة لما هو حقيقي آت، فكانت هذه الذبائح كلها ترمز إلى الذبيحة الحقيقية التي قدمها المسيح بنفسه على الصليب. أوضح السيد المسيح هذه الحقيقة لتلاميذه بعد القيامة فقال: “أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟» 27ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ“. (24: 26) فيتكلم عنه النبي زكريا بأنه الراعي وقد ضرب فتبددت خرافه (13: 7)، وهو رجل الأوجاع الذي تكلم عنه النبي إشعياء فقال: “وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا“. (53: 5). وقد كتب الملك داود في المزامير عن طريقه موته بالصلب وثقب الأيدي، وإلقاء القرعة على ثيابه (22). كما أفرد كتّاب الإنجيل جزءاً كبيراً عن الأسبوع الأخير في حياة السيد المسيح وطريقه صلبه وموته وقيامته. أما في الرسائل فنجد الاقتناع الكامل بحتمية الصليب في كتابات بولس ورسائله، فمثلا كتب لكنيسة كورنثوس يقول “فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ“. ومن المهم هنا التأكيد بأن المسيحيين لا يعبدون الصليب، فالعبادة مخصصة لله وحده، لكن المسيحيين يفتخرون بالصليب. فالصليب هو رمز الإيمان ويقين الخلاص للمؤمن.

معنى الصليب

الصليب هو أداة تعذيب وموت. وقد استُخدم الصليب في القرون القديمة وحتى القرن الرابع الميلادي كوسيلة لتنفيذ حكم الإعدام مع إلحاق أعظم الألم والمعاناة للمصلوب. وكان الصلب يتم بتقييد المصلوب بالحبال أو بدق المسامير في يديه ورجليه لتثبيته على الصليب ثم تركه معلقا ليموت موتاً بطيئاً قاسياً. وكان الإعدام بالصلب مخصصا لأبشع الجرائم وعقاباً لأعتى المجرمين. والكتاب المقدس يعلن بأنه: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ». (غلاطية 3: 13، تثنية 21: 22). أما لماذا مات المسيح الطاهر بهذه الطريقة الشنيعة؟ فلكي يثبت بأنه البديل عن كل مجرم وفاسد مهما كانت جريمته. فحمل المسيح البار، الذي لم يفعل أي خطية أو يرتكب أي ذنب، الخطايا ولعنة البشر في جسمه مسمراً إياها على الصليب، ودافعا عقابها بالكامل. الكتاب المقدس يعلن بأن العدل والحق هما قاعدة كرسي الله. (مزمور 89: 14). فصار صليب المسيح المكان الذي تقابلت فيه عدالة الله مع محبته للمذنب الخاطئ. كان المسيح البديل والمخلّص الذي تحتاجه البشرية لتحصل على الغفران الإلهي.

الصليب هو رمز الفداء

قبل أكثر من ثلاث سنوات من أحداث الصلب، تقابل النبي يوحنا المعمدان مع الرب يسوع المسيح، فانبهر وقال: “هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!” كانت هذه العبارة نبوة عن عمل المسيح، وايضاحاً لاحتفال عيد الفصح عندما ذُبح خروف الفصح ليحمي أبكار إسرائيل من الهلاك في مصر. كان يسوع هو المحامي والمصالح للبشرية مع الله. يكتب الرسول بولس في رسالة أفسس: “الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ بِدَمِهِ، غُفْرَانُ الْخَطَايَا، حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ” (1: 7) كان سفك دم يسوع على الصليب هو بمثابة الذبيحة الكفارية التي تضمن الغفران والخلاص والحماية لكل من يؤمن.

الصليب هو مصدر الرجاء

في وسط الألم والصعاب، يضيء الصليب كمنارة ورجاء للمؤمنين. إن انتصار يسوع على الخطية والموت والشيطان بسبب قيامته، يقدم للمؤمن تأكيدًا بأن كل الأشياء ستصير جديدة في النهاية. فيكتب الرسول بطرس: “مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ الْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنَ الأَمْوَاتِ ” (1 بطرس 1: 3) فيذكرنا الصليب أنه حتى في أحلك اللحظات، يوجد رجاء في الوعد بالحياة الأبدية والفداء من خلال يسوع المسيح.

وأخيرا، الصليب هو دعوة للتلمذة

إن الحب الإلهي الظاهر في الصليب، يدعو المؤمنين ليحملوا صلبانهم ويتبعوا يسوع. وقد صرح يسوع نفسه قائلاً: “إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي.” (لوقا 9: 23) فيصبح الصليب رمزًا لنكران الذات والحب المضحي والطاعة لإرادة الله. إنه يدعونا إلى اعتناق طريق الصليب، وأن نضع حياتنا عن طيب خاطر من أجل الآخرين وتقدم ملكوت الله. ومع هذه الدعوة، يقدم السيد المسيح الرجاء الأكيد بأن نعمة ومحبة وقوة الله ستحملنا مع صلباننا لنختبر حياة النصرة والفرح.

أسئلة للتفكير:

– كيف تصف طبيعة الناس من حولك؟
– ماذا عمل المسيح لتحرير الناس من نتائج الخطايا والذنوب؟
– ماذا يعنى الصليب بالنسبة للمسيحيين؟ وماذا يعنى بالنسبة لك؟
– لماذا مات المسيح مصلوباً؟
– كيف يغفر الله الذنوب؟
– كيف تعرف بأن الله غفر ذنوبك؟
– ما المقصود بحمل الصليب في هذه الدراسة؟

والآن، ها هي فرصتك للحديث معنا عما تفكّر فيه
يا صديق، نحن نريد أن نساعدك في رحلة الإيمان. الخطوة التالية هي أن ترسل لنا برغبتك في المعرفة والإيمان لنتواصل معك، فنشجعك ونصلي من أجلك. نحن نتعامل بحرص وسرية مع كل رسائل الأصدقاء