الإيمان المسيحي يتلخّص في وصيتين: 1) تحب الرب إلهك من كل قلبك، وفكرك وقدرتك. 2) تحب قريبك كنفسك. فمحبة الله هي أمر شخصي يترعرع في قلب المؤمن وهو يتأمل في محبة الله الباذلة. فيقول الرسول يوحنا: نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلاً. (1يوحنا 4: 19). ولكن هذه المحبة ليست ساكنة، بل هي محبة عملية تظهر في الاهتمام بخليقة الله ورعايتها. وأعظم خلائق الله هي البشر، فتكون محبة الأخر ورعايته، هي الصورة العملية لمحبة الخالق وتكريمه. ومحبة الأخر تشمل طيفاً واسعاّ من التعبيرات العملية، من الأعمال اليومية الهادئة المليئة باللطف والرحمة إلى الإعلان الجريء ببشارة الإنجيل. وهذا الإعلان هو ما نسميه بالشهادة المسيحية. ستكشف لنا هذه الدراسة جوهر الشهادة المسيحية، وأساسها الكتابي، والطرق العملية التي يمكن للمؤمنين من خلالها إعلان إيمانهم المسيحي في عالم متسارع يفقد فيه الاهتمام بالتواصل مع خالق الحياة وبارئها، ويتجه نحو الدمار الشامل.
والواقع أن جوهر الشهادة المسيحية هو فعل إظهار وإعلان إيمان المرء بيسوع المسيح من خلال الكلمات والأفعال وأسلوب الحياة. إنها جانب لا يتجزأ من التدريب المسيحي، وتستند إلى التعاليم الكتابية التي تشع في حياة المؤمنين.
الأساس الكتابي للشهادة المسيحية
إن مفهوم الشهادة راسخ بعمق في كل من العهدين القديم والجديد للكتاب المقدس. ففي العهد القديم، دُعيت أمة إسرائيل لتكون شاهدة للأمم، لتُظهِر شخصية الله وعلاقة العهد مع شعبه. فيقول النبي موسى في كتاب التثنية: “فَاحْفَظُوا وَاعْمَلُوا. لأَنَّ ذلِكَ حِكْمَتُكُمْ وَفِطْنَتُكُمْ أَمَامَ أَعْيُنِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ كُلَّ هذِهِ الْفَرَائِضِ، فَيَقُولُونَ: هذَا الشَّعْبُ الْعَظِيمُ إِنَّمَا هُوَ شَعْبٌ حَكِيمٌ وَفَطِنٌ. لأَنَّهُ أَيُّ شَعْبٍ هُوَ عَظِيمٌ لَهُ آلِهَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْهُ كَالرَّبِّ إِلهِنَا فِي كُلِّ أَدْعِيَتِنَا إِلَيْهِ؟” (تثنية 4: 6-7)
وكذلك يقول إشعياء 43 :10 “أنتم شهودي، يقول الرب”. وفي العهد الجديد، تتكرر هذه الدعوة وتتوسع من خلال تعاليم ووصايا الرب يسوع المسيح. فبعد شفاء رجل مجنون به روح نجس، طلب الرجل من المسيح أن يذهب معه. ولكن يسوع أوصاه بعمل أخر فقال: «اذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ وَإِلَى أَهْلِكَ، وَأَخْبِرْهُمْ كَمْ صَنَعَ الرَّبُّ بِكَ وَرَحِمَكَ» (مرقس 5: 19). ثم تأتي الوصية العظمى التي قدمها يسوع لأتباعه في (متى 28: 19-20) والتي تشكّل هدف الرسالة المسيحية، فقال: «اذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ». بالإضافة إلى ذلك، يؤكد سفر أعمال الرسل 1: 8 على أن الروح القدس سيمد المؤمنين بالشجاعة والكفاءة والقوة ليكونوا شهوداً للمسيح “في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض”. وعلى هذا نجد أن الشهادة المسيحية تحتل مركزا كبيرا في حياة المؤمن المسيحي.
أهمية الشهادة المسيحية وصورها العملية
الشهادة المسيحية حيوية لعدة أسباب، نذكر منها
1- إعلان الإنجيل: الشهادة المسيحية هي مشاركة رسالة خلاص المؤمن من عقاب الخطايا والذنوب بسبب عمل يسوع المسيح الكفاري التام على الصليب. فيسوع مات حاملاً عقاب خطايانا وقام من الموت مؤكداً تبريرنا أمام العدالة الإلهية. وتؤكد رسالة رومية 10: 14، 17 على ضرورة الوعظ حتى يسمع الناس الإنجيل ويؤمنوا به. فيقول بولس: وَكَيْفَ يُؤْمِنُونَ بِمَنْ لَمْ يَسْمَعُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يَسْمَعُونَ بِلاَ كَارِزٍ؟…إِذًا الإِيمَانُ بِالْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ بِكَلِمَةِ اللهِ. إن هذا الإعلان هو كشف الحقيقة عما أختبره الشخص المؤمن بما حصل معه عند لقائه بيسوع.
2- تقديم محبة الله: الشهادة المسيحية ليست بالكلام فقط بل تظهر من خلال العيش وفقًا لتعاليم المسيح. فيعكس المسيحيون محبة الله وشخصيته للآخرين. علم يسوع في متى 5: 16، “فليضيء نوركم أمام الناس، لكي يروا أعمالكم الصالحة ويمجدوا أباكم الذي في السماوات”.
3- تقوية الإيمان: تعزز الشهادة إيمان المؤمن.فعندما يشارك المؤمن الآخرين بإيمانه، تحدث بركة مزدوجة، يتقوى المؤمن بتذكار ما عمل الله من أجله، ويتشجع الآخرون برؤية تحقيق بركات ووعود الله في حياة المؤمن مما يوفر للجميع فهمًا أعمق والتزاماً بالإيمان.
4- التأثير على العالم: الشهادة المسيحية مصحوبة بتأييد وقوة الروح القدس تحدث تحولاً في حياة الأفراد وطفرة كبيرة في المجتمعات. فعندما ندرس تاريخ الكنيسة وكيف انتشر الإيمان المسيحي في كل الأرض، نجد أن أعمال الخدمة والرحمة والعدالة تقدم وسيلة طبيعية للحديث عن الإيمان مع الشهادة. فإعلان الحق من ناحية والمحبة المضحية من ناحية أخرى تحت سيادة الروح القدس، يؤدي ذلك إلى نمو الكنيسة وزيادة عدد المؤمنين.
5- الثبات في وقت الاضطهاد: إن الإخلاص للرب يسوع المسيح أثناء التجارب والاضطهاد هو شهادة على قوة وصدق إيمان المؤمن. لقد أكد يسوع لأتباعه أنهم سيواجهون المعارضة والاضطهاد لكنه أيضا شجعهم على الفرح، لأن أجرهم عظيم في السماء (متى 5: 11-12).
الخلاصة:
الشهادة المسيحية هي أمر طبيعي حيوي في حياة المؤمنين بالمسيح، فما من أحد يختبر أمرا صالحاً جميلاً، إلا وتكون عنده الرغبة الشديدة في مشاركته مع أهله وأصدقائه ليشتركوا معه في الاستمتاع والاستفادة بما اختبره هو. وهل هناك أجمل وأفضل من أن يعرف الشخص بأن هناك وسيلة للحصول على غفران الله للذنوب، والعيش في سلام داخلي وخارجي مع الآخرين بالإضافة إلى ضمان الحياة الأبدية في نعيم الله. دعونا إذن أن نطلب من الله أن يفتح لنا الطريق لنشهد عن محبته، رحمته وغفرانه.