منذ فجر التاريخ وبعد عملية الخلق، نظر الله إلى الإنسان الأول “أدم” الذي كان وحيدا في جنسه وقال: «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ» (التكوين 2: 18). تقف الشركة المسيحية كعمود أساسي في صلب الهوية المسيحية، وتجسد جوهر المجتمع والدعم المتبادل والنمو الروحي. في مشهد الحياة الحديثة الصاخب، حيث غالبًا ما تسود النزعة الفردية. لا يمكن المبالغة في وصف أهمية الشركة المسيحية. في هذه الدراسة، سنتعمق في الأهمية الحيوية للشركة المسيحية وتأثيرها العميق على حياة المؤمنين.
1. الشركة – الأساس الكتابي:
تجد الشركة المسيحية جذورها في حياة وتعاليم يسوع والمجتمع المسيحي المبكر كما هو موصوف في العهد الجديد. لم يحيا ويعمل السيد المسيح منفرداً، بل اختار أن يكون برفقة تلاميذه يعلمهم ويتشارك معهم (مرقس 3: 13-14). وفي نشأة الكنيسة الأولى كما يقدمها لنا كتاب أعمال الرسل، نرى طريقة حياة المؤمنين الأوائل فيقول: “وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ، وَالشَّرِكَةِ، وَكَسْرِ الْخُبْزِ، وَالصَّلَوَاتِ”. ليس ذلك فحسب بل نجد وصفاً حياً لتفاني المؤمنين الأوائل مع المؤمنين الأخرين حيث كرسوا أنفسهم لخدمة الأخرين ومشاركتهم في المصادر الروحية والمادية (الأعمال 2: 42 -47). لقد فهم المسيحيون الأوائل أهمية الاجتماع معًا ومشاركة حياتهم ودعم بعضهم البعض في رحلة الإيمان. كذلك الرسول بولس شبه الكنيسة بجسد الإنسان، فيه أعضاء كثيرة ولكنها تشكل جسداً واحداً.
2. الشركة – جذور ومصدر النمو الروحي:
إن إحدى الفوائد الأساسية للشركة المسيحية هي التأصل في الإيمان وذلك بتقديم الغذاء الروحي. فيوفر الاجتماع مع المؤمنين فرصة لعبادة الله في صورة جماعية، ودراسة الكلمة المقدسة، والتشارك في محادثات هادفة حول الإيمان والحياة. ومن خلال الشركة، يشجع المؤمنون ويبنون بعضهم البعض، فيقول كاتب رسالة العبرانيين: “غَيْرَ تَارِكِينَ اجْتِمَاعَنَا كَمَا لِقَوْمٍ عَادَةٌ، بَلْ وَاعِظِينَ بَعْضُنَا بَعْضًا، وَبِالأَكْثَرِ عَلَى قَدْرِ مَا تَرَوْنَ الْيَوْمَ يَقْرُبُ”. ويسعى المسيحيون نحو المحبة والأعمال الصالحة (عبرانيين 24:10-25). فتصبح الشركة المسيحية بمثابة مصدر للانتعاش الروحي والتجديد، مما يزود المؤمنين بالعزيمة لمواجهة تحديات الحياة بإيمان ومرونة.
3. الشركة – نور في الطريق للمساءلة والرعاية:
تقدم الشركة المسيحية إطاراً للمسئولية المتبادلة بين الأفراد بهدف النمو الصحيح في الحياة المسيحية. يحاسب المؤمنون بعضهم البعض في المحبة، ويشجعون بعضهم بعضًا للعيش وفقًا لكلمة الله والسعي إلى القداسة والبر. يذكرنا الملك الحكيم سليمان بهذا المثل من كتاب الأمثال 27: 17 فيقول: “الْحَدِيدُ بِالْحَدِيدِ يُحَدَّدُ، وَالإِنْسَانُ يُحَدِّدُ وَجْهَ صَاحِبِهِ “. ومن خلال العلاقات الصادقة والشفافة داخل المجتمع المسيحي، يتم إلهام المؤمنين على التطور في الإيمان والنضج والإثمار الروحي.
4. الشركة – واحة للراحة والدعم المتبادل:
في وسط تجارب الحياة ومحنها، توفر الشركة المسيحية ملجأ للحب والدعم والتشجيع. يجتمع المؤمنون معًا كعائلة روحية، ويحملون أعباء بعضهم البعض، ويصلون من أجل بعضهم البعض، ويقدمون المساعدة العملية في أوقات الحاجة. فتحث رسالة غلاطية المؤمنين أن “لاَ نَفْشَلْ فِي عَمَلِ الْخَيْرِ لأَنَّنَا سَنَحْصُدُ فِي وَقْتِهِ إِنْ كُنَّا لاَ نَكِلُّ. فَإِذًا حَسْبَمَا لَنَا فُرْصَةٌ فَلْنَعْمَلِ الْخَيْرَ لِلْجَمِيعِ”. (غلاطية 6: 9- 10) تتبنى الشركة المسيحية خدمة الرعاية والرحمة، حيث لا يُترك أحد لمواجهة تحديات الحياة بمفرده. فيذكر الرسول بولس بأن الكنيسة الأولى في فيلبي قد أظهرت اهتمامها واعتنائها به في دعمه سواء كان بالعطايا أو الأفراد مما أنعش الرسول في عمل الكرازة والخدمة، فصلى الرسول من أجل الكنيسة ليسدد الله جميع احتياجاتها. (فيلبي 4: 10، 16)
5. الشركة – باقة من الوحدة والتنوع:
تتخطى الشركة المسيحية حواجز العرق والإثنية والجنس والوضع الاجتماعي، وتوحّد المؤمنين من خلفيات متنوعة في رباط مشترك من المحبة للمسيح. يصف لوقا الطبيب مشهد الكنيسة الأولي بكونها كنيسة عالمية ضمت فئات متعددة، علت فوق الجنس والجنسية، اللغة والتعليم، الحالة الاجتماعية والمادية (كتاب الأعمال 2: 5- 41). فتحتفل الشركة المسيحية بالتنوع الغني داخل جسد المسيح وتعزز روح الوحدة والوئام بين المؤمنين. كانت هذه طلبة الرب يسوع من أجل أتباعه، بإن تكون المحبة والوحدة هي ما يميزهم عن باقي المجموعات، وقد تحققت هذه الطلبة في حياة شركة المحبة المسيحية بين المؤمنين والتي طالما أثرت في المحيطين بهم وأثارت شهيتهم للمعرفة والرغبة في الانضمام.
6. الشركة – ممكنة حتى في ضآلتها
رائعة هذه الشركة المسيحية بين المؤمنين فهي ليست فكرة نظرية بل عملية. ولكن قد يعترض قائل بأنه لا توجد كنيسة أو مجموعة من المؤمنين من حوله، فهو وحيد في إيمانه بين أسرته ومجتمعه. فكيف تصير هذه الشركة المسيحية ممكنة في حالته؟ وبالطبع هذا تحدي كبير! الكتاب المقدس يقدم مثالاً لهذه الحالة، ففي رسالته الثانية لتيموثاوس، يذكر الرسول بولس حالته فيقول:”الْجَمِيعُ تَرَكُونِي. لاَ يُحْسَبْ عَلَيْهِمْ. وَلكِنَّ الرَّبَّ وَقَفَ مَعِي وَقَوَّانِي”. (2 تيموثاوس 4: 16- 17) الرب يسوع الذي دعانا لنتبعه، وعد بأن يتواجد معنا بروحه، وقد رتب لنا الوسائل التي بها نقدر أن ننمو ونتشجع. أهم هذه الوسائل هي كلمة الله في الكتاب المقدس. الله يشجعنا ويعلمنا في طريق الحياة. يقول النبي إرميا: “وُجِدَ كَلاَمُكَ فَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ كَلاَمُكَ لِي لِلْفَرَحِ وَلِبَهْجَةِ قَلْبِي”. فلا تهمل قراءة الكلمة المقدسة، ثم يأتي دور الصلاة وطلب معونة الروح القدس هذا الروح المعزى الذي وعد به السيد المسيح للمؤمنين به. اطلب إرشاد وقيادة روح الله لحياتك وتصرفاتك فسيعينك ويذكرك بوعوده الثمينة. هناك أيضا الكثير من المصادر الروحية الموجودة على الانترنت، فيمكن الاستماع إلى عظات تفسيرية وموضوعية ودراسات كتابية وترانيم، وكذلك الاشتراك في المواقع المسيحية. فيمكن التواصل مع القائمين عليها وتكوين علاقات قوية فيها الشفافية والإخلاص والمحبة. لا تنس ان الإيمان المسيحي هو إيمان عملي يظهر في طريقة الحياة، اطلب من السيد المسيح أن يعطيك فرصة للحديث عن إيمانك مع أصدقائك في الوقت المناسب، فلعلك تكون أنت الحل في تكوين مجموعة مسيحية في مجتمعك. وأخيرا تذكّر، بان الله الذي دعانا هو أمين، فهو الذي قال: “ليس جيدا أن تكون وحدك”. هو يرى ويدبر.
في الختام، دعونا، كمؤمنين، نعتز بعطية الشركة المسيحية فلا نهملها، ونشارك بنشاط في حياة الكنيسة، وننمي العلاقات التي تكرم الله وبنيان بعضنا البعض. ومن خلال القيام بذلك، فإننا نجسد جوهر المحبة المسيحية ونشهد لقوة المسيح المغيّرة في حياتنا وفي العالم.
أسئلة للتفكير
– ما هي أساسات الشركة المسيحية؟
– كيف تساعد الشركة المسيحية في المعرفة والإيمان؟
– هل لديك مجموعة روحية تتشارك معها؟
– هل أنت عضو فعال في كنيسة محلية؟
– ماذا ستفعل إن وجدت نفسك وحيدا بدون شراكة روحية؟