السلام! كلمة السلام ومشتقاتها من الطمأنينة، الأمان والراحة تبدو بعيدة الآمال في ظل الظروف الراهنة في المنطقة العربية. الحرب الطاحنة في الشرق الأوسط، الانشقاقات والنزاعات العرقية والطائفية، الكوارث الطبيعية التي صدمت بلداننا العربية، بالإضافة للأزمات الشخصية في العمل والعلاقات الأسرية والصحة. كل هذه تجعل من موضوع السلام موضوعا هاما ورئيسيا. ولكن وبالرغم من قتامة المواقف، يظهر الاحتياج للسلام قوياً، لربما أكثر من أي وقت مضى. هذا الأسبوع ونحن ننتظر الاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح رئيس السلام، سنتناول بالبحث في السلام المسيحي.

تعريف ومعنى السلام

بحسب القاموس اللغوي، يمكن تعريف السلام على أنه حالة من الانسجام، سواء داخل النفس أو بين الناس، والأمم والعالم الطبيعي. إنه ينطوي على غياب الصراع والعنف والقمع، فضلا عن وجود العدالة والمساواة والاحترام. ولعلك تتساءل يا صديق، عما إذا كان من الممكن أن نجد هذا السلام ونعيشه، والواقع كان هذا التعريف ينطبق على الحالة التي خلق الله فيها أبوينا الأوائل أدم وحواء، وكانت هذه طبيعة الجنة التي فسدت بعد أن اختار أدم وحواء عصيان الله. فصار لديهما الخوف بسبب كسر الوصية، والشعور بالعار بسبب عريهما. اختفى السلام وحل محله القلق، الخوف، الكراهية. تلاشى السلام الحقيقي من العالم إذ كثرت المفاسد.

الوعد بالسلام

ظهر الوعد بالسلام في الكتاب المقدس في وقت عصيب عاشته الأمة اليهودية. كانت الظروف صعبة للغاية. فقد انفصلت المملكة الشمالية عن قرينتها الجنوبية. تحالفت المملكة الشمالية مع جيوش معادية في الشمال، وطلبوا تدمير مملكة الجنوب – يهوذا. كانت الناس مرتاعة من الخوف بسبب أخبار الجيوش الزاحفة. لم يكن الخوف فقط من هجوم الأعداء، ولكن كانت هناك فجوة في القيادة الشعبية، وفساد شمل كل فئات المجتمع فانعدمت العدالة الاجتماعية وانتشر الظلم والفجور. ولكن في وسط هذه الظلمة الأخلاقية والدينية والسياسية، ظهر وعد الله بالسلام مثل ضوء شمعة، يبدد ظلام اليأس ويقدم نور الأمل بالسلام. جاء النبي إشعياء بنبوة من الله ذاته ليشجع الشعب اليائس فقال: “6لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ. 7لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ، مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ. غَيْرَةُ رَبِّ الْجُنُودِ تَصْنَعُ هذَا“. وقد تحققت هذه النبوة بعد 700 عام من الانتظار عندما جاء السيد المسيح إلى الأرض بالتجسد أي اتخاذ الجسد البشري ليعيش بيننا.

كيف نحصل على السلام؟

نشعر أحيانا بالسلام عند زيارة حديقة جميلة مرصعة بالزهور المتعددة الألوان، أو عند مشاهدة منظر لغروب الشمس، وانعكاس أضوائها على سطح مياه البحر. أو حتى عند وصول طفل جديد في العائلة أو سماع أخبار طيبة ننتظرها. كل هذه جيدة ولكن الملاحظ دائما أن هذه الأحاسيس هي وقتية، وغير دائمة، لأنها مؤثرات خارجية. أما السلام الحقيقي فينبع من داخل الإنسان بغض النظر عن الظروف المختلفة من حوله. فمن المستحيل أن يحصل الإنسان على السلام الحقيقي ما لم يتدخل الله الذي هو مصدر السلام وصانعه ليمن به على الإنسان الباحث والحائر. هذا كان لب نبوة النبي إشعياء وموضوعها. وان السلام سوف يتحقق بواسطة ميلاد طفل، ولكنه طفل فريد، لم يأت مثله من قبل أو بعد خلال التاريخ البشري. يقدم إشعياء بعض من أسماء هذا الكائن الفريد مما يكشف عن هويته. فيقول:

اسمه عجيب، وهذا الاسم هو بالحقيقة وصف لما سيعمل. ان اسمه يسوع أي المخلص لأنه كما أعلن الملاك قبل ميلاده سوف يخلص شعبه من ذنوبهم. فإن كنت تعاني من مشاكل الإدمان، تأنيب الضمير بسبب أعمال بشعة تعملها، هو قادر على تحريرك وتقديم الغفران لك كما عمل مع الأخرين أيضاً.

وهو أيضاً المشير، أي الحكيم الذي يقدم المشورة الصحيحة، فإن كنت متعباً من التفكير، وتحتاج نصيحة، أو كنت حائراً في اختيار الطريق ولا تعرف إلى أي ناحية تتجه، فاذهب إليه فوعده يعطي الراحة لكل متعب ولن يرد أحداً خائباً جاء إليه، وكل من تقابل معه، وجد السلام.

والسبب في أنه قادر أن يقدم المشورة والنصيحة الحكيمة لأنه إلهاً قديراً. لا تستغرب يا صديق، فهذا ما يميّز يسوع المسيح عن باقي البشر. فهو الإله المتجسد الذي صار إنسانا لكي يغيّر بني البشر الخطاة ويجعل منهم أبناءً لله. هو قادر على عمل المستحيلات، فهو الذي خلق الكون بكلمة. نحن لا نستطيع أن نفهم او نستوعب حكمة القدير، ولكن نقدر بكل سهولة أن نرى تأثير أفعاله.

ولأنه الإله القدير فينتج عن ذلك، بأنه أبا أبدياً، أو أبو الأبدية. فليس له بداية أو نهاية، ميلاده فقط حدد تاريخ دخوله للأرض ولكنه الكائن منذ الأزل. وهو لا يتغيّر، فنقدر أن نثق في كل وعوده الطيبة من نحونا.

وأخيراً هو رئيس السلام. هو بارئ السلام وحافظه، وقد وعد به لكل من يؤمن. إن السيد المسيح يقدم السلام مع الله، وذلك بعد أن كفّر عن ذنوبنا وأخذ مكاننا ومات نيابة عنا، وبالإيمان بعمله الكفاري نحصل على الغفران وناتجه السلام مع الله. ليس ذلك فقط بل هو يقدم أيضاً سلام الله. هذا السلام القلبي الذي يختبره كل المؤمنين بالمسيح لأنهم يدركون بأنه يحفظهم في وقت الخطر، ويعمل لصالحهم لأن إرادته لشعبه هي البركة والسلام.

فهل حصلت يا صديق على السلام الحقيقي في القلب؟ هذا السلام الذي لا تقدر الظروف أو الحوادث أن تزعزعه! تقدر أن تحصل على هذا السلام إن آمنت بالمسيح، فهو يقدمه لك بالمجان إن أتيت له خاضعاً. والسلام لك.

والآن، ها هي فرصتك للحديث معنا عما تفكّر فيه
يا صديق، نحن نريد أن نساعدك في رحلة الإيمان. الخطوة التالية هي أن ترسل لنا برغبتك في المعرفة والإيمان لنتواصل معك، فنشجعك ونصلي من أجلك. نحن نتعامل بحرص وسرية مع كل رسائل الأصدقاء