أب وابن - علاقة في المعتاد تحمل الاحترام والمحبة، وكذلك الرعاية ونموذج في الحياة. ولكن ليست كل العلاقات لها الطابع المعتاد! اسمع هذه الشهادة وكيف تحرر الشاب الجزائري من الكراهية والمرارة إلى المحبة والمصالحة
ولدت في أسرة جزائرية متدينة. وعندما كان عمري ستة أشهر، تركت أمي البيت بسبب قساوة أبي وعنفه وذهبت لأهلها، فقامت شقيقتي الكبرى بالعناية بي. وهكذا بدأت طفولتي بدون حنان الأم بل بقساوة وعنف الأب الذي كنت أخشى رجوعه للمنزل في كل مساء. وبعد عامين، عادت أمي للبيت إلا أن الأمور لم تنصلح فكان أبي يضرب أمي وأخوتي أيضاً، ومرت الأعوام وكبرت لأرى أمي وهي تصلي وتدعو الله أن يغيّر طبع أبي ولكن بلا جدوى. إلى أن جاء اليوم التعيس وأنا في سن السادسة، قامت أختي الكبرى بالانتحار. فضّلت الموت على الحياة مع أبي. ..
ترك هذا الحادث الأليم بصمات كئيبة في نفسي، كما أدى إلى طلاق والديّ، فذهبت أنا واخوتي لنعيش مع أمي .
مرت السنون وكبرت، وكبر معي حقدي وكراهيتي لأبي. فقد كنت أعتبره سبب كل المصائب التي حلت علينا. أما أمي فكانت تحرضنا على الدراسة والاجتهاد والتقرّب لله. ولكن حياتي كانت مليئة بالحقد والحزن وعدم الآمان. كنت أؤمن بالله ولكن كان هناك سؤال يدور في ذهني، لماذا كان أبي رغم كل إيمانه وصلاته، قاسياً هكذا؟ ..أنا لا أريد أن أكون مثل أبي. كنت أخاف من تطبيق الدين كاملاً، لكي لا أصبح مثل أبي الذي أكرهه. استمرت أسئلتي بدون إجابة لعدة سنوات. وفي بداية التسعينات زاد العنف جداً بين المتطرفين والحكومة الجزائرية ومعه زادت الأسئلة : لماذا كل هذا العنف؟ أحقا الله يريد هذا؟ وهل الجهاد في سبيل الله يعني الإكراه والإرهاب؟ كنت مقتنعاً بوجود حياة أفضل، حياة بلا قسوة، حياة أساسها الحب والهناء.
وفي الجامعة انخرطت في حركات ثقافية وديموقراطية كثيرة، كان هدفي تغيير أسلوب الحياة في بلدنا. اشتركت في مسيرات حقوق الإنسان والمرأة والحياة الديموقراطية ولكن دائماً كان هناك الشعور بالغضب وعدم الغفران تجاه والدي. ويوماً تقابلت مع صديق لم أره منذ زمن بعيد، فذهبنا لمقهى معاً، وهناك أخبرني صديقي بأنه قد صار مسيحياً وكلمني عن المسيح وبشارة السلام في الإنجيل. وبعدها أعطاني فيلماً لحياة المسيح ومعه الإنجيل. بدأت أقرأ الكتاب المقدس وأجري المقارنة مع ديانتي، وكان صديقي يقوم بالإجابة على أسئلتي بل ودعاني للذهاب معه للكنيسة. وجدت شيئاً عجيباً لفت نظري في مجموعة المسيحيين، كانت تجمعهم محبة حقيقية بل أنهم كانوا يصلون من أجل المتطرفين، من أجل السلام وتوقف الحرب، وكانوا يطلبون من الله أن يعطيهم القدرة على محبة أعدائهم، وكان ذلك شيئاً غريباً جداً عليّ.
الأمر الثاني الذي لمس قلبي، كان عند قراءتي للكتاب المقدس، كنت أقرأ في الوصايا العشر وجئت إلى المقطع الذي يقول ” أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَيْ يَطُولَ عُمْرُكَ فِي الأَرْضِ الَّتِي يَهَبُكَ إِيَّاهَا الرَّبُّ إِلَهُكَ.” أثّرت فيّ هذه الكلمات وأذابت قلبي، فبكيت كثيراً. ليس سهلاً عليّ أن أغفر لأبي، لكن الله ساعدني وأعطاني القوة لذلك فالمسيح هو الذي أحبني أولاً. فملأني الله بالحب والروح القدس وعلمني كيف أحب أبي. وأعطاني حب الأب الذي لم أكن أعرفه، فقررت أن أتبع يسوع المسيح، وانفصلت عن السياسة لأن الرب يسوع هو الذي يغير الأمم وليست السياسة، هو الذي يغير القلوب ويحول الكراهية إلى محبة. أخبرت عائلتي بما جرى لي، وهم أيضاً لاحظوا محبة الله في قلبي، بل وذاقوا محبة ربي. وبعد أن عرفوا الحقيقة، قرر معظم أفراد العائلة أن يتبعوا الرب يسوع المسيح…. مع المسيح تغيرت حياتي بالكامل، درست العقيدة المسيحية في الجامعة، والآن أخدم الرب يسوع وسط أبناء شعبي.