تونس الخضراء كانت مكان ميلادي، وعندما كان عمري ثلاثة أشهر، رحلت أسرتي وجاءت إلى فرنساً سعياً وراء الرزق. كبرت أنا وأخوتي في شقة صغيرة بحي الإسكان الشعبي. ولم تكن طفولتي سعيدة هناك، حيث كان أبي وأمي يتعاركان كثيراً بسبب عنفه معنا، فكنت أهرب من المنزل لألعب مع أولاد الجيران في الحي.
ثم مات أخي الأصغر في حادثة أليمة سببت لي صدمة نفسية رهيبة، أدّت إلى إصابتي بالاكتئاب الشديد. ولما لم تتحسن حالتي، وضعوني في مؤسسة إصلاحية للأحداث. وفي سن السادسة عشر بدأت في التدخين ثم عرفت الطريق إلى شرب الخمور، وتعرفت على بعض الشباب الذين شجعوني على تعاطي الحشيش والمخدرات. لم يمر الوقت حتى أصبح التدخين والمخدرات عنصراً هاماً
في حياتي اليومية. وبطبيعة الحال كانت هذه العناصر مكلّفة للغاية فصار الاحتياج للمال أمراً أساسياً للصرف على هواياتي. كانت الوسيلة السريعة للحصول على المال هي السرقة والاحتيال وفي بعض الأحوال النهب مع استخدام العنف. تم القبض عليّ مرات كثيرة حتى صرت زبوناً مستديماً في أقسام الشرطة، وذهبت للسجن مرات كثيرة في مدد مختلفة الطول تتناسب مع الجرائم التي ارتكبتها. كنت أعرف في قرارة نفسي أني خاطئ مجرم وأن يوماً ما سأقف أمام الله لأعطي حساباً كاملاً عن حياتي وكانت هذه الفكرة ترعبني. لم أعرف كيف أتواصل مع الله فبدأت أدعو الله وأطلب الغفران عن المعاصي التي ارتكبتها، ولكن كان في داخلي شك كبير على إمكانية ذلك. هل يمكن أن يغفر الله لعاصي مثلي؟ ولكن بلا فائدة، فكنت أشعر بأني كلما صليت كلما زادت ذنوبي. صرت تعيساً جداً فأغرقت نفسي أكثر في الشرب والمخدرات وهكذا كنت أدور في دوائر مفرّغة وكأني أسقط في دوامة تجذبني إلى الحضيض الأسفل. وحدث وأنا في السجن أن جاءني خبر وفاة أبي فأظلمت الدنيا في وجهي وقررت الانتحار. شعرت إدارة السجن بما أنوي فعله فنقلوني إلى سجن جديد، ووضعوني في زنزانة مع نزيل أخر. وضعت سجادة الصلاة أمامي وكنت أدعو الله يومياً أن يرحمني ويزيل اكتئابي. وفي يوم، وجدت مع زميلي كتاباً ومجموعة من شرائط الكاسيت، ولما سألته عنها أجاب إنه الإنجيل وهذه موسيقى تواشيح وترانيم. طلبت من زميلي فأعطاني الإنجيل الذي كنت قد سمعت عنه وعن المسيح، سيدنا “عيسى”، من قبل. بدأت أقرا سيرة المسيح فزاد فضولي كي أعرف أكثر إلى أن توقفت عند آية أثّرت فيّ، كانت تقول “«مِثْلَ شَاةٍ سِيقَ إِلَى الذَّبْحِ، وَمِثْلَ الْحَمَلِ الصَّامِتِ بَيْنَ يَدَيْ مَنْ يَجُزُّهُ، هَكَذَا لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ! » وبعدها عرفت أن المسيح تألم ومات بسبب خطيتي أنا، قلت في نفسي عجيبة محبة المسيح هذه!. أخذت أقرأ بشغف في الإنجيل إلى وصلت إلى المقطع الذي يقول ” أَنَّ الْجَمِيعَ قَدْ أَخْطَأُوا وَهُمْ عَاجِزُونَ عَنْ بُلُوغِ مَا يُمَجِّدُ اللهَ. فَهُمْ يُبَرَّرُونَ مَجَّاناً، بِنِعْمَتِهِ، بِالْفِدَاءِ بِالْمَسِيحِ يَسُوع” َ. لم يكن صعباً عليً أن أفهم ذلك فأنا أعرف أني خاطئ، ولكن أن أعرف أن هناك خلاص مجاني من الذنوب!!، كان ذلك شيئاً جديداً بالنسبة لي. كانت كلمة “النعمة” هي مفتاح السر لفهم هذه الآية الكريمة. لا يمكن أن نحصل على غفران الله بعمل أي شيء، فكل أعمالنا، حتى الجيد منها، ملوثة بخطايانا وذنوبنا ولكني فهمت المعنى الكامل للنعمة المجانية عندما استلمت العفو الجمهوري في احتفال عيد فرنسا القومي. فقد قام الرئيس “جاك شيراك” بالعفو الشامل عن بعض المساجين وكنت واحداً منهم. عندها أدركت معنى نعمة الله الغنية لشخص لا يستحقها مثلي. آمنت بالمسيح ربي وسألته أن يغيّرني من سارق مجرم إلى ابن مؤمن. وبقوة روحه صرت شخصاً جديداً.