دخل الخوف إلى طبيعة الإنسان للمرة الأولى حينما أخطأ أبوانا أدم وحواء بعصيان أمر الله. فيقول كتاب التكوين 3: 10 أن الله سأل أدم: أين أنت؟ فرد وقَالَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْت». فقد الإنسان الأول سلامه الداخلي، واعتراه قلق وشعور بالضياع. وظل الإنسان هائما على وجهه، حتى جاء الرب يسوع صانعا الفداء العظيم ومنقذاً الإنسان الذي أحبه من قبضة الموت وفتح له الطريق ليحيا أبديا.
قوة جبارة
إن من يؤمن بالمسيح من كل قلبه، يأخذ منه قوة جبارة يتغلب بها على كل ضعف، وكل خوف. ومن ثم، يقدر الإنسان المؤمن أن يقدم حياته للمسيح، ولو تطلّب الأمر منه أن يموت من أجله. واجه المؤمنون بالمسيح في القرون الأولي العديد من الأزمات. كان واحد منهم اسمه بوليكارب قد واجه القائد الروماني الذي أرسله قيصر روما ليقبض عليه. قدم القائد الروماني لبوليكارب أحد اختيارين، أن ينكر المسيح ويعيش، أو يتمسك بالإيمان فيواجه الحرق! رد بوليكارب قائلا: “لقد خدمت المسيح وستة وثمانين عامًا، ولم يضرني أبدًا. كيف يمكنني إذن أن أجدف على ملكي الذي خلصني وانكره؟” إن المؤمن لا يخاف من الذين يقتلون الجسد، بل يخشى فقط ممن له سلطان أن يعاقب النفس. فالموت الجسدي هو نهاية طبيعية في هذه الحياة، أما عذاب النفس فهو أبدي. لذلك يبذل المؤمن حياته رخيصة لأجل المسيح لأنه يتطلع إلى حياة أبدية أفضل بكثير مما على الأرض.
لماذا الخوف؟
لكن، لماذا إذن نخاف ونحن محفوظون في يد الله القدير؟ يقول السيد المسيح في الإنجيل بحسب لوقا12: 7 “أن شعور رؤوسنا جميعها محصاة” لأن الله يعرفها بعددها، وإن كان الله يعتني بالعصافير التي لها قيمة قليلة، فكيف يهمل الإنسان الذي خلقه على شبه صورته! إن قيمتنا الحقيقية تكمن في تقدير الله لنا، وليس في تقدير الناس الذين يقيموننا بحسب مظهرنا، أو انجازاتنا، أو حتى تراثنا. أما محبة الله فتكشف قيمتنا الحقيقية. يقول الرسول بولس في رسالته لروما ” وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا.” وباعتبارنا أولاد له فقد فدانا بدمه.
ولماذا نخاف إن كان الله قد سر بأن يعطينا الملكوت السماوي كما أعلنه لنا السيد المسيح في الإنجيل، وكرر الرسول بطرس على أسماعنا هذا المبدأ في رسالته الأولى 1: 18 “فقد افتدينا لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب، بل بدم كريم، دم المسيح.”
ليتنا لا نشك في أن يده القوية تهب النعمة للذين يحبونه. وهو إن كان يسمح في حكمته بأن نجوز في التجارب الصعبة، إنما يفعل ذلك ليتمجد خلال الألم فنراه قويا معنا، واهبنا إيانا قوة للاحتمال. ولنا هذا الوعد الصادق الذي يقول ” وَلكِنَّ اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا.”
أخي، أختي لا تدع الخوف يسيطر عليك، بل ثق في أن الله الذي دعاك وخلصك من ذنوبك وخطاياك لن يدعك تهلك بل قدم لك العديد في الوعود الصالحة والأمينة التي إن تمسّكت بها لن يخيفك التهديد ولن تتزعزع في وسط المشاكل والألم، لأن الله بذاته معك يهمس في أذنك قائلاً: “فَإِنَّ الْجِبَالَ تَزُولُ، وَالآكَامَ تَتَزَعْزَعُ، أَمَّا إِحْسَانِي فَلاَ يَزُولُ عَنْكِ، وَعَهْدُ سَلاَمِي لاَ يَتَزَعْزَعُ.”