ولدت في بيت ألماني. والدي هانز لوثر، كان يعمل في المناجم. وكان دخل والدي البسيط يذوب بسرعة في تسديد احتياجات العائلة الأولية. فكنت أساهم في نفقات دراستي بإلقاء الأناشيد والتواشيح الدينية في الطرقات. وكان والدي ينتظر أن أتمم دراستي الجامعية وأتخصص في القانون لكي أحمل عنه عبء العائلة عندما تتقدم به الأيام.
أما عن حالتنا الدينية، كنت أعيش في جيل متدين. ولكن لم يكن تديناً حقيقياً، فكان الله إلهاً مخيفاً مرهباً. كان محاط بالغموض، ولم يكن أحد يجرؤ أن يسأل أو يستفهم عن العلاقة بالله. فالله يقيم في السماء في قداسة لا يمكن أن يدرك، وعلى الأرض كان هناك الشيطان وجنوده يحاولون أن يوقعوا بالناس في الخطية فيحل عليهم غضب الله.
وبعد أن انتهيت من دراستي، وعلى خلاف توقعات الجميع وبالأخص أبي، قررت الدخول في سلك الرهبنة. فقد كنت جاداً في البحث عن ضمان حقيقي لخلاصي وحصولي على غفران ورضى الله، واعتقدت أن هذا هو الطريق لذلك. التحقت بالدير راهباً، وكنت أتبع الأوامر والفروض بدقة شديدة: الصلاة في مواعيدها، الصوم أسبوعياً، الانضباط في الدراسات الدينية، وأيضا خدمة الآخرين. كان كل شيء يبدو على ما يرام إلا أني بدأت أشعر بالقلق الشديد كلما قرأت عن قداسة الله وطهارته. كيف وأنا الإنسان التراب والرماد، أقدر أن أخاطب الجلال الأعظم وأتكلم مع الإله الحي. كانت الشكوك تقتلني، إن الله كلّي القداسة فهل يكفيه ما أقوم به؟ وهل أعمالي تؤهلني للقداسة التي يطلبها؟ وكيف أتأكد من رضاه؟
ولكن شكراً لله ونعمته التي لم تتركني قلقاً، ففتح قلبي وعقلي لأفهم. كان ذلك خلال قراءتي للإنجيل ” أما البار فبالإيمان يحيا” فبدأت أفهم أن بر الله وغفرانه يُقَدم لنا بالإيمان. وليس علينا إلا أن نقبل عطيته المجانية فقد عمل الله كل شيء، أرسل ابنه ليحمل عقاب خطيانا ويموت على الصليب فيتبرر كل من يؤمن به. فأشرق نور الله على ذهني وفهمت حكمة الخلاص الإلهية. ما عدت أخاف شيئاً: لا جهنم ولا الشياطين ولا عذاب الذنوب، فقد جمع المسيح في صليبه بين غضب الله على الخطايا ورحمته للبشر، وطرد جحافل الشيطان. عندها فقط شعرت بالاطمئنان الكامل وهتف قلبي بتسبيحة حلوة لله مخلصي. وطلبت منه أن يوحد قلبي في محبته فلا يأخذ انتباهي أي شيء أخر في الحياة. وكرست حياتي لتوصيل نور الله للآخرين.