العالم من حولنا عطشان للحب. فمن الأغاني التي تحكي اشتياق المحب لمن يحبه قلبه، إلى الأفلام الكثيرة التي لها نهاية سعيدة بارتباط المحبين والعيش في هناء وسلام، هناك غريزة دفينة بداخل الإنسان: الرغبة الملحّة في أن يحب ويُحَب. ولأننا مخلوقات اجتماعية، نحن جميعاً نحتاج للشبع النفسي بالمحبة. وبالطبع في هذا العالم المضطرب بالأفكار المتناقضة عن كل شيء، وجب تعريف المحبة الحقيقية. يمكن أن نلاحظ بسهولة أنواع مختلفة لما يُطلق عليه حب ولكنه زائف. وهذه فقط بعض الأمثلة:
حب المشاعر
فهناك من يشعر بالحب تجاه شخص أخر، ولكن الحب يتبخر عندما تتبدل المشاعر. وكم من زيجات تحطمت بسبب المشاعر المتذبذبة؟ التوقعات بأن مشاعر الحب ستدوم ولكنها تتهشم في مواجهة تحديات العالم ومشاكله، فالمشاعر غير ثابتة تعلو وتهبط.
الحب الأناني
هو الذي يطلب أن يأخذ لكي يشبع رغبة داخله. مثل الشاب الذي يعلن محبته لفتاة جميلة لإشباع شهوته الجنسية، أو للافتخار بأنه يقدر ان يحصل على أي فتاة يريدها. أو الفتاة التي توجه محبتها ناحية شخص غني ليضمن لها حياة بلا نقص مادي. وهذا النوع من المحبة الأنانية له نتائج مؤسفة عندما يفقد الطرف الأخر عنصر الإشباع الذي كان يقدمه.
حب المصالح
وهذا النوع ينتشر كثيراً، ويلتبس على البعض تعريفه. فهو مبني على المصالح المشتركة. فيقول قائل: ما دمت تقدم لي ما أريده، وأنا أقدم لك ما تحتاجه، فنحن اذن في علاقة محبة. ولكن هذه أيضا حالة غير ثابتة. فبمجرد انتهاء المصالح، يذهب كل شخص لطريقه وخاصة في عالم تسوده المشغولية، وعدم توافر الوقت، فتبرد المحبة وتتلاشى.
حب الأمومة
لا أحد ينكر أن محبة الأم لأطفالها هي محبة عظيمة. فالأم تتحمل الكثير في سبيل عائلتها. فهي التي تستيقظ مبكرا لإعداد يومها وترتيب حياة الأسرة، وهي من تذهب للنوم متأخراً بعد الانتهاء من أعبائها المنزلية، وكثيرا ما لا تجد الوقت لنفسها أو لراحتها فلديها محبة كبيرة لكل فرد من أسرتها. ولكن حتى هذه المحبة لها أحيانا جوانب سيئة من السيطرة والضغط على الأبناء والتلاعب بمشاعرهم للسيادة عليهم.
كل الأمثلة السابقة هي صور مزيفة للحب، وحتى أفضلها له جوانب نقص خطيرة وجوانب سلبية عديدة. ولكن ليست الصورة قاتمة وكئيبة، فهناك المحبة الحقيقية التي نشتاق لها جميعا.
المحبة الباذلة
هذه المحبة لا تقوم على المشاعر أو الأنانية أو حتى المصالح المتبادلة. هي محبة تقدم وتضحي من أجل المحبوب. وأعظم صورة لهذه المحبة يذكرها لنا الكتاب المقدس عندما يقول: “لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ“. الإنجيل بحسب يوحنا 3: 16. لقد أحبنا الله الأب بسبب ارادته الطاهرة فقدم ابنه يسوع تضحية عنا. لقد أحبنا يسوع المسيح فصمم أن يذهب للصليب ليدفع عنا عقاب ذنوبنا. لقد أحبنا الروح القدس فاختار أن يسكن فينا ليعلمنا ويشجعنا ويقودنا للحياة الأبدية. المحبة الحقيقية لا تطلب ما لنفسها بل هي باذلة وفيها تصميم واختيار لخير وبركة المحبوب. لقد أحب المسيح الناس بالرغم من كونهم أبعد ما يكونون عن الكمال. فمنهم من كان صياد متهور أو متشائم متشكك، جابي ضرائب، أو متعصب سياسي، لص وخائن أو أخوة غاضبون أرادوا يومًا أن ينزلوا النار على قرية ليحرقوها. لقد أحب المسيح جميع الناس الخطاة ونحن ضمنهم. فبذل يسوع المسيح حياته ليُصبح كل إنسان صديقًا له، وليحصل الجميع على محبته. ولكي نعرف في أعماق قلوبنا أننا لسنا مرفوضين أو منسيين، بل معروفين ومُحتضنين. لذا، أدعوك يا صديق أن تأخذ لحظة اليوم واسترح في هذه الحقيقة: لا يوجد حب أعظم من محبة يسوع لك. لقد أثبتها على الصليب.
صلاة:
يا رب يسوع، ساعدني أن أعرف مقدار محبتك العظيمة لي بالرغم من شروري وذنوبي. علّمني كيف أكون لطيفًا وغير أناني. دربني على إظهار مدى حبي لك من خلال محبة الآخرين. انزع عني المرارة، والتفاهة، والأنانية. رسّخ حياتي في محبتك حتى تصبح أعمال المحبة فقط هي ثمرة حياتي. آمين.