يعتبر صلب يسوع المسيح الحدث المركزي في اللاهوت المسيحي، ويمثل ذروة خطة الله لفداء البشرية. وسط آلام الصليب ومعاناته، تكلم يسوع بسبع عبارات عميقة، تُعرف بالكلمات السبع الأخيرة، تحمل كل منها أهمية لاهوتية هادفة، وتقدم فهماً واسعاً حول طبيعة وهوية السيد المسيح، وعمل الخلاص الذي أنجزه. كان السيد المسيح على الصليب لمدة 6 ساعات من الساعة التاسعة صباحاً، أو الثالثة بحسب التوقيت اليهودي إلى الساعة الثالثة بعد الظهر أو التاسعة بحسب التوقيت ذاته. وفي منتصف النهار أي من الساعة السادسة غطت ظلمة كاملة كل الأرض لمدة ثلاث ساعات. (مرقس 15: 22- 39). تعال معي نستكشف أهمية كل كلمة من الكلمات السبع الأخيرة التي تكلّم بها السيد المسيح وأهميتها الدائمة بالنسبة للمؤمنين اليوم.

1.

«يَاأَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ». (لوقا 23 :34) في كلمته الأولى، أظهر يسوع المدى اللامحدود للرحمة والغفران. فعلى الرغم من القسوة والظلم الذي تحمله وهو البريء الذي لم يفعل أي ذنب، قدم يسوع الغفران لجلاديه، مجسدًا المحبة والشفقة غير الأنانية التي تميزت بها خدمته. يعكس هذا البيان مهمة يسوع لمصالحة البشرية المذنبة مع الله القدوس من خلال موته الكفاري، فلم يكن الصليب مفاجأة للمسيح فهو الذي قال عن مهمته: “أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ”. (متى 20: 28)

2.

«الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ». (لوقا 23 :43) وفي عبارته الثانية، قدم يسوع النعمة والخلاص إلى اللص التائب المصلوب معه. يؤكد هذا الإعلان على شمولية ملكوت الله وإمكانية الوصول إلى الخلاص لكل من يلجأ إلى الرب يسوع بالإيمان. هذه العبارة تجسد دور يسوع كمخلص ورب له السلطان أن يقدم الحياة الأبدية لأولئك الذين يثقون به، بغض النظر عن خطاياهم أو ظروفهم الماضية. فإن المسيح قد جاء لكي يطلب ويخلّص ما قد هلك. وهو مستعد حتى الآن أن يخلّص إلى التمام كل من يأتي إليه بالإيمان والتوبة.

3.

«يَا امْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ». ثُمَّ قَالَ لِلتِّلْمِيذِ: «هُوَذَا أُمُّكَ». (يوحنا 19: 26-27) في كلمته الثالثة، عهد يسوع برعاية أمه مريم إلى التلميذ الحبيب يوحنا، حتى في وسط الألم وعذاب الصلب، كان يسوع يفكّر في أحبائه. مما رسّخ الأساس على تكوين عائلة روحية جديدة. يسلط هذا الفعل الضوء على أهمية المجتمع والعلاقات داخل جسد المسيح ويؤكد أهمية رعاية بعضنا البعض بمحبة ومعونة كأعضاء في عائلة روحية رأسها الله. كان هذا الفكر أيضا هو أساس تعليم الرسل، فيقول الرسول بولس: “فَلْيُرْضِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا قَرِيبَهُ لِلْخَيْرِ، لأَجْلِ الْبُنْيَانِ. لأَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا لَمْ يُرْضِ نَفْسَهُ”. (رومية 15: 2- 3)

4.

«إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟». (متى 27 :46؛ مرقس 15 :34) إن كانت العبارات السابقة قد قيلت في ضوء النهار، فإن هذه العبارة جاءت بعد أن أظلمت الشمس في وقت الظهيرة. في عبارته الرابعة، عبّر يسوع عن عمق معاناته الإنسانية كبديل للبشرية في استلام عقابها، وآلام تحويل الآب وجهه عنه وهو يحمل ثقل خطيئة البشرية. تعكس صرخة التوجع هذه تماثل يسوع مع الألم والانكسار الذي تعانيه البشرية، فيشرح كاتب رسالة العبرانيين هذه الواقعة بقوله: “فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولئِكَ الَّذِينَ­ خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ­ كَانُوا جَمِيعًا كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ”. (عبرانيين 2: 14- 15) ويضمن بالتضحية النهائية التي قدمها نيابة عن البشرية الخاطئة، خلاصاً أبدياً بالإيمان.

5.

«أَنَا عَطْشَانُ». (يوحنا 19: 28) في عبارته الخامسة، يعترف يسوع بمعاناته الجسدية والخبرة البشرية المشتركة في العطش والحاجة الجسدية. يؤكد هذا البيان البسيط والمؤثر على إنسانية يسوع الكاملة ويعمل بمثابة التذكير بأنه قد دخل إلى أعماق المعاناة الإنسانية لجلب الفداء والشفاء للبشرية. ولكن وحتى في بشريته، لم يفقد طبيعته الربانية وسلطانه، فجاءت هذه العبارة كتتميم لنبوة الكتاب عنه. فيقول يوحنا الشاهد لحادثة الصلب بأن يسوع بعد أن رأى بأن كل شيء قد كمل، قال: “أنا عطشان”. وكان ذلك تتميما لمزمور 69: 21، فيقول: “وَفِي عَطَشِي يَسْقُونَنِي خَلاُ”. وهذا ما حدث فعلاً.

6.

«قَدْ أُكْمِلَ». (يوحنا 19 :30) في عبارته السادسة، أعلن يسوع إتمام مهمته لتحقيق الخلاص للبشرية من خلال موته الكفاري على الصليب. يشير هذا الإعلان المنتصر إلى إتمام خطة الله للفداء وهزيمة الخطية والموت وقوات الظلمة. فمن خلال عمله الكامل على الصليب، أخذت العدالة الإلهية مجراها، وضمن يسوع النصر الشامل وقدم هبة الحياة الأبدية لكل من يؤمن به. ففي صلاته للأب قبل أحداث الصلب قال يسوع: “الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ”. (يوحنا 17: 4)

7.

«يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي». (لوقا 23 :46) في بيانه الأخير، استودع يسوع نفسه بين يدي الآب، مظهرًا ثقته المطلقة وطاعته لمشيئة الأب السماوي. يردد هذا الإعلان كلمات المزمور 31: 5 ويدل على تأكيد يسوع الواثق بقيامته ومصيره الأبدي. فهو الذي كان قد أعلن قبلاً بسلطانه على نفسه وحياته عندما قال: “أَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لآخُذَهَا أَيْضًا. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا”. (يوحنا 10: 17- 18). وبالإضافة إلى ذلك، كان هذا الإعلان بمثابة نموذج للإيمان واستسلام المؤمنين لربهم، فيدعوهم المسيح إلى تبعية مثاله وتسليم حياتهم إلى رعاية الأب المحبة وامتلاك رجاء القيامة والحياة الأبدية.

الخلاصة:

الكلمات السبع الأخيرة ليسوع على الصليب تلخص جوهر مهمته في الفداء، وتقدم صور واضحة عن أعماق محبة الله ورحمته ونعمته. من خلال كلماته، كشف يسوع عن قوة الغفران الكامل، وإمكانية الحصول على الخلاص، وأهمية المجتمع، وعمق الألم الذي شارك به في خبرة الإنسانية المعذبة، واكتمال عمل الخلاص بالفداء، وضمان الحياة الأبدية. وعندما يتأمل المؤمنون في أهمية الكلمات السبع الأخيرة، فإنهم مدعوون لتسبيح الله على ملء تضحية المسيح والعيش في ضوء انتصاره على الخطيئة والموت. فالمسيح أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا.

إن أردت أن تعرف أكثر عن طريق الخلاص المسيحي، اضغط هنا

والآن، ها هي فرصتك للحديث معنا عما تفكّر فيه
يا صديق، نحن نريد أن نساعدك في رحلة الإيمان. الخطوة التالية هي أن ترسل لنا برغبتك في المعرفة والإيمان لنتواصل معك، فنشجعك ونصلي من أجلك. نحن نتعامل بحرص وسرية مع كل رسائل الأصدقاء