تعتبر النعمة موضوعا هاما وركنا أساسيا في الإيمان المسيحي. وعلى صفحات الكتاب المقدس نجد ان كلمة “النعمة” تتكرر باستمرار في شرح طبيعة العلاقة بين الله الكامل كلّي القداسة والإنسان الناقص، غير المعصوم من الخطأ. فبدون النعمة لا يوجد تواصل بين الله والناس بل انفصال تام وشامل.

 

تعريف النعمة

يمكن تعريف “النعمة” على انها هبة، عطية أو معروف يقدمه شخص أو هيئة عالية السلطة لشخص أقل درجة أو مرتبة لا يستحق هذا الإحسان. النعمة تعتمد على إرادة العاطي وقراره بالعطاء. وفي الإيمان المسيحي، نجد أن الله سبحانه هو مُقدم النعمة، ونحن البشر من نتسلمها منه. الله يقدم النعمة أو البركة بناء على إرادته الشخصية وليس بسبب استحقاقنا لها. فإن كنا نستحق المكافئة بسبب عمل أو شيء نقدمه، لا تصبح المكافئة نعمة بل صارت أجراً.
وبما أن الله هو المنعم والرحيم، فإن النعمة والرحمة من صفاته وإن كانا يختلفان في المعنى. فالنعمة هي استلام بركة لا نستحقها، والرحمة هي عدم نوال العقاب الذي نستأهله.

النعمة في الكتاب المقدس

ظهرت كلمة النعمة بصورة صريحة لأول مرة في كتاب التكوين والفصل السادس والآية الثامنة فيقول الكتاب: “وَأَمَّا نُوحٌ فَوَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ.” وبقراءة النص بتأني نجد كلمة “أمّا” في بداية الآية وهي أداة تفيد التفضيل أو المقارنة. المقارنة مع ما سبق وأعلنه الكتاب وتحديدا في الآية الخامسة فيقول: ” وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ.” ظهرت النعمة في وقت مظلم جدا من تاريخ البشرية. كان قضاء وحكم الله بأن الإنسان قد صار شريراً لدرجة أن كل أفكاره، وتصرفاته قد صارت شريرة ومستمرة كل يوم.

كيف صار شر الإنسان عظيما هكذا؟

يبدأ كتاب التكوين أو النشء بقصة الخليقة التي عملها الله. ففي نهاية كل يوم من الخلق نجد هذه العبارة: ” وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ.” تكررت هذه العبارة ست مرات في نهاية كل خليقة عملها الله، ولكن بعد خلق الإنسان نجد وصف الكتاب يقول: ” وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا.” كان العالم جميلاً فيه سلام وأمان وجمال. لم يكن هناك خوف أو عنف أو قسوة. تناغم كامل في الخليقة. كان هذا إلى أن جاء الشيطان ليزرع بذرة سيئة في ذهن الإنسان. كانت هذه هي بذرة “الشك”، هل حقاً قال الله؟ – كانت هذه الحيلة ناجحة فترعرعت بذرة عدم الثقة بسرعة، وسقط أبونا الأول أدم في حبالها. كانت النتيجة خوف، غيرة، حسد وقتل. جاء الكبرياء، وإلقاء اللوم على الأخرين، وصارت الأعذار والاتهامات. وفي غضون عدة فصول من الكتاب المقدس، نكتشف سقوط البشرية في وحل الذنوب والخطايا بصورة بشعة جداً.

ولكن، ماذا فعل نوح ليستحق نعمة الله؟

لا يوجد أي جواب في الكتاب المقدس عن أي أعمال عملها نوح ليستحق بها نعمة الله. فلا توجد طريقة أو وصفة لكسب رضا الله واستلام نعمته، فهي مجانية بالكامل. فيد الله الممدودة بالخير والبركة للإنسان ليست على أساس أو أي عمل نقوم به، أو حتى أقوال نقولها. استلم نوح نعمة الله لأن الله جاء لنوح لينعم عليه بالسلام والمحبة. فالنعمة لا تعتمد على ما نفعله بل ما يقدمه الله الصالح لنا. النعمة لا تُشترى! يأتي العهد الجديد ليشرح لنا أكثر عندما أعلن يوحنا كاتب الإنجيل في طالعة الإنجيل بقوله عن المسيح: “وَمِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ جَمِيعًا أَخَذْنَا، وَنِعْمَةً فَوْقَ نِعْمَةٍ. لأَنَّ النَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ، أَمَّا النِّعْمَةُ وَالْحَقُّ فَبِيَسُوعَ الْمَسِيحِ صَارَا.” وهذا ما أكده الرسول بولس في رسالته لكنيسة أفسس فقال: “لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ.” إن الله يمد يده المنعمة بالخلاص من الذنوب على أساس ما عمله السيد المسيح الذي دفع عنا عقاب خطايانا وفتح باب البركات الإلهية لتنسكب علينا. كل المطلوب منا هو أن نفتح أيدينا لنستلم عطاياه المجانية وذلك بالإيمان به، هذه النعمة تساعدنا أيضا على العيش بطهارة في الحياة لنعكس الامتنان لله والشكر له على عطاياه.
هل استلمت نعمة الله المجانية والغنية لك؟ إن الله يقدمها لك على أساس جوده الذي أعلنه لما جاء المسيح لأرضنا. فهل تقبل هذه النعمة؟ وتستلمها بالإيمان. إنها هبة الله لك.

ان أردت أن تعرف أكثر عن موضوع النعمة اضغط هنا

والآن، ها هي فرصتك للحديث معنا عما تفكّر فيه
يا صديق، نحن نريد أن نساعدك في رحلة الإيمان. الخطوة التالية هي أن ترسل لنا برغبتك في المعرفة والإيمان لنتواصل معك، فنشجعك ونصلي من أجلك. نحن نتعامل بحرص وسرية مع كل رسائل الأصدقاء