منذ عدة سنوات، التحقت بمدرسة تأهيل داخلية. وعندما وصلت لبوابة المدرسة، قابلني شخص بوجه مبتسم، سألني عما أريد فشرحت له بأني طالب جديد في المدرسة. رحب بي الشخص وعرض حمل حقيبتي إلى مكان اقامتي. فتركت له الحقيبة الثقيلة ليجرها ومشيت وراءه متوقعا بأنه بواب المدرسة. وفي المساء وعند اللقاء الأول لطلبة المدرسة مع المدربين والقادة، ذهلت عندما وقف الشخص الذي حسبته البواب ليقدم البرنامج الدراسي. لقد فهمت بعدها بانه هو مدير المدرسة شخصياً. شعرت بالخجل الشديد من نفسي والشعور بتأنيب الضمير – كيف سمحت لنفسي بأن أترك حقيبتي الثقيلة لشخص أكبر وأحكم مني ليحملها عني؟ هذا لا يحدث في ثقافتي وتقاليدي العربية! وبسبب خزيّ الشديد، كنت اتحاشى التواصل مع المدير. كنت فقط أراقبه من بعد بعيني لأرى ما يفعل وكيف يتواصل مع باقي الطلبة! وفي أحد الأيام وبينما كنت أجلس في الصالة بجوار ماكينة القهوة، دخل المدير وحياني، ثم سأل ان كنت أريد قهوة يحضرها لي، فقفزت من مقعدي وقلت بل أنا من سيأتي لك بالقهوة. فابتسم مديري وقال: لا بأس نحن نخدم بعضنا البعض، لأن سيدنا قد خدمنا أولاً.
تذكرت هذه الحادثة وأنا أقرأ كتابي المقدس اليوم من الإنجيل بحسب متى والفصل 20 عندما قال الرب يسوع المسيح:
«أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَالْعُظَمَاءَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. 26فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا، 27وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْدًا، 28كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ».
القيادة أسلوب الحياة!
يبدو تعليم السيد المسيح مختلفا تماما عما نراه على شاشات التليفزيون ومنصات التواصل الاجتماعي حيث يتباهى الناس بالقوة والمعرفة والمركز العالي. ولكن ليس هكذا مع الرب يسوع. فبالرغم من عظمته وجلاله فهو الله المتجسد خالق كل الأشياء، نجده يجلس مع الضعفاء والمهمشين، يشفي جراح المنكسري القلوب، يطعم الجوعى ويعطيهم رجاء. كان يغسل أرجل التلاميذ المتسخة، وبل وقدم حياته فدية، ودفع العقاب الذي نستحقه بسبب المعاصي والذنوب التي عملناها.
كيف تخدم الآخرين؟
بالرغم من أننا لا نقدر أن نكفّر عن ذنوب الآخرين كما فعل السيد المسيح، الا أننا نقدر أن نخدم حياة الناس من حولنا، قد تبدو هذه الخدمة مثل:
– تقديم المساعدة دون أن يُطلب منك ذلك.
– العمل على تشجيع شخص يشعر بأنه مهمل.
– القيام بأشياء صغيرة لا يلاحظها أحد ولكنها تتقدم بالحياة للأفضل، بدون الرغبة أو الاحتياج للشكر والثناء من الآخرين.
– اختيار اللطف عندما يكون بإمكانك إثبات أنك ”على حق“.
– تقديم شهادة عن محبة ولطف المسيح الذي خدم حياتنا وأغناها بالسلام والرجاء.
العظمة هي اختيار رفع الآخرين على حساب نفسك، وليس رفع نفسك على حساب الآخرين!
صلاة:
“يا رب يسوع، أشكرك لأنك وأنت الإله، فقد أتيت لتخدم وليس لتُخدَم. كان هذا حقك يا أيها الخالق العظيم، ولكن بسبب محبتك أتيت لتخدم حياتي وتخلصها من العذاب الحالي والأبدي. علمني يا رب كيف أعيش كمثالك. لأرى الناس كما تراهم أنت. ألهمني أن أخدم بمحبة، حتى عندما يكون ذلك صعبًا أو غير ملحوظ. اجعلني أشبهك أكثر في طريقة حياتي وتعاملاتي وعطائي. وافتح الطريق أمامي لأشهد عن جودك ومحبتك وخلاصك.”
آمين.