خلفية القصة:

لا يُعرف سوى القليل عن زوجة بيلاطس البنطي، الذي كان الحاكم الروماني لفلسطين في زمن حياة يسوع المسيح على الأرض. وكممثل للقوة الرومانية التي احتلت الأراضي اليهودية، كانت هناك توترات واضحة بين فصائل اليهود القومية وبيلاطس. أدت هذه، في إحدى المرات، إلى مذبحة عنيفة لمجموعة من الجليليين على يد بيلاطس، الذي خلط دمائهم بدماء الأضاحي التي قدموها كجزء من عبادتهم. وعلى الرغم من أن بيلاطس بذل قصارى جهده لينأى بنفسه عن قتل يسوع، إلا أنه تجاهل في النهاية توسلات زوجته وسلّم يسوع للصلب. كان له هذا الموقف المخزي المتمثل في تحديده من قبل المسيحيين الأوائل كمتآمر مشارك في موت المسيح. هذا وقد أكد قانون إيمان الرسل، وهو بيان الإيمان الذي صاغه أتباع يسوع المسيح في أواخر القرن الرابع، أن يسوع “تألم في عهد بيلاطس البنطي”. مثل هذا الإعلان المأثور، يجعل تحذير زوجة بيلاطس العاجل أكثر انقباضاً، واستحقاقاً للاهتمام.

أظلم يوم

“ما هو الحق؟” بهذا الرد المتشكك، سعى زوجي، بيلاطس البنطي، إلى رفض التحدي الذي وجهه إليه هذا الذي وقف أمامه ليعرف الحكم على حياته. “أَنْتَ تَقُولُ: إِنِّي مَلِكٌ. لِهذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ”. كان إعلان يسوع هذا، بثقة لا لبس فيها. ثم أضاف “كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتي”. ومع ذلك، فمن أول ضوء خافت في ذلك الصباح المروع، إلى الظلام الدامس الذي لا يمكن اختراقه والذي حلَّق فوقنا جميعاً لمدة ثلاث ساعات مروعة في ظهيرة ذلك اليوم بينما كان يسوع معلقًا على الصليب القاسي، بدا أنه لا شيء ولا أحد قادر على منع الأهوال التي كانت ستنكشف. في ذلك اليوم المصيري. لا يعني ذلك أنه كان هناك أي إثبات أو دليل مقنع لإدانة يسوع المسيح بالجرائم المزعومة والمنسوبة له. “إِنَّنَا وَجَدْنَا هذَا يُفْسِدُ الأُمَّةَ، وَيَمْنَعُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ، قَائِلاً: إِنَّهُ هُوَ مَسِيحٌ مَلِكٌ” كانت بعض ادعاءات قادة اليهود بشأنه. كان بيلاطس يعلم جيدًا، أن اليهود لم يقدموا شيئًا يستحق عقوبة الإعدام. لقد حاولوا إدانة المسيح بالتجديف، وفقًا لقوانينهم الدينية، لكن الشهادات التي ذكروها كانت متعارضة وغير متماسكة، وبدا أن السلطات اليهودية كانت منحازة بشدة.
كان بيلاطس مدفوعاً بالاستراتيجيات السياسية والحفاظ على وضعه الدقيق نسبياً كممثل غير يهودي في منطقة مضطربة من الإمبراطورية الرومانية. هل كان هذا سبب إرساله ليسوع إلى هيرودس، الحاكم الإقليمي اليهودي، لإبداء رأيه؟ بالتأكيد، فقد نشأت صداقة نتجت عن أحداث ذلك اليوم بين بيلاطس البنطي والملك هيرودس. كانوا في الماضي أعداء شرسين. لم يقدم هيرودس أي ملاحظات بنائه عن القضية، بل سخر من المسيح المدعى عليه، وأعاده مرتديًا رداء مزخرفًا، في عمل استهزائي عن الإعلان بأن يسوع هو نفسه قائد وملك. كم كنت أتمنى أن يستمع لي بيلاطس أو على الأقل ان يتبع ضميره! لقد عانيت حقًا في حلم عن يسوع في ذلك اليوم، والذي تأكد لي فيه من براءته الكاملة من أي جريمة. أرسلت رسالة عاجلة إلى زوجي، أرجوه بألا يكون له علاقة بهذا الرجل. ومع ذلك، كان رؤساء الكهنة وشيوخ اليهود يتآمرون لبعض الوقت لقتل يسوع، وعرفوا كيف يتلاعبون بجموع الناس. لم يدخل اليهود دار الولاية في أورشليم، حيث جلس بيلاطس البنطي للحكم. لقد اعتبروا المنطقة غير طاهرة حيث كانوا يستعدون لعيد خاص يسمى عيد الفصح لإحياء ذكرى خروج شعب إسرائيل من مصر. ولتلبية رغبات اليهود، ذهب بيلاطس إليهم وناشدهم بتقديم أدلة قاطعة لإثبات ادعائهم بأن يسوع يستحق الموت. ثم عرض عليهم بيلاطس خيارًا مخيفاً، وفقًا لعادات عيدهم – قبول إطلاق سراح يسوع المسيح، أو استلام مشاغب ومجرم معروف اسمه باراباس.
كانت الشمس تزحف للمغيب في ذلك اليوم وكان من الواضح أن الجموع صارت غاضبة للغاية. فقام بيلاطس بمحاولة غير مقنعة لتبرئة نفسه من تزّيف العدالة التي كانت تنكشف أمام بصره. فقام غسل يديه علانية من القضية وبالفعل سلّم يسوع لإرادة الغوغاء الحاسدة والمنتقمة.
مرت أحداث اليوم بشعور من الكآبة التي لا هوادة فيها. أأنت ملك اليهود؟ أرعد بيلاطس بشكل استفزازي، ولا شك أنه توقع أن يقابل دفاعًا قويًا عن النفس. رد يسوع بهدوء لا يمكن تفسيره:” أَمِنْ ذَاتِكَ تَقُولُ هذَا، أَمْ آخَرُونَ قَالُوا لَكَ عَنِّي؟” كان بيلاطس مندهشاً من أن يسوع لم يظهر أي ميل للدفاع عن نفسه ضد اتهامات اليهود الدينية أو السياسية. وعلى كل حال، كانت الاتهامات من قبل اليهود له بالتجديف والعصيان في نفس الوقت. كان ببيلاطس مهتمًا بالآثار السياسية للمحاكمة أكثر من التداعيات الدينية، لأنه كان بحاجة إلى أن يُنظر إليه على أنه يحمي مصالح الإمبراطورية.
وهو كحاكم روماني، كانت لدية سلطة الحياة والموت، لكن يسوع رفض أن يخاف. بل أكد بسلطان عجيب قائلاً: لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ”.
قررت الجموع أن توجه انتباهها إلى بيلاطس لتحقيق هدفها، فصارت تصرخ: إِنْ أَطْلَقْتَ هذَا فَلَسْتَ مُحِبًّا لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكًا يُقَاوِمُ قَيْصَرَ!. كان بيلاطس أن يرى أن الجموع صارت تكتسب تعاطف وقوة غاضبة. كان الوقت عندئذ قد صار ظهراً، وعلى الرغم من إحساسه بالخوف وعدم الارتياح، خرج بيلاطس من دار الولاية وجلس ليصدر حكماً أخيرًا من على المقعد المرتفع المسمى “جاباثا” أمام الغوغاء. قدّم بيلاطس الأسير يسوع للجمهور اليهودي في محاولة فاشلة لإطلاق سراحه. كانت الجموع الآن في حالة جنون. صارت تصرخ “خذه بعيدا! خذه بعيدا! اصلبه! دمه علينا وعلى أولادنا”. وبلفتة استسلام مأساوية لا رجوع عنها، سلّم بيلاطس البنطي يسوع ليُجلد ويُقتل. لقد سلّم الملك البريء ليعذّب ويقتل بالرغم من وجود أدلة دامغة على أنه لم يفعل شيئًا سوى الخير لكل من اليهود والأمم على السواء. إن آلام الندم والشك بالنفس لا يمكن أن تزيل الألم الرهيب الذي لحق بيسوع المسيح، الرجل الذي كنت أعرف أنه بريء من كل ذنب.

للتأمل:

عُومل يسوع بظلم فادح واستخفاف صارخ بحياته وكرامته. ما هو ردك عند مواجهة الظلم تجاه الآخرين؟ هل “تغضين الطرف” أم أنك مستعدة للتحدث بالدفاع والعمل من أجل المظلومين والمحرومين؟ إذا كنت تشعرين أنك غير قادرة على التحدث علانية، فربما يمكنك تحويل أفكارك إلى صلاة أو مناشدة المتحدث المناسب والمدافع. كتب النبي ميخا:
“مَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ الرَّبُّ، إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ الْحَقَّ وَتُحِبَّ الرَّحْمَةَ، وَتَسْلُكَ مُتَوَاضِعًا مَعَ إِلهِكَ”.
ميخا 6: 8.

الله ليس محدوداً في الطرق التي يتواصل بها معنا. إنه يتكلم من خلال خليقته “السَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ. يَوْمٌ إِلَى يَوْمٍ يُذِيعُ كَلاَمًا،

وَلَيْلٌ إِلَى لَيْل يُبْدِي عِلْمًا”. كما في (مزمور 19: 1-2) أو قد نسمعه يتحدث من خلال صديق أو حتى شخص غريب. كان الحلم هو الوسيلة التي استخدمها الله لإثارة ضمير زوجة بيلاطس بشأن البراءة المطلقة ليسوع المسيح.

كيف يمكننا تمييز صوت الله ومعرفة الاستجابة الصحيحة له؟ في كلمات الملك داود في المزامير، نقرأ أن ” سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي”. (مزمور 119: 105) هل نستشير كلمة الله كقاعدة أوليّة في الإيمان وفي ممارسة الحياة؟ الكتاب المقدس هو الضمان القوي ضد التأثير المفرط في الانطباعات أو المشاعر أو آراء الآخرين.
كلمات بيلاطس البنطي التي تُقتَبس كثيراً “ما هو الحق؟” تبدو هامة ومناسبة لنا اليوم. يعيش الكثير منا في مجتمعات يتم فيها تحدي فكرة وجود الحق المطلق. فعندما نعبر عن معتقداتنا، قد نتلقى رداً مثل “هذا جيد بالنسبة لك!” كما لو أن الحق هو مفهوم ذاتي ونسبي تماماً. البعض منا لا يعرف حقًا ما يؤمن به،ويبحث بصدق عن اليقين والاطمئنان. لقد قدم يسوع المسيح أكثر الإعلانات إثارة للدهشة، فقد قال: أنه هو الحق ذاته، وأنه إذا أردنا معرفة الله، فعلينا أن نتطلع إليه. ما هو ردك على إعلانه الحصري؟ هل تجلسين على طرف السياج؟ هل تخشين الاستمرار في البحث خوفاً من الاقتناع بهويته؟ لا يوجد سؤال أهم وجب مراعاته أكثر من الإعلان بأن يسوع المسيح هو الطريق إلى الآب، وأنه هو الحق وأن فيه الحياة الأبدية.
قَالَ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي».
يوحنا 14: 6

والآن، ها هي فرصتك للحديث معنا عما تفكّر فيه
يا صديق، نحن نريد أن نساعدك في رحلة الإيمان. الخطوة التالية هي أن ترسل لنا برغبتك في المعرفة والإيمان لنتواصل معك، فنشجعك ونصلي من أجلك. نحن نتعامل بحرص وسرية مع كل رسائل الأصدقاء