تكثر الاحتفالات في العالم العربي هذه الأيام بعيد الأضحى، وعلى هذا نتمنى للجميع احتفالات بهيجة مع الأسرة والأصدقاء فيها سلام وصحة. في هذا العيد يتذكر المحتفلون الحادثة التي امتحن الله فيها إبراهيم بتقديم ابنه الحبيب – الذي جاء بعد سنين عديدة من الانتظار – كذبيحة أو تضحية على أحد الجبال.
نجح إبراهيم في الامتحان. وقبل أن تنزل يده بالسكين على رقبة ابنه، ناداه ملاك الرب من السماء قائلاً: “«إِبْرَاهِيمُ! إِبْرَاهِيمُ!». فَقَالَ: «هأَنَذَا» فَقَالَ: «لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الْغُلاَمِ وَلاَ تَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا، لأَنِّي الآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ خَائِفٌ اللهَ، فَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي». فَرَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا كَبْشٌ وَرَاءَهُ مُمْسَكًا فِي الْغَابَةِ بِقَرْنَيْهِ، فَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ وَأَخَذَ الْكَبْشَ وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضًا عَنِ ابْنِهِ. فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ اسْمَ ذلِكَ الْمَوْضِعِ «يَهْوَهْ يِرْأَهْ». أي الله يرى ويدبر.
رجع إبراهيم مع ابنه سالماً، فقد أخذ الكبش مكان ابنه وصار ضحية وفداء ومات على المذبح. يقول الكتاب المقدس أن هذه القصة كانت “رمز” أو نموذج لفداء أعظم وأكمل من مجرد فداء لشاب واحد. كان هذا الفداء الأعظم هو الفداء الذي قدمه السيد المسيح بذاته ليفدي حياة البشرية جمعاء. لم يكن فداء عادياً، فيقول السيد المسيح بفمه الطاهر: “لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ.” وفي هذا الفداء نرى محبة الله العظيمة تجاه البشر، والتضحية الهائلة التي قدمها المسيح تجاه البشر الخطائين. وقد يتساءل البعض، لماذا المسيح؟ وكيف نفهم هذا الفداء الذي لا يضاهيه فداء؟
يقدم عوض سمعان تفسيرا رائعا لهذا العمل، وها أنا أقتبس منه لمنفعة الجميع. فيقول:
عجز الأنبياء وهم صفوة الناس عن الاهتداء إلى الفدية التي تصلح للتكفير عنهم، على الرغم من أصوامهم وصلواتهم وصدقاتهم وذبائحهم المتعددة، لأنهم وجدوا وجوب اشتمال هذه الفدية على مميزات يتعذر تحقيقها في نظرهم. ولذلك سنبحث فيما يلي على قدر ما يتسع المجال أمام عقولنا، عن الشروط الواجب توافرها في الفدية، أو بالأحرى في الفادي، حتى يكون قادراً على التكفير عن خطايانا تكفيراً حقيقياً، وعلى تحمُّل قصاصها بأسره، إيفاء لمطالب قداسته التي لا نهاية لها، حتى يمكن الحصول على الغفران التمتع بحضرة اللّه.
أولاً – الشروط الواجب توافرها في الفادي
بما أنَّ الفدية يجب أن تكون على الأقل مساوية في قيمتها للشيء المطلوب فداؤه، وبما أنه لا يساوي الإِنسان إلا إنسان مثله لأنه ليس له نظير بين الكائنات يعادله ويساويه، لذلك فالفدية أو بالأحرى الفادي الذي يصلح للتكفير عن نفوسنا، يجب أن لا يكون حيواناً بل أن يكون على الأقل إنساناً.
وبما أنَّ هذا الفادي سيكون فادياً ليس لإِنسان واحد بل لكل الناس، لتعذُّر وجود فادٍ لكل واحد من بلايين البشر الذين يعيشون في العالم، في كل العصور والبلاد، يجب أن تكون قيمته معادلة لكل هؤلاء الناس.
وبما أنه لو كان الفادي من جنس يختلف عن جنسنا (على فرض وجود مثل هذا الجنس)، لما استطاع أن يكون نائباً عنا، لأن النائب يكون من جنس الذين ينوب عنهم، لذلك فإنه مع عظمته التي ذكرناها يجب أن يكون واحداً من جنسنا.
وبما أنه لو كان الفادي خاطئاً مثلنا، لكان محروماً من اللّه وواقعاً تحت قضاء القصاص الأبدي نظيرنا، ولا يستطيع تبعاً لذلك أن ينقذ واحداً منا من هذا المصير المرعب، لأنه يكون هو نفسه محتاجاً إلى من ينقذه منه، لذلك فالفادي مع وجوب ونه واحداً من جنسنا، يجب أن يكون خالياً من الخطية خلواً تاماً.
وبما أنَّ خلوه من الخطية وإن كان أمراً سامياً، لا يقوم دليلاً على كماله، وبالتالي على أهليته ليكون فادياً – فآدم مثلاً رغم أنه خُلق خالياً من الخطية غير أنه لم يكن معصوماً منها، لأنه عندما عاش على الأرض سقط فيها، لذلك لا يكفي ن يكون الفادي خالياً من الخطية، بل يجب أن يثبت بالدليل العملي أنه معصوم منها أيضاً.
فضلاً عن ذلك، بما أنه لو كان مخلوقاً، لكان بجملته ملكاً للّه. وشخص ليس ملكاً لنفسه بل ملكاً للّه، لا يحقّ له تقديم نفسه فدية للّه عن إنسان ما، إذاً فالفادي يجب أن يكون أيضاً غير مخلوق ليكون من حقه أن يقدم نفسه كفارة.
فترى من يكون هذا الفادي العظيم القدر، الخالي من الخطية والمعصوم منها، غير المخلوق في ذاته وغير المحدود في مكانته، حتى يستطيع متطوعاً أن يفي مطالب عدالة اللّه التي لا حدَّ لها عوضاً عنا، ويبعث فينا أيضاً حياة روحية ترقى بنا لدرجة التوافق مع اللّه في صفاته الأدبية السامية؟
وبعد البحث والتنقيب والدراسة، لا يمكن أن تتحقق كل هذه المتطلبات إلا في شخص السيد المسيح الطاهر الذي هو الله الظاهر في الجسد.
أتمنى صديقي أن تجد في هذا المقال ما يجيب على أسئلتك تجاه الضحية العظمى وشخص السيد المسيح، فتضع ثقتك وإيمانك في خلاصه وفدائه.

والآن، ها هي فرصتك للحديث معنا عما تفكّر فيه
يا صديق، نحن نريد أن نساعدك في رحلة الإيمان. الخطوة التالية هي أن ترسل لنا برغبتك في المعرفة والإيمان لنتواصل معك، فنشجعك ونصلي من أجلك. نحن نتعامل بحرص وسرية مع كل رسائل الأصدقاء