المسيحية ليست ديانة بالمعنى المتعارف عليه في وصف الأديان. فالمسيحية هي علاقة شخصية بين الله خالق الكون وبين الإنسان. فلا تستغرب إن قلت لك يا صديق، أنه بدون إيمان لا يمكن أن ترضي الله أو تكون في علاقة معه. فالإيمان مهم جدا. ولكن الأهم منه هو موضوع وقلب الإيمان نفسه. أو بمعنى أخر “بمن نؤمن؟” الإيمان المسيحي هو الإيمان بشخص فريد، وهذا الشخص هو يسوع المسيح، في هذا الوقت ونحن نحتفل بمناسبة وصول الله المتجسد يسوع المسيح إلى أرضنا في مجيئه الأول باحتفالات الميلاد، تعال معي نستعرض أبعاد هذا الإيمان.
إيمان فاسد
ليس كل إيمان هو إيمان حقيقي صحيح، فهناك البعض مما يؤمنون بإلهة أصنام. صحيح الأوثان والتماثيل قد قلّت هذه الأيام ولكن هناك أصنام أخرى ظهرت وقويت في عصرنا الحاضر. مثل محبة المال وطلب الغنى بأي صورة أو شكل حتى لو كان بالاحتيال أو الجشع، أو الرغبة في الشهرة والظهور، ومقياس ذلك بالنجاح وعدد المتابعين لمواقع التواصل الاجتماعي. هناك أيضا الإيمان المضل الذي يحث تابعية على قتل أنفسهم أو قتل الآخرين بحجة تطهير الأرض. وأخيرا هناك إيمان الشياطين، وهذا أيضا إيمان فاسد. الكتاب المقدس يعلن بأن الشياطين تؤمن وتقشعر – كما في رسالة يعقوب 2 والآية 19. إنهم يؤمنون بأن الله واحد، وأن مصيرهم مظلم بالعذاب، ولكن ليس هناك خضوع لله ولا يوجد فيه توبة. إنه إيمان الخوف وعدم التسليم. وكذلك يمكن القول أيضا بأنه الإيمان الوقتي، فهو يلجأ لله طلبا في معونته في الوقت الصعب، ولما تتحسن الأمور، يتلاشى إيمان الإنسان، كما يتلاشى ندى الصباح مع سطوع الشمس.
إيمان صالح
أما الكتاب المقدس، كلام الله المنزهه عن كل شك أو تغيير يقول: “إِذًا الإِيمَانُ بِالْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ بِكَلِمَةِ اللهِ”. وماذا تخبرنا كلمة الله؟ تخبرنا بأن الله محبة، وبأنه يرغب في أن يرد الإنسان الخاطئ إليه في علاقة مستديمة وقوية. في هذا الموسم الكريم قبل الاحتفال بميلاد السيد المسيح، نجد ملاك الله يبشّر يوسف خطيب مريم العذراء الطاهرة بهذا الإعلان المهيب. قال الملاك: «لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ. لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. 21فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ». إذن الإيمان الصالح يواجه الإنسان بذنوبه الكثيرة في الفكر والقول والفعل، وبسبب الذنوب يقف الإنسان مُدان أمام عدالة الله المطلقة. وأن الله قد جاء لكي يحل مشكلة الخطايا والمعاصي، ويخلّص المؤمنين به لحياة أبدية رائعة قد أعدها لهم، وأن اسمه يسوع أي المخلص. فهل تؤمن بهذه الأخبار السارة يا صديق؟
تعريف الإيمان
يقدم لنا كتاب العبرانيين تعريفاً للإيمان المسيحي فيقول: “أَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى”. وقد لا يبدو هذا التعريف البسيط واضحاً، ولكنه يعني – تصديق الله والثقة في كلامه. الله الذي لا يتغير مع الزمن، هو الأمين الذي حفظ الحياة في الماضي، ولايزال يقدم المعونة وفرص النجاة لكل من يأت إليه في الحاضر، ويؤكد بأن هذا الإيمان وهذه الثقة ستقود إلى بر الأمان في نعيم الله وراحته في المستقبل. كان هذا إيمان الأنبياء والرسل.
امتيازات الإيمان
الامتيازات عديدة ومتنوعة، ولكن لعل أعظمها هي الانتساب لله – أي أن ندعى أبنائه. لا تتعجب، الرسول يوحنا يؤكد بقوله: ” وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ (أي المسيح) فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. وهذه البنوية بالإيمان تنشأ الرجاء الحي بخلاص الله ومعيته معنا في كل الظروف بروحه القدوس.
– امتياز أخر هو غفران الذنوب. كم يتألم الناس من أخطاء ماضية تحبسهم في زنزانة الندم واليأس، ولكن هناك نور الإيمان الذي يعلن كما قال بطرس في كتاب الأعمال: “وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ”. لم يكن هذا الإعلان هو اقتناع شخص واحد ولكن رسل المسيح أكدوا جميعا على ان الإيمان هو وسيلة الخلاص فيقول الرسول بولس لسجان مدينة فيلبي عندما سأله عما يجب أن يفعل، قال: «آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ». ثم نقرأ عن الفرح والسلام الذي حصل عليه هو وأهل بيته إذ أمنوا بالله.
– امتياز ثالث رائع وهو مجيء وسكنى روح الله في قلب المؤمن ليعلمه، ويرشده في طريق الحياة، ويكون فيه الختم وعربون الحياة الأبدية الأكيدة فيقول الرسول بولس في رسالة أفسس فصل 1: “إِذْ آمَنْتُمْ خُتِمْتُمْ بِرُوحِ الْمَوْعِدِ الْقُدُّوسِ، 14الَّذِي هُوَ عُرْبُونُ مِيرَاثِنَا”.
إن بركات وامتيازات الإيمان هي رائعة بحق، أرجو أن نتأمل بها ونحن نحتفل بعيد الميلاد.