المرأة الشونمية: امرأة ذات مبادرة
كتاب الملوك الثاني 4: 8-37
خلفية القصة
قرية شونم القديمة — هي قرية “سولم” الحالية — هي قرية عربية واقعة على هامش وادي يزرعيل. كان موقعها، في عهد أليشع، موقعاً إستراتيجياً بالنسبة للمسافرين لكونها قريبة من طريق شاطئ البحر الأبيض المتوسط
وتُذكر المرأة الشونمية مرة ثانية في كتاب الملوك
الثاني والفصل الثامن، الآيات 1- 6. ذلك أنها رحلت هي وعائلتها لبلاد الفلسطينيين — وفقا لنصيحة النبي أليشع — هرباً من مجاعة هائلة دامت 7 سنين. وبعد عودتها رجع ملكها إليها بفضل شهادة جيحزي خادم أليشع.
البذرة الصغيرة
المرأة الشونمية تروي حكايتها
لقد بدأ الأمر بفكرة واحدة متواضعة. كانت حياتي في بيتنا المريح ترضيني.
فرغم أني لم أنجب أبناء، إلا أن زوجي كان رجلاً طيباً أميناً. وبمرور الأيام، أردت أن أقوم بخدمة مفيدة، وكثيراً ما كنت أتأمل في ذلك وأدعو الله كيف يمكن أن أخدم ربّي الذي منحنا كل ما نملك
ورغم أن المؤمنين في بلادنا كانوا قليلي العدد، إلا أني قد سمعت قصص النبي العظيم أليشع الذي حل عليه ضعف ما كان لدى إيليا النبي من قوة روحية. وإيليا إنما هو الذي أخجل أنبياء البعل الكذبة بمناسبة انتصاره العظيم على جبل الكرمل. وكم فرحنا وتشرفنا كلما نزل أليشع عندنا ليتناول الطعام! وأدركت مباشرة أنه كان رجلا مقدسا لله. وبعد إحدى زياراته أتت لي فكرة. لماذا لا نفرش له غرفة فوق
السطح لكي يبيت فيها أثناء رحلاته؟ ونظمت الغرفة بعناية ووضعت فيها كل ما كان في نظري ضروريا— طاولة وسريراً وسراجاً وكرسياً. ولم يعترض زوجي على هذا الاقتراح، ومع مرور الوقت بدأ أليشع مع خادمه جيحزي يزوراننا بانتظام.
وفي يوم من الأيام استدعاني جيحزي فجأة إلى العلّية، فسألني أليشع كيف يمكن أن يجازين يعل ىإكرامي له؟ وطبعالم أكن أتوقع مكافأة. كمُ صدْمت عندما أعلن لي أليشع أني سأنجب ابنا في مثل هذا الوقت من السنة القادمة! كنت قد قبلت بحالي منذ مدة طويلة، ولم أستطع أن أؤمن بأن زوجي سيصبح أباً في سّنه المتقدم. رغم ذلك، فإن ما تنبأ به أليشع حدث فعلا، فولدت ابناً بفرح شديد في السنة التالية.
وبطبيعة الحال، كنت أعتني بابننا الوحيد عناية شديدة وحدث أن أصابني حزن مؤلم عندما حصلت مأساة في أسرتنا. لقد خرج ابننا إلى الحقل مع أبيه أيام الحصاد، فبدأ يشكو من صداع شديد. وأرجعه أحد الخدام إلى البيت، وأدركت أن الآلام التي كان يشعر بها، كانت غير وهمية. وحاولت ما في وسعي لأخفف من سخونة جبينه. وسعيت أن أريحه، لكني لاحظت اختفاء النور من وجهه الحبيب، وأنا أحتضنه. فتركني أبني الذي كنت أحبه من كل قلبي، ومات!
ووعيت أنه ينبغي أن أتخذ الإجراءات اللازمة بسرعة. فحملته إلى العلّية، ووضعته على سرير النبي أليشع، ثم أسرجت الأتان واتجهت للبحث عن رجل الله بأسرع ما يمكن. أكيد أنه قادر على مساعدتي! وعندما وصلت إليه على جبل الكرمل، تغلّب علي الحزن واليأس،فبدأت ألومه قائلة:»َ هْل طَلَْبُت اْبناً ِمْن سيدي؟أ َلَْم أَقُْلَ لا تَْخَدْعِني؟ «قلت ذلك وأنا أحاول أن أوقف الدموع في عيني.
أرسل أليشع خادمه أمامه بعكازه وأمره أن يضعه على ابني، أما أنا فرفضت أن أترك النبي. إن أليشع نفسه تنبأ بمعجزة ولادة ابني، وإذا طلب ذلك من الله، فإني على اليقين بأن الرب سيسمع دعاءنا وسيستجيب.
وقبل أن نصل إلى البيت، خرج جيحزي للقائنا وعلى وجهه ظهرت خيبة أمل، إذ لم يستطع إحياء ابني. وحالما دخلنا البيت، طلع أليشع إلى العلّية حيث كان ابننا ممدداً، وأغلق الباب خلفه. وسمعت أليشع يتضرع بحرارة، ثم يخطو ذهابا وإيابا في الغرفة. وبعدها سيطر هدوء عظيم قبل أن يحدث شيء عجيب حقا. سمعت ابني يعطس سبع مرات، ثم دعاني رجل الله للدخول. ولا أستطيع أن أعبر بالكلام بوفرة شكري وفرحي، عندما احتضنت ابني من جديد. كان حيا!
للتأمل
بعيدة عن بيتها وأسرتها، متزوجة برجل أكبر منها في السن، وبدون أمل في إنجاب أطفال، كان من السهل أن تستسلم المرأة الشونمية لليأس أو حتى لندب حالها. لكن ما حدث كان العكس—كانت تبحث عن فرصة لتساعد الآخرين.
وأنت، هل تندبين حالك على أمور لا تملكينها؟ أم تبحثين عن فرص لتشكري
الله سبحانه وتخدميه بما لك؟
كيف كان رد فعل بطلتنا عند موت ابنها؟ إني على يقين بأنها أظهرت شجاعة عظيمة علاوة على استعداد للثبات رغم ما أصابها من صعوبات قاسية.
ما هو رد فعلك على الظروف الشاقة التي سمح بها الرب في حياتك؟ هل تؤمنين أنها حدثت بإذنه؟ هل تثقين بكمال محبته، وهل تريدين تمجيده سبحانه؟
خذي دقيقة لتبوحي للرب بكل ما في حياتك حاليا من هموم، ثم تأملي في هذه الكلمات المقتبسة من الكتاب المقدس:
وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ.
الرسالة إلى مؤمني روما 8: 28