خلفية القصة

ما الذي يمكن أن يكون أقل جاذبية من تربية مريم العذراء وبيئتها! فمن المنظور الإنساني، عاشت في بلدة الناصرة الصغيرة في المنطقة الشمالية من وطنها بالقرب من بحيرة الجليل. ومن المعروف أن المنطقة المحيطة كانت مأهولة بغير اليهود. في الواقع، قال نثنائيل، أحد تلاميذ يسوع، بشكل ساخر: «أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ؟» (يوحنا 1 :46) وفي وقت ظهور الملاك جبرائيل لها، كانت مريم مخطوبة لرجل متواضع الإمكانيات، نجار اسمه يوسف. والخطبة أو “كيدّشين”، وفقًا للتقاليد اليهودية، هي عقد ملزم قانونًا ولكن يمنع أي نوع من العلاقة الجنسية بين الزوجين قبل زواجهما الرسمي. ربما كانت مريم في سن المراهقة فقط في وقت خطوبتها لأن النساء كن يتزوجن عمومًا في سن مبكرة بغرض تربية أسرة كبيرة. وقد ذُكرت مريم عدة مرات في الأناجيل بعد الإعلان المذهل عن ولادة يسوع، المشار إليه بالتجسد. ومن بين الأحداث الأخرى التي أعقبت ولادة المسيح، شاركت مريم بفعّالية عندما أجرى يسوع معجزته الأولى وكشف عن هويته الحقيقية لتلاميذه (يوحنا 2: 1-11). كانت مريم حاضرة أيضًا في واقعة صلب يسوع. فبمحبة، كلف المسيح أحد أتباعه وهو يوحنا برعايتها بعد رحيله. وآخر إشارة لمريم في الكتاب المقدس كانت عند حضورها مع أبنائها الآخرين في غرفة الطابق العلوي في أورشليم. كانت تصلي مع التلاميذ ومجموعة من النساء قبل أن يختاروا رسولاً آخر ليحل محل يهوذا، الذي خان يسوع. وكلمة رسول مشتقة من الكلمة اليونانية “ابوستولوس” التي تعني مبعوثًا أو مرسالاً. وعلى الرغم من أنها كانت مباركة جداً في نظر الله، إلا أنه لا يوجد في الكتاب المقدس ما يشير إلى أن مكانتها كانت أكثر من كونها خادمة متواضعة لربها، كما تشهد أغنية التسبيح التي ترنمت بها لمخلصها (لوقا 1 :48).

مريم تحكي قصتها – الزمن والأبدية يتقابلان

في البداية، وعندما ظهر لي الملاك جبرائيل وحياني بأخبار مدهشة بأن الله قد أنعم عليّ للغاية وأنه سبحانه كان معي، شعرت بالحيرة والخوف العميقين. طمأنني الملاك بأن الله ميّزني للغاية وأنه يجب عليّ أن أبتهج. ثم أعلن بيقين مطلق أنني سألد طفلاً يدعى يسوع، وهو سيكون عظيماً ويُدعى ابن العلي. كان مُقدرا لهذا الطفل أن يرث عرش الملك داود ويؤسس مملكة أبدية.
كنت دائمًا مخلصة لعقد الخطوبة الذي أبرمته لأحافظ على شرفي وطهارتي من أجل يوسف، الرجل الذي كنت مخطوبة له. لم أستطع أن أفهم كيف يمكن أن يحدث مثل هذا الحمل. بالإضافة إلى ذلك، فإن وصول طفل خارج منظومة الزواج سيجلب لنا ولعائلاتنا عاراً رهيباً. عندما كنت أفكر في هذه التحية الغامضة، سألت الملاك جبرائيل كيف يمكن أن تحدث مثل هذه الولادة؟ كانت استجابة الملاك مذهلة ومدهشة في نفس الوقت. فقد أوضح لي بأن هذا الحمل لن يكون نتيجة نشاط بشري طبيعي. فقال: “اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ الله”. كيف لي أن أستوعب عمق مثل هذا التصريح العجيب؟ من الواضح أن هذه الولادة كان مقدرا لها أن تكون فريدة في أوصافها. الطفل الذي سأقوم بولادته لن يحصل على جسد إنساني بسبب تدخل بشري، بل بحضور وقوة روح الله. الطفل المولود سيكون له قلبا أبيض مثل الثلج الذي يشبه غطاءً سميكاً على مرتفعات جبل حرمون في فصل الشتاء. وسيكون كيانه كله نقيًا مثل نار المصفاة، غير ملوث بالتمرد المتأصل والتمركز في الذات. سيكون مختاراً وفقاً لهدف الله الفريد وخطته الأبدية. سيكون حاكماً أعظم من الآباء وعلينا أن نسميه يسوع، مما يعني أن الله يخلّص.

بدأت أفهم أن الأبدية والزمن سيتقاطعان مع قدوم هذا الطفل، الذي تم تحديده مسبقًا ليكون كلمة الله في جسد بشري. سيخطو ابن العلي إلى عالمنا في لحظة محددة من التاريخ وسيتغير كل شيء من هذه اللحظة تباعاً، ليس فقط بالنسبة لي وليوسف، ولكن للجنس البشري بأسره. قال لي الملاك أن لا شيء مستحيل عند الله. حتى نسيبتي أليصابات، التي تقدمت كثيرًا في العمر، كان من المقرر أن تلد بأعجوبة هي الأخرى. ثم تركني الملاك لأتأمل في المجد الذي سيتم الكشف عنه، كنت مثل امرأة تنظر إلى الأفق البعيد عند أول وميض الفجر بينما تنشر الشمس أشعة نورها، فتزداد سطوعاً حتى انتصاف النهار.

قررت الانطلاق لزيارة قريبتي أليصابات حيث تلال يهوذا الجنوبية. كان منزلها يقع على بعد حوالي مائة ميل من الناصرة وكان لدي الوقت لأفكر وأشاركها بحرية بالأخبار الرائعة التي تلقيتها. وبمجرد أن رأتني أليصابات، أعربت عن سعادتها وأعلنت أنه حتى طفلها قد قفز في رحمها عند وصولي. شعرت بالفرح الكامل عندما كنت أتأمل في رسالة الله إلي. فاض قلبي بأغنية تسبيح لإلهي ومخلصي. الله الذي اختارني أنا عبدته المتواضعة، لأحمل الفادي المختار للعالم، أظهر رحمته الوفيرة وقوته الجبارة. إن الرب لا يستمد قوته من أي من مخلوقاته بل ان ذراعه تجلب القوة له. إنه يلبي رغبات المحتاجين ويفي بأمانة بوعوده الكريمة لكل من يضع ثقته في كلمته الثابتة.

دعوة للتفكير

إن بساطة وتواضع مريم وإيمانها بربها يتغلغل في أحداث هذه القصة. توُصف مريم هنا بأنها مباركة ومُفضّلة للغاية، على الرغم من أنها كانت فقيرة نسبيًا ولديها مكانة اجتماعية ضئيلة. إن تطوير الاتكال المتواضع على الله وكلمته هو مفتاح لاختبار القناعة والرضى. فبينما تتغير ظروفنا باستمرار، فإن شخصية الله وكلمته ثابته أبدياً

“يَبِسَ الْعُشْبُ، ذَبُلَ الزَّهْرُ. وَأَمَّا كَلِمَةُ إِلهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ.”
اشعياء 40: 8

بعد أن جاء الرعاة لزيارة الطفل يسوع، بعد أن أخبرتهم الملائكة عن ولادة المخّلص، قيل لنا أن مريم احتفظت بكل هذه الأشياء وتفكرت فيها في قلبها (لوقا 2: 19). وعندما كان يسوع في الثانية عشرة من عمره، رافق والديه لزيارة الهيكل في أورشليم. شهدت مريم علاقته الشخصية الفريدة مع أبيه السماوي. ومرة أخرى، قيل لنا أن مريم احتفظت بكل هذه الأشياء في قلبها (لوقا 2: 51). ومن الواضح أن مريم كانت امرأة ذكية أخذت وقتًا لتمييز عمل الله وطرقه. هل أنتِ شخصية تأخذ الوقت اللازم للتأمل وتحليل الأحداث الرئيسية في حياتك، والتفكير في الدروس التي يعلمك الله إياها في رحلة الحياة؟ أحيانًا ننشغل بالعديد من المهام التي تملأ أيامنا. قد يعني قضاء الوقت بمفردنا مع الله، أننا بحاجة إلى التضحية بما هو جيد لنختبر الأجود الذي لدى الله لحياتنا. نقرأ في صلاة بولس من أجل الكنيسة في فيلبي:
“وَهذَا أُصَلِّيهِ: أَنْ تَزْدَادَ مَحَبَّتُكُمْ أَيْضًا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ فِي الْمَعْرِفَةِ وَفِي كُلِّ فَهْمٍ، 10حَتَّى تُمَيِّزُوا الأُمُورَ الْمُتَخَالِفَةَ، لِكَيْ تَكُونُوا مُخْلِصِينَ وَبِلاَ عَثْرَةٍ إِلَى يَوْمِ الْمَسِيحِ.”
رسالة فيلبي 1: 9-10

من المستحيل علينا أن نفهم أبعاد قصة ولادة المسيح بالكامل، وهي المعروفة أيضًا باسم الميلاد. تعلمنا هذه القصة أن الله اختار أن يعلن نفسه للبشرية بدخوله إلى عالمنا في شكل بشري. نرى الله الثالوث، الذي هو ثلاثة أقانيم ولكنه إله واحد، يعمل في انسجام تام ووحدة كاملة في هذا الحدث الكوني الفريد. الله الآب يرسل بمحبة ابنه الخالي من الخطيئة إلى العالم بقوة روحه القدوس القدير. هذا السر الفريد يجب أن يلهمنا بأن نتواضع أمام الرب في خشوع وعبادة. كما تعلن الترنيمة القديمة:
– دع كل البشر الفاني يصمت،
وبخوف ورجفة يتوقف ويسكت.
لا تفكروا في منطق أرضي،
حيث بالبركة في يده يعطي
إلى الأرض إلهنا المسيح تجلى
وبالإجلال والاحترام له نسعى.
(ترنيمة من القرن الرابع)

والآن، ها هي فرصتك للحديث معنا عما تفكّر فيه
يا صديق، نحن نريد أن نساعدك في رحلة الإيمان. الخطوة التالية هي أن ترسل لنا برغبتك في المعرفة والإيمان لنتواصل معك، فنشجعك ونصلي من أجلك. نحن نتعامل بحرص وسرية مع كل رسائل الأصدقاء