بينما يبحث الإنسان عن لقمة العيش، فيبذل كل الجهد والتعب ويقضي الساعات في العمل لكي يحصل على مصدر رزق لإطعام نفسه وأسرته. نجد أن المسيح يصنع معجزة لأناس جياع قضوا الساعات من الجهد والتعب في تبعيته عند الجبل والإستماع إليه والتمتع بمعجزاته. فمال النهار لنهايته ولم يجد التلاميذ بين هذه الآلاف من البشر سوى طفلًا يمتلك خمسة خبزات وسمكتين، فأحضروها إلى المسيح الذي باركها وأشبع أكثر من خمسة آلاف رجل، بالإضافة إلى أطفالهم ونساءهم. ( يوحنا 6: 1 – 15).

فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى جَبَل وَجَلَسَ هُنَاكَ مَعَ تَلاَمِيذِهِ، وَكَانَ الْفِصْحُ، عِيدُ الْيَهُودِ، قَرِيبًا فَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ أَنَّ جَمْعًا كَثِيرًا مُقْبِلٌ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِفِيلُبُّسَ: «مِنْ أَيْنَ نَبْتَاعُ خُبْزًا لِيَأْكُلَ هؤُلاَءِ؟”. ( يوحنا 6: 3، 5 ) فالسيد المسيح يصنع هذه المعجزة العظيمة ليشبع أكثر من خمسة آلاف نفس بالخبز والسمك. وبعدها يأخذ الرب يسوع المسيح نظر السامعين إلى بعد أخر، إلى الخبز الذي يعطي حياة أبدية، الذي يشبع الروح. ولهذا فهو ليس خبزًا ماديًا لكنه خبزًا روحيًا.

لطالما شغلت فكرة الخبز بال اليهود، ولا سيما أن الله أنزل خبزًا من السماء أثناء تيهان الشعب القديم في برية سيناء. ونجد القصة في سفر الخروج والأصحاح 16 . كان الشعب دائمًا ينظر إلى المسيح كصانع معجزات، وقادرًا على كل شيء. فحينما أشبع النفوس الغفيرة فاض عنهم الخبز. فبكل تأكيد تذكّر الشعب أعمال الله مع آبائهم في البرية بأنه أنزل الخبز -المن- من السماء ليشبعهم. يتكرر ذات المشهد فيقوم المسيح بخلق من خمسة خبزات وسمكتين ما يشبع الآلاف، ولكنهم تقدموا بسؤال للمسيح.
آبَاؤُنَا أَكَلُوا الْمَنَّ فِي الْبَرِّيَّةِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ أَعْطَاهُمْ خُبْزًا مِنَ السَّمَاءِ لِيَأْكُلُوا“. ( يوحنا 6: 31 )، فيرد عليهم المسيح قائلاً: أنا هو الخبز النازل من السماء. ” لأَنَّ خُبْزَ اللهِ هُوَ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ الْوَاهِبُ حَيَاةً لِلْعَالَمِ“. (يوحنا 6: 33 ).

الخبز الحقيقي النازل من السماء مرتبط بتجسد الله:

فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلاَ يَعْطَشُ أَبَدًا“.

( يوحنا 6: 35) ويعلن المسيح عن نفسه أنه هو الخبز الحقيقي وليس خبز القمح أو الشعير. فالمقصود أنه لا يقدم نفسه كطعام مادي، بل كشخص الله الذي نزل من السماء ليتجسد ليهب الحياة الحقيقية لكل إنسان يؤمن به. لا حياة الجسد فقط، فهذه يشبعها الخبز، ولكن تلك الحياة التي يقصدها الله هي حياة الارتباط به. هذه الحياة يمنحها بنعمته، لكل من يطلب حياة روحية سماوية، فطعامه سماوي – هو المسيح، ومطلبه سماوي – أن يطيع مشيئة الله، وميراثه سماوي – كل بركة روحية مبارك بها في المسيح. فإن المسيح اتخذ جسداً ليغذي ويشبع الجوع الروحي العميق داخل الإنسان، وهو الحياة الروحية القوية الغالبة التي يشبعها ويغذيها هو بنفسه.

المسيح يبذل جسده كخبز للعالم:

ينتقل المسيح هنا من واقع مادي وهو جسده المنظور أمام الجميع كلحم ودم، إلى جسده السري الغير منظور.
أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ“. ( يوحنا 6: 51 ) فهو يخاطب السامعين بلغة الرمز المادي حيث أن الفهم اليهودي مرتبط بذلك ( جسدي). هنا، هو يتكلم  بلغة روحية لها قوة التأثير الداخلي على النفوس. هو يقدم حياته، كلامه، قوته، عمله، حضوره الدائم، بذله وفداءه، حبه الكامل. ولهذا فإن تسلم إنسان كل هذه النعم من المسيح فلن يجوع أو يحتاج إلى العالم، شهواته، شره،  ماله، ذاته، كبريائه. حقاً: من يقبل إلى المسيح ويؤمن به يشبع ويكتفي به. لا ينظر إلى الوراء إلى الحياة الضعيفة المغلوبة التي بنهايتها الفناء، لكن يجد في المسيح الحياة الروحية المشبعة الكاملة التي ليس بها ضعف أو احتياج لآخر.

 

إعتني بروحك كما تعتني بجسدك:

هناك احتياج للروح كما يظهر احتياج الجسد للطعام يومياً. فيهمل الكثيرون الاحتياج الحقيقي للروح ويهربون بأمور وقتيه خادعة، فالبعض يفرح بالخطية أو الشهوة لكن الله يقول أن فرح الفاجر للحظة. والبعض يظن أن السلوك الحسن أو عمل الخير يشبع الروح. ويعتقد في أن  قانون الحياة هو أن من صنع خيراً يجد خيراً ويستوفى أجره هنا على الأرض. ولكن شبع ورغبة الروح الحقيقي هو للخبز الحقيقي النازل من السماء الذي يمنح حياة روحية للنفس –  شبعًا وحياة مستمرة لا تعتمد على الظروف المواتية فقط للحياة. هذا الشبع، يملأه المسيح ويسلمه لك روح الله يا صديق. يقول الكتاب: “لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلًا وَشُرْبًا، بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ“. ( رومية 14: 17 ).

صديقي القارئ: ليست صدفة أنك تقرأ الآن هذه الكلمات. لكنك بكل تأكيد تشعر بجوع روحي عميق إلى خبز الحياة. إنه الأمر الوحيد الذي يمكن أن يملأ ويشبع ويثري حاجتك الحقيقية لله دون خداع أو تظاهر. الخبز الحقيقي الحي الذي نزل من السماء هو المسيح، وهو وحده الذي يعطي الحياة للعالم.

صلاة:

يا إله السماء أشكرك من أجل محبتك للبشر. من أجل محبتك لي. أشكرك من أجل الخبز الذي رتبته، خبز الحياة –  يسوع المسيح الذي نزل من السماء. يا يسوع أشبعني من غفرانك وفرحك وسلامك كل يوم“. أمين

موضوعات أخرى: أنا هو نور العالم


  هل تريد أن تعرف أكثر عن موضوعات مشابهة مجاناً؟


هل هناك موضوع يهمك أن تعرف أكثر عنه؟ اكتب لنا به.
يا صديق، نحن نريد أن نساعدك في رحلة الإيمان. الخطوة التالية هي أن ترسل لنا برغبتك في المعرفة والإيمان لنتواصل معك، فنشجعك ونصلي من أجلك. نحن نتعامل بحرص وسرية مع كل رسائل الأصدقاء