المادة: العقيدة المسيحية الأساسية

السلسلة: قانون إيمان الرسل

الدرس 2: الله الآب

 

القس وليد حرموش

تعبد العديدُ من الدياناتِ كائناً تشيرُ إليه بكلمة “إله”. وهذا يقودُنا إلى سؤالٍ هام: هل تعبدُ كل هذه الديانات الكائنَ ذاتَهُ، لكن بأسماءٍ مختلفة؟ أم أنهم يعبدون آلهةً مختلفة تماماً؟ في الحقيقة، يبيّن لنا الكتاب المقدس أنه على الرغم من أن الديانات المختلفة تستخدم الكلمة ذاتها “إله”، لكنها تعني بها معانٍ مختلفة. فالأسفار المقدّسة تُشدّدُ على وجود إلهٍ واحدٍ حقيقيٍ – وهو الإله الذي يعبده المسيحيون. وهذا يعني، أن آلهة الديانات الأخرى هي آلهة دجّالة، مزيَّفة، وباطلة. لهذا السبب وضعت المسيحية باستمرار تشديداً قوياً على معرفة إله الكتاب المقدس. فهو الإله الحقيقي الوحيد – وله وحده السلطان أن يَخلق، ويُهلك، ويُخلِّص.

هذا هو الدرس الثاني في سلسلتنا قانون إيمان الرسل، وقد دعوناه الله الآب. سنركّز في هذا الدرس، على البند الأول للإيمان في قانون إيمان الرسل- أي البند الذي يقرّ بالإيمان بالله الآب، الأقنوم الأول في الثالوث.

 

وكما رأينا في الدرس السابق من سلسلتنا، ظهر قانون إيمان الرسل بعدة صيَغ في القرون الأولى للكنيسة. لكن تم توحيده في صيغة واحدة باللاتينية، حوالي سنة 700 ميلادية. ونقرأ الترجمة الإنجليزية المعاصرة لهذا القانون كما يلي:

أؤمن بإلهٍ واحدٍ، آبٍ قادر ٍعلى كل شيء،

خالق السماء والأرض.

وبربٍ واحدٍ يسوع المسيح، ابن الله الوحيد،

الذي حُبل به بالروح القدس،

وولد من مريم العذراء.

وتألم على عهد بِيلاَطُسُ الْبُنْطِيُّ،

وصلب ومات وقبر؛

ونزل إلى الجحيم،

وقام في اليوم الثالث من الأموات،

وصعد إلى السماء،

وهو جالس عن يمين الآب

القادر على كل شيء.

وأيضاً سيأتي من هناك ليدين الأحياء والأموات

أؤمن بالروح القدس،

وبكنيسةٍ جامعةٍ مقدسة،

وبشركة القديسين،

وبغفران الخطايا،

وبقيامة الأجساد،

وبالحياة الأبدية. آمين.

 

ستذكرون أننا قسّمنا قانون إيمان الرسل في هذه الدروس إلى خمسة أجزاء رئيسية: حيث تتعامل الأجزاء الثلاثة الأولى مع الأقانيم الثلاثة لله. الآب، الابن، والروح القدس. ويتبع هذه الأجزاء جزءٌ عن الكنيسة، ثم جزءٌ عن الخلاص. سنركّز، في هذا الدرس، على أول جزء من هذه الأجزاء الخمسة، والذي يتألف من بند واحد فقط من بنود الإيمان:

أؤمن بإلهٍ واحدٍ، آبٍ قادر ٍعلى كل شيء،

خالق السماء والأرض.

توجد عدة طرق يمكن أن نقسّم بها المواضيع المذكورة في بند الإيمان هذا. لكننا سنركّز، في هذا الدرس، على ثلاثةِ مواضيعَ تُعتَبَرُ مركزيةً في اللاهوت المسيحي: فكرة الله، أقنوم الآب القادر على كل شيء، ودوره كخالقٍ لكل الخليقة.

 

وتماشياً مع هذه المواضيع الثلاثة، سينقسم درسنا عن الله الآب إلى ثلاثة أجزاء. أولاً، سنتناول الفكرة الرئيسية عن الله، ناظرين إلى بعض الأمور العامة التي يعلّمها الكتاب المقدس عن وجوده وطبيعته. ثانياً، سنركّز على عبارة الآب القدير، لافتين الانتباه لبعض الصفات المميَّزة لأول أقنوم في الثالوث. وثالثاً، سنبحث في دور الآب كالخالق لكل شيء في الوجود. دعونا نبدأ بمفهوم الله الذي يقدمه لنا الكتاب المقدس.

 

د. جيمس پاكر

إن عبارة “أؤمن بإله واحد” أساسية حقاً في إيماننا بكل شيء أخر. وإذا فكّرنا من حيث النظرة العالمية، يكون الله في المركز، ويبقى كل شيء آخر على حاله بسبب علاقته به. وهذا يضع التفكير المتمحوِر حول الله في درجة مختلفة تماماً عن طريقة التفكير المعتادة في ثقافتنا، والتي تتمحور حولي وأكون أنا المِحوَر فيها، ومن ثم تهتم بكيفية ارتباط كل شيء بي، بما في ذلك الله نفسه. وهذا معاكسٌ تماماً للطريقة التي ينظر فيها الكتاب المقدس إلى الأشياء على ما أعتقد، وأجرؤ على القول بأنه معاكسٌ تماماً للطريقة التي ينظر فيها الله إلى الأشياء كما تعلنها الأسفار المقدسة.

 

سنتأمل في الفكرة الأساسية عن الله كما وردت في الأسفار المقدسة من خلال النظر إلى موضوعين. حيث سنستكشف من جهة ما يسميه اللاهوتيون غالباً بوحدانية الله، أي حقيقة أنه الإله الوحيد في الوجود. ومن جهة أخرى، سنركّز على بساطة الله، مشيرين إلى أنه ليس في الحقيقة سوى إله واحد، رغم حقيقة أن له ثلاثة أقانيم. فلْنبدأ بوحدانية الله، أي العقيدة القائلة بأن إله الكتاب المقدس هو فقط الإله الحقيقي الوحيد.

 

بينما نستكشف وحدانية الله، أولاً، سننظر في دين تعدّد الآلهة الذي ساد في العالم خلال القرون الأولى للكنيسة. ثانياً، سنستكشف دين التوحيد كالإقرار بإله واحد. وثالثاً، سنتحدث عن المسيحية ومفهومها عن الله. فلْنبدأ أولاً بموضوع تعدّد الآلهة.

 

إن دين تعدّد الآلهة هو الاعتقاد بوجود عدة آلهة، أي كائنات قوية خارقة للطبيعة تسيطر على الكون. ويُعتَقَد أن بعض هذه الآلهة أبديٌ، غير مخلوق، بينما يُعتَقَد أن البعض الآخر وُلِد أو حتى خُلِق بطريقة معيّنة. وغالباً ما تكون الآلهة، في أنظمة دين تعدّد الآلهة، متميّزة عن بعضها البعض، وبالتالي فريدة من نوعها، تماماً كما أن كل كائن بشري فريد من نوعه. لكن لا يمكن أن يدّعي أي إله واحد، في دين تعدّد الآلهة، أنه الكائن الخارق للطبيعة الوحيد، الذي يمارس سيطرة هامة على الكون.

 

عبَّر أحد الأنواع الشائعة لدين تعدّد الآلهة، المعروف بالوحدانية المَشُوبَة عن التكريس الرئيسي لإله واحد دون إنكار وجود الآلهة الأخرى. على سبيل المثال، كرّم بعض الناس في الإمبراطورية الرومانية، زيوس بصفته الإله الأعلى، رغم الاعتراف بآلهة أخرى.

 

آمن معظم الناس غير المسيحيين، في عالم الكنيسة الأولى، بدين تعدد الآلهة. حيث آمن العديد منهم بآلهة اليونان والرومان المزيفة، بينما عَبَدَ آخرون أوثان الشرق الأدنى القديم. كما كان هناك المؤمنون بدين تعدد الآلهة، الذين آمنوا بالقوى الكونية، وعَبَدَ البعض عناصر أو جوانب أخرى للخليقة. أما الإلحاد – وهو الاعتقاد بعدم وجود آلهة – فقد كان نادراً.

 

إن أحد الأسباب التي جعلت من الاعتقاد بآلهة مختلفة، شائعاً جداً، هو أن القانون تطلّب دين تعدد الآلهة في كثير من الأحيان. على سبيل المثال، فرضت الحكومة، في الإمبراطورية الرومانية، عبادة الآلهة الرومانية. حيث أمر الرومان بهذه العبادة لكي يكسبوا تأييد الآلهة وحمايتها للإمبراطورية.

 

لكنّ السبب الأهم وراء الاعتقاد بدين تعدّد الآلهة، هو خطية البشر.

 

د. ديڤيد باور

يشير الكتاب المقدس إلى أن البشر ميالون كثيراً للابتعاد عن الإله الحقيقي إلى آلهة كاذبة. ولهذا علاقةٌ خاصةً، مع عقيدة الكتاب المقدس حول الخطية. وليس له علاقة كبيرة بحقيقةِ أننا مخلوقات بالنسبة للخالق العظيم بل بكوننا مخلوقات خاطئة بالنسبة لله. وتعمل الخطية بطريقة تُعمينا فعلاً حتى عن حقيقة الله كما أعلنها هو في الخليقة. وهكذا، إذا تُركنا بمفردنا، سنخلق آلهة من مخيلتنا الخاصة كبدائل للإله الحقيقي.

 

وكما تعلّم الأسفار المقدسة، يعرف كل الناس في أعماق قلوبهم، أنه لا يمكن للكون أن يوجد دون يد خالق إلهي. لكن لا يعترف البشر الذين يعيشون في الخطية، بالإله الحقيقي بصورة تلقائية، ولا ينسبون إليه الفضل في هذه الأمور. بدلاً من ذلك، إنهم ينسبون أعماله إلى مصادر أخرى.

 

اصغ للطريقة التي تحدث بها بولس عن ذلك في رومية (1: 2023):

«لأَنَّ أُمُورَهُ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ تُرىَ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةَ وَلاَهُوتَهُ حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ. لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا اللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلهٍ بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ الْغَبِيُّوَأَبْدَلُوا مَجْدَ اللهِ الَّذِي لاَ يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ الإِنْسَانِ الَّذِي يَفْنَى وَالطُّيُورِ وَالدَّوَابِّ وَالزَّحَّافَاتِ».

إن وجود إله الأسفار المقدسة، بحسب بولس، واضح للجميع – فإنه يُرى ومُدرَكٌ. وذهب بولس بعيداً إلى حد قوله أن البشر عَرَفُوا الله من خلال الإعلان عن ذاته في الخليقة. لكننا خطاةٌ لدرجةِ، أننا رفضنا أن نمجده أو نشكره. بدلاً من ذلك، أبدلنا مجده بالآلهة المزيّفة التي اخترعناها وعبدناها مكانه.

 

د. صامويل لنچ

يخبرنا الكتاب المقدس أن كل الرجال، النساء والأطفال يعرفون الله في أعماق قلوبهم. لكن يخبرنا رومية (1) أنه منذ أخطأ آدم وحواء، تحوّلنا في أعماق قلوبنا من عبادة الإله الحقيقي إلى عبادة الأوثان أو أي شيء خلقه الله. وهكذا، إن القلب البشري، عملياً هو المصنع، المصدر، والأصل لكل أنواع الأوثان.

 

بعد أن بحثنا في دين تعدّد الآلهة، أصبحنا مستعدين لاستكشاف دين التوحيد، أي الاعتقاد بوجود إله واحد.

 

يمكن أن يشير دين التوحيد من الناحية التقنية إلى أي دينٍ يقرّ بالإيمان بإله واحد فقط. على سبيل المثال، إن اليهودية المسيحية والإسلام في العالم المعاصر كلها ديانات توحيدية، لأنها تصرّ على وجود كائن إلهي واحد فقط.

 

تؤكد عدة نصوص في الأسفار المقدسة على وحدانية الله وذلك بالإعلان بوضوح، عن وجود إله واحد فقط. اصغ لبعض الأمثلة:

أعلن سليمان في الملوك الأول (8: 60):

«الرَّبَّ هُوَ اللهُ وَلَيْسَ آخَرُ».

رَنَّم داود للرب في مزمور (86: 10):

«أَنْتَ اللهُ وَحْدَكَ».

صلى حَزَقِيَّا في الملوك الثاني (19: 19):

«أَنْتَ الرَّبُّ الإِلهُ وَحْدَكَ».

أصر بولس في رومية (3: 30) أن:

«اللهَ وَاحِدٌ».

وقال يعقوب في يعقوب (2: 19):

«أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللهَ وَاحِدٌ. حَسَناً تَفْعَلُ».

يوجد كائنٌ إلهيٌ واحدٌ فقط. وقد كان صحيحاً في أيام العهد القديم. كان صحيحاً في أيام العهد الجديد. كان صحيحاً في القرون الأولى للكنيسة. وهو ما يزال صحيحاً اليوم.

 

القس وليد حرموش

لكن، لا بد لنا أن نشير، أن كل الديانات التوحيدية لا تعبدُ الإله ذاته. فكما سبقَ وأشَرنا، فإن كل من اليهودية، والمسيحية، والإسلام تعبد إلهاً واحداً. وأكثر من ذلك، فهي جميعُها تَعتبرُ أن هذا الإله الواحد هو إلهُ إبراهيم ولو بالاسم فقط. لكن المفاهيمَ التي تربطها باسم “إله إبراهيم” مختلفة تماماً. فهي تختلفُ حولَ شخصِه، وأعمالِه الإلهية، وحتى من جهةِ طبيعتِه ذاتِها.

 

خذ اليهودية بعين الاعتبار. تسند اليهودية إيمانها على العهد القديم، كما يفعل المسيحيون أيضاً. لكن اليهودية تُنكر الله المثلث الأقانيم الذي يعلن عنه الكتاب المقدس. في الواقع، يُنكر اللاهوتيون اليهود كلاً من أقانيم الثالوث. يرفضون يسوع كرب وإله متجسد. ويُنكرون أن الروح القدس هو شخص إلهي. وبرفض يسوع والروح القدس، إنهم يرفضون الآب الذي أرسلَهما.

 

وكما قال يسوع نفسه في لوقا (10: 16):

«وَالَّذِي يُرْذِلُنِي يُرْذِلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي».

ترفض اليهودية يسوع والروح القدس، وبالتالي الآب أيضاً.

 

تعتقد اليهودية أنها تعبد الله كما هو مُعلَن في العهد القديم. وهي تشير إلى العهد القديم ذاته الذي يحبه المسيحيون، وتقول: إننا نعبد ذلك الإله”. وهكذا، يمكننا أن نقول، بشكل سطحي إلى حد ما، أننا واليهود نعبد الإله ذاته. لكن هناك معنى آخر، يختلف فيه إلههم عن إلهنا، وذلك لأنهم رفضوا الإعلان الأكمل لله في يسوع. وعندما نأخذ الإسلام بعين الاعتبار، يتضح لنا أن مفهوم الله لديهم يتناقض مع الكتاب المقدس.

 

د. رياض قسيس

إن هذا الموضوع هام. ماذا يعتقد الإيمان الإسلامي عن مفهوم الإله الواحد؟ أنا أعتقد أن الوحدانية موجودة في الإسلام. لكن تختلف صفات وطبيعة الرب الموجودة عند المسيحيين عما هي عليه عند المسلمين. ونجد هناك عقيدة الفداء، وعقيدة التجسد، وهي عقائد هامة أظهرت خصائص ربنا بطريقة واضحة وأساسية في حياة الناس. لكنّ مفهومَي الفداء والتجسد غائبان في إيمان المسلم بالرغم من أهمية تأكيد الوحدانية.

د. ليچن دنكن الثالث

يتناقض مفهوم الإسلام لله مع الإنجيل، وأهم الطرق التي يتناقض فيها مع الإنجيل هي في التأكيد على أن الله هو الكائن الأحادي الخلية غير المتمايز. وإن أمكنني تفسير ذلك المصطلح التقني، فإن الله في الإسلام هو واحدٌ بكل معنى الكلمة، ولا وجود لمجتمع داخله. ويوجد في اللاهوت المسيحي إخلاص مطلق للتوحيد، أي الاعتقاد بوجود إله واحد فقط. إن أول قانون إيمان للكتاب المقدس هو “اسمع يا إسرائيل الرب إلهك الرب واحد”. وهكذا، يُعتَبَر التأكيد المُشدِّد للتوحيد جزءاً من التقليد اللاهوتي اليهودي المسيحي منذ نشوئه. وبالتالي فإن الميسحيين هم موحِّدين. ولا يعتقد الكثير من أصدقائنا المسلمين بأننا موحِّدين. لكنهم سيفكّرون أننا مُثَلِّثين. وسيفكّرون فعلاً بأننا نؤمن بالآب، الأم والابن، لأن محمد كان مخطئاً في هذا الاعتبار من فهمه للعقيدة المسيحية عن الله. لكنّ تلك العقيدة المسيحية للثالوث، أي أن الله الواحد موجود للأبد في ثلاثة أقانيم، الآب، الابن والروح القدس، إن هذا المفهوم لله مختلف جذرياً عما صوَّره الإسلام.

 

وهكذا، إن اليهودية، المسيحية، والإسلام جميعها ديانات توحيدية. حيث تتميز كلها عن دين تعدّد الإلهة لأنها تنكر وجود عدة ألهة. لكنها تختلف عن بعضها البعض بوضوح أيضاً بسبب عقائدها المختلفة حول ماهية الله.

 

بعد أن درسنا دين تعدّد الآلهة ودين التوحيد، أصبحنا جاهزين لوصف مفهوم الله الذي تقرّ به المسيحية ويعلّمه قانون إيمان الرسل.

 

إن العبارة المتعلقة بالله في قانون إيمان الرسل واضحة إلى حدٍ ما. وهي تقول ببساطة:

أؤمن بإلهٍ واحدٍ، آبٍ قادر ٍعلى كل شيء،

خالق السماء والأرض.

ستلاحظ أن قانون الإيمان لا يقول بصراحة، أنه يوجد إلهٌ واحدٌ. ولو أننا لم نعرف مصدر قانون الإيمان، لكان بإمكاننا قراءة هذه الكلمات كإعلان إيمان بإله اليهودية، أو إله الإسلام. أو حتى كإقرارٍ بإله واحد بين عدة آلهة. وهكذا، كيف نعرف أن هذه العبارة تتحدث عن إله المسيحية الثالوثي، تناقضاً مع دين التوحيد ودين تعدّد الآلهة غير المسيحيين؟

 

فمن جهة، يُنكِر قانون الإيمان دين التوحيد غير المسيحي، من خلال أمور أخرى يقولها عن الله بوضوح. وكما رأينا في درس سابق، فقد تم صياغة قانون الإيمان حول صيغة التثليث. وهو يعكس الاعتقاد بأن الله الآب، يسوع المسيح، ابنه الوحيد، والروح القدس هي ثلاثة أقانيم مختلفة في اللاهوت، وتشترك جميعها في نفس الجوهر الإلهي المفرد. تذكّر مرة أخرى، أن القصد من قانون الإيمان هو أن يكون تلخيصاً للمعتقدات، وليس تصريحاً شاملاً للإيمان. وعندما تم استخدامه في طقس الكنيسة، عَرف الجميع أن ذكر أقانيم الله الثلاثة بهذه الطريقة، يتضمن عقيدة الثالوث.

 

ومن جهة أخرى، يُنكِر قانون الإيمان دين تعدّد الآلهة، وذلك باستخدام صيغة المفرد للكلمة الشاملة “الله” كاسم إلهي.

 

يمكن أن تعني كلمة “الله” عدة أمور. حيث تشير عدة ديانات إلى ألوهيتهم “كآلهة”. ويستخدم الكتاب المقدس نفسه الكلمة “الله” أحياناً للإشارة إلى أمور مثل الأرواح الشريرة، الأوثان، وربما للقادة البشريين أيضاً. لكن تميل تلك الآلهة المزعومة أيضاً، لأن يكون لها أسماء فعلية. على سبيل المثال، في ديانة روما القديمة، كان مارس إله الحرب، نبتون إله البحر، وجوبيتر رئيس الإلهة.

 

وبنفس الطريقة، إن إله الكتاب المقدس معروفٌ بأسماء فعلية. ومعظم تلك الأسماء وصفي، مثل إيل شَدَاي، والتي غالباً ما تُترجَم الله القدير، أي الله القادر على كل شيء؛ وإيل إيليون الذي يُترجَم عادة الله العلي أي الله الذي يسود على الكل؛ وأدوناي الذي يُترجَم عادة رب ويعني السيد أو الحاكم.

لكن الاسم الأقرب الذي يمكن أن نفكر فيه عن الله هو اسمه الحقيقي يهوه. ويظهر الاسم في الترجمات القديمة كيهوه، لكن يتم تقديمه في الترجمات الحديثة عموماً على أنه رب، رغم أن معناه مختلفٌ تماماً عن أدوناي.

وقد أعلن الله عن نفسه باسم يهوه في وقت مبكر للغاية في تاريخ البشرية. على سبيل المثال، كان البشر يستخدمون هذا الاسم لله على الأقل منذ أيام شيث، ابن آدم، كما نقرأ في تكوين 4: 26. قال نوح عن الله أنه يهوه في تكوين 9: 26. ودعا إبراهيم الله بهذا الاسم في تكوين 12: 8.

 

يهوه هو أيضاً الاسم الذي وصفه الله لموسى في خروج (3: 13-14)، حيث نقرأ هذا السجل:

«فَقَالَ مُوسَى ِللهِ هَا أَنَا آتِي إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَقُولُ لَهُمْ إِلهُ آبَائِكُمْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. فَإِذَا قَالُوا لِي مَا اسْمُهُ فَمَاذَا أَقُولُ لَهُمْ. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ. وَقَالَ هكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ». 

إن اسم يهوه مرتبط بالكلمة العبرية أهيه، وهي مُترجَمة هنا أنا هو. إنه الاسم الأكثر ألفة بين الأسماء التي أعلنها الله لشعبه، والذي يميّزه عن كل الآلهة المزيفة.

 

في الواقع، إن اسم “الله” هو الاسم الأكثر شمولية بين كل الأسماء التي دُعي بها الرب في الأسفار المقدسة. وتُتَرجَم كلمة الله في نُسَخِنا الحديثة للعهد القديم، عادة إلى الكلمة العبرية إيل أو إيلوهيم. وتُتَرجَم في العهد الجديد، إلى الكلمة اليونانية ثيوس. لكن في زمن الكتاب المقدس، استخدَمت ديانات أخرى الكلمات ذاتها للإشارة إلى آلهتها. وهكذا، لماذا اختار قانون إيمان الرسل هذا الاسم الشامل لله بدلاً من اسم أكثر تميّزاً مثل يهوه؟

 

ولأنه استخدم التعبير البسيط “الله” ليعرّف عن الرب، يشير قانون إيمان الرسل، إلى أن إله المسيحية هو الوحيد الذي يستحق أن يُدعى “الله”.

 

كما نقرأ في الملوك الأول(8: 60):

«الرَّبَّ (أو كما في العبرية يهوه)هُوَ اللهُ وَلَيْسَ آخَرُ».

صحيح أن الديانات الأخرى تظن أنها تعبد آلهة حقيقية. لكنها في الواقع، تعبد كائنات خيالية، أو حتى شياطين – أي الأرواح المخلوقة الأدنى رتبة، التي يسود عليها إله المسيحية. وقد أوضح بولس ذلك في رسالة كورنثوس الأولى(10: 20)، حيث كتب ما يلي:

«إِنَّ مَا يَذْبَحُهُ الأُمَمُ فَإِنَّمَا يَذْبَحُونَهُ لِلشَّيَاطِينِ لاَ ِللهِ».

لم يعتقد الوثنيون أنهم يقدمون ذبائحهم للشياطين؛ بل ظنوا أنهم يقدمونها لآلهة مختلفة. لكنهم كانوا على خطأ.

 

يوجد العديد من الديانات إلى جانب المسيحية في العالم اليوم. فهناك الهندوسية، الشِنتو، الوثنية، الويكا، الإسلام، اليهودية، ديانات القبائل، وغيرها. لكن آلهتها مزيفة. حيث يعبد البعض الشياطين. ويعبد البعض الآخر الخليقة. ويعبد آخرون أموراً اختلقوها من مخيلتهم. لكنّ الكتاب المقدس يشدّد على أن إله المسيحية، هو فقط الإله الحقيقي. وهو فقط من سيدين العالم، ومن له القدرة على تخليصنا.

 

القس وليد حرموش

في بندِه الأول، يدعو “قانون إيمان الرسل” المسيحيين الذين آمنوا حديثاً للتخلي عن آلهتهم المزَّيفة، التي اعتادوا أن يَعبدوها، والاعتراف بإلهِ الكتابِ المقدس كالإله الوحيد الحقيقي. وتعكسُ هذه الدعوة تعليماً جوهرياً جداً في الأسفار المقدسة. ويُلزم الكتاب المقدس كل شخص، في كل عصر، أن يعترفَ بأن إلهَ العهدَين القديم والجديد، هو الإلهُ الحقيقيُ وحدَه. ويطلب من الجميع عبادَته وحدَه دون سواه.

 

بعد أن نظرنا إلى وحدانية الله، أصبحنا مستعدين للتركيز على بساطته، أي وحدة طبيعته أو جوهره.

 

ستذكر أننا عرّفنا عقيدة الثالوث في درس سابق وعبرنا عنها بهذه الطريقة:

]إن لله ثلاثة أقانيم، لكن جوهر واحد فقط].

وقلنا أيضاً أن مصطلح أقنوم يشير إلى شخصية مميَّزة، واعية بذاتها، وأن مصطلح جوهر يشير إلى طبيعة الله الأساسية، أو الجوهر الذي يتكوّن منه.

 

في الواقع، عندما نتحدث عن بساطة الله، فإننا نفكر بجوهره – أي طبيعته الأساسية، والجوهر الذي يتكوّن منه.

 

يستخدم اللاهوتيون مصطلحات مثل بسيط و”بساطة” بطريقة تقنية. فنحن لا نقول أن الله بسيط بمعنى أنه سهل الفهم. بدلاً من ذلك، إننا نعني أن جوهره ليس مركباً من مواد مختلفة بل هو مركب من مادة كلية موحدة.

 

يمكننا توضيح فكرة البساطة هذه بمقارنة الماء النقي بالوحل. فمن جهة، يمكن النظر إلى الماء كمادة بسيطة. فهو مركّبٌ من الماء فقط، دون شيء آخر. لكن إذا أضفنا تراب إلى الماء النقي، فسيتحول إلى وحل. والوحل هو مادة مركّبة لأنه مركّب من جزأين مُميَّزين: الماء والوحل. إن جوهر الله مثل الماء النقي تماماً. فهو مُركّب من مادة واحدة فقط. لكن ما أهمية ذلك؟ لماذا تشدّد المسيحية على أن الله بسيط، وغير مركّب من مواد مختلفة؟ للإجابة على هذا السؤال، دعونا ننظر مرة أخرى إلى عقيدة الثالوث.

 

تعلن عقيدة الثالوث ما يلي:

إن لله ثلاثة أقانيم، لكن جوهر واحد فقط.

 

د. كيث جونسون

إن التمييز بين الأقنوم والجوهر مركزيٌ بالنسبة لعقيدة الثالوث. حيث أن الله واحدٌ من حيث الجوهر وثلاثي من حيث الأقنوم.

 

بقدر ما يشدّد الكتاب المقدس أن لله ثلاثة أقانيم – الآب، الابن، والروح القدس – فهو يشدّد أيضاً على وجود إله واحد فقط. وأصرّ اللاهوتيون منذ فجر تاريخ الكنيسة، على أن الطريقة المفيدة للحديث عن وجود إله واحد فقط، هي من خلال الحديث عن جوهره أو مادته. وهكذا، عندما قالوا إن لله جوهر بسيط موحّد، فقد أنكروا أن الآب، الابن والروح القدس هم ثلاثة آلهة مستقلة، مرتبطة معاً في الثالوث نوعاً ما. وبدلاً من ذلك، أكدوا أن هذه الأقانيم الثلاثة وجدت معاً باستمرار كإله واحد فقط. وبهذه الطريقة أوضحت الكنيسة بصورة مطلقة أن المسيحيين لا يؤمنوا بثلاثة آلهة، كما تتهمنا الديانات الأخرى على الأغلب. بدلاً من ذلك، نحن نؤمن بإله واحد، أي كائن إلهي واحد موجود في ثلاثة أقانيم.

 

د. ستيڤن وِلِم

غالباً ما يقول المسلمون عندما نتحدث معهم، بأن وجهة النظر المسيحية للثالوث هي تأكيدٌ على ثلاثة آلهة أو التثليث. ولم يؤكد أحدٌ في تاريخ الكنيسة على هذا لأنه إلى جانب التأكيد بأن الآب هو الله، الابن هو الله، والروح القدس هو الله من سفر التكوين إلى سفر الرؤيا، هناك التأكيد بأن الله واحد. ويوجد إله حقيقي فعّال واحد. بحيث أن الطريقة الوحيدة التي يمكننا أن نفهم فيها الإعلان الكامل لله هي بأن نقول، يوجد إله واحد، وليس سواه، ويشترك الآب، الابن والروح القدس في تلك الألوهية الواحدة.

 

إن هذه الفكرة مُعلنة بصورة واضحة في قانونِ إيمانٍ قديمٍ آخر، وهو قانونالإيمان النيقاوي الذي يقول:

يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، … مساوٍ للآب في الجوهر،

ولأن قانون إيمان الرسل أساسيٌ أكثر من قانون الإيمان النيقاوي، فهو لا يذكر هذا التفصيل بوضوح. ومع ذلك، فهو يتضمن هذه الفكرة بالإصرار على أننا نؤمن بإله واحد فقط موجود في ثلاثة أقانيم.

 

إن لحقيقة إيمان المسيحيين بإله واحد في ثلاثة أقانيم، مضامين للحياة المسيحية لا حصر لها. على سبيل المثال، لطالما كانت العبادة المسيحية التقليدية مثلثة الأقانيم: فنحن نعبد الأقانيم الثلاثة في الثالوث، ونرفع ترانيم الحمد والطلبات أمام كل واحد منا. ويُعتَبَر تجاهلُ أي أقنوم في الثالوث على حساب الآخر، إهمالٌ لله نفسه. فنحن نَدين بالإكرام، الخدمة، والمحبة للآب، الابن، والروح القدس. لأنها جميعها إله واحد.

 

بعد أن تناولنا المفهوم المسيحي الأساسي عن الله وطبيعة وجوده، أصبحنا مستعدين للتركيز على عبارة الآب القدير، ناظرين إلى الأشياء المميَّزة التي يعلمنا إياها الكتاب المقدس عن الله الآب، الأقنوم الأول في الثالوث.

 

ستنقسم مناقشتنا حول الآب القدير إلى أربعة أقسام. أولاً، سننظر إلى الطرق التي استُخدِم بها اسم “الآب” في الأسفار المقدسة. ثانياً، سنأخذ أقنوم الله الآب وعلاقته بالثالوث بعين الاعتبار. ثالثاً، سنستكشف طبيعة أبوته، أي الأمور التي يقوم بها في دوره كأب. ورابعاً، سنناقش قدرته. لِنتأمل أولاً باسم “الآب” كما هو مستخدمٌ لله في الأسفار المقدسة.

 

د. كيث جونسون

يستخدم الإنجيل مصطلح “الآب” في ثلاثة معاني متميزة على الأقل. أولاً، إنه مُستخدَمٌ للإشارة لله كخالق كل شيء، ويمكننا رؤية مثال على استخدام العهد الجديد لهذا المعنى في رسالة كورنثوس الأولى 8: 6. ويدل الاستخدام الثاني لمصطلح الآب على علاقة الله بالمؤمنين نتيجةً لتبنّيهم كأبناء وبنات. وأخيراً يتم استخدام مصطلح الآب ليدل على العلاقة الفريدة الموجودة بين يسوع المسيح وأبوه. ويمكننا تلخيص هذه الاستخدامات الثلاثة كما يلي، يتحدث الاستخدام الأول عن الله كخالق، يتحدث الاستخدام الثاني عن الله كالفادي، ويتحدث الاستخدام الثالث بالتحديد عن أقنوم الآب وعلاقته بالابن.

 

للأسف، يظن بعض المسيحيين خطأً، أنه في كل مرة يستخدم فيها الكتاب المقدس كلمة “آب“، فهو يتحدث عن الأقنوم الأول في الثالوث. لكن لم تُعلَن عقيدة الثالوث بوضوح حتى زمن العهد الجديد. وتوجد تلميحات هنا وهناك في العهد القديم، قد تشير إلى نوع من الإدراك للجمع في الألوهية. لكن غالباً ما يشدد العهد القديم على أُحادية الله. وهكذا، عندما يُدعى الله “آب” في العهد القديم، فإن الإشارة هي إلى الثالوث بكامله، وليس فقط إلى شخص واحد. ويشدّد استخدام كلمة “آب” بمعنى ما على أقنوم الآب. لكن مهمٌ أن نتذكر، أنه قبل الإعلان الواضح للعهد الجديد عن أقانيم الله الثلاثة، تم تطبيق كل المصطلحات المستخدمة لله، بما فيها اسم “الآب” على كل الثالوث إلى حد ما. ويشير مصطلح “الآب” إلى الألوهية بأكملها في فقرات مثل [تثنية 32: 6]، و[إشعياء 63:16] و[64: 8]. ومن أجل التوضيح، دعونا ننظر إلى مثل واحد فقط لهذا الاستخدام “للآب” في العهد القديم.

 

سأل النبي في ملاخي (2: 10)، هذين السؤالين:

«أَلَيْسَ أَبٌ وَاحِدٌ لِكُلِّنَا أَلَيْسَ إِلهٌ وَاحِدٌ خَلَقَنَا».

لقد تم الحديث عن الألوهية بأكملها هنا – بما في ذلك الآب، الابن، والروح القدس – “كالآب” لأن الألوهية بأكملها شاركت في خلق البشرية. ويوضح العهد الجديد، أن كلاً من الآب، الابن، والروح القدس، لعب دوراً مختلفاً نوعاً ما. لكن لا تشير هذه الفقرة من العهد القديم، إلى فروق مميَّزة بين أقانيم الله. بدلاً من ذلك، إنها تنسب اسم “الآب” إلى الأقانيم الثلاثة بصورة جماعية بسبب دورهم في الخليقة.

 

ولتعقيد الأمور بشكل أكبر، وبينما اقتبس كتّاب العهد الجديد من العهد القديم، كان هناك أوقات أشاروا فيها إلى الثالوث بأكمله مستخدمين كلمة الآب بمعناها الواسع. على سبيل المثال، من المرجح أن الثالوث بأكمله مُوصوف “كالآب” في [متى 5: 45] و[6: 618]، و[أعمال الرسل 17: 2429]. ويُسمى الثالوث بأكمله في هذه الفقرات، “بالآب” لأسباب مختلفة. فقد تكون أحياناً بسبب مشاركة الألوهية بأكملها في خلق العالم. وفي أوقات أخرى، قد يكون بسبب كون أقانيم الله الثلاثة، المقياس الأخلاقي الذي يجب أن نتبعه. لنأخذ مرةً أخرى آية واحدة فقط على سبيل التوضيح.

 

نقرأ في [يعقوب 1: 17] هذه الكلمات:

«كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ».

جادل يعقوب في الآية السابقة لهذه الآية، بأن شخص الله طاهرٌ أخلاقياً. وهكذا، كانت وجهة نظره هنا بأن كل شيء يأتي من الله هو صالح، وكل ما هو صالح يأتي من الله. وبما أن الأمور الصالحة تأتي من كل أقانيم إلهنا الثالوثي، غالباً ما يرى المفسّرون المسيحيون هذا، على أنه إشارة إلى الثالوث بأكمله. مرة أخرى، وكما هي الحال في العهد القديم، من المنطقي أن نرى تشديداً على أقنوم الآب هنا. لكن من المهم أن نؤكد أن الابن والروح القدس يوفّروا لنا عطايا جيدة أيضاً.

 

ومع ذلك، من الواضح أيضاً أن الأسفار المقدسة تستخدم كلمة [آب] بمعناً آخر للإشارة إلى أقنوم الثالوث المُميَّز عن الابن والروح القدس. ونرى هذا في [يوحنا 1: 14 و18]؛ [يوحنا 5: 1726]؛ [غلاطية 4: 6] و[رسالة بطرس الثانية1: 17]. لننظر فقط إلى مثالَين لنوضح هذه النقطة.

 

يميّز الرسول في رسالةيوحنا الثانيةوالآية(9)، بين الآب والابن عندما كتب هذه الكلمات:

«كُلُّ مَنْ َلَمْ يَثْبُتْ فِي تَعْلِيمِ الْمَسِيحِ فَلَيْسَ لَهُ اللهُ. وَمَنْ يَثْبُتْ فِي تَعْلِيمِ الْمَسِيحِ فَهذَا لَهُ الآبُ وَالابْنُ جَمِيعاً».

وميّز يسوع في يوحنا (14: 1617)، بين الآب والروح القدس، عندما أكد لرسله ما يلي:

«وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ رُوحُ الْحَقِّ».

 

بعد أن رأينا كيف استُخدِم اسم “الآب” في الأسفار المقدسة ليشير إلى الألوهية بأكملها، وكذلك إلى الأقنوم الأول في الثالوث، نحن مستعدين لننظر إلى أقنوم الله الآب في تميُّزه عن الأقنومَين الآخرَين في الثالوث.

 

يمكن تفسير ارتباط الآب بالابن والروح القدس بعدة طرق. لكن برز في تاريخ اللاهوت، معيارين خاصَين عن الثالوث. فقد كان استخدام مصطلحَي الثالوث الوجودي والثالوث التدبيري شائعاً بشكل خاص. ويتحدث كلا الاقترابان عن الثالوث ذاته – الآب، الابن والروح القدس. لكنهما يشددان على نواحي مختلفة من العلاقة بين أقانيم اللاهوت الثلاثة.

 

فمن جهة، كان التحدث عن الثالوث الوجودي عند التركيز على وجود الله أمراً شائعاً. وتعني كلمة وجودي المتعلق بالوجود. وهكذا، عندما نتحدث عن الثالوث الوجودي، فإننا ننظر إلى الثالوث من جهة الوجود أو الجوهر. حيث نأخذ بعين الاعتبار الطريقة التي تتداخل فيها أقانيم الثالوث الثلاثة مع بعضها البعض، وكيف تتشارك في جوهر واحد.

ومن وجهة نظر علم الوجود، إن كل أقانيم الله الثلاثة غير محدودة، أبدية، وغير متغيِّرة. ولدى كل منها الصفات الإلهية الجوهرية ذاتها، كالحكمة، القوة، القداسة، العدالة، الصلاح والحق.

 

ومن جهة أخرى، نقول عادة أننا نتحدث عن الثالوث التدبيري، عندما نأخذ بعين الاعتبار كيف تتفاعل أقانيم الله، وترتبط مع بعضها البعض كأقانيم فردية. وتعني كلمة تدبيري العلاقة بإدارة المنزل. وهكذا، عندما نتحدث عن النواحي التدبيرية للثالوث، فإننا نصف كيفية ارتباط الآب، الابن والروح القدس مع بعضهم البعض كشخصيات فردية مُميِّزة.

وعندما ننظر إلى الثالوث من وجهة النظر التدبيرية، نجد أن لكل أقنوم مسؤوليات مختلفة، مستوى مختلف من السلطان، ودوراً معيّناً ومهمات مختلفة موكلة إليه. حيث يتشارك الآب، الابن، والروح القدس بأحاديث فيما بينهم. يتفقوا ويعملوا مع بعضهم البعض. ويتفاعلوا بعدة طرق أخرى.

 

يمكن القول من وجهتَي النظر الوجودية والتدبيرية أن الآب هو الأقنوم الأول. ويُسمّى الآب بالأقنوم الأول في الثالوث الوجودي لأن الابن مولود من الآب، والروح القدس منبثق من الآب.

 

اصغ لكلمات رسالة يوحنا الأولى (4: 9) فيما يتعلق بولادة الابن:

«بِهذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ».

تأتي كلمة الوحيد من الكلمة اليونانية [monogenes]، وغالباً ما تترجم المولود الوحيد. وللأسف، ظن بعض الأشخاص في الكنيسة الأولى أن هذا يعني أن الابن مخلوق وليس إلهياً بالكامل. وحتى في يومنا هذا، تُنكر بعض البدع لاهوت الابن لأنه يدعى “مولود”.

 

ولمواجهة هذا التعليم الخاطئ، قال المسيحيون بشكل تقليدي أن الابن مولود أزلي أو مولود قبل كل الدهور من الآب. ويشدد هذان المصطلحان على عدم وجود وقت لم يكن فيه الابن موجوداً.

 

اصغِ إلى الطريقة التي تكلم فيها يسوع عن انبثاق الروح في يوحنا (15: 26):

«وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِي».

تُترجِم كلمة ينبثق الكلمة اليونانية [ekporeuomai]، وغالباً ما تعني صدر من. ويتم فهم هذه الآية عادةً كإشارة إلى مصدر وجود الروح القدس.

 

للأسف، قادت فقرات كهذه بعض الأشخاص ليستنتجوا خطأً، أن الروح القدس ليس أبدياً أو إلهياً بالكامل. ولهذا، كان اللاهوت المسيحي التقليدي حذراً في الإصرار على كون الروح القدس عضواً كاملاً في الثالوث، وعلى كونه إلهياً بالكامل، رغم أن أقنوميته تنبثق من الآب قبل كل الدهور.

 

بالإضافة إلى كونه الأقنوم الأول في الثالوث الوجودي، يُدعى الآب أيضاً الأقنوم الأول في الثالوث التدبيري. فمن وجهة النظر التدبيرية، يُعتَبر الآب “الأقنوم الأول” لأن له سلطان على الأقنومَين الآخرََين، وهذا يشبه سلطان الأب البشري على أهل بيته إلى حد بعيد.

 

نجد سلطان الآب على الابن في عدة نواح. على سبيل المثال، يفعل الابن مشيئة الآب كما نتعلم في يوحنا 6: 40. ويستمد الابن سلطانه وملكوته من الآب وذلك حسب فقرات مثل أفسس 1: 2022. في الواقع، تخبرنا الأسفار المقدسة مراراً أن مُلك الابن خاضع لمُلك الآب. ونرى ذلك في الفكرة المتكررة بأن يسوع يجلس عن يمين الله، أي عن يمين عرش الله كما في مزمور 110: 1 وعبرانيين 1: 3. إن يمين الله بلا شك مكان الشرف والسلطان، لكنها ليست العرش بحد ذاته. وفي النهاية سيسلّم الابن ملكه إلى الآب كما يعلّم بولس في رسالة كورنثوس الأولى 15: 24. باختصار، إن للآب سلطان على الابن في الثالوث التدبيري.

 

د. سايمن ڤايبرت

إن السؤال عن العلاقة بين الآب والابن وممارسة كل السلطة معقدٌ. لكنه يتعلق حقاً بالتمييز بين الأدوار التي يلعبها الآب والابن داخل الثالوث. والحقيقة أن الابن في دوره يتبع الآب طوعاً. فقد جاء إلى الأرض ليُخضِع نفسه لمشيئة الآب ويمارس الآب كل السلطة. لكن في نفس الوقت، إنها علاقات محبةٍ، يحب فيها الآب الابن والابن يحب الآب ويسعى كلاهما لإرضاء وإكرام بعضهما البعض داخل الثالوث.

 

وبصورة مشابهة، إن للآب سلطان على الروح القدس. على سبيل المثال، غالباً ما يُقال لنا أن الآب هو من يُرسِل الروح القدس، كما في لوقا 11: 13 وأفسس 1: 17. كما نتعلم أيضاً أن الآب هو من أيّد الابن بالروح القدس في أعمال الرسل 10: 38. إن الروح القدس، في كل الأسفار المقدسة، هو وكيل الآب في العالم، المُوجَّه لإتمام مشيئة الآب. كما أن للآب، في الثالوث التدبيري، سلطان على الروح القدس، تماماً كما أن له سلطان على الابن.

 

د. ستيڤ بلاكمور

إن سلطة الآب هي سلطة محبة دائماً. كما أن سلطة الآب هي سلطة تحب الابن وترغب في تمجيده، تماماً كما أن الابن يرغب في تمجيد الآب. في النهاية، إذا اشترك الآب، الابن والروح القدس في المحبة العميقة، فإن فكرة وجود خلاف في المشيئة بين الآب، الابن والروح القدس تصبح نوعاً من الهزل بمعناً ما، لأنه إذا كان الابن والروح القدس يتوقان لإتمام مشيئة الآب للأبد، ويتوق الآب لتمجيد وإكرام الابن والروح للأبد، سيكون هناك اتحاد للمشيئة في حياة الله بشكل أساسي، أي اتحاد للحب؛ بسبب اتحاد الوجود في شركة الثالوث هذه.

 

بعد أن فهمنا كيفية استخدام اسم الآب في الأسفار المقدسة، وفي أقنوم الله الآب، نحن مستعدين للنظر في طبيعة أبوة الله للخليقة والبشرية.

 

قبل أن نصف أبوة الله بالتفصيل، يجب أن نتوقف قليلاً للإشارة إلى أن عدداً كبيراً من الأسفار المقدسة التي تتحدث عن أبوة الله، تأتي من العهد القديم، أي من الفترة التي سبقت إعلان الله عن طبيعته الثالوثية. وتشير كلمة “آب” أولاً وبصورة رئيسية، في هذه الفقرات، إلى الثالوث بأكمله وليس إلى أقنوم الآب فقط. ومع ذلك، يربط العهد الجديد أبوة الله بصورة رئيسية بأقنوم الآب. ولهذا، يحق لنا أن نرى في نصوص العهد القديم هذه، تشديداً على أقنوم الآب.

 

إن لأبوة الله عدة نواح يمكننا أن نناقشها. لكننا سنركّز على ثلاث من أكثر أفكار الأسفار المقدسة بروزاً. أولاً، سنأخذ بعين الاعتبار دور الآب كخالق. ثانياً، سننظر إلى أبوته من حيث علاقتها بمركزه كملك على خليقته وشعبه. وثالثاً، سنركّز على فكرة أن الآب هو رأس العائلة على شعبه. سنبدأ باستكشاف دوره كخالق باعتباره جانباً من جوانب أبوته.

 

وبالمعنى الأوسع، تشير الأسفار المقدسة أحياناً إلى الله بصفته أبٌ لكل ما خلقه. ونجد ذلك على سبيل المثال، في فقرات مثل [تثنية 32: 6]، [إشعياء 43: 6 7] و[64: 8 ]، [ملاخي 2: 10 و[لوقا 3: 38].

 

اصغِِ مثلاً لكلمات بولس للأثينيين في أعمال الرسل(17: 26 و28):

«وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ وَحَتَمَ بِالأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ... كَمَا قَالَ بَعْضُ شُعَرَائِكُمْ أَيْضاً لأَنَّنَا أَيْضاً ذُرِّيَّتُهُ»

بولس اقتبس هنا من الشاعرَين الوثنيَين كلينثس وأراتُس، اللذَين قالا أن زيوس هو أب البشر لأنه خلقهم. وبالطبع، أصرّ بولس على أن إله الكتاب المقدس هو الخالق الحقيقي، وليس زيوس. لكنّ بولس أكد أيضاً الفكرة القائلة، بأن من يخلق شيئاً يصبح أباً له.

 

د. پول تشانچ

لقد كُتِبَ الكتاب المقدس بلغة بشرية. وغالباً ما يتم التعبير عن علاقتنا البشرية بالله بالنسبة للعلاقة بين أبٍ وأولاده. وتمثّل أُبوة الله في هذا السياق، أصلنا وسلطته.

 

وكما أن الآباء البشريين صبورين مع أولادهم، فإن أبوة الله للخليقة تحثه على إظهار صبرٍ كبيرٍ مع عالمنا الساقط، ومع البشرية الخاطئة بصورة خاصة. هذا لا يعني، أنه سيمنع الدينونة عن الخليقة. لكنه يساعدنا في تفسير لماذا هو بطيءُ الغضب وسريعٌ في إظهار الرحمة.

 

كما نقرأ في مزمور (145 : 89):

«اَلرَّبُّ حَنَّانٌ وَرَحِيمٌ طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ. الرَّبُّ صَالِحٌ لِلْكُلِّ وَمَرَاحِمُهُ عَلَى كُلِّ أَعْمَالِهِ».

 

بعد أن نظرنا إلى دور الله [كخالق]، نحن مستعدون الآن لننظر كيف أن دوره [كمَلِك]مرتبط بأبوته.

 

كان من الشائع في الشرق الأدنى القديم، أن يشير الناس إلى ملوكهم البشريين بصفتهم آباء لهم، وأن يشير الملوك إلى شعبهم كأولادهم. وغالباً ما تظهر هذه اللغة في الأسفار المقدسة أيضاً. على سبيل المثال، أشار بنو إسرائيل إلى داود كأبيهم، لأنه كان ملكهم. وبالطبع، كان بعض الإسرائيليين أنسالٌ لداود بشكل مباشر، ولهذا كان داود جدهم بالمعنى الحرفي. لكن عندما يشير الشعب بأكمله إلى داود كأبيهم، فهم يعنون أنه كان ملكهم.

 

اصغِ إلى مرقس (11: 10)، عندما هتفت الحشود بهذه الطريقة:

«مُبَارَكَةٌ مَمْلَكَةُ أَبِينَا دَاوُدَ الآتِيَةُ».

إنأبوة داود على إسرائيل هنا، مرتبطةٌ بمُلكه بوضوح.

وبصورة مشابهة، سبحّت الكنيسة الله في أعمال الرسل(4: 2526)، بهذه الكلمات:

«الْقَائِلُ بِفَمِ دَاوُدَ فَتَاكَ لِمَاذَا ارْتَجَّتِ الأُمَمُ وَتَفَكَّرَ الشُّعُوبُ بِالْبَاطِلِ. قَامَتْ مُلُوكُ الأَرْضِ وَاجْتَمَعَ الرُّؤَسَاءُ مَعاً عَلَى الرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ».

لقددعي داود أباً لإسرائيل مرة أخرى، لأنه كان مسيح الرب، أي المَلِك الذي جلس على عرش الرب وقاد إسرائيل في معركة ضد شعوب الأعداء. لكن لماذا أشار القدماء إلى الملوك كآباء لهم؟

 

د. ريتشارد پرات، الابن

لقد دعا الملوك أنفسهم في العالم القديم بآباء لأنهم كانوا يصوّرون أنفسهم كالأبويين. في الواقع، كان معظم هذا مجرد دعاية، لأن الملوك في العالم القديم خدموا أنفسهم أكثر من خدمة شعبهم. لكن في نفس الوقت، عندما أعلن الله عن نفسه لبني إسرائيل، استخدم هذه الطريقة الشائعة في التفكير بالملوك كآباء. وفي حالة كون الله أبونا، فإن ذلك ليس دعاية، إنه الحقيقة. وهكذا فهو الآب لإمبراطوريته كلها، الآب لملكوته.

 

وكما دُعي الملوك البشر آباءٌ لشعوبهم. هكذا دعي الله “أباً”، لأنه كان الملك العظيم الذي حكم على كل ملوك العالم، ولأنه حَكَمَ مباشرة على شعبه المختار، إسرائيل.

 

اصغِ إلى الطريقة التي يتكلم فيها إشعياء 63: 1516 عن أبوة الرب

«تَطَلَّعْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَانْظُرْ مِنْ مَسْكَنِ قُدْسِكَوَمَجْدِكَ. أَيْنَ غَيْرَتُكَ وَجَبَرُوتُكَ. زَفِيرُ أَحْشَائِكَ وَمَرَاحِمُكَ نَحْوِي امْتَنَعَتْ. فَإِنَّكَ أَنْتَ أَبُونَا... أَنْتَ يَا رَبُّ أَبُونَا وَلِيُّنَا مُنْذُ الأَبَدِ اسْمُكَ».

تم الإشارة إلى الله هنا كالأب لأنه يجلس في مَسْكَنه السماوي، ويسود على كل الخليقة بصورة عامة، وعلى إسرائيل ويهوذا بصورة خاصة. وتظهر هذه الأبوة على وجه الخصوص من خلال الالتماس من الملك الإلهي ليقود جيشه في المعركة، ويفدي شعبه بهزيمة أعدائهم.

 

إن معرفتنا بأن ملكنا الإلهي يهتم بنا بنفس الطريقة التي يهتم بها الأب بأولاده، يجب أن تعطينا ثقة عظيمة وتعزية. إننا عاجزون بمفردنا عن الصمود في وجه الشرور في العالم. لكن ملكنا الإلهي يحبنا كأب بشري وهو مستعد لمساعدتنا.

 

في الواقع، كانت هذه إحدى الأفكار، التي علمها يسوع لتلاميذه في الصلاة الربانية، عندما علّمهم أن يصلوا أبانا الذي في السموات. حيث تم الاعتراف بالله، في هذه الطلبة من الصلاة الربانية، كأب في السماء. إن صورة السماء واحدة في كل الكتاب المقدس: إنها عرش الله، أي المكان الذي يجلس عليه ويحكم فيه كملك. وهكذا، عندما طلب يسوع من تلاميذه أن يصلوا “أبانا الذي في السموات”، أرادهم أن يصلوا لله كأبيهم المَلَكي، أي الملك الإلهي المتوج في السماء. إن ثقتنا بأن الله سيعطينا خبزنا اليومي، يغفر خطايانا، لا يدخلنافي التجربة، ويخلصنا من الشرير، هذه كلها تستند على حقيقة أن لملكنا المحب، القدرة والرغبة ليقوم بهذه الأمور.

 

بعد أن فهمنا حقيقة كون الله [خالقاً] و[ملكاً]، نحن مستعدون لنتأمل في دوره [كرأس للعائلة]، كجانب من جوانب أبوته.

 

د. ستيڤ هارپر

إن أحد الأمور المثيرة للاهتمام بالنسبة لي هو أن للاهوت مضامين رعوية دائماً. حيث يؤثر ما نؤمن به على نوعية الناس التي سنصبح عليها، وهذا صحيح بالنسبة لله الآب. وأعتقد أنه يعمل في كلا الاتجاهين، مع من كان لديهم أباء صالحين، ومع من لم يكن لديهم آباء صالحين. وقد كنت محظوظاً بأبي الصالح، وبالتالي لم أجد صعوبة في التفكير بالله كأبي السماوي. لكنني قابلت عبر السنين وعَملْت مع أشخاص كانت لغة الأبوة بالنسبة لهم سلبية صعبة. وهكذا، أعتقد أنه عندما نستكشف أبوة الله، حتى من جهة النقص، فإننا نبدأ بالتعلم أن قلب الله هو قلب مُعَدٌ من أجلنا، سواء عشنا التجربة مع آبائنا البشر أو لا.

 

كلنا على علم بمفهوم رأس العائلة. ويكون عادة أحد الوالدين، الجد، أو أي قريب يقود ويتخذ القرارات نيابة عن العائلة أو أهل البيت. في الواقع، غالباً ما تصف الأسفار المقدسة علاقة الله بشعبه بنفس هذه المصطلحات. نجد أحياناً في العهد القديم، تلميحات عن الله كرأس العائلة للجنس البشري. على سبيل المثال وصف موسى في تكوين 5: 1-3 علاقة الله بآدم بنفس الطريقة التي وصف فيها علاقة آدم بابنه شيث. لكن غالباً ما تم وصف الله في العهد القديم كرأس عائلة شعبه إسرائيل. ونرى ذلك في الاهتمام الذي يعطيه لشعبه في أماكن مثل تثنية 1: 31، مزمور 103: 13، وأمثال 3: 12.

 

وكمثال واحد فقط، تأمل في كلمات الرب في هوشع (11: 1):

«لَمَّا كَانَ إِسْرَائِيلُ غُلاَماً أَحْبَبْتُهُ وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي».

يصوّر الرب نفسه هنا كوالد أحَبَّ شعبه إسرائيل منذ طفولته.

كما نجد الله موصوفاً كرأس عائلة أمة إسرائيل في عدد (12: 7)، حيث أشار الرب إلى موسى بهذه الطريقة:

«وَأَمَّا عَبْدِي مُوسَى فَلَيْسَ هكَذَا بَلْ هُوَ أَمِينٌ فِي كُلِّ بَيْتِي».

إن الكلمة المترجمة بيت هي الكلمة العبرية [bayit]. إنها الكلمة التي أشارت عادة ليس لمبنى المنزل فحسب، بل للناس الذي يعيشون في ذلك المبنى أيضاً. ووُصِف موسى هنا كابن أو عبد، يسود على الشعب وممتلكات رأس البيت، مما يدل على أن الله هو رأس عائلة أمة إسرائيل.

 

وبالطبع، يستمر وصف الله كرأس عائلة شعبه في العهد الجديد. حيث علّم يسوع في متى 7: 911، ولوقا 11: 1113، أن الآب يستجيب لصلواتنا بنفس الطريقة التي يوفّر بها الآباء البشر حاجات أولادهم. كما ونتعلم في يوحنا 1: 1213 بالإضافة إلى رسالة يوحنا الأولى 2: 29 و3: 1، أن الآب يحبنا لأننا وُلدنا في عائلته. ونقرأ في عبرانيين 12: 510، أن الرب يؤدبنا من أجل صالحنا كما يؤدب الأب البشري أولاده. وفي مقاطع مثل رسالةتيموثاوس الأولى 3: 15 ورسالة بطرس الأولى 4: 17، يتم الإشارة إلى الكنيسة كبيت الله وعائلته.

 

د. مات فريدمان

أعتقد أن هناك مضامين رعوية هائلة في أبوة الله. وأعتقد أن أحد الأشياء التي نراها من البداية هو الله كالآب. وأعني بذلك أنها نظرة هائلة لما يشبهه الآب أي ما يشبهه الله في الأسفار المقدسة. وهكذا نجد من البداية أن العائلة هامة للغاية بالنسبة لله. وأعتقد أنه منذ تثنية 6 عندما قال الله اسمع، هذه هي الطريقة التي سأخلّد فيها ناموس الله ومحبته، وهي ستكون من خلال العائلات. وأعتقد أن الآباء حاسمين بالنسبة للعائلة. كما أعتقد أنه يمكنك إيجاد المضامين الرعوية هناك حول العالم، وحيث يكون الآباء أقوياء، تكون الثقافات أقوى. وعندما يكون الآباء ضعفاء في الثقافات، أي ضعفاء داخل الثقافات، سيكون لديك ضعف فعّال لا يمكن تبديله بالأمومة ببساطة. وهكذا، فإن الاختلال الوظيفي في الثقافة، يحدث عندما يكون لديك ضعف في مفهوم الأبوة وهذا سيحدث عندما يكون عندك مفهوم ضعيف لله الآب.

 

بعد أن استكشفنا اسم الآب القدير، شخصه وأبوته، أصبحنا مستعدين للبحث في قدرته غير المحدودة لإتمام إرادته.

 

انظر مرة أخرى إلى البند الأول من قانون إيمان الرسل الذي يقول:

أؤمن بإلهٍ واحدٍ، آبٍ قادر ٍعلى كل شيء،

خالق السماء والأرض.

عندما يقول قانون إيمان الرسل أن الله الآب قدير، يعني هذا أن له قدرة غير محدودة فريدة. ويتم الإشارة إلى قدرة الله في المصطلحات اللاهوتية التقليدية بكلمة omnipotence أي كلي القدرة وهي في الأصل omni أي كل وpotency أي قدرة. إن قدرة الآب غير محدودة لأن له القوة والقدرة لإنجاز ما يختاره. وهي فريدة لأنه هو وحده الذي يملك هذا النوع من القدرة.

 

سنتأمل في جانبَي قدرة الله الذَين ذكرناهما للتو: حقيقة كونها غير محدودة وحقيقة كونها فريدة. فلْنبدأ بطبيعة قوته غير المحدودة.

 

تصف الأسفار المقدسة “الآب”، كشخصٍ يملك القدرة ليفعل ما يشاء. وهي تشرح هذه القدرة غير المحدودة بعدة طرق مختلفة. فهي تتحدث عنه كشخص يملك القدرة لخلق الكون وتدميره. حيث تقول أن لديه القدرة ليتحكم بالطقس، يهزم أعدائه في المعركة، يسود على الحكومات البشرية ويتحكم بها، يصنع معجزات عظيمة، وينقذ شعبه.

 

اصغِ للطريقة التي وصف بها النبي إرميا الرب في إرميا 10: 1016:

«أَمَّا الرَّبُّ الإِلهُ فَحَقٌّ. هُوَ إِلهٌ حَيٌّ وَمَلِكٌ أَبَدِيٌّ. مِنْ سُخْطِهِ تَرْتَعِدُ الأَرْضُوَلاَ تَطِيقُ الأُمَمُ غَضَبَهُ... صَانِعُ الأَرْضِ بِقُوَّتِهِ مُؤَسِّسُ الْمَسْكُونَةِ بِحِكْمَتِهِ وَبِفَهْمِهِ بَسَطَ السَّمَاوَاتِ. إِذَا أَعْطَى قَوْلاً تَكُونُ كَثْرَةُ مِيَاهٍ فِي السَّمَاوَاتِوَيُصْعِدُ السَّحَابَ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ. صَنَعَ بُرُوقاً لِلْمَطَرِ وَأَخْرَجَ الرِّيحَ مِنْ خَزَائِنِهِ... لأَنَّهُ مُصَوِّرُ الْجَمِيعِ وَإِسْرَائِيلُ قَضِيبُ مِيرَاثِهِ. رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ».

يتحكم الله في النهاية بكل جانب للعالم المخلوق. فهو يملك القدرة لفعل ما يريد.

ولخّص الرب نفسه قدرته في إشعياء (46: 1011) بهذه الطريقة:

«رَأْيِي يَقُومُ وَأَفْعَلُ كُلَّ مَسَرَّتِي... قَدْ تَكَلَّمْتُ فَأُجْرِيهِ. قَضَيْتُ فَأَفْعَلُهُ».

 

د. روبرت لِستر

إن القدرة الكلية لله تذكار جيد لنا كمؤمنين، حتى أنه عندما يبدو العالم وكأنه خارج عن نطاق السيطرة، ونشعر وكأنه ينزلق في الفوضى، فهو ليس هكذا. ولا يمكن تقييد الله بمصدرٍ أو قدرةٍ تفوقه. إن العالم، بالرغم مما قد يبدو عليه، ليس خارجاً عن نطاق السيطرة فالله هو المسيطرٌ ويمكننا أن نثق بأنه غير مغلوب، وهذا يعطينا القوة لنعيش بالإيمان في تلك الأوقات التي تبدو غامضة بالنسبة لوجهة نظرنا المحدودة. وعندما لا نرى كل ما يراه الله، فإنه أمرٌ جيدٌ أن سيطرة الله وقدرته لا يمكن أن تُنزَع منه رغماً عنه.

 

تُشير الأسفار المقدسة في كل الكتاب المقدس، إلى فداء الله لشعبه كبرهان مثالي عن قدرته. حيث نقرأ مراراً في العهد القديم، أن الله برهن عن قدرته في الخروج عندما ضرب المصريين بالأوبئة، حرّر بني إسرائيل من العبودية، حافظ عليهم بطعام من السماء لمدة أربعين سنة في البرية، ومنحهم احتلال أرض الموعد. لقد كان الخروج بالنسبة للإسرائيليين القدماء، المثال الأعظم لقدرة الله الفدائية التي عرفوها.

ونجد إشارات لقدرة الله في الخروج، في كل أسفار الشريعة، في فقرات مثل خروج 14: 31؛ عدد 14: 13؛ وتثنية 9: 2629. كما ونجد هذا الموضوع في كل جزء آخر في العهد القديم. فنجده في الأسفار التاريخية في الملوك الثاني 17: 36؛ في الأسفار الشعرية في أماكن مثل مزمور 66:36؛ وفي الأسفار النبوية في أماكن مثل إشعياء 63: 12.

 

هذا لا يعني أن الإسرائيليين القدماء تجاهلوا العظمة الفائقة للفداء الروحي الذي نالوه بالنعمة بالإيمان بالرب. وقد كان يحق لهم تماماً أن يقولوا أموراً مثل “أؤمن بقدرة الله بالإيمان”. لكن وجد العديد من مؤلفيّ العهد القديم أنه مُقنعٌ أكثر إذا قالوا أموراً مثل “برهن الله عن قدرته من خلال التحرير المفرد لأمتنا بأكملها من العبودية”. ويجب ألا يفاجئنا هذا. ففي النهاية، كانت البراهين الخارجية لقوة الله في الخروج غير قابلة للجدل، حتى أن المصريين غير المؤمنين اقتنعوا بها.

 

القس وليد حرموش

وانطلاقاً من هذا الفهمِ لقوةِ الله غيرِ المحدودةِ في أذهانِنا، لا بد من وقفةٍ قصيرةٍ لنشيرَ أن هناكَ أموراً محدّدةً لا يقدرُ اللهُ، أو لا يريدُ أن يقومَ بها على الرغم من قدرته غير المحدودة. وعلى وجهِ التحديدِ، فإن طبيعةَ الله تتحكمُ بكل شيء يفعلُه. وبالتالي، هو لا يفعلُ أيَ شيءٍ يتناقضُ مع طبيعتِه.

 

إن الطبيعة مصطلح واسع يشمل الصفات الجوهرية والشخصية معاً. ويمكننا تعريف الطبيعة كشخصية الفرد الأساسية أو النواحي المركزية لوجود الفرد. ففي حالة الآب، لا تشمل طبيعته كيانه وشخصه فقط، بل أيضاً علاقاته مع أقنومَي الثالوث الآخرَين. إن طبيعة الآب ثابتة وغير قابلة للتغيير على الإطلاق، بحيث أنها تقوده دائماً ليمارس قدرته بطرق متشابهة.

 

تتحدث رسالة يعقوب 1: 17 عن طبيعة الله غير القابلة للتغيير بهذه الطريقة:

«أَبِي الأَنْوَارِ الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ».

 

لا تَحُدّ طبيعة الآب من قدرته على القيام بأمور تنسجم مع طبيعته. لكنها تضمن بأنه سيمارس فقط قدرته الكلية بطرق تتفق مع صفاته. على سبيل المثال، لن يتوقف الآب عن كونه أبدياً. لن يُلغي سلطته على الابن والروح القدس. لن يرتكب الإثم، وسيحفظ وعوده دائماً.

 

د. ليچن دنكن الثالث

إن ما يثير الاهتمام بالنسبة لي هو أن أحد عوامل نشوء العلم الحديث هو الاعتراف بأن الله يعمل اليوم كما فعل بالأمس. وإن كان لا يمكن التنبؤ بالله نهائياً، فأنت غير قادر على دراسة هذا العالم، لأنك لا تعرف إذا كان سيعمل بهذه الطريقة اليوم وبأخرى غداً. لكن إذا كان الله ثابتاً، يمكنك عندها أن تدرس العالم فعلاً وتفهم كيف صنعه الله وكيف يعمل. وهكذا، ساعد الاعتقاد في ثبات الله في نشوء العلم الحديث. في الواقع، وبنفس الطريقة التي ساعد فيها في نشوء العلم الحديث، فإنه يساعد في ضمان راحة وسلام المسيحي في الظروف الغامضة، وأننا لسنا مضطرين لاكتشاف كل هذا. لسنا بحاجة لمعرفة الأمور المخفية. كل ما علينا معرفته هو أن إلهنا كافٍ تماماً لمواجهة كل تحدي يعترضنا، وأنه سيعالج تلك الحالة بشكل متوَقّع بنفس الطريقة التي وعد بها داود، إبراهيم، آدم، يسوع، وبولس – بأنه يمكن الاعتماد عليه، بأنه أمين، بأنه غير متقلّب، بأنه لا يتغير يوماً بعد يوم، وأن لديه قدرة في ذاته لمعالجة كل الظروف.

 

بعد أن ناقشنا طبيعة قدرة الآب غير المحدودة، يجب أن ننتقل إلى صفاته الفريدة، مُظهرين أن الله وحده كلّي القدرة.

 

اصغِ للطريقة التي تم فيها وصف قدرة الله في إشعياء (14: 2427):

«قَدْ حَلَفَ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلاً إِنَّهُ كَمَا قَصَدْتُ يَصِيرُ وَكَمَا نَوَيْتُ يَثْبُتُ أَنْ أُحَطِّمَ أَشُّورَ فِي أَرْضِي وَأَدُوسَهُ عَلَى جِبَالِي فَيَزُولَ عَنْهُمْ نِيرُهُ وَيَزُولَ عَنْ كَتِفِهِمْ حِمْلُهُ.هذَا هُوَ القَضَاءُ الْمَقْضِيُّ بِهِ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ وَهذِهِ هِيَ الْيَدُ الْمَمْدُودَةُ عَلَى كُلِّ الأُمَمِ. فَإِنَّ رَبَّ الْجُنُودِ قَدْ قَضَى فَمَنْ يُبَطِّلُ وَيَدُهُ هِيَ الْمَمْدُودَةُ فَمَنْ يَرُدُّهَا».

لاحظ في هذا المقطع، أن وصف قدرة الرب غير المحدودة، متبوع بتأكيدِ أنه كلي القدرة وحده. فلا يوجد مَن يُبَطِّلُه، ولا من يرُدّ يده.

 

تنبع حقيقة أن قوة الله فريدةبشكل طبيعي من حقيقة وجود إله واحد حقيقي. وبالتأكيد، لو كان هناك كائن آخر بقدرة غير محدودة، لكان بالإمكان تحدي منزلة الله كالإله الوحيد. ومع ذلك، إن وجود كائن ذو قدرة غير محدودة، يعني أنه إلهي، أو يمكنه أن يجعل نفسه إلهياً بحكم قدرته.

هذا هو أساساً ما قاله الله لأيوب في أيوب 38، عندما قال أنه يمكن لأيوب أن يبرّر نفسه، إذا تمكّن أولاً من القيام بنفس الأعمال التي سبق وقام بها الله، مثل خلق الكون، ترتيبه، والتحكم به بعنايته. لكن الحقيقة هي أن الله وحده هو إلهي حقاً. ولهذا إن لله وحده قدرة غير محدودة.

 

القس وليد حرموش

مع الأسف، يُنكِرُ العديدُ من المسيحيين اليومَ، عن حسنِ نيةٍ، أن اللهَ كليَ القدرة. فهم يسيئون فهمَ الأسفارِ المقدسة، ويظنون أنها تُعِلمُ أن اللهَ يفعلُ كل ما بوسعه في الخليقة. لكن الكتابَ المقدسَ يُعلّمُ عن كلية قدرةِ الله كأمرٍ واقعيِ إلى حدٍ مدهش. فعندما يكون شعبُ الله في وَرْطَة، يصرخون إلى الله طالبين عونَه إذ هم يعلمون أنه قادرٌ أن ينقذهم. وعندما يبدو أن الشرَ يسيطرُ على العالم، يمكننا أن نطمئن واثقين أن لله سلطانٌ مطلقٌ على الشر. فدون إيمان بقدرة اللهِ الكلية، لا يوجد أساسٌ لثقتنا بأن اللهَ سينتصرُ على أعدائِه، وسينالُ أولادُه البركاتِ الأبدية التي وعدَهم بها.

 

من المدهش أن نفكر بكل اللاهوت الغني الذي يدخل في عبارة الآب القدير. إننا نخدم إلهاً قديراً، شخصياً، أبوياً يحبنا ويهتم بنا بطرق مدهشة. ويمكننا أن نتأكد تماماً، بأن حمايته لن تفشل أبداً لأننا نعلم، أنه هو نفسه لن يفشل. فهو سيبقى خالقنا، ملكنا، ورأس عائلتنا دائماً. ستكون قدرته غير محدودة، وفريدةدائماً. لن يتغيّر أبداً. وسيكون موجوداً ليخلّصنا باستمرار، والخلاص الذي يقدمه لنا أبديٌ كما أنه هو أبدي.

 

لقد درسنا في هذا الدرس حتى الآن، طبيعة إلهنا المثلث الأقانيم، وصفات الأقنوم الإلهي المعروف بالآب القدير. نحن مستعدون الآن للانتقال إلى موضوعنا الثالث، وهو دور الآب كخالق السماء والأرض.

 

ستركّز مناقشتنا عن الآب كخالق السماء والأرض، على ثلاثة أوجه لعمله الإبداعي. أولاً، سنأخذ بعين الاعتبار عمل الآب في الخليقة، ثانياً، سنركّز على صلاح الخليقة. وثالثاً، سنذكر سلطة الآب على الخليقة. لنبدأ بالتفكير في العمل في الخليقة الذي قام به الآب.

 

الخليقة هي عمل ينسبه قانون إيمان الرسل إلى الآب بالتحديد. وستذكر أن أول بند من بنود الإيمان يقول:

أؤمن بإلهٍ واحدٍ، آبٍ قادر ٍعلى

كل شيء، خالق السماء والأرض.

لقد أصرت المسيحية التاريخية أن هذا العمل هو الوحيد بين كل الأشياء التي كان على الآب القيام بها في الأسفار المقدسة، والذي أكده كل المسيحيين.

 

إن فكرة خلق وحفظ الله للكون مألوفة عند معظم المسيحيين، لأن الأسفار المقدسة تشير إلى ذلك في كثير من الأحيان إلى حد كبير. في الواقع، إذا فتحنا كتبنا المقدسة إلى الصفحة الأولى وبدأنا بالقراءة، فإن أول شيء نقرأه هو أن الله هو خالق السماء والأرض.

 

كما نتعلم في تكوين (1: 1):

«فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ».

بعد هذه الآية التمهيدية، يشرح تكوين (1) أن الله خلق الكون ورتبه في غضون ستة أيام.

 

لقد كان هناك العديد من النظريات المختلفة حول تفسير سجل الخليقة في تكوين (1) عبر تاريخ الكنيسة. وقد اتفق تقريباً معظم اللاهوتيين أن الله خلق الكون منexnihilo] ] أو لا شيء. هذا يعني، أنه قبل أن يخلق الله السماء والأرض، لم يكن أي شيء موجوداً سوى الله نفسه. فلم يكن هناك مادة موجودة مسبقاً صنع منها الله الكون. وقد اقترح العديد منهم أن الله خلق حتى الزمن والفضاء نفسه.

 

لكن اللاهوتيين اختلفوا حول الأسلوب الدقيق الذي خلق به الآب الكون، لا سيما حول طبيعة الأيام الستة للخليقة. وقد آمن عدة أباء في الكنيسة مثل إكلمندُس، أوريجانوس وأوغسطينوس بأن الأيام هي تمثيلات رمزية لعملية خليقة حدثت على الأرجح في لحظة واحدة. بينما رأى آخرون، مثل إيرينايوس وترتليان، أنها أيام عادية من 24 ساعة. لاحقاً، عندما بدأ العلم باقتراح أن الكون قديم جداً، بدأ العديد من اللاهوتيين بقراءة سجل الخليقة بطرق جديدة. حيث اقترح البعض أن الأيام هي فترات من 24 ساعة، لكن فترات الوقت الواسعة تخللت بين الأيام التي خلق فيها الله. بينما فسّر آخرون الأيام كاساليب لغوية تمثل عصوراً أو حقبات.

 

د. جون أوزوالت

وبالتأكيد، إن مسألة أيام الخليقة في تكوين 1 هي أحد القضايا الحادة التي كانت مصدراً للكثير من المجادلات. وأظن أن أحد القضايا هي ما هو نوع الأدب هذا؟ هل هو نوع الأدب المُصَمَّم ليعطي حقائق حسية، أو أنه أدبٌ مُصَمَّمٌ ليعلّم حقائق روحية. علينا ألا نفرّق بينهما. إن الله هو خالق هذا العالم، ولابد أن يتوافقا مع بعضهما البعض. لكن إذا قرأنا تكوين 1 كنص علمي، سيقودنا ذلك إلى تفسير مختلف عما لو قرأناه كمناقشة لمعنى وأهمية الخليقة.

 

أما بالنسبة للكنيسة الأولى واستخدامها لقانون إيمان الرسل، فيبدو أن الأمر الأكثر أهمية، هو أن المؤمنين اعترفوا أن الله، والله وحده، خلق وحفظ الكون بقيادة أقنوم الآب، بما في ذلك العالمَين الروحي والمادي، بكل ما فيها من مواد ومخلوقات.

 

هذه هي الفكرة ذاتها التي شدّد عليها اللاويون في نحميا (9: 6). اصغِ إلى كلماتهم:

«أَنْتَ هُوَ الرَّبُّ وَحْدَكَ. أَنْتَ صَنَعْتَ السَّمَاوَاتِ وَسَمَاءَ السَّمَاوَاتِ وَكُلَّ جُنْدِهَا وَالأَرْضَ وَكُلَّ مَا عَلَيْهَا وَالْبِحَارَ وَكُلَّ مَا فِيهَا وَأَنْتَ تُحْيِيهَا كُلَّهَا. وَجُنْدُ السَّمَاءِ لَكَ يَسْجُدُ».

كما نقرأ هنا، الله وحده خلق الكون. والله وحده يستمر في وَهْبِ الحياة لكل ما هو موجود، حافظاً الكون الذي خلقه.

 

مهمٌ أن نشير أنه رغم قيام الآب بدور قيادي في خلق وحفظ السماء والأرض، فإن هذه الأعمال تشمل الثالوث بأكمله بطرق متنوعة. على سبيل المثال، كان الابن الواسطة أو الوسيلة التي استخدمها الآب لخلق العالم، وهو ما يزال يستخدمها لحفظه.

 

اصغِِ للطريقة التي وصف بها بولس عمل الخليقة في رسالة كورنثوس الأولى (8: 6):

«لكِنْ لَنَا إِلهٌ وَاحِدٌ الآبُ الَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ وَنَحْنُ لَهُ. وَرَبٌّ وَاحِدٌ يَسُوعُ الْمَسِيحُ الَّذِي بِهِ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ وَنَحْنُ بِهِ».

شرح بولس هنا، أن الآب هو مصدر الخليقة. الخليقة تأتي منه. لكنها تأتي من خلال ابنه. ونستمر في الحياة لأن الآب يحفظ حياتنا من خلال ابنه.

 

إن مشاركة الروح القدس مذكورة بصورة أقل وضوحاً في الأسفار المقدسة. وهي مفهومة ضمناً بشكل أساسي في فقرات العهد القديم، التي تشير إلى عمل روح الله. ففي فترة العهد القديم، لم يكن الروح القدس قد أُعلِن بعد بوضوح كأقنوم مميَّز لله. ومع ذلك، يعلّم العهد الجديد، أن الروح القدس كان نَشِطَاً في العالم متمماً إرادة الله. ونرى ذلك في فقرات مثل مرقس (12: 36) الذي يتحدث عن وحي الروح القدس لمؤلفيّ أسفار العهد القديم، وفي أعمال الرسل (2: 2–17) حيث علّم بطرس أن الروح القدس كان مصدر النبوة والموهبة الروحية حتى خلال العهد القديم. وهكذا، عندما نقرأ سجلات العهد القديم عن روح الله، فمن المنطقي أن نستنتج أنها تُنذِر مسبقاً بالإعلان اللاحق الأوضح بأن الروح القدس هو أقنوم إلهي مميّز.

 

على سبيل المثال، نقرأ هذا السجل في تكوين (1: 2-3):

«وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ. وَقَالَ اللهُ لِيَكُنْ نُورٌ فَكَانَ نُورٌ».

تشير عبارة [روح الله] حرفياً إلى الله في كل أقانيمه. لكن من وجهة نظر العهد الجديد، يمكننا أن نرى فيها تشديداً على نشاط أقنوم الروح القدس.

 

بعد أن نظرنا إلى عمل الآب في الخليقة كخالق، أصبحنا جاهزين للتركيز على صلاح الخليقة التي صنعها الله.

 

القس وليد حرموش

تعلّم الكثيرُ من الدياناتِ والفلسفاتِ، أن العالمَ الماديَ محايدٌ أخلاقياً، أي أنه ليس صالحاً أو شريراً. آخرون يقولون إنه في الحقيقةِ شريرٌ. على سبيل المثال، علّمت العديدُ من الفلسفاتِ الوثنيةِ التي تواجهت معها الكنيسة الباكرة، أن الكونَ الماديَ فاسدٌ، بحيث إنه كي يخلصَ البشرُ، لا بد لهم أن يفلتوا من عبودية أجسادهم. وهذا الرأيُ السلبيُ للعالمِ هو أحدُ الأسبابِ وراء تشديدِ قانونِ إيمانِ الرُسل على أن الله هو خالق السماء والأرض. في الكتاب المقدس، الكون هو خليقة الله الصالحة التي تعكس طبيعتَه الصالحَة.

 

يتم تذكيرنا بصلاح الخليقة في تكوين 1: 4، 10، 12، 18، 21، 25 و31 سبعة مرات. وتسجل الآية الأخيرة أن الخليقة بأكملها ليست “حسنة” فقط بل “حسنة جداً“.

 

كما كتب موسى في تكوين (1: 31):

«وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدّاً».

 

للأسف، بعد أن خلق الله العالم بوقت قصير، أخطأ آدم وحواء ضد الله بالأكل من شجرة معرفة الخير والشر. ونتيجة لخطية البشر، وضع الله الخليقة كلها تحت اللعنة.

 

إن أحد المقاطع التي تتحدث عن ذلك، هو تكوين (3: 17-19) عندما لعن الله آدم قائلاً:

«مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. وَشَوْكاً وَحَسَكاً تُنْبِتُ لَكَ وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ. بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزاً».

بسبب خطية آدم، لَعن الله الأرض بحيث أصبحت الزراعة صعبة، مما دفع آدم وبقية البشر ليعملوا بكد للحصول على الطعام.

 

لم تكن هذه اللعنة على الأرض مقتصرة على الزراعة فقط. بل أثرت على العالم بأسره في كل جوانبه. وقد كتب بولس عن هذه المشكلة في رومية (8) حيث جادل أن فداء المؤمنين بواسطة يسوع المسيح سيقود في النهاية إلى تجديد الخليقة نفسها.

 

اصغ لما كتبه بولس في رومية (8: 20-22):

«إِذْ أُخْضِعَتِ الْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ عَلَى الرَّجَاءِ. لأَنَّ الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضاً سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ كُلَّ الْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعاً إِلَى الآنَ».

علّم بولس أن لعنة الأرض أثرت على كل عنصر في الخليقة.

 

لكن بالرغم من لعنة الله، يجب ألا نخطئ بالتفكير بأن الخليقة لم تعد صالحة. نعم، لقد ضرر سقوط البشرية في الخطية بالخليقة. لكنها ما تزال عالم الله، وما تزال صالحة في الأساس. وقد أشار بولس إلى هذه النقطة عندما كتب عن شرعية الزواج الدائمة، وحرية المسيحيين في تناول كل أنواع الطعام.

 

اصغِ لكلماته في رسالة تيموثاوس الأولى (4: 4):

«كُلَّ خَلِيقَةِ اللهِ جَيِّدَةٌ».

لاحظ ما قاله بولس هنا. فهو لم يقل أن كل ما خلقه الله “كان” جيداً، بل كل خليقة الله جيدة.

 

د. مارك ستراوس

إن لحقيقةِ أن العالم المادي صالح الكثير من المضامين العملية بالنسبة لنا. فمن ناحية، نحن بحاجة لحماية البيئة. إن العالم المادي الذي خلقه الله هو صالح. وأجسادنا المادية ووجودنا المادي هي صالحة.

 

وهكذا، سواء كنا نتحدث عن الزواج أو الطعام أو أي شيء آخر خلقه الله، يمكننا أن نثق بأنه صالح، لأن الآب الذي خلقه هو صالح. لهذا السبب تمكّن بولس أيضاً من القول، في رومية (1)، إن صلاح الله نفسه ما يزال ظاهراً لكل البشرية من خلال الأشياء التي صنعها. ولهذا يمكن لمزمور (19) أن يعلن، أن السموات تحدث بمجد الله.

 

وصف جون وِسلي في القرن الثامن عشر صلاح الخليقة في مؤلفه استقصاء عن حكمة الله في الخليقة الجزء الثالث والفصل الثاني حيث قال:

“إن الكون كله عبارة عن صورة، تُعرَض فيها كمالات الألوهية. فهي لا تُظهر وجوده فقط، بل وحدته، قدرته، حكمته، استقلاليته، وصلاحه”.

يعرض الكون صلاح الله من خلال صلاحه الفطري – أي الصلاح الذي يمتلكه، لأن إلهاً صالحاً خلقه.

 

د. ديريك توماس

تعكس خليقة الله صلاحه. وتخبرنا قبل كل شيء أن الخليقة ليست شريرة من ذاتها، وأنه لا وجود للشر أصلاً في المسألة. لكنها تخبرنا أيضاً أنه عندما خلق الله الخليقة فقد خلقها صالحة. وأنه يوجد جمال في الخليقة. وقد تشوّه هذا الجمال بسبب السقوط. حيث شوّهت الأشواك والحسك وعَرَقُ جبينٍ واحدٍ خليقة الله. لكن كمسيحيين، بدأنا بالعملية، أو بدأ الله عملية الاستعادة في داخلنا. فنحن كمسيحيين، خليقة جديدة في يسوع المسيح كما يقول كاتب الترنيمة، نرى شيئاً لن تراه أعينٌ لا تعرف المسيح. ونبدأ برؤية الخليقة كما صنعها الله. ولهذا، فإننا كمسيحيين نرى الفن، الجمال، البنيان، التماسك، والتكامل في الخليقة نفسها. وهذا ما نتوقعه في السماء الجديدة والأرض الجديدة، عندما تصبح خليقة الله جديدة بالكامل، وعندما نكون قادرين على التمتع بالخليقة كما أرادنا الله أن نتمتع بها.

 

بعد أن فهمنا العمل في الخليقة وصلاحها، إننا مستعدون لتناول موضوع سلطة الآب على الخليقة، والتي يمتلكها بصفته خالقها.

 

يمكننا أن نقول الكثير عن سلطة الآب كخالق. لكننا سنركّز على ثلاث من صفاتها الأساسية فقط: إن سلطته مطلقة، خاصة، وشاملة. وسنلقي نظرة فاحصة على كلٍ من هذه الأفكار، بدءً بالطبيعة المطلقة لسلطة الآب كخالق.

 

إن للآب سلطة مطلقة، بمعنى أن لديه حرية كاملة ليفعل ما يشاء بخليقته. وغالباً ما تشبّه الأسفار المقدسة سلطته المطلقة بسلطة الفخاري على الطين. ونجد هذا الوصف في أماكن مثل [إشعياء 29: 16]، [إشعياء 45: 9]، [إرميا 18: 1-10]، و[رومية 9: 18-24].

 

اصغِ للطريقة التي تحدث فيها بولس عن سلطة الله في رومية 9: 20-21:

«بَلْ مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الَّذِي تُجَاوِبُ اللهَ. أَلَعَلَّ الْجِبْلَةَ تَقُولُ لِجَابِلِهَالِمَاذَا صَنَعْتَنِي هكَذَا. أَمْ لَيْسَ لِلْخَزَّافِ سُلْطَانٌ عَلَى الطِّينِ أَنْ يَصْنَعَ مِنْ كُتْلَةٍ وَاحِدَةٍ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ وَآخَرَ لِلْهَوَانِ».

وبالطبع، إن الإجابات على أسئلة بولس البلاغية واضحة. لأن الله هو خالق الكل، فإن له الحرية و[السلطان] أن يفعل ما يشاء بخليقته.

 

د. دينيس جونسون

أعتقد أن بعض الناس عندما يسمعون أن الكتاب المقدس يعلّم أن لله سلطة مطلقة على كل شيء يحصل في العالم، فإنهم يشعرون بالتهديد والاستياء. لكن على المسيحيين أن يكونوا شاكرين جداً، عندما نفكر بمن هو الله حقاً. هذا يعني أن حياتنا هي في أيدي الآب الكلي الحكمة، الكلي القدرة، الكلي الحب، الذي قدّم ابنه على الصليب نيابةً عنا.

د. توم شراينر

حتى لو لم نفهم ما يحصل، فإذا كنت مع المسيح فإن الله هو أبوك وهو يحبك. يحميك ويحفظك بغض النظر عما تمر به. وقد تكون بعض الأمور التي نمر بها شديدة الألم. لكن مهما كانت الظروف التي تمر بها فهو مسيطر على كل شيء. فهل تستطيع قبول هذا في هذه المرحلة من حياتك؟ لقد أعدّ هذا لخيرك، ولإرضاءك. ويحول الله الأعداء في حياتنا إلى أصدقاء حتى يتسنى لنا أن نُخضِع أكثر بالذي أحبنا. ولسنا نُخضِع فقط، بل نقول أن نُخضِع أكثر بالذي أحبنا. وهكذا، أخذ الله التجارب والصعوبات ويستخدمها لتقديسنا، ليجعلنا أكثر شبهاً بيسوع المسيح. وهو يأتي بالأشياء التي في حياتنا حتى نكون مثل المسيح. يقول عبرانيين (12) أنه يؤدبنا كأب حنون، حكيم، وصالح. وأعتقد أنه يتم خوض معركة الإيمان عند هذه المرحلة بالضبط. علينا أن نقول لأنفسنا مرةً تِلوَ الأخرى: الله، الله يهتم بي حتى وإن لم أفهم ذلك. فهو يأتي بهذا في حياتي لخيري ولتقديسي.

 

بالإضافة إلى امتلاكه سلطةً مطلقةً، فإن للآب أيضاً سلطة خاصة على كل ما خلقه.

 

إن سلطة الآب كخالق، خاصة، بمعنى أنه لا يمتلك أي مخلوق سلطة مطلقة. فالسلطة المطلقة تخص الخالق وحده، والله هو الخالق الوحيد. وفوق هذا، عندما ننظر إلى الثالوث من الناحية التدبيرية، فإن للآب أيضاً سلطة على أقنومَي الثالوث الآخرَين.

 

على سبيل المثال، اصغِ لكلمات يسوع في يوحنا (5: 2627):

«لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ كَذلِكَ أَعْطَى الابْنَ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ وَأَعْطَاهُ سُلْطَاناً أَنْ يَدِينَ أَيْضاً لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ».

 

‫لقد علّم يسوع أن الآب فوّض إليه سلطته للحكم على العالم. وكانت هذه السلطة تكمن أساساً في الآب، وكانت امتيازه الخاص. لكنّ الآب عيّن الابن ليحكم باسمه. ونجد فكرة مماثلة في [رسالة كورنثوس الأولى 15: 24]، حيث تخضع ملكية يسوع على الكون لملكية الآب الأعظم. وينطبق شيء مماثل على الروح القدس أيضاً. حيث تعلم فقرات مثل [يوحنا 16: 13]، [رومية 8: 11]، و[رسالة بطرس الأولى 1: 2] أن الروح القدس سيفعل مشيئة الآب أيضاً.

 

‫وكما أن سلطة الابن وسلطة الروح مفوُّضَتان من الآب، فإن سلطة المخلوقات مفوَّضة من الآب أيضاً. حيث أن للملائكة، الحكّام الأرضيون وحتى البشر العاديون مقدار من السلطة، لكنّ كل أنواع السلطات هذه مُفوَّضة من الله، حتى تكون سلطة الآب متفوقة على سلطة المخلوقات دائماً.

 

بالإضافة إلى امتلاك سلطة مطلقة وخاصة، يمتلك الآب أيضاً سلطة شاملة على الكون.

 

عندما نقول أن سلطة الآب شاملة، فإننا نعني أنها تمتد على كل الأشياء التي خلقها بكل تفاصيلها. ويوجد على الأقل مضمونان هامان لهذه الحقيقة. أولاً، إن الكل تحت سلطة الله. لا يوجد شخص أو أي كائن مخلوق آخر حر من الالتزام بطاعة الله.

 

إن الملائكة والكائنات البشرية المُخلصة للآب، تُميّزه وتخضع له بإرادتها. لكن الأرواح الشريرة والكائنات البشرية غير المخلصة تتمرد عليه وترفض الخضوع لأوامره. ومع ذلك، تنطبق أحكام الآب الأدبية على الكل. فبغض النظر عن المكان الذي نعيش فيه، أو من نحن، وبغض النظر عن ثقاقتنا وديننا، كلنا مسؤولون أمام الله.

 

ثانياً، إن كل شيء تحت سلطة الله، حيث تمتد سلطته إلى كل تفاصيل خليقته.

 

ولأن الله خلق كل شيء، ليس أي جانب من جوانب الخليقة محايد أخلاقياً. فقد خلق الله كل شيء لهدف معين، وأعطاه صفة أخلاقية. هذا يعني، أنه أياً كان الموضوع، وأياً كان جانب الخليقة الذي نتناوله، فلا وجود للحيادية الأخلاقية. فإمّا أن يعمل كل شيء في الخليقة وفقاً لمشيئة الله، وهو بالتالي صالح. أو يتمرد عليه، وبالتالي يكون شرير.

 

يميل العديد من المسيحيين، في العالم المعاصر، إلى تقسيم الحياة إلى أمور مقدسة، وأمور دنيوية. ويدرك معظمنا أن الأمور “المقدسة” مثل الكنيسة، العبادة، التبشير، ودرس الكتاب المقدس هي تحت سلطة الله. ونجاهد أيضاً للاعتراف بأوامر الله في عائلاتنا واختياراتنا الأخلاقية، ونتعامل معها كأمور مقدسة أيضاً. لكن يميل العديد من المسيحيين للظن بأن أوامر الله لا تحكم الأمور “الدنيوية” مثل السياسة، التربية، والعمل. لكن هذا التمييز المعاصر بين العالم المقدس والعالم الدنيوي ليس كتابياً. حيث تشير فقرات مثل [أمثال 3: 6 [جامعة 12: 14 و[رسالة تيموثاوس الثانية 3: 1617] إلى أن الله قد تكلم عن كل ناحية من الحياة البشرية، ويمتد سلطانه إلى كل ما نفعله.

 

د. سايمن ڤايبرت

إن سلطة الله أمر عظيم بالنسبة للمسيحيين ليؤمنوا بها في عالم غالباً ما تُستخدَم فيه السلطة بطريقة سلبية، لأن الله ما يزال يحب العالم، وما يزال الله مسيطراً، يعرف الله النهاية من البداية، وسيكون الله الحاكم على كل الناس.

 

لقد نظرنا في هذا الدرس عن الله الآب، إلى بند الإيمان الأول من قانون إيمان الرسل عن كثب. وقد ناقشنا مفهوم الله المُتَضَمَّن في هذا البند. تحدثنا عن الآب القدير بصفته الأقنوم الأول في اللاهوت. واستعرضنا دور الآب كخالق السماء والأرض.

 

القس وليد حرموش

إن فهم أقنوم الله الآب أساسيٌ بالنسبة لكل اللاهوت المسيحي. وإن لم نعرف ونعبد إله الأسفار المقدسة الثالوثي الحقيقي، فإننا نعبد إلهاً كاذباً. ويُعتَبَر تمييز الأقنوم الذي تسمّيه الأسفار المقدسة بالآب وإكرامه، جزءاً حاسماً من العبادة الحقيقية. إن الآب هو من يُطيعه ويُكرمه الابن والروح القدس، ويعملان على تعظيم مجده. لذلك يجب أن يكون الآب محور طاعتنا، إكرامنا وتمجيدنا.

والآن، ها هي فرصتك للحديث معنا عما تفكّر فيه
يا صديق، نحن نريد أن نساعدك في رحلة الإيمان. الخطوة التالية هي أن ترسل لنا برغبتك في المعرفة والإيمان لنتواصل معك، فنشجعك ونصلي من أجلك. نحن نتعامل بحرص وسرية مع كل رسائل الأصدقاء