وإنا أقرأ في الإنجيل بحسب مرقس والفصل التاسع، لفتت نظري قصة شفاء ولد من روح شرير نجس، بالطبع شعرت بالفرح عندما شفى السيد المسيح الصبي وطرد الروح الشرير بكلمة، ولكن ما لفت انتباهي بالأكثر كان تصرف أبو الطفل.
يلتقط مرقس 9: 24 لحظة من الضعف الصادق. عندما صرخ الأب، البائس بطلبه لشفاء ابنه، إلى يسوع: “أنا أؤمن؛ أعن عدم إيماني!” إنها عبارة بسيطة ولكنها عميقة تكشف عن التوتر الذي يشعر به الكثير منا في رحلة إيماننا: الرغبة في الثقة بالله بشكل كامل، مختلطة بواقع شكوكنا ومخاوفنا. هذه الصرخة من الأب هي شيء يمكننا جميعًا أن نتعاطف معه. وحتى عندما يكون لدينا الإيمان، هناك لحظات تتسلل فيها الشكوك – عندما تبدو الظروف صعبة، ويتم اختبار إيماننا. دعونا نستكشف هذا البيان القوي بعمق ونفكر في كيفية تطبيقه على صراعنا مع الإيمان والشك

1. يمكن أن يتعايش الإيمان والشك معاً: تظهر لنا كلمات الأب حقيقة مهمة هي ان الإيمان والشك يمكن أن يتعايشا. صرخ، “أنا أؤمن؛ أعن عدم إيماني”، وهذا ليس تناقضًا بل اعترافًا صادقًا بموقفه. إن لديه إيمانًا – هو يدرك أن قلب يسوع المحب يرغب في شفاء ابنه، ولهذا جاء بابنه ليسوع – لكنه يدرك أيضًا هشاشة هذا الإيمان. هذا أمر مريح لأنه يذكرنا بأن الشك لا يمنعنا من الإيمان. غالبًا ما نعتقد أن الإيمان يعني غياب أي شك، لكن مرقس 9: 24 يعلمنا أنه من الممكن أن نؤمن ونظل نكافح مع عدم الإيمان. ما يهم هو أن نأتي بشكوكنا إلى يسوع، واثقين أنه يستطيع مساعدتنا في ضعفنا.

2. أهمية الصلاة الصادقة: إن صرخة الأب هي مثال جميل للصلاة الصادقة النابعة من القلب. فهو لا يتظاهر بأنه يتمتع بإيمان كامل، ولا يخجل من الاعتراف بشكوكه. إنه ببساطة يضع كل شيء أمام يسوع. في صلاتنا الخاصة، نحن مدعوون للقيام بنفس الشيء. ليس علينا أن نخفي مخاوفنا أو شكوكنا أو صراعاتنا عن الله. في الواقع، الله يريدنا أن نأتي إليه كما نحن. عندما نعترف بشكوكنا في الصلاة، فإننا ندعو الله للعمل في تلك المجالات، لتعضيد إيماننا ومساعدتنا على النمو في الثقة.

3. الإيمان يتعلق بمن نثق به أكثر من مقداره وحجمه: أحيانًا نركز كثيرًا على مقدار الإيمان الذي لدينا، وكأن المزيد من الإيمان يساوي المزيد من القوة أو النعمة من الله. لكن هذا المقطع يذكرنا بأن الإيمان لا يتعلق بكميته بل بموضوعه. ليست قوة إيماننا هي التي تصنع الفارق، بل الشخص الذي نضع فيه إيماننا. ربما كان إيمان الأب صغيرًا، لكنه كان موجهًا نحو يسوع. وهذا هو المهم. استجاب يسوع لتوسلاته، ليس بسبب إيمان الرجل الكامل، ولكن بسبب قوته ورحمته. عندما نضع حتى مقدار حبة خردل (أصغر الحبوب)  من الإيمان في المسيح، فإننا نربط أنفسنا بالواحد القادر على أن يفعل أكثر بكثير مما يمكننا أن نطلبه أو نتخيله (أفسس 3: 20).

4. يسوع يلتقي بنا في ضعفنا: في هذا المقطع، لا يوبخ يسوع الأب على افتقاره إلى الإيمان. لا يطلب الإيمان الكامل قبل أن يتصرف. بل يستجيب بالنعمة والقوة، فيشفي ابن الرجل على الرغم من صراعات الأب المعترف بها مع الشك. هذا يوضح لنا أن يسوع يلتقي بنا حيث نحن. فهو لا ينتظر منا أن نفهم كل شيء أو أن نحشد الإيمان الكامل. انه يلتقي بنا في ضعفنا، وفي ألمنا، وفي شكوكنا. إنه يفهم صراعاتنا ويستجيب لصرخاتنا الصادقة طلبًا للمساعدة.

5. النمو في الإيمان من خلال الاعتماد على الله: إن توسلات الأب، “أعن عدم إيماني”، هي اعتراف باعتماده على المسيح. لقد أدرك أنه لا يستطيع التغلب على شكوكه بمفرده، لذلك لجأ إلى يسوع طلباً للمساعدة. في رحلتنا الروحية، نحن ننمو في الإيمان من خلال اللجوء اليومي والمستمر إلى الله والاعتماد عليه. سنواجه مواسم من الشك وعدم اليقين، ولكن بدلاً من السماح لتلك اللحظات بدفعنا بعيدًا عن الله، يمكننا استخدامها كفرص للاقتراب منه. عندما نعترف بحاجتنا إلى مساعدته، فإنه يقوي إيماننا ويساعدنا على الثقة به أكثر. يمكن أن تصبح صلاتنا، مثل صلاة الأب، جزءًا منتظمًا من مسيرتنا مع الله: “يا رب، أؤمن؛ أعِن عدم إيماني”. إنها صلاة ثقة، تعترف بأنه على الرغم من أننا قد لا نملك كل الإجابات، فإننا نعرف من يملكها، وهو يدعونا ان نأت إليه فيريحنا.

والآن، ها هي فرصتك للحديث معنا عما تفكّر فيه
يا صديق، نحن نريد أن نساعدك في رحلة الإيمان. الخطوة التالية هي أن ترسل لنا برغبتك في المعرفة والإيمان لنتواصل معك، فنشجعك ونصلي من أجلك. نحن نتعامل بحرص وسرية مع كل رسائل الأصدقاء