المساق :العقيدةالمسيحيةالأساسية

السلسلة :قانونإيمانالرسل

الدرس 6: الخلاص

أشرنا خلالَ هذه الدروس، أن قانونَ إيمانِ الرُسل بدأ كملخّصٍ وجيزٍ للمعتقداتِ التي أقرّ بها المسيحيون الأولون عند معموديتهم. في هذا الإطار، من السهلِ أن نتصوّرَ أن الجزءَ العاطفيَ الأكبرَ في إقرارِ الكثيرين، هو بنودُ قانونِ الإيمان التي تعكسُ إيمانَهم بخلاصِهم الشخصي. ألا ينطبقُ ذلك علينا أيضاً؟ فنحن نحبُ إلهَنا العظيم – الآب، والابن والروح القدس. ونثمِّنُ الكنيسةَ التي بناها. لكن فرحَنا الأعظمْ هو في الأخبار السارةِ بأن الخلاصَ هو لنا. ونحن نفرحُ باليقين أن الله يحبُنا، ويغفرُ خطايانا، وبأنه أعدّ لنا مستقبل رائعاً، في هذا العالم، وكذلك في العالم الآتي.

هذا هو الدرس السادس في سلسلتنا قانون إيمان الرسل. وقد أعطيناه عنوان الخلاص. وسننظر فيه إلى بنود قانون الإيمان التي تقر بالإيمان بالأخبار السارة حول الغفران والحياة الأبدية.

 

يتم استخدام كلمة الخلاص في الأسفار المقدسة بطرق متنوعة، للدلالة على وجود عدة جوانب لخلاصنا في المسيح. فعندما يستخدم المسيحيون اليوم كلمة “الخلاص”، يرد في ذهننا عادة استلام البركات التي اشتراها المسيح بموته الكفاري، بدءاً بالولادة الجديدة والمصالحة مع الله، واستمراراً في الحياة في عملية التقديس، إلى بلوغ الذُروة في تمجيدنا النهائي في السموات الجديدة والأرض الجديدة.

 

يتحدث قانون إيمان الرسل عن جانب الخلاص هذا بالكلمات التالية:

أُؤمن...

    بغفران الخطايا،

    وبقيامة الأَجساد،

    وبالحياة الأَبدية.

لا تشمل هذه الأفكار الثلاث الغفران، القيامة، والحياة الأبدية، وصف الأسفار المقدسة لخلاصنا. إنما هي التصريحات الأولية لقانون إيمان الرسل التي تقرّ بالإيمان بجوانب معينة لما يفعله الله عندما يُخلّص المؤمنين.

 

ستتناول مناقشتنا لموضوع الخلاص في قانون إيمان الرسل، كلاً من أبعاد خلاصنا تلك. أولاً، سنتحدث عن غفران الخطايا. ثانياً، سنبحث في عقيدة قيامة الأجساد. وثالثاً، سنتأمل في طبيعة الحياة الأبدية. دعونا نبدأ بالموضوع المألوف لغفران الخطايا.

 

حتى نفهم ماذا يعني قانون إيمان الرسل بالغفران، سنتطرق إلى ثلاث مسائل مرتبطة بشكل وثيق: أولاً، مشكلة الخطيّة التي تجعل الغفران ضرورياً؛ ثانياً، النعمة الإلهية التي تجعل الغفران ممكناً؛ وثالثاً، مسؤوليتنا الفردية، أي الأمور التي يجب أن نقوم بها لننال الغفران. لننظر أولاً إلى مشكلة الخطيّة.

 

يدرك المسيحيون المؤمنون بالكتاب المقدس أن أحدَ الأسبابِ الرئيسيةِ لموتِ يسوعَ كان من أجل حلّ المشكلة التي نجمت عن خطيّتنا. فالخطيّةُ تفصلُنا عن بركات الله، وتضعنا تحت لعنتِه. ويستحيلُ علينا التغلبَ على هذه المشكلة بأنفسنا. وهذا ما نعنيه عندما نتحدث عن مشكلة الخطيّة: فالخطيّةُ تدينُنا، ودونَ المسيحِ، لا يوجد أمامنا سبيلٌ لإنقاذ أنفسنا من وجودِها أو عواقبها.

 

سنبحث فيما تعلّمه الأسفار المقدسة عن مشكلة الخطيّة في ثلاثة أجزاء. أولاً، سنقدّم تعريفاً كتابياً للخطيّة. ثانياً، سنتكلم عن أصل الخطيّة في الجنس البشري. وثالثاً، سننظر في عواقب الخطيّة. دعونا َنبدأ بتعريف الخطيّة.

 

يتحدث الكتاب المقدس عن الخطيّة بطرق متنوّعة. فهو يستخدم كلمات مثل التعدّي، التمرّد، الإثم، الخطيّة، الشر، إخطاء الهدف، ومجموعة متنوّعة من الكلمات الأخرى ليصف الأشياء الأثيمة. ويُضيف كلاً من هذه الكلمات شيئاً إلى فهمنا للخطيّة. لكن عندما تتحدث الأسفار المقدسةعن الخطيّة بشكل تجريدي – عندما تقدم تعريفها الخاص للخطيّة – تبرز كلمة أكثر من الكلمات الأخرى: التعدّي. حيث أن الخطيّة في جوهرها، في مفردات الأسفار المقدسة، انتهاكٌ لناموس الله.

 

كما كتب الرسول يوحنا في [رسالة يوحنا الأولى 3: 4]:

«كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ يَفْعَلُ التَّعَدِّيَ أَيْضاً. وَالْخَطِيَّةُ هِيَ التَّعَدِّي».

ونجد هذا التشديد ذاته على الخطيّة كتعدٍّ في أماكن مثل [رومية 7: 9-25]،و[رسالة كورنثوس الأولى 15: 56]. وينعكس هذا المفهوم الأساسي للخطيّة أيضاً في لاهوت العديد من التقاليد المسيحية المختلفة.

 

وكمثال واحد، اصغ لأصول الإيمان الويستمنستري المختصر، في السؤال الرابع عشر وجوابه. والسؤال هو:

ما هي الخطيّة؟

ويجيب أصول الإيمان:

إن الخطية هي عدم الامتثال لشريعة الله أو التعدّي عليها.

لاحظ أن هذه الإجابة تحدّد نوعين عامين للانتهاكات لشريعة الله: عدم الامتثال للشريعة، والتعدّي على الشريعة.

 

إن عدم الامتثال للشريعة من جهة، هو الفشل في القيام بما تأمر به الأسفار المقدسة. وغالباً ما يسمّى هذا بخطيّة الإغفال لأننا نَغفل أو نُهمل ما يجب علينا فعله. ومن جهة أخرى، إن التعدّي على الشريعة هو القيام بما تمنعه الأسفار المقدس. وغالباً ما يُسمى هذا النوع من كسر الشريعة خطيّة الارتكاب، لأننا نرتكب الخطيّة فعلاً وذلك بالتفكير، الشعور، أو القيام بشيء تمنعه الأسفار المقدسة. وعندما نتحدث عن شريعة الله كالمقياس الذي يحدّد الخطيّة، مهمٌ أن نشير إلى أن شريعة الله ليست استبدادية أو عشوائية. بل على العكس، إنها تعكس شخصية الله الكاملة.

 

اصغ للطريقة التي يصف بها بولس الشريعة في [رومية 7: 12]:

«إِذاً النَّامُوسُ مُقَدَّسٌ وَالْوَصِيَّةُ مُقَدَّسَةٌ وَعَادِلَةٌ وَصَالِحَةٌ».

وكما قال بولس هنا، إن وصايا الله [مقدسة، عادلة، وصالحة] دائماً، تماماً مثل الله نفسه. حيث تنسجم وصايا الله مع طبيعته دائماً.

 

Animation: 15

لهذا السبب تعلّم الأسفار المقدسة أننا إن كنا نُحب الله، سنحفظ وصاياه، وسنُحب أيضاً تلك الأمور التي تعكس الله، كشريعته على سبيل المثال. ونرى هذا في تثنية 5: 10؛ و6: 5-6، متى 22: 37-40، يوحنا 14: 15-24، وعدة أماكن أخرى.

 

Placard: 16

اصغ لما كتبه يوحنا في [رسالة يوحنا الأولى 5: 3]:

«فَإِنَّ هذِهِ هِيَ مَحَبَّةُ اللهِ أَنْ نَحْفَظَ وَصَايَاهُ».

تظهر محبتنا لله من خلال الطاعة لشريعته. ولهذا، عندما نكسر شريعته، فإننا لا نتصرف بمحبة نحو الله. وبالتالي نخطئ.

 

Scorgie: 17

يوجد في الكتاب المقدس ارتباط وثيق بين محبتنا لله وطاعتنا له. وأعتقد أن أول شيء علينا توضيحه هو أن مجرد محبتنا لله ليس تحقيقاً لوصية المحبة لله. فقد نقوم بالعمل بدافع الواجب، السُخرة أو الإرغام، لكن لم يكن القصد هكذا عندما قال الكتاب المقدس “إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي”، أو عندما قال المسيح “إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ”. لكن عندما توجد المحبة، عندما يوجد ذلك العطاء الذاتي الطوعي الذي ينبع من السرور بالله، سيكون معظم التجلي الطبيعي والشرعي لتلك المحبة، طاعة عميقة راغبة ومستعدة، لأن هذه المحبة تنبع من الرغبة بإرضاء ذلك الإله الذي تحبه وتُسَرُّ به؛ إنها تنبع من الثقة بأن طريقة ذلك الإله موثوقة، وهي لصالحك تماماً مثل شخصه.

 

Animation: 18

عندما نفشل في التصرّف بدافع محبتنا لله، نخطىء بالتمرّد عليه، التعدّي على شريعته، فعل الشر، إخطاء الهدف، والإساءة لشخصه القدوس، البار والصالح. لكن عندما تكون محبة الله حافزاً لنا، نضع اهتماماته ومطالبه فوق مصالحنا. وبهذا نتَجنُب العديد من الخطايا وعواقبها المريعة في حياتنا.

 

Bullet: 19

بعد تعريفنا للخطيّة كانتهاك لشريعة الله، دعونا ننتقل إلى أصل الخطيّة في الجنس البشري.

 

Animation: 20

إن مُعظمنا على علم بالأحداث المسجّلة في تكوين 3، أي سجل تمرّد أبوينا الأولَين آدم وحواء على الله، بأكل ثمر شجرة معرفة الخير والشر المحرّمة. فمن وجهة النظر الكتابية، لم يكن هذا التمرّد مجرد عمل معزول. بل أصبح به الجنس البشري بأكمله مذنباً وفاسداً بسبب الخطيّة. ويشير اللاهوتيون إلى هذا الحدث عادة “بسقوط البشرية في الخطيّة”، أو ببساطة بالسقوط.

 

Animation: 21

يخبرنا تكوين 1: 26-31 أنه عندما خلق الله البشرية، كان عمله حسناً جداً. وتعني كلمة “حسن” في هذه الحالة، أننا كنا تماماً ما أرادنا الله أن نكون. وكان أبوانا الأولان صورتان لله طاهرتان أخلاقياً، ومؤهلان تماماً لخدمته بملء العالم الذي خلقه والتسلط عليه. وكما أشار بولس في [رومية 5: 12]، لم تدخل الخطيّة إلى البشرية قبل السقوط. لم نرتكب أية خطيّة، لم نكن ميالين نحو الخطيّة، ولم تكن الخطيّة قد أفسدتنا، أو سكنت فينا.

 

Animation: 22

لكن حتى في حالة عدم الخطيّة تلك، كانت لدينا القدرة والفرصة لارتكابها. فعندما خلق الله آدم وحواء ووضعهما في جنة عدن، أعلن لهما الكثير من الأمور. لكن برزت وصية واحدة كامتحان لاستعدادهما لخدمة الله. ونقرأ في تكوين 2: 16-17، أن الله سمح لآدم وحواء أن يأكلا من أية شجرة في الجنة ما عدا شجرة معرفة الخير والشر. وأتاحت إمكانية كسر هذه الشريعة الفرصة لآدم وحواء لارتكاب الخطيّة.

 

Animation: 23

للأسف، كما نعلم من تكوين 3: 1–6، أغوت الحية حواء وجعلتها تأكل من الفاكهة المحرّمة. ثم قدّمت حواء بعضاً من تلك الفاكهة لآدم، فأكل منها هو أيضاً. وانتهك آدم وحواء شريعة الله البارة واختارا أن يُخطئا بإرادتهما.  ويشير رؤيا 12: 9 إلى أن الحية كانت في الواقع الشيطان. كما وتشير رسالة تيموثاوس الأولى 2: 14 إلى أن حواء قد أُغويت. لكن لم تكن إغراءات الشيطان ولا غباوة حواء عُذراً لخطيّة أبوينا الأولين. فقد أذنب كليهما باختيار الشر بدل الخير.

 

Animation: 24

يمكننا أن نرى مرة أخرى من خلال هذه الأحداث، أن الخطيّة في الأساس هي مسألة كسرٍ لشريعة الله، أي إرادته المُعلَنة. ففي كل مرة نفكر، نتكلم أو نتصرف فيها بطرق تختلف عن شريعة الله المُعلَنة، فإننا نختار الشر عوضاً عن الخير. وحتى إذا تم إغواؤنا أو خداعنا لنخطئ، يحمّلنا الله مسؤولية ما فعلنا. ولهذا السبب، من المفيد جداً أن نخبّئ كلمة الله في قلوبنا – ليس لمعرفة تلك الكلمة فقط، بل لكي نحبها أيضاً. وعندما نعرف شريعة الله، فإنها تساعدنا على تمييز الخطيّة حتى لا ننخدع. وعندما نحب شريعة الله، يصبح اختيار طاعته أسهل علينا.

 

Bullet: 25

بعد أن درسنا تعريف الخطيّة وأصلها، أصبحنا مستعدين للنظر إلى عواقب الخطيّة.

 

Animation: 26

تبيّن الأسفار المقدسة أنه بعدما أخطأ آدم وحواء، دان الله ولعن الجنس البشري بأكمله. وأثرت هذه اللعنة على كل جوانب وجوده. فقد أدت إلى الموت الروحي الذي نقرأ عنه في الأسفار المقدسة في يوحنا 5: 24-25، أفسس 2: 1–5، وكولوسي 2: 13-14. كما نتج عنها فساد في وجودنا الجسدي والروحي، كما نقرأ في إرميا 17: 9،ورومية 7: 18-8: 11. وأدت في النهاية إلى الموت الجسدي، كما في تكوين 3: 19، ورومية 5: 12. وأخيراً، جلبت الخطيّة العذاب الأبدي إلى البشرية تحت دينونة الله في جَهَنَّمَ، كما في متى 5: 29-30.

 

Quotation: 27

تحدث الراعي المشهور تشارلز سبرجن، الذي عاش بين (1834 و1892) عن لعنة الله لآدم وحواء في عظته اللعنة رُفعِت. اصغ لما قاله:

ماذا تتضمن تلك اللعنة؟ إنها تتضمن الموت، موت هذا الجسد … تتضمن الموت الروحي، موت حياة آدم الداخلية – أي حياة الروح، التي خسرها الآن، ولا يمكن استعادتها إلا من خلال [الـ] روح القدس … وتتضمن أخيراً، والأسوأ من ذلك كله، الموت الأبدي … أي كل ما يمكن جمعه في تلك الكلمة الفظيعة المرعبة … “جَهَنَّمَ“.

 

Animation: 28

والأسوء من ذلك، هو أن عواقب خطيّة آدم وحواء انتقلت إلى البشرية جمعاء – إلى كل من جاء من نسلهما بالتسلسل الطبيعي. ونرى هذا الامتداد الشامل للخطيّة في فقرات مثل الملوك الأول 8: 46، رومية 3: 9–12، غلاطية 3: 22 وأفسس 2: 3.

 

Placard: 29

اصغ للطريقة التي تكلم بها بولس عن خطيّة آدم في [رومية 5: 12-19]:

«مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ... بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً».

كما رأينا في درس سابق، كان آدم الممثل العهدي لكل البشرية. وعلّم بولس أنه بسبب هذا، حُسبت خطيّة آدم على كل نسله. وبالتالي، أصبحنا خطاة بالطبيعة. حيث نأتي إلى العالم أموات روحياً، مُعرَّضين للألم والمشقة، ومصيرنا الموت الجسدي.

 

Mohler: 30

نحن لا نبالغ، ويستحيل علينا في الواقع أن ندرك العواقب الكاملة للخطيّة. لكنّ خطيّتنا تمرّدٌ على الخالق. إنها محاولة لانتزاع مجده، كسرٌ شريعته، والعجز عن تمجيده. إنها وضع أنفسنا في عداوة مع الله بكل الطرق. حيث تعطّل الخطيّة علاقتنا بالله لأنه قدوس. حيث لا يمكنه النظر إلى الخطيّة. ونتيجة لقداسته لابد أن يسكب غضبه عليها. وهكذا، عندما تنظر إلى الخطيّة البشرية، فهي تشكل كل ما نريد معرفته عن مشكلتنا وأنفسنا. إن الخطيّة هي تلك الكلمة الصغيرة التي تساعدنا على فهم ما نراه في المرآة، ومعرفة حقيقة نفوسنا. كما وتذكّرنا أنه يستحيل علينا أن ننجي أنفسنا من هذه الورطة. وحده الله قادرٌ على فعل ذلك، وهو يفعل ذلك من خلال المسيح.

 

Host: 31

مشكلة الخطيّة رهيبة بالفعل. فالبشر جميعًا هالكون تمامًا وتحت الدينونة. ولا يوجد أمامنا وسيلة لنفدي أنفسنا. فنحن محكومون أن نتعذب إلى الأبد تحت دينونة الله. ولا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نسترِدَ عطفه، أو أن نعوّضَ عن خطيّتنا. فدون مغفرةِ الله ورحمته، لا يوجد أمامُنا أيُ رجاءٍ بالخلاص.

 

Panel: 32

بعد أن نظرنا إلى مشكلة الخطيّة، يجب أن نوجّه مناقشتنا حول غفران الخطايا إلى النعمة الإلهية التي تجعل الغفران ممكناً.

 

Animation: 33

لم يشأ الله برحمته، أن تبقى البشرية كلها تحت لعنة الخطيّة. فقد استمر في خطته ليملأ البشر الأرض، يتسلطوا عليها ويحوّلوها إلى ملكوت يستحق حضوره. ولهذا، أرسل الله ابنه يسوع المسيح، فادياً ليَحُلّ مشكلة الخطيّة. وبما أنه الفادي، يخلصنا يسوع من ذنبنا وفسادنا، يصالحنا مع نفسه. ويعيد لنا القدرة على تحويل العالم إلى مملكته الأرضية. ولا تعتمد خطة الله على قدرة البشر المجردين ليستحقوا الخلاص. بل على نعمة الله، إحسانه غير المستَحَق الممنوح لنا من خلال ممثلنا الخاص: الرب يسوع المسيح.

 

Placard: 34

وكما نقرأ في [رومية 3: 23-24]:

«الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ مُتَبَرِّرِينَ مَجَّاناً بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ».

 

Bullet: 35

وبما أنه من أعمال النعمة الإلهية، يشمل الغفران أقانيم الثالوث الثلاثة، الآب، الابن والروح القدس. ويبدأ بالآب.

 

Wellum: 35.5

إن الخلاص ثالوثيّ في الجوهر. حيث أن الآب هو الذي يبدأ، الابن يتمّم، والروح يطبّق. وعندما نفكر بعلاقة الآب والابن، يجب أن نفكر بعلاقة الآب الابن والروح القدس. إن الأقانيم الثلاثة مشتركة في التخطيط لخلاصنا. ويعملوا بدافع النعمة، المحبة والرحمة، بالإضافة إلى تأييد الغضب، البر والدينونة. وهكذا عندما يبدو الآب كالمُبادر، فهو لا يقوم بذلك بصورة مستقلة عن الابن والروح القدس.

 

Animation: 36

لقد بدأ الغفران بالآب لأنه هو الذي خطط له. ويعلّم العهد الجديد بوضوح أن الآب أرسل الابن إلى العالم وجعله الفادي. ونرى هذا في رسالة يوحنا الأولى 3: 16–18، أعمال الرسل 2: 34–36، وعبرانيين 3: 1-2.ويعلّم العهد الجديد أيضاً أن الآب أعطى يسوع السلطان ليكون فادياً لشعبه، ووعد بأن يقبل ذبيحة يسوع على الصليب كثمنٍ للخطيّة. ونقرأ عن هذا في يوحنا 10: 14–18، كولوسي 1: 18–20 وعبرانيين 2: 10.

 

Placard: 37

في الواقع، يقول [رومية 3: 25] أن الآب قدّم يسوع كذبيحة. اصغ لما كتبه بولس هناك:

«الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً».

 

Animation: 38

إن الآب هو مهندس الفداء العظيم. وكانت خطته الكريمة ورغبته الرحومة أن يغفر خطايانا ويباركنا. وقد جعل سلطانه الخلاص ممكناً وأكيداً.

 

39 :Duncan

إن فكرة أن يسوع على الصليب حاول تحويل غضب الآب السماوي على شعبه، بمعنى أن يسوع يحبنا والآب لا يحبنا، هي في الواقع تفسير خاطئ وخطير للعمل الكفاري ليسوع المسيح. إن عمل يسوع على الصليب، في الواقع، تعبيرٌ عن محبة الآب السابقة لشعبه. فكِّرْ كم مرة شدّد العهد الجديد على أن مجيء يسوع إلى هذا العالم وحمله للصليب، هو في الواقع نتيجة لمحبة الآب. ولعل الآية الأولى التي يحفظها معظمنا في بداية حياتنا المسيحية، هي [يوحنا 3: 16] التي تؤكد “لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ …” محبة مَن تلك التي تم التشديد عليها في هذه الآية؟ وأنا لا أقصد التقليل من محبة يسوع إطلاقاً، لكن محبة الآب السماوي في بذل ابنه، هي التي تم التشديد عليها في هذه الفقرة.

 

Bullet: 40

شملت النعمة الإلهية التي تتمّم غفراننا، الابن الذي هو فادينا أيضاً.

 

Animation: 41

وتحقيقاً لوعد الآب، تم إرسال الابن للعالم متجسداً في يسوع، المسيّا الذي طال انتظاره، ليكفّر عن خطيّة البشر. ونجد هذا التعليم في رومية 3: 2526، وعبرانيين 2: 1417؛ و10: 510. كفّر يسوع عن الخطيّة بموته على الصليب عوضاً عن الخطاة. حيث حمل اللعنة الإلهية التي سببتها خطيّتنا، وحُسِب بره الكامل لنا، بحيث لم نعد نُحسَب خطاة، بل أولاد الله المطيعين. ويَظهر هذا الموضوع في يوحنا 10: 1418، غلاطية 2: 20، رسالة كورنثوس الثانية 5: 21، وعبرانيين 10: 914.

 

Placard: 42

وكما كتب بولس في [أفسس 1: 7]:

«الَّذِي فِيهِ [يسوع المسيح] لَنَا الْفِدَاءُ بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ».

 

Animation: 43

تُغفر خطايانا، ليس لأن الله يتجاهلها، بل لأنه عاقبها في المسيح. ولهذا السبب تشجّعنا الأسفار المقدسة حتى يكون لنا ثقة مماثلة في خلاصنا.

 

Bullet: 44

بالإضافة إلى الاعتماد على أعمال الآب والابن هذه، إن الغفران نتيجة النعمة الإلهية من الروح القدس أيضاً.

 

Animation: 45

إن الروح القدس هو في الواقع أقنوم الثالوث الذي يطبّق الغفران على حياتنا. حيث وضع الآب الخُطط وتمم الابن الكفارة، لكن لا تُغفَر خطايانا بالفعل، إلا بعد أن يعمل الروح القدس عمله.

 

Animation: 46

عندما نؤمن في البداية، يصالحنا الروح القدس مع الله، بغفران كل الخطايا التي ارتكبناها حتى ذلك الوقت. ويعطينا حياة روحية جديدة من خلال تجديد أرواحنا، كما تحدث يسوع عن ذلك في يوحنا 3: 5–8.ويتكلم أعمال الرسل 11: 18 عن هذا الاختبار “بالتوبة للحياة“، لأن التجديد والإيمان يتضمنان الحزن والاعتراف بخطايانا دائماً. إن هذه الفكرة مُؤكدة في عدة فقرات، مثل رسالة كورنثوس الأولى 6: 11.

ويستمر الروح القدس بتطبيق الغفران على حياتنا مدى الحياة. فهو الشخص الذي يصون إيماننا، يقودنا إلى التوبة اليومية، ويطبّق الغفران على حياتنا باستمرار. ونجد هذا في أماكن مثل رومية 8: 1–16 وغلاطية 5: 5.

 

Placard: 47

كمثال واحد، اصغ لما كتبه بولس في [رسالة تسالونيكي الثانية 2: 13]:

«اللهَ اخْتَارَكُمْ مِنَ الْبَدْءِ لِلْخَلاَصِ بِتَقْدِيسِ الرُّوحِ وَتَصْدِيقِ الْحَقِّ».

لقد كتب بولس هنا أن المؤمنين يَخلصون بواسطة أعمال الروح القدس التي تطهّرنا من الخطيّة والإثم، أي أعمال الروح التي تطبّق الغفران علينا. ويستمر الروح القدس بتطبيق الغفران علينا، بينما نستمر بالإيمان بالحق.

 

Animation: 48

يُظهِر الآب، الابن والروح القدس جميعاً نعمة خلاصية نحونا. والتي لها بدورها ثلاثة مضامين لحياتنا. أولاً، عندما نُخطئ ونطلب من الله الغفران، وجوانب أخرى للخلاص، يحق لنا أن نُعلِن طلباتنا أمام الأقانيم الإلهية الثلاثة. ثانياً، عندما ننال تلك البركات، يجب أن نقدّم الشكر للأقانيم الثلاثة لله. وثالثاً، قد يكون لنا ثقة كبيرة بخلاصنا، عالمين أن أقانيم الثالوث الثلاثة يحبونا ويعملوا لضمان فدائنا. حيث يعمل الآب، الابن، والروح القدس معاً من أجل مصلحتنا، لحلّ مشكلة الخطيّة.

 

Panel: 49

بعد أن نظرنا إلى غفران الخطايا من معيارَي مشكلة الخطيّة والنعمة الإلهية، نحن مستعدون للحديث عن الدور الذي يلعبه الغفران في المسؤولية الفردية.

 

Host: 50

يعلِّمُ الكتابُ المقدسُ بوضوحٍ أن اللهَ لا يغفرُ خطايا كلِ شخصٍ. فبعضُ الأشخاصِ يُغفر لهم والبعضُ لا. كيف نفهم ذلك؟ من المنظور البشري، تتضمن عملية المغفرة عادة عنصرًا من المسؤولية الفردية. وعمومًا، الأشخاص الذين يتممون هذه المسؤوليات ينالون المغفرة، أما الذين يتهربون من هذه المسؤوليات لا ينالونها.

 

Bullet: 51

ستنقسم مناقشتنا لدور المسؤولية الفردية إلى قسمين. أولاً، سنذكر بعض الشروط التي تحدّدها الأسفار المقدسة كمتطلبات عادية للغفران. وثانياً، سنتحدث عن وسائط نوال الغفران. دعونا نبدأ بالشروط التي تربطها الأسفار المقدسة بالغفران.

 

List: 52

تتحدث الأسفار المقدسة عن شرطين رئيسيين للغفران. أولاً، تتحدث عن الإيمان بالله كشرط للغفران.

 

Definition: 53

إن الإيمان، في الأسفار المقدسة، مفهوم ذو عدة أوجه. لكن عندما نتحدث عن الإيمان بالله في هذا السياق، نحن نقصد: الاعتراف بسيادة الله، الولاء المُخلص له، والثقة بأنه سيُظهِر لنا رحمةً من أجل فادينا يسوع المسيح.

رغم أن ذلك قد يبدو غريباً على مسامعنا اليوم، غالباً ما تشير الأسفار المقدسة إلى هذا النوع من الإيمان بالتعبير “الخوف من الله”.

 

Placard: 54

يصف [مزمور 103: 8-13] مثلاً طبيعة الغفران الشرطية بهذه الطريقة:

«الرَّبُّ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ. لاَ يُحَاكِمُ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَحْقِدُ إِلَى الدَّهْرِ. لَمْ يَصْنَعْ مَعَنَا حَسَبَ خَطَايَانَا وَلَمْ يُجَازِنَا حَسَبَ آثامِنَا. لأَنَّهُ مِثْلُ ارْتِفَاعِ السَّمَاوَاتِ فَوْقَ الأَرْضِ قَوِيَتْ رَحْمَتُهُ عَلَى خَائِفِيهِ. كَبُعْدِ الْمَشْرِقِ مِنَ الْمَغْرِبِ أَبْعَدَ عَنَّا مَعَاصِيَنَا. كَمَا يَتَرَأَفُ الأَبُ عَلَى الْبَنِينَ يَتَرَأَفُ الرَّبُّ عَلَى خَائِفِيهِ».

لاحظ أن [من خافوا] الرب هم من نالوا غفرانه وأُبعِدَت عنهم معاصيهم.

 

Animation: 55

ونجد هذه الفكرة ذاتها في كل الكتاب المقدس. حيث نجد في أخبار الأيام الثاني 30: 18-19، أن الله يسامح الأشخاص الذين يطلبونه من قلوبهم. وبيّن يسوع في مرقس 4: 12، أن من يعرفوا الله ويفهموه، هم وحدهم القادرين على طلب غفرانه. ويمكن نوال الغفران في أعمال الرسل 26: 17-18، فقط ممن انفتحت عيونهم على حقيقة مجد الرب وقوته.

 

List: 56

أما الشرط الثاني العادي للغفران الموجود في الأسفار المقدسة، فهو الانكسار.

 

Definition: 57

إن الانكسار هو:

الحزن الحقيقي على الخطية؛ الندم الحقيقي على كسر شريعة الله.

فهو ليس مجرد حزن بسبب انكشاف أمرنا، أو عقابنا، بل الموافقة على أن مطالب الله مقدسة، والشعور بانكسار القلب على فَشَلِنا في تكريمه.

 

Thomas: 57.5

أما المقصود بالندم، فهو الشعور بالذنب بسبب خطيّتنا. فكّر بداود بعد خطيّته مع بَثْشَبَع. نعم لقد أخطأ نحو بَثْشَبَع، ونحو زوجها. وأخطأ نحو كنيسة العهد القديم، لكن في آخر الأمر “إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ وَالشَّرَّ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ صَنَعْتُ”. وتشعر بالندم في قلبه. وأعتقد أن المصطلح المعاصر هو الانكسار، ونحتاج إلى الكلمة، بالروح القدس، لتكسرنا في محضر الله.

 

Animation: 58

على سبيل المثال، لم يُظهِر داود في صموئيل الثاني 11، أي ندم عندما ارتكب خطيّة الزنى مع بًثْشَبَع، ثم خطط لموت زوجها أُورِيَّا ليخفي حَبَلها. وقد عاش بلا حزن على أعماله طول فترة حَبَل بثشبع، إلى أن وُلِدَ الطفل. وقد واجه النبي ناثان داود بخطيّته في هذا الوقت، كما نتعلم في صموئيل الثاني 12. عندها فقط اعترف داود بجريمته وشعر بذنب عميق بسببها. وكتب بروح الانكسار الحقيقي، مزمور 51، مزموره العظيم للتوبة، ليعبّر فيه عن عمق حزنه وندمه.

 

Placard: 59

اصغ لما كتبه داود في [مزمور 51: 6 و17]:

«هَا قَدْ سُرِرْتَ بِالْحَقِّ فِي الْبَاطِنِ ذَبَائِحُ اللهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ. الْقَلْبُ الْمُنْكَسِرُ وَالْمُنْسَحِقُ يَا اَللهُ لاَ تَحْتَقِرُهُ».

أدرك داود أنه كان بحاجة لرؤية خطيّته من وجهة نظر الله حتى ينال الغفران. كان بحاجة لكُرهِ ما فعله، والشعور بالأسف فعلاً على ما قام به.

 

Animation: 60

ونرى نفس هذا التشديد على الانكسار في مزمور 32: 1-2، حيث ينال الغفران من لا غش فيهم. كما نجده في إشعياء 55: 7، حيث تُعطى رحمة الله لمن تركوا خطيّتهم. ونسمع عنه في إرميا 5: 3، حيث تم إنكار الغفران عن ذوي القلوب القاسية بالنسبة فيما يتعلق بخطيّتهم.

 

Packer: 61

أعتقد أننا نزرع الندم، الذي هو لب التوبة، بتركيز أذهاننا على قداسة الله. ويمكننا فعل ذلك بالتأمل فيما يقوله الكتاب المقدس من التكوين إلى الرؤيا عن الله الذي لا يمكن أن تكون له شركة مع أشخاص عُصاة، بل يَدين العصيان ويعاقب من يخالف شريعته. هذه هي قداسة الله في جوهرها. وبينما نتأمل بقداسة الله، دعونا نسترجع سجل حياتنا ونعيد النظر في بعض الطرق التي أخطأنا فيها، تمرّدنا وابتعدنا عما قاله الله، وجلبنا الفوضى لحياتنا بطريقة تسيء له. ثم فكّر بكل العقاب الذي نستحقه، الذي وقع على كتفَي المسيح الذي تحملّه عنا. ويخبرني هذا كم كانت خطاياي مؤلمة، بحيث لا يمكن التكفير عنها سوى من خلال موت ابن الله المتجسد من أجلي. وبينما أدرك كم كانت خطاياي رهيبة في ضوء قداسة الله، وما تطلبه رَفْعها، يصبح إدراكي لألمها أكثر حدة، ندمي عليها أعمق، وينتج عن ذلك محاولة صادقة مني مرة تلو الأخرى لأستودع نفسي لله من أجل قداسته، وأقول له كم أنا نادم، وكم أكره خطاياي التي جعلت الكفارة ضرورية.

 

62 :Animation

إن شرطَي الإيمان والانكسار مهمان لحياة كل فرد، سواء كان مؤمناً أم لا. ويشكّل هذان الشرطان لمن لم يقبلوا المسيح كرب ومخلص، فرصة لهم ليأتوا إلى الله، ينالوا غفران خطاياهم، ويبدأوا حياة جديدة في المسيح. أما من سبق وانتمى منا إلى المسيح، فإن هذان الشرطان هما بمثابة تذكير بحاجتنا لنعيش حياةَ إيمانٍ مستمر، ونشعر بالأسف على الخطايا التي نستمر في ارتكابها، بحيث يمكننا نوال الغفران ٍوالتطهير بصورة يومية.

 

Bullet: 63

بعد أن رأينا أن شروط الغفران تشمل عادةً الإيمان العامل بالله والانكسار في قلوبنا، فَلْننتقل إلى الوسائط الاعتيادية التي يمكن أن ننال بها الغفران.

 

Animation: 65

يفشل المسيحيون أحياناً في التمييز بين واسطة النعمة وأساس النعمة. ونتيجة لذلك، يظنوا خطأً أن واسطة النعمة يمكن أن تُستخدم كوسيلة لنوال النعمة، أو حتى لإرغام الله ليكون كريماً معنا. ولهذا، مهمٌ أن نميّز بوضوح بين الواسطة والأساس. وحتى نتمكن من فهم هذا التمييز، تصوّر أن شخصاً يحتاج إلى علاج فيزيائي ليشفى من إصابة معينة. إن العلاج مُكلِفٌ جداً، لكن تبرّع أحدهم بالمبلغ. فقد نقول أن الواسطة التي شُفي بها الشخص كلياً هي العلاج. لكن الأساس المادي لهذا الشفاء هو التبرع بالمال.

 

Definition: 66

وقد نلّخص هذه الفوارقبالقول أن الأساس هو السند أو الاستحقاق الذي يقوم عليه العمل أو النتيجة، بينما الواسطة هي أداة أو آلية تجعل هذا العمل أو النتيجة ممكنة.

 

Animation:67

عندما يتعلق الأمر بنوال الغفران والنعمة من الله، فإن الأساس هو دائماً استحقاق المسيح، والذي اكتسبه من خلال حياته المُطيعة وموته الكفاري على الصليب. ونرى هذا في متى 26: 28، كولوسي 1: 13-14، ورسالة يوحنا الأولى 2: 12. ويتم اكتساب الغفران باستمرار من خلال المسيح، وليس من خلالنا. إن الواسطة الأساسية التي تُطبَّق بها النعمة على حياتنا هي الإيمان. وسواء تم التعبير عنه نحو الله مباشرة، أو من خلال وسائط النعمة، فإن الإيمان هو الأداة الرئيسية التي يطبِّق بها الله النعمة والبركات الأخرى على حياتنا.

 

List: 68

تَذكُر الأسفار المقدسة عدة وسائط يعمل بها الإيمان عادة. لكن من أجل أهدافنا في هذا الدرس، يمكننا تلخيص تلك الوسائط الأخرى تحت فئتين عامتين، بدءاً بالصلاة.

 

Animation: 70

يتم تقديم الصلاة في كل الأسفار المقدسة، كالواسطة العادية لطلب النعمة والغفران من الله. على سبيل المثال، يتكلم الكتاب المقدس عادة عن صلوات الاعتراف والتوبة كتعبيرات إيمان يطبّق بها الروح القدس الغفران علينا. ويتم التعليم عن فعالية هذه الصلوات في الملوك الأول 8: 29–40، مزمور 32: 1–11، أعمال الرسل 8: 22، رسالة يوحنا الأولى 1: 9، وعدة أماكن أخرى. إن صلوات الاعتراف والتوبة المُخلِصة، بالنسبة لمن تعرّف على الرب حديثاً، هي وسائطٌ يُطبِّق بها الروح القدس الغفران والخلاص على حياتهم في البداية. ولهذا السبب تشير الكنيسة إلى التجديد في أعمال الرسل 11: 18 بالتوبة للحياة. وتستمر صلوات الاعتراف والتوبة بالنسبة لكل المؤمنين، في كونها وسائط هامة للحصول على نعمة الله في حياتنا.

 

Placard: 71

وكما نقرأ في [رسالة يوحنا الأولى 1: 9]:

«إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ [الله] أَمِينٌ وَعَادِلٌ حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ».

إن أخبار الإنجيل الرائعة هي أن الله يغفر خطايانا مجاناً على أساس ما فعله المسيح من أجلنا. ويمكننا نوال هذا الغفران ببساطة عندما نطلبه بالإيمان.

 

Duncan: 72

يعتقد الكثير أننا إذا علّمنا أن الله يسامح الخطاة بمجرد مجيئهم إليه وقولهم “سامحني أيها الآب السماوي”، فإن هذا يجعل نعمة الله رخيصة. لكن حقيقة الأمر هي أن ذلك يعظّم نعمة الله. ليس لأن توبتنا تخلّصنا، أو لأنها الأساس الذي يسامحنا به الله. بل لأن الله نفسه وفّر أساس مغفرتنا ومصالحتنا معه في الموت الغالي لابنه الوحيد والذي لا يُقدَّر بثمن.

Strauss

إن حقيقة أن يسوع المسيح، ابن الله، الأقنوم الثاني في الثالوث، جاء إلى الأرض وأمضى ثلاثين سنة في التواضع والخدمة، ثم تألم ومات على الصليب، حاملاً دَين خطيّتنا الأبدي ليدفع عقاب خطايانا. إنه ثمن أبدي، كلفة أبدية، ضخمة لا متناهية لخطايانا. وهكذا إن هذه النعمة ليست رخيصة على الإطلاق. إلا أنها أغلى نعمة تحققت. ونحن ننالها كهدية مجانية، فقط لأن يسوع أعطى حياته من أجلنا.

Duncan

إن كل من يُقبِل إليه ويقول له ببساطة، يا رب اغفر لي، يغفر لهم يسوع. ليس لأن طلبهم للغفران نبيل جداً، وليس لأن توبتهم جيدة، بل لأن يسوع قام بكل ما هو ضروري لنتحد في شركة مع أبينا السماوي.

 

Animation: 73

يجب أن نتوقف لحظة لنذكر أنه بالإضافة إلى صلوات الاعتراف والتوبة التي تعمل كوسائط غفران عادية، تعمل صلوات التشفع أحياناً كوسائط غفراناستثنائية أو غير عادية.

 

74: Definition

يمكن تعريف التشفع كالتوسّط أو الالتماس أو الصلاة نيابة عن الآخر.

 

 Animation: 75

تدوّن الأسفار المقدسة عدة أمثلة كتابية عن أشخاص قدّموا صلوات تشفعية فعّالة. ونرى هذا في العدد 14: 1920، حيث غفر الرب خطيّة إسرائيل استجابة لصلاة موسى التشفعية. أخبار الأيام الثاني 30: 1820، حيث غفر الرب للشعب الذي لم يستعد للفصح جيداً، وذلك استجابة لصلاة حَزَقِيَّا التشفعية. أيوب 1: 5، حيث نتعلّم أن أيوب قدّم ذبائح تشفعية فعّالة من أجل أولاده باستمرار. ويعقوب 5: 1415، حيث علّم يعقوب شيوخ الكنيسة عن إمكانية نوال الغفران لمن أخطأ. ولا يُطبِّق الله الغفران دائماً استجابة لصلوات المؤمنين التشفعية. لكنه يفعل ذلك كثيراً.

 

Animation: 76

بالإضافة إلى هذه الأنواع من التشفع البشري، يشفع الابن والروح القدس للشعب. إن الشفاعة التي يقدمها يسوع مذكورة في إشعياء 53: 12، رومية 8: 34، وعبرانيين 7: 25.ويتم التعليم عن شفاعة الروح القدس في رومية 8: 2627.

 

List: 77

إن الفئة العامة الثانية لوسائط الغفران هي الأسرار، أو ما يسميه العديد من الكنائس البروتساتنية الحديثة “بالفرائض” وبالتحديد فريضتَي المعمودية وعشاء الرب.

 

Animation: 78

عندما نستخدم مصطلح سرّ، يجب أن نوضح أننا لا نتكلم هنا عن وجهة نظر الكنيسة الرومانية الكاثوليكية لسرّي عشاء الرب والمعمودية. بل تم استخدام كلمة “سر” تاريخياً من قبل العديد من الطوائف البروتستانتية للإشارة إلى عشاء الرب والمعمودية. إن هذان الطقسان فريضتان مميزتان ومقدستان، أعطاهما الله للكنيسة كوسائط للتعبير عن إيماننا ونوال بركاته. وتختلف التقاليد البروتستانتية حول تفاصيل أعمال هاتان الفريضتان. لكنها تتفق على أهميتهما.

 

Host: 79

يشعر المسيحيون أحيانًا بالرَيبَة عندما يسمعون آخرين يتحدثون عن عشاء الرب والمعمودية كوسيلتين للمغفرة. لذا، من المهم أن نشدّد أن ليس لهاتين الفريضتين أي استحقاق بذاتهما يجعلهما فعّالتين. فهما ليستا أساسًا للمغفرة. في الوقت ذاته، يعلّم الكتابُ المقدس أنه عندما نعبّر عن إيماننا من خلال العشاء الرباني والمعمودية، فإن الروح القدس يستخدمُ هاتين الفريضَتين ليطبّق المغفرة على حياتنا.

 

Animation: 80

يتم الحديث عن المعمودية كواسطة للنعمة في فقرات مثل مرقس 1: 4، أعمال الرسل 2: 38، رومية 6: 1–7، وكولوسي 2: 12-14.

 

Placard: 81

وكمثال واحد فقط، اصغ لكلمات حَنَانِيَّا لبولس في أعمال الرسل 22: 16:

«وَالآنَ لِمَاذَا تَتَوَانَى قُمْ وَاعْتَمِدْ وَاغْسِلْ خَطَايَاكَ دَاعِياً بِاسْمِ الرَّبِّ».

أشار حَنَانِيَّا هنا إلى أن خطايا بولس غُفِرت أو غُسِلت بالمعمودية.

 

Animation: 83

وبالطبع، ليست المعمودية واسطة ضرورية للغفران. حيث يمكننا نوال الغفران بطرق أخرى أيضاً. على سبيل المثال، لم يعتمد اللص الذي آمن أثناء صلبه مع يسوع أبداً. ومع ذلك، يشير [لوقا 23: 43] إلى أنه نال الغفران والخلاص. ولهذا، يجب ألا نقع في خطأْ التفكير بأن الغفران والخلاص متوفران فقط لمن يعتمدوا. ومع ذلك تشير الأسفار المقدسة بوضوح إلى أن المعمودية تعمل كالواسطة في تطبيق الغفران على حياتنا. وينطبق الأمر نفسه على عشاء الرب. حيث علّم بولس بوضوح أن الاشتراك في عشاء الرب، واسطة لنوال فوائد موت المسيح، مثل الغفران.

 

Placard: 84

اصغ لما كتبه في [رسالة كورنثوس الأولى 10: 16]:

«كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ».

كانت هذه أسئلة بلاغية. وعَرَفَ كل من قرأ رسالة بولس أن الإجابات هي نعم بالطبع. إننا متحدون بالمسيح من خلال الاشتراك بعشاء الرب بالإيمان.

 

Animation: 85

إن غفران الخطايا بركة عظيمة للخلاص نختبرها خلال حياتنا المسيحية. وسواء كنا حديثي الإيمان، أو مؤمنين طوال حياتنا، فإن الغفران عملية مستمرة لمسيرتنا مع المسيح، وينتج عنها الكثير من البركات الأخرى أيضاً.

 

Quotation: 86

تحدث جون وسلي، وهو مؤسس كنيسة المثودِست الذي عاش من سنة 1703 – 1791 ميلادية، عن الغفران في عظته السادسة والعشرين، التي فسّر فيها العظة على الجبل. اصغ لما قاله هناك:

ما أن … ننال غفران الخطايا، ننال أيضاً نصيباً مع الذين تقدّسوا، وذلك بالإيمان به. وقد فقدت الخطيّة قوتها: لم يعد لها سلطان على من هم تحت النعمة، أي الذين وَجَدوا استحساناً لدى الله. ولا يوجد الآن دينونة على الذين هم في المسيح يسوع، وبالتالي هم أحرار من الخطية والذنب. وقد تحقق برّ الشريعة فيهم، وهم لا يسلكوا بحسب الجسد، بل بحسب الروح.

 

Schreiner: 87

أعتقد أن غفران الخطايا، في بعض النواحي، هو الحقيقة الأثمن بالنسبة لنا كمسيحيين. إن ما يعنيه غفران الخطايا في جوهره، هو أن نكون في علاقة صحيحة مع الله خالقنا. فعندما ننظر إلى العالم اليوم، نرى أن الناس يتوقوا إلى معنى؛ مغزى وهدف. وهناك الكثير من الارتباك في حضارتنا. ما هو الغرض من الحياة؟ ما هو الغرض من العيش؟ لماذا أنا هنا؟ وهكذا يجرّب الناس كل الأشياء ليجدوا معنى ومغزى لوجودهم – سواء كان بالسعي وراء عملهم، نشاطهم الجنسي أو المخدرات. أعني أن هناك كل أنواع المواقع والطرق التي يسعى بها الناس ليجدوا السعادة والفرح. لكن يخبرنا الإنجيل أن حاجتنا الأساسية كبشر هي أن نكون في علاقة صحيحة مع خالقنا، مع الشخص الذي صنعنا. ويقول الإنجيل أن الله أرسل ابنه يسوع المسيح ليكفّر عن خطايانا، ويمتص غضب الله. فقد أرسل الله ابنه بدافع محبته لغفران الخطايا، حتى إذا وثقنا به، ننال غفران الخطايا. وعندما نختبر هذا، عندما نرجع إلى يسوع المسيح من أجل غفرانٍ كهذا، نختبر سلاماً عجيباً. نختبر مصالحة مع العالم، لأنه مصالحةٌ مع العالم بالفعل. ونُدرك فجأة أن هذا هو ما خُلِقنا من أجله. لقد خُلقنا لنكون في علاقة صحيحة مع الله.

 

Signpost: 88

بعد أن استكشفنا عقيدة غفران الخطايا، نحن مستعدين لدراسة بند إيماننا التالي: قيامة الأجساد.

 

Animation: 89

تذكّر هذه الكلمات من قانون إيمان الرسل:

وأؤمن…

بقيامة الأَجساد.

يجب أن نوضح أن قانون الإيمان لا يتحدث هنا عن قيامة يسوع. حيث تَظهر قيامته مسبقاً في قانون الإيمان، عندما قال أن يسوع قام من الأموات في اليوم الثالث. وعندما يتحدث قانون الإيمان عن قيامة الأجساد، فهو يعني القيامة العامة – أي قيامة كل الناس عندما يعود المسيح في المجد.

 

Panel: 90

سنأخذ القيامة العامة للأجساد بعين الاعتبار في ثلاث مراحل. أولاً، سننظر إلى اللعنة التي ينتج عنها موت أجسادنا. ثانياً، سنشرح كيف أن الإنجيل المسيحي يمنح حياة لأجسادنا. وثالثاً، سننظر إلى الطريقة التي ستختبر بها أجسادنا الفداء في النهاية. فَلْنبدأ باللعنة التي تؤدي إلى موت أجسادنا.

 

Animation: 91

كما رأينا في درس سابق، خلق الله البشر مُركّبين من أجساد مادية وأرواح غير مادية. وفقاً لعبرانيين 4: 12 ورسالة تسالونيكي الأولى 5: 23، تمسكت بعض التقاليد بأن كل إنسان يمتلك “روحاً” بالإضافة إلى “النفس“. لكن هناك حوالي مئتان آية تم فيها استخدام أحد هذين التعبيرين للإشارة إلى كل الجوانب الداخلية، غير المادية لكياننا ككل. ولهذا، استنتجت معظم التقاليد المسيحية أن كلمتَي “نفس” و“روح” تشيران إلى نفس الحقيقة الأساسية، وأن الإنسان يتكوّن من جزأين أساسيين هما: الجسد والنفس. قبل سقوطنا في الخطيّة، لم تتأثر أجسادنا وأرواحنا بالخطيّة وبقدراتها الفاسدة. لكن عندما سقط آدم وحواء في الخطيّة، لم تفسد الخطيّة روحهما فقط، بل أجسادهما أيضاً. وأدى فساد أجسادهما هذا في النهاية إلى موتهما الجسدي.

 

Placard: 92

اصغ إلى لعنة الله لآدمفي[تكوين 3: 19]:

«بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزاً حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ،وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ».

لعن الله آدم وحواء عندما أخطآ نحوه. وكان جزء من هذه اللعنة أنهما سيفنيان، وفي النهاية سيموتان ويعودان إلى التراب. ولأن كل البشر ينحدرون من آدم وحواء، فإننا جميعاً مولودون في فساد مشابه.

وكما كتب بولس في [رومية 5: 12]:

«مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِوَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ».

 

Animation: 93

لقد أثرت الخطيّة على آدم وحواء بطرق روحية ومادية. ولأننا من نسلهما الطبيعي، فإننا نحمل اللعنة ذاتها. حيث تأتي أرواحنا إلى العالم في حالة يصفها الكتاب المقدس بالموت الروحي. ونحن تحت دينونة الله، وخسرنا كل إمكانية لإرضائه. ونقرأ عن هذا في فقرات مثل رومية 5: 12–19؛ و8: 1–8. إن أجسادنا فاسدة بسبب الخطيّة، تماماً مثل آدم وحواء. وقد أدى هذا الفساد إلى الألم الجسدي، المرض، والموت في النهاية. وقد تحدث بولس عن ذلك في رومية 6: 12–19؛ و7: 4–25. إن الخطيّة تفسدنا بالكامل – أي كياننا كله، جسداً وروحاً. لكنّ وعد الله الرائع هو أن الخلاص في المسيح يفدي أرواحنا وأجسادنا.

 

Wellum: 94

يجب ألا ينظر المسيحيون إلى الموت الجسدي كشيء طبيعي أبداً. وغالباً ما نستخدم في لغتنا أو ننقل هذا النوع من الأفكار. وأحياناً قد نقول عن شخص ما في الجنازات ما يلي “لقد عاش حياة طويلة جيدة”. ونقول فقط عند موت طفل أو شخص في العشرينات أو الثلاثينات: “إن هذا رهيب!”. وليس هذا الموقف المسيحي المناسب من الموت البشري. حيث يُظهر الموقف المسيحي من الموت البشري كل موت كحالة غير طبيعية. فقد خُلقنا لنعيش من البداية إلى الأبد. وفكّر كيف أن الله، حتى في قصة الخليقة ارتاح في اليوم السابع. وأراد التمتع بخليقته بشكل كامل. ونعيش عندها لمجده ونتمّم مأمورية الخليقة. فنحن لم نُخلق لنموت أبداً. بدلاً من ذلك، إن أجرة الخطيّة، ودخول الخطيّة إلى العالم كما نقرأ في تكوين 3، وكما يقول لنا الرسول بولس استناداً إلى تكوين 2 هي الموت. موت جسدي، وموت روحي أيضاً.

 

Animation: 95

إن الموت الجسدي، بمعنى ما، بركة للمؤمنين لأنه يُدخلنا إلى محضر المسيح مباشرة. لكنه مأساوي في المعنى الأساسي. فهو اختبار بشري شامل، لكنه أيضاً غير طبيعي إلى حد رهيب. فلم يخلق الله البشر ليموتوا، بل خلقنا لنعيش. ولن يكتمل خلاصنا حتى يعود المسيح ويفدي أجسادنا.

 

Panel: 96

بعد أن نظرنا إلى اللعنة التي تُنتِج موت أجسادنا، دعونا نتوجّه إلى جوانب الإنجيل التي تضمن قيامتنا.

 

Host: 97

كم واحدًا منا يعرف مسيحيين يؤمنون بأنهم سيمضون الأبدية في السماء كأرواحٍ بلا أجساد؟ على الأرجح عددٌ لا بأس به. ورغم أن ذلك يبدو غريبًا، فإن عقيدةَ قيامة الأموات مجهولةٌ تقريبًا في بعض الكنائس العصرية. وأحد الأسباب وراء ذلك، هو عجز المسيحيين غالبًا عن فهم أهمية أجسادنا البشرية. لكن الكتابَ المقدسِ يعلّمُ بوضوح الأخبارَ السارة َبأنه عند رجوع المسيح، ليس أرواحُنا فقط، بل أجسادُنا أيضًا ستتمجد.

 

Bullet: 98

سنستكشف فكرة كون القيامة الجسدية جزء من الإنجيل بالتطرق إلى ثلاث مسائل. أولاً، سنذكر خلفية العهد القديم لهذه العقيدة. ثانياً، سنرى أنها معلنة في العهد الجديد بوضوح. وثالثاً، سنتحدث عن العلاقة بين قيامة المؤمنين وقيامة يسوع. دعونا نبدأ بالعهد القديم.

 

Definition: 99

لا يدرك الكثير من المسيحيين المعاصرين هذا، لكنّ كلمة إنجيل التي تعني الأخبار السارة، تأتي في الواقع من العهد القديم. ونجدها بصورة خاصة في إشعياء 52: 7؛ و61: 1، وناحوم 1: 15.

 

Placard: 100

وكمثال واحد فقط، اصغ إلى [إشعياء 52: 7]:

«مَا أَجْمَلَ عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَيِ الْمُبَشِّرِ الْمُخْبِرِ بِالسَّلاَمِ الْمُبَشِّرِ بِالْخَيْرِ الْمُخْبِرِ بِالْخَلاَصِ الْقَائِلِ لِصِهْيَوْنَ قَدْ مَلَكَ إِلهُكِ».

 

Animation: 101

كانت “الأخبار السارة”، أو “الإنجيل” في العهد القديم، بأن الله سيخلّص شعبه بدَحْر أعدائه وأعدائهم. وبمعنى ضيّق، كانت الأخبار السارة بأن الله سينقذ شعبه من ظلم أعدائهم الأرضيين. لكن كانت بمعنى أوسع، بأن الله سيعكِس كل اللعنات التي نتجت عن سقوط آدم وحواء في الخطيّة. وأنه سيمد سيادته السماوية المجيدة إلى كل الأرض، ويبارك في النهاية كل المؤمنين به.

 

Animation: 102

بالطبع، كان خلاص الله المُقدَّم في العهد القديم، مستنداً إلى انتصار المسيح المستقبلي. ورغم أن المسيح لم يكن قد أتى ليموت عن الخطيّة بعد، فقد سبق ووعد بأن يموت عن شعبه. وكان هذا الوعد كافياً ليضمن خلاصهم. في الواقع أشار كل رجاء للخلاص في العهد القديم إلى المسيح وما سيتممه.

 

Placard: 103

اصغ للطريقة التي يصف بها [عبرانيين 10: 1–5] ذبائح العهد القديم:

«لأَنَّ النَّامُوسَ، إِذْ لَهُ ظِلُّ الْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ لاَ نَفْسُ صُورَةِ الأَشْيَاءِلاَ يُمْكِنُ أَنَّ دَمَ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ يَرْفَعُ خَطَايَا. لِذلِكَ عِنْدَ دُخُولِهِ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُذَبِيحَةً وَقُرْبَاناً لَمْ تُرِدْ وَلكِنْ هَيَّأْتَ لِي جَسَداً».

 

Animation: 104

أشار كاتب العبرانيين إلى أن ذبائح العهد القديم كانت مجرد ظل للحقيقة التي تم إدراكها لاحقاً في المسيح. ولا يمكن أن تكفّر الذبائح الحيوانية عن الخطيّة تماماً، لأن الله قضى بأن تُعاقَب الخطيّة بالموت البشري. لكن يمكنها أن تشير وأشارت فعلاً إلى يسوع، الذي كان موته البشري تكفيراً كافياً فعّالاً عن الخطيّة بشكل كامل.

 

Animation: 105

كجزء من الإنجيل في العهد القديم، تم تعَليم شعب الله بأنه سيأتي يوم يقيم فيه الله كل الأموات من البشر، ويدينهم على أعمالهم. حيث سيتبارك للأبد، من عاش حياة بارة، مؤمناً بالله. أما الذين تمرّدوا على الله فستتم إدانتهم في مستقبل دائم من العقاب. وستستمر هاتان الفئتان من النتائج بصورة جسدية للأبد. ويشير اللاهوتيون المسيحيون إلى هذا الحدث بالدينونة الأخيرة.

 

Animation: 106

كما رأينا في درس سابق، يشير قانون إيمان الرسل إلى الدينونة الأخيرة في البند التالي:

وأيضاً سيأتي من هناك ليدين الأحياء والأموات

 

Animation: 107

لعل التصريح الأوضح لفكرة أن الدينونة الأخيرة تتضمن قيامة جسدية، موجودة في [دانيال 12]، حيث أعلن رسول ملائكي لدانيال أن الله سيحرر شعبه من الظلم في المستقبل.

 

Placard: 108

اصغ لما قيل لدانيال في[دانيال 12: 1-2]:

«وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ يُنَجَّى شَعْبُكَ، كُلُّ مَنْ يُوجَدُ مَكْتُوباً فِي السِّفْرِ. وَكَثِيرُونَ مِنَ الرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ الأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ هؤُلاَءِ إِلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، وَهؤُلاَءِ إِلَى الْعَارِ لِلازْدِرَاءِ الأَبَدِيِّ».

أشار دانيال إلى القيامة الجسدية بالتحديد، عندما تحدث عن [الرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ الأَرْضِ]. حيث لا ترقد الأرواح في تراب الأرض؛ في حين ترقد الأجساد. وهذه الأجساد هي التي ستقوم في الدينونة الأخيرة.

تكلم إشعياء أيضاً عن يوم الدينونة الذي تضمن قيامة عامة. اصغ لما كتبه في [إشعياء 26: 19–21]:

«تَحْيَا أَمْوَاتُكَ تَقُومُ الْجُثَثُ. اسْتَيْقِظُوا تَرَنَّمُوا يَا سُكَّانَ التُّرَابِ...وَالأَرْضُ تُسْقِطُ الأَخْيِلَةَ... لأَنَّهُ هُوَذَا الرَّبُّ يَخْرُجُ مِنْ مَكَانِهِ لِيُعَاقِبَ إِثْمَ سُكَّانِ الأَرْضِ فِيهِمْ».

نرى مرة أخرى، أن الأموات، أي [سُكَّانَ التُّرَابِ]، سيقومون من قبورهم إلى حياة جديدة، كما لو أن [َالأَرْضُ تُسْقِطُ الأَخْيِلَة]. وسيحدث هذا في سياق الدينونة، عندما يأتي الرب [لِيُعَاقِبَ إِثْمَ سُكَّانِ الأَرْضِ فِيهِمْ].

 

Animation: 109

كما تم التلميح لقيامة الأموات أيضاً في عدة فقرات في العهد القديم التي تتحدث عن النجاة من الهاوية في سياق الدينونة الأخيرة والجزاء، مثل مزمور 49: 7–15، و73: 24–28.وقد عبّر أيوب بثقة في أيوب 19: 25–27، عن اعتقاده بأنه سيقوم ليرى الله في اليوم الذي يأتي فيه الرب ليقف فوق الأرض – أي يوم الدينونة.

 

John Frame: 110

ليست القيامة والدينونة المستقبلية واضحة في العهد القديم كما في العهد الجديد. لكن يوجد بالتأكيد إشارات في العهد القديم بأن ذلك سيحصل. حيث يتحدث إشعياء على سبيل المثال، عن زمن سيحيا فيه الأموات، ويخرجوا من قبورهم. ويتحدث دانيال بصورة مشابهة عن زمن يقوم فيه الأموات، أبراراً وأشراراً، إلى الدينونة الأخيرة. وهكذا، نشأ هذا الاعتقاد على الأقل بين بعض اليهود، وليس جميعهم. حيث آمن الفريسيون في زمن يسوع بالقيامة، ولم يؤمن بها الصدوقيون. لكن حتى عندما سأله الصدوقيون عن القيامة، محاولين الإيقاع به والسخرية منه، اقتبس يسوع في الواقع من الفقرة التي يقول فيها الله “أَنَا إِلَهُ إِبْراهِيمَ وَإِلَهُ إِسْحاقَ وَإِلَهُ يَعْقُوبَ. لَيْسَ اللَّهُ إِلَهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلَهُ أَحْيَاءٍ”. وهكذا، عندما ينشئ الله علاقة، علاقة عهدٍ مع شخص ما، تكون في الواقع علاقة شخصية مع ذلك الشخص. ولو كان إبراهيم سيرقد في التراب ولن يستيقظ ثانية، فلا يوجد معنى للقول بأن الله في علاقة عهد مع إبراهيم للأبد. هذا يعني أن العهد الجديد ملتزم بعقيدة القيامة بشكل نهائي. وبالطبع وضعت قيامة يسوع الختم النهائي على ذلك.

 

Bullet: 111

بعد أن رأينا أن القيامة العامة كانت جزءاً من الإنجيل في العهد القديم، دعونا ننظر إلى حقيقة كونها جزءاً من رسالة الإنجيل في العهد الجديد.

 

Animation: 113

إن الفرق الأكبر بين إعلانات العهد القديم وإعلانات العهد الجديد، هو أن الفادي أتى أخيراً في العهد الجديد. حيث تم إظهاره أخيراً في التاريخ كيسوع الناصري. وأصبحت سيادة الله من خلال ابنه يسوع. ولهذا كثيراً ما يشدّد العهد الجديد على أن يسوع ربٌ، أي أنه الملك الحاكم. ونرى هذا في أماكن مثل لوقا 2: 11، أعمال الرسل 2: 36، رومية 10: 9،ورسالة كورنثوس الأولى 12: 3.

 

Lister; may require a little tweaking of animation

يأتي الخلاص بنفس الطريقة في العهدين القديم والجديد، بالإيمان بوعد الله بتأمين الاحتياجات. وليس الفرق بين الإيمان في العهد القديم والإيمان في العهد الجديد، من جهة الإيمان نحو الله، بل بالخصوصية التي أُعطي فيها الوعد. حيث نظر الإيمان في العهد القديم بشكل أساسي إلى الأمام، إلى وعد لم يتحقق بعد. أما الإيمان في العهد الجديد، فهو النظر إلى الوراء إلى الصليب، إلى وعد قد تحقق. وهكذا، يتضمن كلاهما إيماناً موجهاً نحو الله من أجل تدبير سيقوم به ولا يمكننا أن نؤمنه نحن.

 

Animation

يتم تحقيق كل وعود العهد القديم المتعلقة بالخلاص في يسوع. وكما رأينا في عبرانيين 10: 1–5، إن موته هو الحقيقة التي أشارت إليها ذبائح العهد القديم. وعلّم بولس في رومية 15: 8–13، وغلاطية 3: 16، أن إنجيل يسوع يتمّم الوعود المُعطاة لرؤساء آباء العهد القديم. وبهذه الطريقة وأخرى غيرها، يؤكد العهد الجديد إنجيل العهد القديم – أي الأخبار السارة بأن الملك الإلهي أتى أخيراً ليعطي الخلاص لشعبه بالنعمة بواسطة الإيمان.

 

Animation: 115

علّم يسوع أن القيامة العامة ستحصل عند الدينونة الأخيرة. على سبيل المثال، رفض يسوع في متى 22: 23-32 ولوقا 20: 27–38، إنكار الصدوقيين للقيامة العامة. شجّع المؤمنين في لوقا 14: 13-14، على القيام بأعمال صالحة على أساس أنه ستتم مُكافئتهم عند القيامة. وأيّد في يوحنا 11: 24-26، هذه العقيدة في حديثه مع مرثا أخت لعازر.

 

Placard: 116

اصغ لما قاله يسوع في [لوقا 20: 37]:

«وَأَمَّا أَنَّ الْمَوْتَى يَقُومُونَ فَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ مُوسَى أَيْضاً فِي أَمْرِ الْعُلَّيْقَةِ».

أصر يسوع هنا على أن عقيدة القيامة العامة سبق وأعلن عنها في العهد القديم.

 

Animation: 117

إن هذه الفكرة ذاتها مؤكَدة في بقية العهد الجديد. للأسف، يتم إغفال القيامة الجسدية للأموات في العديد من فروع الكنيسة إلى حد بعيد. ويؤمن العديد من المسيحيين أننا سنبقى أرواحاً بلا أجساد طوال الأبدية. لكن توصف قيامة الأموات في عبرانيين 6: 1-2، كإحدى العقائد الأساسية للإيمان المسيحي. واستمرت قيامة المؤمنين في عبرانيين 11: 35، كدافع للأعمال الصالحة. في الواقع، أشار الرسل باستمرار إلى إيمان المسيحيين بمواعيد العهد القديم حول القيامة. على سبيل المثال، قام بطرس ويوحنا بذلك في أعمال الرسل 4: 1-2. وفعلها بولس في أعمال الرسل 23: 6–8؛ و24: 14–21.

 

Placard: 118

كمثل واحد فقط، اصغ إلى دفاع بولس عن خدمته في أعمال الرسل 24: 14-15:

«أُقِرُّ لَكَ بِهذَا أَنَّنِي حَسَبَ الطَّرِيقِ الَّذِي يَقُولُونَ لَهُ شِيعَةٌ هكَذَا أَعْبُدُ إِلهَ آبَائِي مُؤْمِنًا بِكُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ. وَلِي رَجَاءٌ بِاللهِ فِي مَا هُمْ أَيْضًا يَنْتَظِرُونَهُ أَنَّهُ سَوْفَ تَكُونُ قِيَامَةٌ لِلأَمْوَاتِالأَبْرَارِ وَالأَثَمَةِ».

أشار بولس هنا، إلى أن الرجاء المسيحي بالقيامة العامة عند الدينونة الأخيرة، هو مثل الرجاء اليهودي تماماً. وكان الفرق أن المسيحيين آمنوا أن هذه القيامة ستتم من خلال المسيح.

 

Host: 119

من المهم بالنسبة لنا أن نفهمَ أن خطةَ اللهِ الخلاصيةْ لم تتغيرْ أبدًا. فهو لم يعيّنْ طريقةً تخلصُ بها إسرائيلُ القديمةُ، وأخرى نخلصُ بها نحن. هو لم يعيّن طريقًا لخلاص اليهود وطريقًا آخر لخلاصِ الأمم. فالعهدان، القديمُ والجديدُ، منسجمان في تعليمهما. وهذا هو أحد الأسبابِ التي تجعلُ المسيحيين يثمّنونَ العهدَ القديم ككلمةِ الله لحياتِهم. فشعبُ الله خلصوا دائمًا بالنعمة، بالإيمان، وبواسطة المسيح. والمسيحيون أيضًا، هم جزءٌ من تاريخ طويلٍ من الرحمةِ والفداءِ اللذَين قدمهما الله لشعبه الأمين. والكتاب المقدس كلُه – بعهديه – يعلّمنا عن هذه الحقيقة الرائعة.

 

Bullet: 120

بعد أن رأينا أن الإنجيل في كلا العهدين القديم والجديد، شمل الأخبار السارة بوجود قيامة للأموات، لنلق نظرة على العلاقة بين قيامة المؤمنين وقيامة يسوع.

 

List: 121

يعلم العهد الجديد عن وجود ارتباطين هامين على الأقل بين قيامة يسوع وقيامة المؤمنين. أولاً، سنقوم إلى حياة مباركة، بالتحديد لأننا متحدون بيسوع بقيامته.

 

Placard: 122

وكما كتب بولس في [رومية 6: 4-5]:

«فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ بِمَجْدِ الآبِ هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضاً فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ نَصِيرُ أَيْضاً بِقِيَامَتِهِ».

 

Animation: 123

علّم بولس أن المعمودية تُوحّدنا بموت المسيح بالإيمان، مما يؤدي إلى تسديد الدين الذي علينا بسبب خطيّتنا. لكنها تُوحدّنا بقيامته أيضاً، مما يؤدي إلى تجديد أرواحنا في الحياة الحاضرة، وقيامة أجسادنا المادية في المستقبل. ويتم التعليم حول اتحادنا بقيامة يسوع أيضاً في أماكن مثل رسالة كورنثوس الأولى 15: 21-22، فيلبي 3: 10–12، وكولوسي 2: 12.

 

List: 124

ونتيجة لحقيقةِ اتحادنا بيسوع في قيامته، فإن قيامتنا مضمونة.

 

Placard: 125

اصغ لما كتبه بولس في [رسالة كورنثوس الأولى 15: 20–23]:

«وَلكِنِ الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ. فَإِنَّهُ إِذِ الْمَوْتُ بِإِنْسَانٍ بِإِنْسَانٍ أَيْضاً قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ... وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فِي رُتْبَتِهِ الْمَسِيحُ بَاكُورَةٌ ثُمَّ الَّذِينَ لِلْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ».

أشار بولس هنا إلى قيامة يسوع كباكورة الحصاد الذي سيشمل كل الذين لِلْمَسِيحِ.

 

Animation: 126

أمر الله إسرائيل في العهد القديم، أن تقدّم له باكورة حصادها. ونرى هذا على سبيل المثال في لاويين 23: 17. وكانت هذه الباكورات القسم الأول من الحصاد، ومثّلت الحصاد كله. فقد شكّلت نوعاً من الضمان – بتقديم القسم الأول من الحصاد للرب، وعبّر الإسرائيليون عن إيمانهم بأنهم أنفسهم سينالوا بقية الحصاد. وبرهن الله بمَنْحِنا قيامة يسوع، عن نيّته الكاملة بإقامتنا بالطريقة ذاتها. وهكذا، يمكننا كمؤمنين أن نكون على ثقة كبيرة بقيامتنا المستقبلية، عالمين أن الله ختمنا إلى ذلك اليوم بقيامة المسيح.

 

Panel: 127

لقد نظرنا في دراستنا لقيامة الجسد حتى الآن، إلى اللعنة التي أدت إلى موت أجسادنا، وتحدثنا عن الإنجيل الذي يقدّم الحياة لأجسادنا. نحن الآن مستعدون لدراسة الطريقة التي تختبر بها أجسادنا الفداء فعلاً.

 

Bullet: 128

سنتناول فداء أجسادنا في ثلاث مراحل: أولاً، الأمور التي يختبرها المؤمنون خلال حياتنا الحاضرة على الأرض. ثانياً، الحالة المتوسطة لأجسادنا التي تبدأ بالموت الجسدي. وثالثاً، الحياة الجديدة للقيامة نفسها والتي تبدأ مع عودة المسيح.  دعونا نبدأ مع حياتنا الحاضرة.

 

Animation: 129

رغم أن المسيحيين يتحدثون عن فداء أجسادهم عادةً، بالنسبة لقيامتهم في اليوم الأخير، يعلّم الكتاب المقدس في الواقع، أن خلاص أجسادنا يبدأ مع سكنى الروح القدس فينا عندما نؤمن في البداية. إن هذه السكنى مذكورة على سبيل المثال، في رومية 8: 9–11. ورغم أنها لا تؤدي إلى قيامتنا الجسدية الفورية، فهي تختمنا بضمان فداء أجسادنا الكامل في المستقبل، كما علّم بولس في أفسس 1: 13-14.

 

Animation: 130

وتستمر أجسادنا بالاستفادة من حضور الروح القدس الساكن فينا طوال حياتنا، لا سيما من خلال عملية التقديس. حيث إن تقديس أجسادنا مشابه لتقديس أرواحنا. ويفرزنا الروح القدس لله ويطهّرنا. ويستمر في تقديسنا طوال حياتنا، بينما يغفر الخطايا التي نرتكبها بأجسادنا، ويضمن أن نستخدم أجسادنا بطرق تمجّد الرب. يؤدي بنا هذا مثالياً، إلى تمجيد الله بأجسادنا، كما علّم بولس في رسالة كورنثوس الأولى 6: 20، وتقديمها لله كذبائح حية، كما نقرأ في رومية 12: 1.

 

131: Bullet

بعد بداية فداء أجسادنا في الحياة الحاضرة للمؤمنين، تستمر العملية خلال موتنا الجسدي.

 

Bullet: 132

عندما نموت، تنفصل أجسادنا عن أرواحنا مؤقتاً. وغالباً ما تسمى هذه الحالة بالحالة المتوسطة – وهي الحالة بين حياتنا على الأرض الآن، والحياة التي سنحياها عند القيامة. حيث تسكن أرواحنا، في الحالة المتوسطة، مع المسيح في السماء. وتتحدث الأسفار المقدسة عن هذا في أماكن مثل متى 17: 3 ورسالة كورنثوس الثانية 5: 6–8.

لكن بينما تكون أرواحنا في السماء، تبقى أجسادنا على الأرض. فما زالت أجسادنا فاسدة بسبب الخطيّة، ويتضح هذا من حقيقة انحلالها. لكن لم يعد بإمكان الخطيّة التي تفسد أجسادنا، أن تؤثر فينا لنرتكب الخطيّة. فمن جهة، يحرّرنا الموت من سيطرة الخطيّة، كما علّم بولس في رومية 6: 2–11، ومن جهة أخرى، ترقد أجسادنا في القبر في حالة من اللاوعي، عاجزة عن أي فكر، عمل أو شعور، سواء كان حسناً أو سيئاً. لكن رغم أن أجسادنا وأرواحنا منفصلة مؤقتاً عند الموت، لا يقول الكتاب المقدس أبداً أن أجسادنا ليست جزءاً منا. فسواء دُفِنت، أو أُحرِقت، أو بدا أنها فُقِدت، تبقى أجسادنا جزءاً منا.

 

Animation: 133

وهناك عشرات الأمثلة عن ذلك في الكتاب المقدس. على سبيل المثال، يخبرنا صموئيل الأول 25: 1 أن صموئيل دُفِن في بيته في الرّامة. نقرأ في الملوك الأول 2: 10 أن داود دُفِن في أورشليم، مدينة داود. ويتردّد في الملوك الأول والثاني وفي أخبار الأيام الثانيٍ، أن ملوك يهوذا دُفِنوا في مدينة جدهم داود. فما تزال أجسادهم ملكاً لهم، وما زالت تشكّل جزءاً من شخصهم.

 

Quotation: 134

يصف أصول الإيمان الويسمنستري المختصر، موتنا بهذه الطريقة في السؤال السابع والثلاثين وجوابه، ففي ردّه على السؤال:

ما هي الفوائد التي ينالها المؤمنين من المسيح عند موتهم؟

يجيب أصول الإيمان:

أرواح المؤمنين عند موتهم تصير كاملة في القداسة، وحالاً تدخل إلى المجد؛ وأجسادهم، التي لا تزال متحدة مع المسيح، تستريح في قبورها حتى القيامة.

يقول أصول الإيمان هنا أن للمؤمنين مصيرَين عند الموت، واحد لأرواحهم والآخر لأجسادهم. حيث أن أرواحنا تدخل إلى المجد في السماء، لكن أجسادنا، التي لا تزال متحدة مع المسيح، تستريح في قبورها – وترقد بانتظار الحياة الجديدة عند القيامة.

 

Chamblin: 135

أعتقد أنه يصح القول أنه عندما تكون أرواحنا في السماء وأجسادنا في القبر، نكون نحن في مكانين في آن واحد. وهذا يتطلب بعض التفسير. وتوجد في أصول الإيمان المختصر إجابة جيدة جداً عند هذه النقطة. “أرواح المؤمنين عند موتهم تصير كاملة في القداسة، وحالاً تدخل إلى المجد؛ أما أجسادهم، التي لا تزال متحدة مع المسيح، تستريح في قبورها، حتى القيامة”. إن الجزء الأول من هذه الإجابة حول ترك الروح للجسد، هو الموضوع الذي تتناوله [رسالة كورنثوس الثانية 5: 1-10]. ويتحدث بولس عن جسده الحاضر الفاني كخيمة أرضية، ولا يستمتع بمشهد الموت، لأن روحه ستنفصل عن جسده، وهذه حالة غير طبيعية.

 

Animation: 136

ونشعر بهذا التوتر الناتج عن التواجد في مكانين في آن واحد، حتى في السماء. فلا شك أن السماء ستكون مكاناً رائعاً يفوق توقعاتنا. لكن يصح القول أيضاً بأن خلاصنا لن يكون كاملاً بعد حتى في السماء، لأن أجسادنا لم تَقُم بعد.

 

Placard: 137

اصغ للطريقة التي تحدث بها بولس عن القيامة الجسدية في [رومية 8: 23:

«نَحْنُ الَّذِينَ لَنَا بَاكُورَةُ الرُّوحِ نَحْنُ أَنْفُسُنَا أَيْضاً نَئِنُّ فِي أَنْفُسِنَا مُتَوَقِّعِينَ التَّبَنِّيَ فِدَاءَ أَجْسَادِنَا».

قال بولس هنا، أننا نئن في هذه الحياة لأننا لم نحصل على أجسادنا المُقامة بعد. لكن ما تزال الأرواح في السماء تنتظر أجسادها الجديدة أيضاً. وهكذا، يمكننا القول أنها تئن نوعاً ما أيضاً بانتظار فداء أجسادها.

 

Scorgie: 137.5

يظن بعض الأشخاص أن الأجساد التي سننالها هي مجرد بدلات أرضية مناسبة، تجهيزات اختيارية، وأننا راضين وسعداء تماماً بأن نكون بلا أجسادنا. لكن يبدو هذا تعليماً أفلاطونياً أكثر منه تعليماً كتابياً. فما المقصود بأن نكون في حالة متوسطة بين الموت الجسدي والقيامة من الموت؟ كيف نصف هذه الحالة؟ ليس عندنا تقريراً مصوّراً عن هذه الحالة. ولم نُعطى أية أوصاف مفصّلة لهذه الحالة. لكن الإجابة المُعطاة لنا من الأسفار المقدسة، تطمئننا تماماً بأننا سنكون مع الرب.

 

Bullet: 138

بعد أن استعرضنا حالتنا الحاضرة وموتنا الجسدي، نحن مستعدون لنرى كيف يكتمل فداء أجسادنا في الحياة الجديدة.

 

Animation: 139

ستحصل أجسادنا على حياة جديدة كاملة، عندما يتم إعادتها إلى الحياة في القيامة العامة. فعند القيامة، ستُطرح أخيراً عواقب الخطيّة بعيداً عنا إلى الأبد. ونقرأ عن هذا في رومية 8: 23، رسالة كورنثوس الأولى 15: 12–57، وفيلبي 3: 11. وغالباً ما يشير اللاهوتيون إلى هذه المرحلة من الخلاص بالتمجيد، لأنها تجعل منا بشراً كاملين ممجدين. ولا تعطينا الأسفار المقدسة تفاصيل كثيرة عن تمجيدنا. لكنّ بولس قارن باختصار أجسادنا الممجدة بأجسادنا الحالية في رسالة كورنثوس الأولى 15.

 

Placard: 140

اصغ لما كتبه في [رسالة كورنثوس الأولى 15: 42–44]:

يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ. يُزْرَعُ فِي هَوَانٍ وَيُقَامُ فِي مَجْدٍ. يُزْرَعُفِي ضَعْفٍ وَيُقَامُ فِي قُوَّةٍ. يُزْرَعُ جِسْماً حَيَوَانِيّاً وَيُقَامُ جِسْماً رُوحَانِيّاً».

 

Animation: 141

لا يمكننا التأكد بدقة مما سيستمر وما سينتهي بين أجسادنا اليوم وأجسادنا عند القيامة. فكما خضع جسد المسيح لتغييرات عند قيامته، ستتغير أجسادنا أيضاً. ستتجدد، تكتمل، وتصبح خالدة، ممجدة، قوية، وروحية. لكنها ستكون بشرية بالكامل أيضاً. سنصبح أخيراً، عند قيامتنا، الشعب الذي أرادنا الله أن نكونه دائماً.

 

Host: 142

أجسادنا تموت بسبب الخطيّة؛ والموت الجسدي هو دينونة الله على شر البشرية في السقوط. ولكن الأخبار السارة هي أن الإنجيل يعلن تجديد أجسادنا. وهو يخبرنا أن يسوع جاء ليفدينا كأشخاص كاملين، جسدًا وروحًا. وهذا الفداءُ مجيدٌ. وهو مدعاةٌ للاحتفالِ والفرحِ العظيمين. مع قيامة أجسادنا، سنتمكن في النهاية من إعلان انتصارنا على الموت، وسنكون مستعدين لنرث كل البركات التي خزّنها لنا الله في السماوات الجديدة والأرض الجديدة. وسنكون قادرين أخير أن نرى انتصارَ يسوعَ المسيح بأمِ أعينُنا.

 

Signpost: 143

لقد تحدثنا في مناقشتنا للخلاص عن البنود في قانون إيمان الرسل التي تتعلق بغفران الخطايا وقيامة الأجساد. نحن مستعدين الآن للتوجه إلى موضوعنا الأخير: الحياة الأبدية.

 

Animation: 144

يذكر قانون إيمان الرسل الحياة الأبدية في بند الإيمان الأخير:

أؤمن…

بالحياة الأبدية.

يستعرض قانون الإيمان عند هذه النقطة، الحياة الأبدية التي تتبع قيامة أجسادنا. ويؤكد قانون الإيمان الاعتقاد بأن كل شعب الله الأمين سيُكافأ في نهاية المطاف بحياة أبدية كاملة، مباركة، غير قابلة للفساد.

 

Panel: 145

رغم وجود أشياء كثيرة يمكننا قولها عن الحياة الأبدية، سنركّز في هذا الدرس على ثلاث مسائل: أولاً، سنذكر توقيت الحياة الأبدية. متى تبدأ؟ ثانياً، سنتحدث عن نوعية الحياة الأبدية.كيف تختلف عن أنواع الحياة الأخرى؟ وثالثاً، سنذكر المكان الذي سنعيش فيه إلى الأبد.دعونا نبدأ بتوقيت حياتنا الأبدية.

 

Scorgie: 146

متى تبدأ الحياة الأبدية؟ قال المسيح، أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ. ويقصد بالتأكيد أن وجودنا في المسيح، كوننا تلاميذ للمسيح، يُدخِلنا إلى طريقة عيش أعظم شأناً. لكن هل هذه هي الحياة الأبدية؟ هل تبدأ الحياة الأبدية عندما نعبر من هذا المجال للوجود الفاني إلى الحياة التي تليه؟ هل تبدأ الحياة الأبدية عندها؟ نعم إلى حد ما. لكن هناك معنى آخر، فالحياة الجديدة، حياة قيامة المسيح التي ستحملنا عبر القبر وتدفعنا نحو الأبدية، وأبدية لا تنتهي مع الله، هي حياة تُزرع كبذرة داخلنا الآن. بحيث تبدأ الحياة الأبدية فينا الآن. ومهم أن نفهم أن هذه الحياة الأبدية ليست مجرد حياة مُحددة بمدة لا تنتهي، بل هي حياة محدّدة بشكل نوعي، تتمحور حول المسيح والله، وتتجه نحو الاستعادة الكاملة لكل ما كان مُعدّاً للبشر. ونشترك في هذه الحياة الآن، رغم أننا ما نزال محاطين بعالم مؤلم، منازع ومكسور.

 

Animation: 147

غالباً ما تقول الأسفار المقدسة أن المؤمنين يمتلكون الحياة الأبدية مسبقاً كواقع حالي. ونرى هذا في يوحنا 10: 28، رسالة تيموثاوس الأولى 6: 12، رسالة يوحنا الأولى 5: 11–13، وعدة أماكن أخرى.

 

Placard: 148

وكمثال واحد فقط، اصغ لما قاله يسوع في [يوحنا 5: 24]:

«اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ».

 

Animation: 149

تحدث يسوع وكتّاب العهد الجديد عن الحياة الأبدية أحياناً كحقيقة حاضرة تنتج عن اتحادنا بالمسيح. وهذا صحيح بالطبع. فرغم أن أجسادنا ستموت لن تموت أرواحنا أبداً. والحياة الروحية التي نمتلكها الآن هي نفس الحياة التي سنمتلكها إلى الأبد.

 

Animation: 150

من جهة أخرى، تتحدث الأسفار المقدسة أكثر عن حقيقة أننا سنُعطى حياة أبدية كميراث عند الدينونة الأخيرة. ونرى هذا في متى 25: 46، مرقس 10: 29-30، يوحنا 12: 25، رومية 2: 5–7،ويهوذا الآية 21.

 

Placard: 151

كمثال واحد فقط، اصغ لما كتبه يوحنا في [يوحنا 6: 40]:

«لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ الَّذِي أَرْسَلَنِي أَنَّ كُلَّ مَنْ يَرَى الابْنَ وَيُؤْمِنُ بِهِ تَكُونُ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ».

وكما فعل يوحنا هنا، غالباً ما تربط الأسفار المقدسة قبولنا الكامل للحياة الأبدية بقيامة أجسادنا. فعندما تحيا أجسادنا، سنحيا للأبد، جسداً وروحاً، كأشخاص مفديين ومتجددين بالكامل.

 

Jeffrey Jue: 151.5

أعتقد أنه مفيدٌ أن نصف ما نناله في المسيح، من خلال اتحادنا به، بعبارتَي “سبق” و”ليس بعد”. وأقصد بذلك أننا سبق ونلنا بركات المسيح التي تتضمن الحياة الأبدية، عندما قبلناه وآمنا به. لكن في الوقت نفسه، هي ليست لنا بعد بهذا المعنى، حتى بعد قبولنا المسيح، كثير منا سيشيخ، سيمرض، وسيختبر الموت، ما لم يرجع المسيح قبل ذلك. بهذا المعنى ستكون عبارة “ليس بعد” للحياة الأبدية، ما تزال بانتظارنا. وهكذا، أعتقد أن “سبق” وما “ليس بعد” تساعدانا على فهم صحة أن لنا حياة أبدية، لكن في الوقت نفسه، ما تزال الحياة الأبدية تنتظرنا في السموات الجديدة والأرض الجديدة.

 

Host: 152

هناك ناحيةٌ يمكننا أن نقولَ فيها أن الحياةَ الأبديةَ لأرواحِنا تبدأُ عندما نولد ثانية. لكننا لن نكون أحياءَ بالكامل إلى حين قيامةِ أجسادِنا عند الدينونة الأخيرة. عندها فقط سيحيا كيانُنا بكامله أمام الله. لكن حتى ذلك الحين، سنتذوق قليل من الحياة الأبدية من خلالِ فداءِ أرواحِنا. لكن فقط عندما توهبُ أجسادُنا حياةً جديدةً، سنتمكن حق أن نعيشَ كما أرادنا اللهُ أن نعيشْ.

 

Panel: 153

بعد فهمنا لتوقيت الحياة الأبدية، دعونا ننظر إلى نوعيتها.

 

Animation: 154

ليست الحياة الأبدية في الكتاب المقدس، مجرد أن يكون لنا وجود ووعي يستمران للأبد. في نهاية الأمر، إن لدى حتى الأشخاص الذين تحت دينونة الله الأبدية وجود ووعي مستمران. بالأحرى، إن النوعية الرئيسية للحياة الأبدية، هي أننا سنعيش في بركات الله للأبد. وبهذا المعنى، يعني امتلاكنا للحياة، أن ننال رضى الله وبركته. وبالمقابل، تعني معاناة الموت، أن نقع تحت غضبه ولعنته. ويتضمن كِلا الحياة الأبدية والموت الأبدي الوجود الدائم. والفرق بينهما هو نوعية ذلك الوجود.

 

Placard: 155

وكما صلى يسوع في [يوحنا 17: 3]:

«وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ».  

علّم يسوع هنا أن الحياة الأبدية مساوية لمعرفة الله ويسوع. وتتضمن فكرة المعرفة في هذا السياق، علاقة مبنية على المحبة. فما قصده يسوع أن الحياة الأبدية ليست محددة ببساطة بالوجود والوعي، بل بالخبرة بمحبة الله.

تأمل بالطريقة التي تحدث بها بولس عن الحياة والموت في رومية 7: 9–11 حيث كتب ما يلي:

«أَمَّا أَنَا فَكُنْتُ بِدُونِ النَّامُوسِ عَائِشاً قَبْلاً. وَلكِنْ لَمَّا جَاءَتِ الْوَصِيَّةُ عَاشَتِ الْخَطِيَّةُ فَمُتُّ أَنَا فَوُجِدَتِ الْوَصِيَّةُ الَّتِي لِلْحَيَاةِ هِيَ نَفْسُهَا لِي لِلْمَوْتِ. لأَنَّ الْخَطِيَّةَ وَهِيَ مُتَّخِذَةٌ فُرْصَةً بِالْوَصِيَّةِ خَدَعَتْنِي بِهَا وَقَتَلَتْنِي».

كان بولس حياًجسدياً وفكرياً خلال كل الفترة التي وصفها هنا. حيث كان موجوداً ككائن عاقل وواعٍ. ومع ذلك، ادّعى أنه كان عائشاً، وأنه مات، أو قُتِلَ. وشكل موقفه أمام الله الفرق بينهما. فقد كان حياً قبل أن دانته الشريعة. لكنه مات ما أن وضعته الشريعة تحت لعنة الله. ولاحقاً عندما جاء إلى المسيح ورُفِعت اللعنة، يمكن وصفه بأنه نال حياة جديدة. ونرى هذه الفكرة ذاتها في أماكن مثل يوحنا 5: 24، ورسالة يوحنا الأولى 3: 14.

 

Animation: 156

فكّر بالأمر كما يلي: سيُقام كل الأموات في القيامة العامة في اليوم الأخير. وستتحد أرواحنا الخالدة مع أجسادنا المُقامة. وحسب [يوحنا 5: 28-29]، سيقوم الذين صنعوا الخير ليُكافَئوا، والذين صنعوا الشر ليُدانوا. وسيعيش كلاهما حياة واعية في أجسادهم المُقامة للأبد. لكنّ الكتاب المقدس يدعو مصير البار الحياة، ومصير الشرير الموت. وليس الفرق فيما إذا كان سيوجدوا، يفكروا أو يختبروا. إنما هو في علاقتهم بالله. ويخبرنا الكتاب المقدس أننا إن كنا تحت بركة الله، فإننا أحياء. لكن إن كنا تحت لعنته، فإننا أموات. وهكذا، إن الحياة الأبدية وجود مستمر واعٍ في علاقة مباركة مع الله. لكن ما هي هذه البركات؟ كيف تبدو الحياة المُباركة؟

 

Schreiner: 157

أعتقد أنه علينا ألا نفكر بحياتنا الأبدية مع الله كالطوف فوق الغيوم أو بما معناه. بل سيكون لنا أجساد مُقامة جديدة لا يمسّها الخطيّة والمرض والموت. سنكون خالدين، ولن نموت إلى الأبد. وسنعيش على أرض جديدة. نحن لا نعرف كل التفاصيل، لكننا نعرف أنه سيتوجب علينا بعض المسؤولية. سنملك مع المسيح. وأعتقد كونه عالماً جديداً، سنتفاعل مع الكون الذي خلقه الله. وسيكون هناك أمور معيّنة علينا القيام بها. لكن في الأساس، لن يكون ما يشدّد عليه العهد الجديد ما سنفعله، بالرغم من روعته، وأعتقد أنه سيكون فاتناً ومُرضياً، لكنّ ما يشدّد عليه العهد الجديد هو أن الله سيكون معنا. سنرى وجهه. وسيكون  فرحنا الحقيقي في الشركة معه.

 

Quotation: 158

وصف اللاهوتي الشهير لويس بيركوف، الذي عاش من سنة 1873 إلى 1957، الحالة النهائية للحياة الأبدية في الجزء 6، الفصل 5 من كتابه علم اللاهوت النظامي. اصغ لما قاله:

يمكن التمتع بملء هذه الحياة بالشركة مع الله… فهم سيروا الله وجهاً لوجه في يسوع المسيح، سنجد الرضى الكامل فيه، سنفرح به، وسنمجده… وسيكون هناك تقدير وعلاقات اجتماعية على مستوى رفيع… وسيكون فرح كل شخص كاملاً وتاماً.

 

Animation: 159

قد يبدو غريباً في بعض النواحي، أن الكتاب المقدس لا يتكلم كثيراً عن طبيعة الحياة الأبدية. ففي النهاية، إن الحياة الأبدية هي المكافأة العظيمة التي يقدمها الإنجيل لمن يتوبوا ويؤمنوا بالمسيح كمخلّص. لكن الحقيقة، هي أن الأسفار المقدسة تميل للحديث عن الحياة الأبدية بمصطلحات عامة. ويخبرنا رؤيا 21: 3-4 أن الله يسكن مع شعبه، ولن يكون هناك موت أو حزن. سننال أجساداً جديدة، وسنكون أحراراً من الوجود، الفساد، وتأثير الخطيّة بالكامل. لكن ماذا عن التفاصيل؟ في الواقع، لا يقول الكتاب المقدس سوى القليل عنها. بدلاً من ذلك، يشجّعنا في الغالب على الثقة بصلاح الله، وعدم التفكير كثيراً بالعجائب التي يخبئها لنا.

 

Placard: 160

اصغ لما كتبه بولس في [رسالة كورنثوس الثانية 12: 2–4]:

«أَعْرِفُ إِنْسَاناً فِي الْمَسِيحِ اخْتُطِفَ هذَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ... اخْتُطِفَ إِلَى الْفِرْدَوْسِ وَسَمِعَ كَلِمَاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا وَلاَ يَسُوغُ لإِنْسَانٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا».

لاحظ ما قاله بولس عن هذا الاختبار. سمع أشياء لاَ يُنْطَقُ بِهَا – أي لا يمكن التعبير عنها بشكل كافٍ باللغة البشرية. وأكثر من ذلك، َلاَ يَسُوغُ لإِنْسَانٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ عما تتضمنه تلك السماء الثالثة. إنها سماء رائعة لدرجة أن الله يبقيها سرّية في الوقت الحاضر.

 

Animation: 161

وكانت هذه السماء فقط – أي الحالة المتوسطة قبل قيامتنا. فإن كان لا يمكن الإعلان عن أسرار السماء، فكم بالحري أسرار حالتنا النهائية؟ من يمكنه أن يتصور روعة الحياة عند عودة المسيح؟ يخبرنا الكتاب المقدس أنه لن يكون هناك حزن، معاناة، خيبة أمل، أو موت. إن هذه الأمور رائعة وحقيقية، لكن لا يخبرنا الكتاب المقدس ببساطة الكثير من التفاصيل عنها.

 

Panel: Location: 162

بعد أن تأملنا في توقيت ونوعية الحياة الأبدية، دعونا ننتقل إلى موضوعنا الأخير: المكان الذي سنعيش فيه للأبد.

 

Animation: 163

غالباً ما تتحدث الأسفار المقدسة عن المكان الذي سنعيش فيه للأبد بالسماوات الجديدة والأرض الجديدة. ونجد هذه اللغة في إشعياء 65: 17؛ و66: 22، رسالة بطرس الثانية 3: 13، ورؤيا 21: 1. وأدت إعادة خلق السماوات والأرض من جديد، إلى التحقيق الكامل لقصة الكتاب المقدس الشاملة. حيث بدأ التاريخ في تكوين 1: 1، عندما خلق الله السَّمَاوَاتِ والأرض، لكنها فسدت بعد ذلك بسقوط البشر في الخطيّة، مما جعلها غير صالحة لسُكنى الله فيها. ويخبرنا باقي الكتاب المقدس قصة فداء البشرية والخليقة. وعندما يعود يسوع، ستكون النتيجة النهائية بفداء وتجديد السماوات والأرض، بحيث يسكن الله على الأرض مع شعبه المُقام.

 

Placard: 164

هذا هو الهدف الذي فكّر به يسوع في [متى 6: 9-10]، عندما علّمنا أن نصلي هذه الكلمات:

«أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ».

كان الهدف دائماً أن يتم إظهار ملكوت الله بالكامل، في السماء حيث تعيش الملائكة ونفوس القديسين الأموات، وكذلك على الأرض حيث نعيش نحن. ولهذا السبب علّمنا يسوع أن نتوسل لله ليأتي بملكوته على الأرض، ويجعل مشيئته مُطاعَةً بالكامل على الأرض كما في السماء.

 

Animation: 165

ورغم أن الأسفار المقدسة لا تقول الكثير عن هذه الخليقة الجديدة، لكنها عندما تفعل، توضّح أن المصير النهائي للبشر المفديين لن يكون في السماء، بل على الأرض الجديدة. على سبيل المثال، نتعلم في إشعياء 65: 17–19، أن شعب الله سيسكن في مدينة أورشليم المقدسة الجديدة. ونجد في رؤيا 21: 2، أن أورشليم الجديدة ستوجد على الأرض الجديدة.

 

Placard: 166

اصغ لما كتبه يوحنا في [رؤيا 21: 1–5]:

«ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً... رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِوَسَمِعْتُ صَوْتاً عَظِيماً مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاًهُوَذَا مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْباً وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلهاً لَهُمْ... وَقَالَ الْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِهَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيداً».

نرى هنا أن الله يُعِدّ أورشليم الجديدة في السماء. وعندما تكون الأرض الجديدة جاهزة، سيجلب أورشليم الجديدة إلى الأرض كمسكنه المقدس بين شعبه، الذي سيسكن الأرض الجديدة أيضاً. ولو كانت خطة الله ببساطة أن يأخذنا إلى السماء للأبد، لما كان هناك حاجة إلى أرض جديدة. لكن كما نقرأ هنا، يصنع الله كل شيء جديداً، بما في ذلك العالم نفسه ليكون بيتنا الأبدي.

 

Quotation: 167

كتب أب الكنيسة الأولى أوغسطينوس، أسقف هيبو الذي عاش بين 354 و430 ميلادية، عن الأرض الجديدة بهذه الطريقة في كتابه [مدينة الله، الكتاب العشرين، الفصل السادس عشر]:

بينما يتم تجديد العالم نفسه إلى حال أفضل، فهو ملائمٌ لأناسٍ، هم أنفسهم تم تجديد أجسادهم إلى حال أفضل.

 

Pennington: 167.5

سيأتي يوم يجدّد فيه الله كل شيء. ويمكننا رؤية هذا، خاصةً في الكلمات الجميلة التي علّمها يسوع لتلاميذه ليصلوها أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ عَلَى الأَرْضِ. إن الفكرة المسيحية التأسيسية المركزية الحاسمة هي أننا نعيش اليوم في زمن انتظار تحويل الحقائق السماوية إلى حقائق أرضية – أي الطريقة التي تتم فيها الأمور في السماء عندما يتقدس الله، عندما تكون كل الأمور صحيحة، ويسود البر، المجد، الحق والمحبة. إن رجاؤنا الأكيد كمسيحيين هو أن تلك الحقائق السماوية ستصبح حقائق أرضية، وهذا ما تَعِدنا به الأسفار المقدسة، وترجوه بما أننا الخليقة الجديدة، أو البيت الأبدي.

 

Animation: 168

إذا أغفلنا حقيقة أن الأرض الجديدة هي وطننا النهائي، فقد يسهل علينا أن نفصل أنفسنا عن الجوانب المادية للواقع، ونعتقد أن الوجود الجسدي على الأرض هو مشقة أكثر مما هو بركة.لكن عندما ندرك أن الأرض نفسها ستكون وطننا الدائم، يمكننا رؤية هذا العالم الحاضر كبركة وتذوق للجمال والبركة اللتين يحفظهما لنا الله في العالم الآتي.

 

Signpost: 169

لقد ركّزنا في هذا الدرس حول قانون إيمان الرسل، على موضوع الخلاص. حيث تحدثنا عن غفران الخطايا بالنسبة لمشكلة الخطيّة، موهبة النعمة الإلهية، ودور المسؤولية البشرية. استكشفنا عقيدة قيامة الأجساد بالنظر إلى لعنة الموت، إنجيل الحياة، وفداء المسيح. وتأملنا في طبيعة الحياة الأبدية، بما في ذلك توقيتها، نوعيتها، ومكانها.

 

Host: 170

في هذا الدرسِ عن الخلاصْ، رأينا كيف يشدّدُ “قانونَ إيمانِ الرسل” على العناصرِ الأساسية لاعترافِنا المسيحي المشترك الذي تمسكت بها الكنيسةُ في الألفية الأولى. وإن أبقَينا هذه العقائدَ العامةْ في أذهانِنا عندما نتحدثُ إلى مسيحيين من طوائف ومعتقداتٍ مختلفة، سنجدُ أن لنا أساسًا متينًا في سعيِنا وراءَ الوحدةِ مع أولئك الذين يقرّون بـ”قانون إيمان الرسل”، ولتصحيح أولئك الذين لا يقرّون بهذا القانون. كما يساعدُنا ونحن نركّزُ على عقائدِ الخلاص الأساسية هذه، أن نرى الصورةَ الكبيرةَ لما يفعله الله في هذا العالم، وأن نجد المزيدَ من الأسبابِ لنسبَحه على محبتِه ونعمِته.

والآن، ها هي فرصتك للحديث معنا عما تفكّر فيه
يا صديق، نحن نريد أن نساعدك في رحلة الإيمان. الخطوة التالية هي أن ترسل لنا برغبتك في المعرفة والإيمان لنتواصل معك، فنشجعك ونصلي من أجلك. نحن نتعامل بحرص وسرية مع كل رسائل الأصدقاء