المادة: العقيدة المسيحية الأساسية

السلسلة: قانون إيمان الرسل

الدرس 1: بنود الإيمان

القس وليد حرموش

هل تساءلتَ يوماً ما الذي يجعل من الشجرة شجرة؟ أو من البيت بيتاً؟ أو إن بدّلنا صيغةَ السؤالِ، ما هي الخصائص التي يجب أن تتوفر في شيء ما، لنتمكن من أن ندعوَهُ شجرةً أو بيتاً؟ هذه أسئلة معقّدة افتكر فيها الفلاسفة لآلاف السنين. ونحن نواجهُ سؤالاً مشابهاً عندما ندرس اللاهوت المسيحي. في النهاية، يوجد عدد لا يُحصى من الكنائس التي قد نعتبرها “مسيحية”، لكن يختلف عدد كبير بينها في الرأي حول عدة أمور. من المفيد بالتالي أن نسأل: أيّ من العقائد تعتبر أساسية وجوهرية بالنسبة لللاهوت المسيحي؟ طبعاً، لا بد ونحن نسأل هذا السؤال، أن نُوضح، أنه من الممكن للأفراد أن يخلصوا، حتى ولو كان فهمهم اللاهوتي بسيطاً جداً. فالتزامنا بإتباع المسيح، يكفي لكي يجعلنا مسيحيين. في الوقت ذاته، من العدل أن نقول، إنه لا بد من وجود بعض المعتقدات الأساسية في أي نظام لاهوتي، لكي يستحق أن يُدعى “مسيحياً”. وقد شكّل “قانون إيمان الرسل”، منذ القرون الأولى في الكنيسة، ملخّصاً مفيداً لهذه المعتقدات الجوهرية.

هذا هو الدرس الأول من سلسلتنا قانون إيمان الرسل وهو ملخّص لما يؤمن به المسيحيون، معروفٌ ومستخدمٌ بشكل واسع. وقد دعوَنا هذا الدرس [بنود الإيمان]، لأننا سننظر إلى قانون إيمان الرسل كملخّص للبنود أو العقائد التي يجب أن يقرّ بها كلُ الذين يسمّون أنفسهم “مسيحيين”.

 

لقد ظهر قانون إيمان الرسل في أشكال مختلفة خلال القرون الأولى للكنيسة. لكن تم توحيده في اللغة اللاتينية، حوالي سنة 700 ميلادية. وتقرأ الترجمة الإنجليزية الحديثة المعروفة كما يلي:

أؤمن بإلهٍ واحدٍ، آبٍ قادر ٍعلى كل شيء،

خالق السماء والأرض.

وبربٍ واحدٍ يسوع المسيح، ابن الله الوحيد،

الذي حُبل به بالروح القدس،

وولد من مريم العذراء.

وتألم على عهد بيلاطس البنطي،

وصلب ومات وقبر؛

ونزل إلى الجحيم،

وقام في اليوم الثالث من الأموات،

وصعد إلى السماء،

وهو جالس عن يمين الآب

القادر على كل شيء.

وأيضاً سيأتي من هناك ليدين الأحياء والأموات

أؤمن بالروح القدس،

وبكنيسةٍ جامعةٍ مقدسة،

وبشركة القديسين،

وبغفران الخطايا،

وبقيامة الأجساد،

وبالحياة الأبدية. آمين.

 

ستنقسم مناقشتنا “لقانون إيمان الرسل” كبنود الإيمان إلى ثلاثة أجزاء. أولاً، سنتحدث عن تاريخ قانون الإيمان. ثانياً، سنقدّم نظرة عامة عن تصريحاته. وثالثاً، سنركّز على أهمية العقائد بالنسبة ليومنا هذا. فلنبدأ بتاريخ قانون إيمان الرسل.


بينما نفحص تاريخ قانون إيمان الرسل، سنركّز على مسألتين. فمن جهة، سننظر في تطوّر قانون الإيمان، آخذين بعين الاعتبار أموراً مثل التأليف وتاريخ الكتابة. ومن جهة أخرى، سننظر في الهدف من قانون الإيمان، أي السبب الذي جعل الكنيسة تفكر بأهمية إنشائه واستخدامه. دعونا نتوجه أولاً إلى التطوّر التاريخي لقانون إيمان الرسل.


لقد كان يُعتَقَد ويُعلَّم مرةً، أن الرسل الاثني عشر أنفسهم، كتبوا قانون إيمان الرسل في القرن الأول. حتى قيل، أن كل رسول، ساهم بوضع أحد التصريحات اللاهوتية البارزة الاثني عشر لقانون إيمان الرسل. ومع ذلك، لا يوجد في الواقع، أي دليل على حصول ذلك؛ أو حتى على اشتراك أي من الرسل في كتابة قانون الإيمان. لكن إن لم يكتب الرسل قانون الإيمان، فمن كتبه إذن؟

 

د. جون أوزوالت

إن السؤال عمن كتب قانون إيمان الرسل مفتوح، لأنه لم يوقّع عليه أي مؤلف. وقد يكون تقريباً أن مرشحَي المعمودية هم من سألوا هذا السؤال، ولهذا، قد يُسْأل شخصٌ، هل تؤمن بالله الآب، خالق السماء والأرض؟ ونعرف هذا لأنه عندما يتحدث عدد من الناس عن خبرة معموديتهم، فإنهم يشيرون إلى عدد من هذه الأسئلة. ومع حلول سنة 200 ميلادية، أشار ترتيليوس إلى أن ما يدعى قانون الإيمان الروماني القديم هو مطابقٌ تقريباً لقانون إيمان الرسل، وهو يشير إليه في صيغة أسئلة المعمودية هذه، هل تؤمن. وقد تمت أول إشارة لقانون إيمان الرسل من قبل رجل يدعى رُوفِنِس في سنة 390 ميلادية، وهو يروي القصة بأن كلٌ من الرسل الاثني عشر، بما فيهم مَتِّيَاسَ الذي أخذ مكان يهوذا، أعطى أحد إقرارات إيمان الرسل. ولا يوجد في الواقع أي دليل على هذه النظرية. لكن فكرة أن هذه الإقرارت تعود إلى الرسل، لها أساس جيد في الواقع.


يوجد في كتابات المسيحيين الأوائل، العديد من لوائح العقائد الأساسية التي تشبه قانون إيمان الرسل. فمن جهة، يوجد [قواعد إيمان] تفسّر المعتقدات الأساسية بشيء من التفصيل وتضعها في جداول. وتشير كتابات آباء الكنيسة الأوائل، إلى أن قواعد الإيمان المكتوبة لخصّت معتقدات وممارسات الكنائس التي وضعتها. على سبيل المثال، شمل أوريجانوس قاعدة إيمان في مقدمة مؤلفه حول المبادئ الأولى. وشمل إيرينايوس واحدةً، في الكتاب الأول، والفصل العاشر من مؤلفه الشهير ضد الهرطقات. وكان القصد من مثل قواعد الإيمان هذه أن تحافظ على تعاليم الكنيسة، وقد استُخدمت لتدريب شعبها – وخاصةً قادتها. وغالباً ما تفاوتت هذه القواعد بين رعية وأخرى. فقد شملوا بصورة عامة، التأكيدات والعقائد الهامة، بالإضافة إلى التعاليم الأخلاقية والتقاليد.

 

من جهة أخرى، كانت بعض العقائد القديمة موضوعة بشكل قوانين إيمان. وقد كانت عبارة عن لوائح قصيرة لخصّت الأجزاء العقائدية لقاعدة إيمان الكنيسة، لا سيما أهم عقائدها الحاسمة. وغالباً ما كانت تُتلى في الأطر الطقسية، مثل المعموديات. وربما كانت القضية في القرنََين الأول والثاني أنه كان لكل رعية قانون إيمانها، أو طريقتها في تلخيص الحقيقة الكتابية الجوهرية. لكن مع حلول القرن الثالث أو الرابع، ارتقى بعض قوانين الإيمان إلى مكانة أكثر بروزاً، واستُخدِمت في كنائس متعددة.

 

إن أحد قوانين الإيمان القديمة الذي ارتقى إلى مكانة بارزة بهذه الطريقة، هو قانون الإيمان من كنيسة روما، الذي يُسمّى غالباً قانون الإيمان الروماني. إن قانون الإيمان هذا، مشابه جداً لقانون إيمان الرسل، حتى اعتقد العديد من العلماء أن قانون إيمان الرسل هو مجرد نسخة لاحقة لقانون الإيمان الروماني.

 

لكن، بغض النظر عن مصادره الدقيقة، وبدون أدنى شك، أصبح استخدام قانون إيمان الرسل في نهاية المَطاف واسع النطاق، وخاصةً في الكنائس الغربية. وقد تفاوتت صياغته الدقيقة إلى حدٍ ما بين كنيسة وأخرى في القرون الأولى. لكن في القرن الثامن، أصبحت كلماته موحّدة عموماً في الصيغة التي نعرفها، ونستخدمها اليوم.

 

بعد أن فهمنا التطور التاريخي لقانون إيمان الرسل، علينا أن ننظر في الهدف من إنشاء واستخدام هذا القانون.

 

القس وليد حرموش

في يومِنا هذا، يشكِّك الكثير من المسيحيين بقوانين الإيمان؛ ويمكننا أن نفهم السبب وراء تشكيكهم. فعلى الرغم من أن قليلين، قد يعلنون صراحة، أن لقانون الإيمان سلطاناً مساوياً للأسفار المقدسة، فإن بعض المسيحيين يتعاملون أحياناً، عن حسنِ نيةٍ، مع قوانين الإيمان، كما لو أنها مساوية للكتابِ المقدس ذاته. لكن يجب أن لا يرتفع أبداً، أي قانون إيمان، إلى منزلة الكتاب المقدس سواء نظرياً أو عملياً.

 

إن الكتاب المقدس هو قاعدة إيماننا وممارستنا الوحيدة، الموحى بها من الله، والمعصومة عن الخطأ. في حين أن قوانين الإيمان هي وسائل تعليمية غير معصومة عن الخطأ تلخّص فهمنا للأسفار المقدسة. وكما سنرى، لقد تم إنشاء قانون إيمان الرسل ليساعد المسيحيين على تعلم تعاليم الكتاب المقدس، والبقاء أوفياء لتلك التعاليم.

 

سنبحث في الهدف من قانون إيمان الرسل في ثلاث خطوات. أولاً، سننظر إلى الأسفار المقدسة كالمستودع الأصلي للعقيدة الصحيحة. ثانياً، سننظر إلى التعاليم التقليدية للكنائس كتأكيدات للأسفار المقدسة. وثالثاً، سوف نرى أن القصد من قانون إيمان الرسل، هو تلخيص المفاهيم التقليدية للكنائس حول الأسفار المقدسة. فلنبدأ بحقيقة أن المسيحيين المكرَّسين، أكدوا دائماً أن الأسفار المقدسة هي الأساس لعقيدتنا.

 

اصغِ لكلمات، أوريجانوس أب الكنيسة الأولى، في مقدمة كتابه حول المبادئ الأولى، الذي كتبه في بداية القرن الثالث:

إن جميع الذين يؤمنون… يستخرجون المعرفة التي تحث الناس ليعيشوا حياة صالحة وسعيدة، من مصدر واحد لا غير، وهو كلمات وتعليم المسيح. ولا نقصد بكلمات المسيح، فقط تلك التي نطق بها عندما أصبح إنساناً… فقد كان المسيح، أي كلمة الله، موجوداً قبل ذلك الوقت، في موسى والأنبياء… وعلاوة على ذلك… وبعد صعوده إلى السماء، تكلم المسيح من خلال رسله.

لقد علّم أوريجانس أن الأسفار المقدسة في كل أجزائها هي كلمة المسيح، وأنها مصدر لكل عقيدة صحيحة.

 

اصغِ لكلمات الأسقف هيبوليتوس، في أول القرن الثالث في الجزء التاسع، من كتابه ضد هرطقة نويتوس:

يوجد أيها الاخوة إله واحد نكتسب معرفتنا به، من الأسفار المقدسة، وليس من أي مصدر آخر.

 

آمنت الكنائس الأولى بأن الكتاب المقدس كله، هو كلمة المسيح المُعطاة للمؤمنين بواسطة الرسل. وقد أكّدوا بهذا الصدد، المفهوم الذي غالباً ما يدعوه اللاهوتيونsola Scriptura  أو الكتاب المقدس وحده. وهذا هو المعيار، بأن الأسفار المقدسة هي قاعدة الإيمان الوحيدة المعصومة عن الخطأ، والحَكَم النهائي في أي جدال لاهوتي. ونجد مثلاً واضحاً عن ذلك في كتابات باسيليوس، الذي انتُخب – أسقفاً لقيصرية سنة 370 ميلادية. كان باسيليوس مدافعاً قوياً عن تقاليد أوعادات الكنيسة، وغالباً ما عبّر عن معتقداته بأنه يمكن تتبع أثار تلك التقاليد إلى الرسل. ورغم ذلك، عند السؤال عن صدق تلك التقاليد، استعان بالأسفار المقدسة بصفتها السلطة النهائية.

 

اصغِ إلى كلمات باسيليوس في الرسالة المئة والتاسعة والثمانين، المكتوبة إلى الطبيب يوستاثيوس:

لندع الأسفار الموحى بها من الله تحكم بيننا؛ وأياً كانت الجهة التي تتوافق فيها العقائد مع كلمة الله، فإننا سنلقي تصويت الحقيقة لصالح تلك الجهة. 

اعترف باسيليوس هنا أن بعض الكنائس أكدّت مجموعة من الأفكار المعتادة في قاعدة إيمانها، بينما كان لكنائس أخرى عادات متناقضة. وهكذا استعان باسيليوس بالأسفار المقدسة باعتبارها السلطة العليا لحلّ هذه المسألة.

 

لقد اعتمدت الكنيسة الأولى بقوة، على الأسفار المقدسة، كأساس لكل عقيدتها. لكنها لا تزال تعتمد على التعاليم التقليدية للكنيسة، بغية تلخيص وحماية تعاليم الأسفار المقدسة.

 

ومن المنطقي أن نتساءل لماذا شعرت الكنيسة بضرورة الحفاظ على تعاليمها التقليدية. ألم يكن كافياً، بكل بساطة، حفظ الكتاب المقدس، وتركه يتكلم عن نفسه؟

 

د. إيريك ثيونس

في الواقع، بسبب وجود المعلمين الكَذَبة، ورداً على هذه التعاليم الزائفة بالتحديد، كانت الكنيسة بحاجة لصياغة تصريح مُختَصَر وواضح لِما تؤمن به.

د. رياض قسيس

وبالطبع، عندما يكون الكتاب المقدس موجود في الكنيسة، سيكون لديها مصدر إيمانها. لكن بالطبع أن الكتاب المقدس هو كتابٌ كبير ووجد في زمنٍ كانت القراءة فيه محدودةٌ جداً. وكان من الأفضل أن تختصر الكنيسة عقائد أساسية وتضعها في قانون إيمان واحد، حتى يفهمها الناس، ويتمكنوا من استيعابها، دون الحاجة لقراءة الكتاب المقدس بالكامل.

د. پول تشانچ

كان قانون إيمان الرسل ذو قيمة خاصة في تاريخ الكنيسة الأولى. لأنه لم يتم إدراج قانونيّة الأسفار المقدسة حتى حوالي سنة 397 ميلادية. فماذا كان إيمان الكنيسة ذو السلطان؟ لقد كان مُختَصَراً في قانون إيمان الرسل. وما يزال قانون إيمان الرسل يلخص التعاليم الأساسية للإنجيل بطريقة بسيطة.

 

لقد سبّب المعلمون الكذبة الكثير من المشاكل في الكنيسة. حتى أنكر بعضهم جوانبَ أساسية من الإنجيل نفسه. وردّاً على هذه الظروف، قام قادة مسيحيون أتقياء، بوضع ملخصات قصيرة لتعاليم الكتاب المقدس الأساسية، حتى يعرف ويؤكد كل المسيحيين المحتوى الأساسي للإيمان.

 

اصغِ للطريقة التي وصف بها أوريجانوس المشكلة في قسم آخر من مقدمة كتابه حول المبادئ الأولى:

[يوجد الكثير من الذين يظنون أن لديهم آراء المسيح، لكن يفكر بعضهم بطريقة مختلفة عن أسلافهم. وبما أن تعليم الكنيسة، المتنقل بتتابع منظم من الرسل، والموجود في الكنيسة إلى يومنا هذا، ما يزال محفوظاً؛ يمكن قبول هذا وحده كحقيقة لا تختلف أبداً عن التقليد الكنسي والرسولي].    

لاحظ ما قاله أوريجانوس هنا. فهو لم يقل أن تعليم الكنيسة معصوم عن الخطأ، أو أنه سيكون كاملاً دائماً. بل قال، إن عليم الكنيسة، يجب أن يكون مقبولاً كحقيقة بما أنه، أو لأنه متنقل بتتابع منظم من الرسل، ومحفوظ إلى يومه. بعبارة أخرى، كان تعليم الكنيسة في أيام أوريجانوس ما يزال ملخصاً دقيقاً لكلمات يسوع في الأسفار المقدسة. ولهذا السبب، تمكنت الكنيسة في يومه، من استخدام هذا التعليم “كمقياس” أو “قاعدة إيمان” لفحص العقائد. لكن كانت السلطة النهائية تكمَنَ في العهد الجديد، وليس في الكنيسة المعاصرة.

 

يمكننا توضيح هذه الفكرة بالتفكير في سلسلة مصنوعة من عدة حلقات. حيث أرادت الكنيسة الأولى أن تتمسك بتعاليم المسيح، التي يمكن إيجادها في الأسفار المقدسة. وهذا يجعل من المسيح، الحلقة الأولى. وكان الرسل على اتصال مباشر بالمسيح، وتعلموا منه مباشرة. ولهذا، تشكّل تعاليمهم الحلقة الثانية في السلسلة. ثم حافظ الرسل على معرفتهم بالمسيح في الأسفار المقدسة، جاعلين من الأسفار المقدسة الحلقة الثالثة في السلسلة. كانت كلٌ من هذه الحلقات الثلاث، كاملة ومعصومة عن الخطأ، لأنها كانت تحت إشراف الروح القدس. أما الحلقة الرابعة، وهي التعاليم التقليدية للكنيسة، فقد كانت مختلفة. فلم يكن انتقال تلك العادات معصوماً عن الخطأ؛ حيث لم يضمن الروح القدس أنها ستكون محفوظة من الخطأ. في الواقع، كما سبق ورأينا، كانت عادات بعض الكنائس متناقضة مع عادات الكنائس الأخرى. وتتعلق بعض هذه التعاليم بمسائل ثانوية في الممارسة – أي أموراً لا تعالجها الأسفار المقدسة بشكل مباشر. لكن لخّصت تقاليد أخرى المعنى الأصلي للأسفار المقدسة، لا سيما ما يتعلق بالبنود الرئيسية للإيمان، مثل تلك المذكورة في قانون إيمان الرسل. وعندما يتعلق الأمر بتلك المعتقدات الرئيسية، فقد تم تأكيد التقاليد من قبل العديد من قادة الكنائس في عدة أماكن عبر العصور. علاوة على ذلك، يمكن التحقق منها، بالاستعانة المباشرة بالأسفار المقدسة. ولهذا السبب، شعر أوريجانوس بالثقة في تقديم التعاليم التقليدية للكنيسة كقاعدة إيمان. ومع ذلك، لم تكن هذه الحلقة معصومة عن الخطأ. فقد كانت الكنائس مجامعها، والأفراد المسيحيين، عرضة للوقوع في الخطأ دائماً.

 

اصغِ إلى كلمات قبريانوس، وهو أسقف قرطاجة في القرن الثالث، التي كتبها في رسالة الثالثة والسبعين ضد عقائد استفانوس، أسقف روما:

يجب ألا يمنع التقليد، الذي تسلل في أوساط البعض، الحقيقة من الانتصار والسيطرة؛ لأن التقليد بدون الحقيقة هو أخطاء العصور القديمة.

كانت وجهة نظر قبريانوس أن بعض الآراء والممارسات المسيحية القديمة ليست متأصلة في الحقيقة التي تسلمناها من الرسل. إنما كانت “أخطاء العصور القديمة” – أي الأخطاء التي تسللت إلى الكنيسة منذ زمن بعيد.

 

في الواقع، كانت هذه هي مشكلة القابلية للخطأ بالتحديد، التي جعلت أهمية تسجيل الكنيسة لقاعدة إيمانها في صورة مكتوبة. حيث كتب أوريجانوس وغيره من آباء الكنيسة الأولى، قاعدة إيمان الكنيسة، ليضمنوا إمكانية المسيحيين في كل العالم من مقارنة عقائدهم بالعقائد التقليدية. كما وسجّلت مجامع الكنيسة أيضاً، التعاليم التقليدية، لكي تُعلِم أحكامها المسيحيين في الأماكن والأزمنة المختلفة.

 

في جميع الأحوال، كان الهدف من حفظ التعاليم التقليدية للكنيسة، هو التأكد من أن الكنائس لم تضل عن المعنى الأصلي للأسفار المقدسة، حتى يتمكن المؤمنون من فهم تعاليم الرسل بصورة صحيحة، وبالتالي، يتمسكوا بكلمات المسيح، ويعيشوا بموجبها.

 

د. پيتر واكر

إن الإنجيل كتاب كبير. ويوجد تحديات لعقيدة ماهية المسيح حتى داخل العهد الجديد. ويمكنك رؤية الرسل يحاولون المجادلة والقول، هذه هي الحقيقة. وتستمر هذه المسألة في القرن الثاني الميلادي. إن الشيء المهم الواجب تذكره هو أنهم لم يحاولوا إضافة شيء للإنجيل فعلاً، بل كانوا يحاولون توضيح واستخراج معناه.

 

وكما كتب باسيليوس في كتابه حول الروح القدس في سنة 374 ميلادية:

[إن ما قاله أباؤنا، نقوله هو ذاته. لكننا لا نستند فقط على حقيقة أن هذا هو تقليد الآباء؛ فقد تمسكوا بمعنى الأسفار المقدسة أيضاً].

 

القس وليد حرموش

ولا بد لنا من أن نشير، أنه فيما يتعلق بحفظِ الكنيسةِ الباكرة لتعاليمها التقليدية، لم تكن قلقة جداً من جهة النقاط الثانوية في العقيدة. بل، شدّدت على المعتقدات والممارسات الجوهرية الرئيسية. وهذا واضح من خلال نوع الحجج التي قدّمها الآباء في كتاباتهم، والأمورِ التي ذكروها في قوانينِ إيمانِهم المكتوبة. على سبيل المثال، كتبوا ضد الدوشستيين، الذين أنكروا ناسوت يسوع. وكتبوا ضد الغنوسيين، الذين آمنوا أن إله العهد القديم كان شريراً، سمح بكل أنواع الخطايا الجسدية. وكتب الآباء أيضاً، ضد الكثير من التعاليم المضلِّلة الأخرى التي كانت تتحدى عقائد الكتب المقدسة الأساسية.

 

بعد أن تحدثنا عن الأسفار المقدسة، والتعاليم التقليدية للكنيسة، نحن مستعدين للنظر إلى كيف لخص قانون إيمان الرسل التعاليم التقليدية للكنيسة بالنسبة للمؤمنين الأفراد.

 

كما سبق ورأينا، تم استخدام قانون إيمان الرسل، على نطاق واسع، للتأكيد على إيمان المسيحيين الجدّد بالتعاليم الأساسية للكتاب المقدس. وبنفس الطريقة التي يتلمذ بها العديد من الكنائس الحديثة المؤمنين الجدد في الصفوف، واجتماعات درس الكتاب، استخدمت الكنيسة الأولى قوانين الإيمان لتدريب المؤمنين الجدد في مبادىء الإيمان.

 

لخّص أوغسطينوس وهو أسقفٌ شهير في هيبو الذي عاش بين 354 و430 ميلادية، قيمة قوانين الإيمان في عظة إلى الموعوظين، وهم المؤمنين الجدد الذي يستعدون لمعموديتهم. لقد كان قانون الإيمان الذي تناوله أوغسطينوس في هذه العظة، قانون الإيمان النيقاوي، لكن تلخص كلماته هدف واستخدام كل أنواع قوانين الإيمان في القرون الأولى للكنيسة.

 

كتب أوغسطينوس في عظةٍ للموعوظين: حول قانون الإيمان:

إن هذه الكلمات التي سمعمتموها، هي من الأسفار الالهية المبعثرة هنا وهناك: لكن من ثم جُمعت واختُصِرَت في واحدة، بحيث لا تتشوش ذاكرة البليدين، ويتمكن كل شخص من قول والتمسك بما يؤمن به.

كما أشار أوغسطينوس هنا، إن التعاليم المركزية للمسيحية مبعثرة هنا وهناك في الأسفار المقدسة. ولهذا، لخصّت الكنائس القديمة العقائد الأساسية للأسفار المقدسة في قوانين إيمان. وقد ضمن هذا إمكانية كل مؤمن – حتى الأشخاص “البليدين” أو غير المتعلمين – على التأكيد والتمسك بالتعاليم الأساسية للأسفار المقدسة.

 

وبالطبع، وبما أن للعديد من الرعايا قوانين إيمان مختلفة، فمن الطبيعي أن يكون لديها أيضاً، حد أدنى من معايير الإيمان المختلفة. حيث لم تتطلب بعض الكنائس فهماً كافياً من جانب المؤمنين الجدد، بينما استبعدت كنائس أخرى المؤمنين الذين يمتلكون إيماناً حقيقياً، لكن كانت تنقصهم المعرفة اللاهوتية المتقدمة. وبالنتيجة، قد يُحسب الشخص مؤمناً في بعض الرعايا دون الأخرى. وقد أدركت الكنيسة الأولى، في ضوء هذا التفاوت، الحاجة إلى قانون إيمان يكون مقبولاً في كل رعية تسمي نفسها مسيحية. وقد برز قانون إيمان الرسل بغية سد هذه الحاجة. فقد كان تصريحاً قصيراً ومباشراً من المعتقدات التي يمكن ويجب أن تكون مفهومة من قبل كل المسيحيين المعترفين بإيمانهم.

 

د. آلبرت مولر، الابن

إن قانون إيمان الرسل هو تلخيص روائي للإيمان المسيحي. فهو يشير إلى حقيقةِ أنه رغم إيماننا بأن كل كلمة في الإنجيل هي منزّهة ومعصومة عن الخطأ، فإننا بحاجة إلى تلخيص ليساعد الناس على فهم جوهر الإنجيل. قانون إيمان الرسل هو ذلك النوع من التلخيص الناشىء من وقت مبكر في التقليد المسيحي, والذي يغلّف ما علّمه الرسل على أساس وحي المسيح لهم بشأن جوهر الإيمان.

 

بعد أن تحدثنا عن تاريخ قانون إيمان الرسل، أصبحنا مستعدين لتقديم نظرة عامة عن تصريحاته. ويمكن أن تكون هذه الصورة الكبيرة لما آمن به المسيحيون مفيدة لنا اليوم بقدر ما كانت مفيدة في القرون الأولى للكنيسة.

 

وصف اللاهوتيون، عبر السنين، محتوى قانون إيمان الرسل بطرق متنوعة. وسنتناول بنود قانون الإيمان في هذا الدرس، من ثلاثة معايير. أولاً، سنتناول عقيدة الله نفسه. ثانياً، سنتكلم عن الكنيسة. وثالثاً، سنتناول موضوع الخلاص. فلنبدأ بعقيدة الله في قانون إيمان الرسل.

 

د. ستيڤن وِلِم

إن عقيدة الله أساسية للغاية في كل ما نقوله من حيث اللاهوت المسيحي، الإيمان المسيحي، والممارسة المسيحية. إن كل عقيدة مسيحية واحدة سواء كانت الخلاص، الكنيسة أو الأمور الأخيرة بالنسبة للمستقبل كلها متأصلة في الله الذي يوجد، أي الله الذي هو الثالوث. إن كل رجائنا وثقتنا في هذه الحياة، كل ما نفكر به بالنسبة للخلاص ومغفرة الخطايا متأصلة في الله الذي خطط لكل شيء، الله الذي تمم إرادته وهدفه، والله الذي سينهي كل شيء من حيث إتمام خطته. وهكذا، يعود كل شيء إلى فكرنا عن ماهية الله.

 

هناك نوعان من الجوانب الرئيسية لعقيدة الله التي تظهر في قانون إيمان الرسل. أولاً، إن قانون الإيمان مبنيٌ حول الاعتقاد بأن الله موجود في الثالوث. وثانياً، إنه يقدّم تصريحات حول أقانيم الله المختلفة، وهي الآب، الابن، والروح القدس. دعونا ننظر أولاً إلى الثالوث.

 

ستلاحظ أن قانون إيمان الرسل ينقسم إلى ثلاثة أجزاء رئيسية، يبدأ كلٌ منها بالتصريح “أؤمن“. حيث يتحدث الجزء الاول عن الإيمان بالله الآب. بينما يتحدث الجزء الثاني عن الإيمان بربٍ واحدٍ يسوع المسيح، ابن الله الوحيد. ويلخّص الجزء الثالث الإيمان بالروح القدس، ويسرد خدماته الفعالة. يجب أن نشير إلى عدم تَضَمُّن كل النسخ القديمة لقانون الإيمان على كلمة أؤمن، قبل البنود المتعلقة بيسوع المسيح. حيث استخدمَ الكثير من النسخ ببساطة كلمة و، التي تحمل في هذا السياق نفس قوة كلمة “أؤمن”. ومع ذلك، وفي كل الأحوال، إن تقسيم قانون الإيمان وفقاً لأقانيم الله مُعتَرَفٌ به عموماً من قبل الكنيسة. إن هذه الصيغة ثالوثية. أي أنها تستند على الاعتقاد بوجود إله واحد، وهذا الإله موجود في ثلاثة أقانيم، وهي الآب، الابن، والروح القدس.

 

إن هذه الصيغة هي نفسها التي نجدها في مقاطع مثل متى (28: 19)، عندما أعطى يسوع تلاميذه هذه المأمورية:

فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ».

وكما هي الحال في قانون إيمان الرسل، يتضمن ذِكْر هذه الأسماء الثلاثة معاً وعلى قدم المساواة، أنه في حين، أن الآب والابن والروح القدس، هي أقانيم متميّزة، فهي إله واحد أيضاً.

 

وبشكل لا يمكن إنكاره، لا يذكر قانون الإيمان كلمة “ثالوث” بالتحديد أو يشرح تفاصيلها. لكن تذكَّر، أن القصد من قانون الإيمان، هو أن يكون ملخّصاً للمعتقدات، وليس تصريحاً شاملاَ للإيمان. وعندما تم استخدامه في طقس الكنيسة، عَرَفَ كل واحد في الكنيسة أن ذِكْرَ أقانيم الله الثلاثة بهذه الطريقة، كان يتضمن مفهوم الثالوث.

 

لا يفهم كل مسيحي المعنى الكامل لكلمة ثالوث، ولهذا علينا أن نشرحها. إن الثالوث مُعلَنٌ عادة بهذه الطريقة:

[إن لله ثلاثة أقانيم، لكن جوهر واحد فقط].

نعني بمصطلح أقنوم، شخصية مميّزة واعية بذاتها. ونشير بمصطلح جوهر، إلى طبيعة الله الأساسية، أو الجوهر الذي يتكوّن منه.

 

وبالطبع، إن إدراك مفهوم الثالوث صعب جداً بالنسبة للكائنات البشرية. حيث أن وجود الله وطبيعته هما خارج نطاق خبرتنا حتى أنه من الصعب علينا أن نتخيله. ومع ذلك، يُعتَبَر الثالوث أحد أهم المعتقدات المميَّزة في المسيحية. لكن كيف أصبحت عقيدة معقّدة كهذه، حجراً أساسياً في اللاهوت المسيحي؟

 

د. إيريك ثيونس

إن الكتاب المقدس هو أمر تصل إليه عندما تقرأ الكتاب المقدس بطريقة شمولية. وهكذا هناك حاجة لتركيب تعليم الأسفار المقدسة مع شيء مثل عقيدة الثالوث.

 

د. روبرت لِستر

وهكذا أصبحت عقيدة الثالوث حجر الزاوية في اللاهوت المسيحي، فإن خلاصة التعليم الكتابي الكلي، أي ما تخبرنا به الأسفار المقدسة عمن هو الله أن الآب هو الله، أن الابن هو الله، وأن الروح هو الله، عندما توضَع معاً في حزمة من مجموع الكتاب المقدس كله، فإننا نستمد أو نبرر الاستنتاج بأن الله هو ثالوث من الأقانيم.

 

وهكذا، عندما نقول أن الله يتكون من جوهر واحد، فإننا ندافع عن الحقيقة الكتابية بوجود إله واحد. ونحاول أن نشرح كيف يمكن أن تكون كل الأقانيم الثلاثة المتميزة إله واحد. ونستخدم مصطلح جوهر للإشارة إلى ذلك الشيء الذي يتشارك فيه كلٌ من هذه الأقانيم الثلاثة تماماً مع الآخرين، إلى الشيء أو الكيان الذي يخصّ الآب بقدر ما يخصّ الابن والروح القدس.

وعندما نقول أن الله موجود في ثلاثة أقانيم، فإننا ندافع عن الحقيقة الكتابية بأن الآب، الابن والروح القدس متميّزون عن بعضهم البعض. إنهم أفراد منفصلون يتحدثون، يتفاعلون، ويرتبطون مع بعضهم البعض بعلاقاتهم.

إن مفهوم الثالوث هو لغزٌ عظيمٌ في كثير من النواحي. لكنه أيضاً ملخّص دقيق لتعاليم الكتاب المقدس المتعدّدة حول طبيعة إلهنا الاستثنائي.

 

إن فكرة الثالوث حاسمة بالنسبة للاهوت المسيحي لعدة أسباب. على سبيل المثال، إنها تدافع عن اعتقادنا بأن يسوع هو الله وأن يسوع ليس الآب المتخفي ببساطة. وهي تشرح أيضاً لماذا نقرّ بوحدانية الله عابدين إلهاً واحداً فقط، رغم أننا نعبد ونصلي لثلاثة أقانيم: الآب، الابن والروح القدس. بالإضافة إلى هذا، إنها تساعدنا على إعطاء الإكرام اللائق لكل أقانيم الله. كما أنها تريحنا بمعرفة أن وجود ومعونة أيٍ من أقانيم الله هو وجود ومعونة الله نفسه. في الواقع، إن الاعتقاد بالثالوث أساسيٌ بالنسبة للعديد من الأفكار المسيحية الأخرى بحيث يصعب تخيُّل المسيحية التاريخية بدونه.

 

بعد أن نظرنا إلى عقيدة الله في قانون إيمان الرسل وفقاً لعلاقتها بالثالوث، أصبحنا مستعدين للنظر في التصريحات التي تصنعها حول أقانيم الله المختلفة في تميّزها عن بعضها البعض.

 

فبالنسبة للآب، ينسب له قانون الإيمان صفة الآبٍالقادرعلى كل شيء، ويذكر الحقيقة التاريخية بأنه خالق السماء والأرض.

 

لا شك أن لله صفات أكثر بكثير من قدرته وسيادته اللامتناهية، وأنه قام بأعمال مذهلة أكثر من خلق العالم. ولا يميّز وصف قانون الإيمان للآب، في بعض النواحي الهامة، المسيحية عن الديانات الأخرى التي يمكن أن تعبّر أيضاً عن اعتقادها بخالقٍ سيدٍ إلهي. لكن الكنيسة الأولى، اعتبرت أن هذه التصريحات كافية لتبرهن أن معتقدات الشخص عن الآب كانت متوافقة مع المسيحية. وقد اعتمدت على تصريحات أخرى في قانون الإيمان لتميّز المسيحية عن الديانات التي حولها.

 

على سبيل المثال، إن لدى قانون الإيمان الكثير ليقوله عن الابن، أي يسوع المسيح. فرغم أنه لا يتناول أياً من صفاته، إلا أنه يذكر عدة تفاصيل عن حياته وخدمته الأرضية – تفاصيل ينكرها مَن هم خارج الكنيسة.

 

يذكر قانون الإيمان تجسد يسوع، مجيئه إلى الأرض كطفل بشري، وعيشه حياة بشرية حقيقية. كما ويتكلم عن معاناته، موته، دفنه، قيامته، وصعوده إلى السماء. وتخبرنا الأسفار المقدسة، عن إنكار غير المؤمنين لهذه الحقائق الأساسية منذ حدوثها.

 

وحتى اليوم، ينكر العديد من المؤرخين واللاهوتيين المتحررين هذه الحقائق، كما يفعل العديد من البدع المسيحية والديانات الزائفة. على سبيل المثال، يقرّ الإسلام أن يسوع هو نبي حقيقي لله. لكنه يصرّ أنه لم يصلب، ولم يقم من الموت، وينكر لاهوته.

 

أخيراً، يذكر قانون الإيمان دور يسوع، بصفته الشخص الذي سيحاكم كل البشرية في اليوم الأخير، مُديناً الأشرار، وواهباً المؤمنين حياة أبدية مباركة. ويقول قانون الإيمان عن الروح القدس، أنه جعل مريم تحبل بيسوع. وغير ذلك، فهو يؤكد وجوده كأقنوم مميّز عن أقنوم الله ليس أكثر. ومع ذلك، يربط قانون الإيمان ضمنياً الروح القدس بالكنيسة، وبخبرة الخلاص لدينا الآن وفي المستقبل.

 

القس وليد حرموش

سنتناول، في الدروس القادمة، كل أقنوم من أقانيم الثالوث بالتفصيل. لكن، نكتفي الآن بالإشارة ببساطة، إلى أن قانون الإيمان لا يقتصر فقط على الإقرار بالثالوث، بل هو يتناول كل أقنوم في الثالوث، من جوانب أساسية لإيماننا المسيحي. ومع أن بنودَ قانونِ الإيمانِ ليست شاملةً، فإن هذا القانون يتحدث عن الله وأقانيمه بصورة كافية تساعدُنا على التمييز بين أولئك الذين يُقِرّون بالإيمان المسيحي التاريخي، والذين لا يقرّون.

 

بعد أن ذكرنا التصريحات العقائدية التي تشير إلى الله نفسه، نحن مستعدون للإشارة إلى الطريقة التي يتحدث بها قانون إيمان الرسل عن الكنيسة.

 

يصف قانون إيمان الرسل الكنيسة بعبارتَين مختلفتَين. أولاً، تُسمى الكنيسة بكنيسة جامعة مقدّسة. ثانياً، توصَف الكنيسة بشركة القديسين. وقد تم تفسير هاتان العبارتان بعدة طرق مختلفة، وسنتعامل معهم بمزيد من التفصيل في درس قادم. وسنبيّن الآن أن عبارة كنيسة جامعة مقدّسة لا تشير إلى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، بل إلى الكنيسة بكل أجزائها في كل العالم. ومع ذلك، قد يبدو غريباً بالنسبة للعديد من البروتستانت أن يفكروا بالكنيسة بأشكال عديدة. وهكذا، فقد يساعدنا في التفسير، عندما يقول قانون الإيمان “أؤمن… بكنيسة” فهو لا يعني أن نضع إيماننا في الكنيسة. بل يعني أن نقر بإيماننا أن الكنيسة هيمقدّسة، أو مكرسّة، وهي جامعة، بمعنى شاملة. ونقرّ بإيماننا بوجود شركة القديسين، أي شركة المؤمنين. لقد أصرّت المسيحية التاريخية بهذه المعاني على أهمية الكنيسة.

 

سنركّز في هذا الدرس على جانبين للكنيسة اعتُبرا أساسيان بالنسبة لبنود قانون إيمان الرسل. سننظر من جهة إلى الاشتراك في الكنيسة. وسنتأمل من جهة أخرى في حفظ الكنيسة للعقيدة. فلنبدأ بالاشتراك في الكنيسة.

 

عندما يقول قانون الإيمان، ” أؤمن بكنيسة… مقدسة” فإنه يشدّد على أهمية الاشتراك في الكنيسة. طبعاً، أراد الكثير من الناس في تاريخ الكنيسة المسيحية، أن يكون الله أباهم، يسوع ربهم، والروح القدس معزّيهم، لكن من لا يريد أن يكون جزءاً من الكنيسة المنظورة، أي شعب الله المُجتمِع.

 

كما نقرأ في عبرانيين (10: 25):

«غَيْرَ تَارِكِينَ اجْتِمَاعَنَا كَمَا لِقَوْمٍ عَادَةٌ». 

حتى في القرن الأول، أراد بعض المؤمنين الذين جاهروا بإيمانهم أن يتجنبوا الكنيسة المُجتمعة كمكان للعبادة، التعليم والشركة. لكن الأسفار المقدسة تعلّم أن الكنيسة هامة وضرورية للمسيحيين.

 

وبالطبع، لم يكن أؤلئك الذين استخدموا قانون إيمان الرسل في الأصل هكذا. بل على العكس، حيث تم استخدام قانون الإيمان بصورة خاصة، في اجتماعات الكنيسة. وقد تم الإقرار به من قبل أولئك الذين أتوا إلى الكنيسة من أجل المعمودية. فقد أتوا لينضموا إلى أعضائها، وليكونوا جزءاً من اجتماعاتها. هذا هو النموذج الذي يقدّمه لنا قانون الإيمان لنتبعه.

 

ومع ذلك، لا نزال نواجه مسيحيون يتجنبون الكنيسة في عالمنا العصري. ربما لأنهم لا يحبون الدين كمنظمة. أو ربما، بسبب سوء معاملة المسيحيين الآخرين لهم. أو ربما يظنون أن قراءة الكتب المسيحية، مشاهدة التلفزيون المسيحي، واستخدام المواقع الإلكترونية المسيحية يمكن أن تكفيهم.

لكن الكتاب المقدس يعلّم المسيحيين أن يكوّنوا جماعة مادّية فعلية. ويصرّ على الأهمية القصوى للجماعة بالنسبة لكل مؤمن. ويجب ألا تقتصر على الشركة الروحية، رغم صحة القول بأن للمسيحيين شركة روحية مع بعضهم البعض، من خلال المسيح وروحه. بدلاً من ذلك، يجب أن تكون جماعتنا بمثابة العائلة أو الأقرباء. يجب أن تتألف من أشخاص يتفاعلون مع بعضهم البعض وجهاً لوجه.

 

بعد أن بحثنا في أهمية الاشتراك في الكنيسة، يجب أن ننتقل إلى حفظ العقيدة بواسطة الكنيسة وفي داخلها.

 

د. جوناثان پننچتن

لعب الإلقاء، الإقرار والحفظ العادي لقوانين الإيمان والإقرارات في الكنيسة دوراً هاماً للغاية منذ الأيام الأولى، خاصةً في مجتمعات مثل عالم القرن الأول وما بعده في بداية المسيحية، حيث كانت معدلات الثقافة منخفضة للغاية. وهكذا تمكن عدد قليل من الناس من القراءة، وحتى ضمن هؤلاء القادرين على القر اءة، سيتمكن عدد قليل جداً من امتلاك الإنجيل.

 

وكما ذكرنا عندما تحدثنا عن قواعد الإيمان، فإن الكنيسة ليست معصومة عن الخطأ. ولا يشجّعنا قانون إيمان الرسل على الإيمان بكل ما تُعلّمنا إياه كنيستنا المحلية. بدلاً من ذلك، إنه يقرّ ببساطة بحقيقةِ أن المسيح عيّن الكنيسة جزئياً لتحافظ وتعلن عن الإنجيل والحقائق الأخرى.

 

اصغ للطريقة التي كتب فيها يهوذا أخو يسوع، عن مهمة الكنيسة في يهوذا (3-4):

«أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ إِذْ كُنْتُ أَصْنَعُ كُلَّ الْجَهْدِ لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنِ الْخَلاَصِ الْمُشْتَرَكِ اضْطُرِرْتُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ وَاعِظاً أَنْ تَجْتَهِدُوا لأَجْلِ الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ. لأَنَّهُ دَخَلَ خُلْسَةً أُنَاسٌ فُجَّارٌ يُحَوِّلُونَ نِعْمَةَ إِلهِنَا إِلَى الدَّعَارَةِ وَيُنْكِرُونَ السَّيِّدَ الْوَحِيدَ اللهَ وَرَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ».

إن جزءاً من عمل الكنيسة، بالنسبة ليهوذا، هو أن تكافح من أجل الإيمان، أن تحمي الحقائق والمعتقدات التي اؤتمنت عليها ضد أؤلئك الذين يروّجون التعاليم والممارسات الخاطئة.

 

إن وجود العديد من التعاليم الخاطئة في أجزاء مختلفة من الكنيسة اليوم، لابد أن يكون واضحاً بالنسبة لمعظمنا. ويوجد أيضاً العديد من الممارسات الخاطئة. ومع ذلك، لم يتراجع الله عن تفويضه للكنيسة، أو أعلن أن على أي جماعة أخرى أو فرد، أن يتولوا مهمة حماية العقيدة الصحيحة. فما تزال مهمة الكنيسة حماية الحقيقة. وما تزال الكنيسة تحاول القيام بعملها. ونقوم بذلك بطريقة أفضل من غيرنا أحياناً. ويكون بعض لاهوتنا، وفيٌاً للأسفار المقدسة، لكن تحتاج أجزاء أخرى منه للتحسين، أو التغيير كلياً. وستكون الحال دائماً هكذا. لكن النقطة التي نريد التشديد عليها، من أجل أهدافنا في هذا الدرس هي ما يلي: لا يمكننا أن نستسلم. علينا أن نستمر في محاولة حِفْظ العقيدة في الكنيسة. وإن تخلّينا عن هذه الدعوة، فإننا ننكر بنداً مركزياً في الإيمان المسيحي التاريخي وهو: أؤمن.. بالكنيسة.

 

بعد أن استعرضنا بنود الإيمان المتعلقة بالله والكنيسة، نحن مستعدين للانتقال إلى الفئة الثالثة: التصريحات عن الخلاص التي تم تقديمها في قانون إيمان الرسل.

 

د. ستيڤ هارپر

يحتوي قانون إيمان الرسل الكثير عن الخلاص قرب النهاية. لكن إذا نظرت إليه، فيبدو لي وكأن قانون الإيمان يَودُّ تأسيس اللاهوت، الآب، الابن والروح القدس. ومما لا شك فيه أن تجربة الخلاص تتدفق من اللاهوت وليس من أي نوع من البناء أو النظام البشري. وتقود معرفتنا بالله الآب الله الابن، والله الروح القدس إلى الدعوة والوعد بإمكانية خلاصنا إذا اعترفنا بخطايانا. ولهذا أعتقد أن هذه التصريحات موجودة في النهاية، لتُظهِر أن ثمر علاقتنا بالله يأتي من أصول ماهية الله في ذلك الثالوث.

 

تتعامل البنود الثلاثة الأخيرة من قانون الإيمان مع جوانب الخلاص. فهي تذكر بالتحديد غفران الخطايا، قيامة الأجساد، والحياة الأبدية. حيث يتم النعامل مع القيامة والحياة الأبدية، في اللاهوت النظامي التقليدي، تحت عنوان علم الأمور الأخيرة، أي عقيدة الأمور الأخيرة. لكن من أجل التبسيط، سنعالج هذين الموضوعين تحت عنوان الخلاص.

 

يؤمن جميع المسيحيين بغفران الخطايا من خلال العمل الكفاري ليسوع المسيح. ونؤمن أننا إن اعترفنا بخطايانا وتبنا عنها، لن يعاقبنا عليها الله في الهاوية. وكما يشير قانون إيمان الرسل، كان هذا إيمان الكنيسة منذ أيامها الأولى. ونعرف جميعاً الأسفار المقدسة التي تعلّمنا أن كل المغفور لهم، نالوا بركة الحياة الأبدية من خلال يسوع المسيح.

 

على سبيل المثال، يشجّعنا يوحنا (3: 16 و18) بهذه الكلمات:

«لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ... اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ».

إن الحياة الأبدية ملكٌ لكل مؤمن. وتبدأ في بعض النواحي، باللحظة التي نؤمن فيها، إذ تُعطى أرواحنا حياة جديدة ولن تموت أبداً.

 

لكن طبيعة الحياة الأبدية التي يقرّ بها قانون الإيمان، تُفاجِئ المسيحيين المعاصرين أحياناً. حيث يتحدث قانون الإيمان عن قيامة الجسد بالتحديد. ويقع المسيحيون، أحياناً، في خطأ التفكير بأن قانون الإيمان يشير إلى قيامة يسوع. لكن، ليس الأمر كذلك. حيث أن قيامة يسوع مذكورة مسبقاً في قانون الإيمان، بالكلمات وقام في اليوم الثالث من الأموات. إن بند الإيمان هذا ليس مُكرّراً. بدلاً من هذا، عندما يتحدث قانون الإيمان عن قيامة الأموات، فإنه يشير إلى التعليم الكتابي بأن كل الناس سيقومون في يوم الدينونة، وسيتجهون إلى مصيرهم الأبدي ليس كأرواح بلا جسد، بل ككائنات لها أجساد مادية. هذا هو التعليم الثابت للأسفار المقدسة، ويُعتَبَر كبند إيمان في الكنيسة منذ آلاف السنين.

 

كما علّم يسوع في يوحنا (5: 28-29):

«تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَُ [الابن] فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ».

 

لقد تم تعليم تصريحات قانون الإيمان عن الخلاص بوّضوح في الأسفار المقدسة، وتبنّتها الكنائس الكتابية دائماً. ورغم هذا، يرفض العديد من الناس المعاصرين، الذين يدّعون أنهم يتبعون المسيح، هذه التعاليم الأساسية الجوهرية. حيث يُنكِر البعض أن الله يحاسبنا على خطايانا، ويصرّون على أن الغفران ليس ضرورياً. كما ويوجد أشخاص غير مؤمنين في كنائسنا يعلمون أن هذه الحياة هي كل ما هناك، وأن ما يُسمى بالحياة “الأبدية” هي محدودة بحياتنا على الأرض في أجسادنا المادية. وهناك العديد من الذين يعتقدون خطأً، أننا سنقضي الأبدية كأرواح بلا أجساد في السماء. ولأجل أسباب كهذه، إن بنود الإيمان في قانون إيمان الرسل هامة وذات صلة بالكنيسة اليوم، تماماً كما كانت في القرون الأولى.

 

باختصار، يشدّد قانون إيمان الرسل على العقائد المتعلقة بالله، الكنيسة، والخلاص. وسنستكشف كلٌ من هذه المفاهيم بعمق أكبر في دروس أخرى من هذه السلسلة. لكننا نريد ببساطة أن نتأكد الآن من أننا نفهم الصورة الأشمل: وهي، أن هذه المجموعة الصغيرة من العقائد هامة وأساسية، حتى أنها رسمت بشكل فعّال حدود المسيحية لمئات السنين.

 

لقد تحدثنا في مناقشتنا حول قانون إيمان الرسل كبنود الإيمان، عن تاريخ قانون الإيمان، وقدمنا نظرة عامة عن لاهوته. ونحن مستعدون الآن للانتقال إلى موضوعنا الرئيسي الثالث: الأهمية المستمرة لبنود الإيمان المذكورة في قانون إيمان الرسل.

 

سنذكر ثلاثة جوانب لأهمية التصاريح العقائدية في قانون إيمان الرسل. أولاً، سنشرح كيف أن هذه التعاليم تأسيسية بالنسبة لبقية اللاهوت المسيحي. ثانياً، سنتحدث عن الإقرار الشامل لهذه التعاليم في جميع أنحاء الكنيسة. وثالثاً، سنتحدث عن الطبيعة الموحّدة لبنود الإيمان هذه. دعونا نبدأ بفحص الميزات التأسيسية للعقائد في قانون إيمان الرسل.

 

يعرف معظم الناس أن المباني الكبيرة تحتاج إلى أساسات متينة. والأساس هو القاعدة التي يتم عليها إنشاء بقية البناء. إنه المرساة التي تثبت البناء في مكانه، وتوفّر القوة والثبات للهيكل بأكمله.

 

تحدث بولس في أفسس (2: 1921) عن الكنيسة كبناءٍ مُؤسَسٍ على الرسل والأنبياء. اصغِ إلى كلماته هناك:

«فَلَسْتُمْ إِذاً بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ الَّذِي فِيهِ كُلُّ الْبِنَاءِ مُرَكَّباً مَعاً يَنْمُو هَيْكَلاً مُقَدَّساً فِي الرَّبِّ».

أفلَستُم … مِن أَهْلِ بَيتِ الله،  بُنيتُم على أَساسِ الرُّسُلِ والأَنبِياء، وحَجَرُ الزَّاوِيَةِ هو المسيحُ يسوعُ نَفْسُه. الَّذِي فِيهِ كُلُّ الْبِنَاءِ مُرَكَّباً مَعاً يَنْمُو هَيْكَلاً مُقَدَّساً فِي الرَّبِّ.

أفلستم … أهل بيت الله. مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية الذي فيه كل البناء مُركباً معاً ينمو هيكلاً مقدساً في الرب.  

فبدون أساس متين، حقيقي، لا يمكن أن تُبنى الكنيسة بطريقة تُمجِّد الله.

 

وبطريقة مشابهة، يجب أن يتأسس اللاهوت المسيحي على عقائد ومبادئ صحيحة، حتى يمجّد الله ويكون مفيداً شعبه. وكما أن يسوع هو حجر الزاوية في الكنيسة، فإن تعاليمه هي حجر الزاوية في اللاهوت. وكما أصبح الرسل والأنبياء أساس الكنيسة بتقديم المسيح للعالم، فإن قانون إيمان الرسل أساسي للاهوت، لأنه يعرّفنا على تعاليم الرسل المدونّة في الأسفار المقدسة.

 

د. ستيڤن وِلِم

إن ما هو رائع في قانون إيمان الرسل، هو أنه يلخص العقائد المسيحية الأساسية الجوهرية، بحيث أن على كل مسيحي في جميع طوائفنا المتنوعة اليوم أن يقرّ بها. أي من هو الله، من هو الرب يسوع المسيح، وعمل الروح وكيف أنها تعمل في عقيدة الخلاص، الكنيسة وعلى طول الطريق إلى الدينونة الأخيرة ثم المجيء الثاني للرب يسوع المسيح. فلا يمكن أن يكون لديك الإيمان المسيحي حقاً من دون هذه العقائد المسيحية الأساسية الجوهرية.

 

سنتأمل في الطبيعة التأسيسية لقانون إيمان الرسل في جزأين. أولاً، سننظر كيف أنه يوفر مقياساً يمكن الحكم على العقائد الأخرى على أساسه. وثانياً، سنتحدث عن الطريقة التي يخدم فيها كأساس منطقي تُبنى عليه العقائد الصحيحة الأخرى. فلنبدأ بقانون إيمان الرسل كمقياس لاهوتي.

 

يعمل قانون إيمان الرسل كمقياس عقائدي، لأنه يقدّم بعضاً من أعظم وأهم الأفكار في المسيحية. ويتم تعليم هذه الأفكار بوضوح كبير في الأسفار المقدسة، لدرجةِ أنه ينبغي تمييزها وتبنّيها من قِبَل الجميع. وكما سبق وقلنا في هذا الدرس، إن هذه التعاليم أساسية بالنسبة للمسيحية. وبالنتيجة، يجب أن تتوافق كل عقيدة نتبناها مع هذه التعاليم. ولا يمكننا قبول أي فكرة تتناقض مع هذه التعاليم الأساسية.

 

هل شاهدت يوماً لاعب الدمى؟ لاعب الدمى هو ممثل يستطيع التكلم بطريقة يبدو فيها كأنه لا يتكلم. وغالباً ما يقوم لاعبوّ الدمى بأدوارهم مستعينين بدمى، بحيث تبدو الدمية كما لو أنها تتحدث مع اللاعب. ويمكن للممثل الماهر أن يجعل الدمية تبدو كما لو أنها حية. لكن مهما كان التمثيل مقنعاً، فإننا نعلم أن لاعب الدمى هو المتكلم، وليس الدمية. لماذا؟

إن الإجابة، في الواقع، بسيطة. فنحن نعلم أن الدمى ليست حيّة، وليس بإمكانها التكلم فعلاً. وهكذا، عندما نشاهد دمية تبدو وكأنها تتكلم، فإننا نحكم على خبرتنا حسب المقياس الذي نعرف أنه الحقيقة. ومهما بدت الدمية وكأنها تتكلم، فإن مقياسنا يخبرنا بأن المظهر مخادع. ولهذا نرفض تصديقه. وقد لا نتمكن من تفسير قدرة الدمية على الظهور وكأنها حية وتتكلم. لكننا نعرف أنه لا بد من وجود تفسير منطقي يتوافق مع مقياسنا.

 

وبطريقة مشابهة، يلخّص قانون إيمان الرسل تلك المعتقدات المركزية التي نتمسك بها بقوة ولن نغيّرها أبداً. نؤمن أن الكتاب المقدس واضح جداً بالنسبة لهذه النقاط، وأنها مهمة جداً، بحيث أننا لا نستطيع المساومة عليها.  وهكذا، مهما كانت المعايير الأخرى التي يقدمها لنا الناس، فإننا نرفض أن نؤمن بأي شيء يتناقض مع هذه التعاليم المركزية للأسفار المقدسة.

 

إن استخدام قانون الإيمان كمقياس، يساعدنا في البقاء أمناء للأسفار المقدسة، عندما يقدّم لنا المعلمون الكذبة المُقنعون لاهوتاً سيئاً. وقد التقى الكثير منا أشخاصاً ماهرين جداً في تقديم حججهم، ومقنعين جداً كأفراد، بحيث أننا نميل لتصديق معظم الأشياء التي يقولونها – حتى إذا كانوا على خطأ أو كذبوا. ولهذا، مفيدٌ أن يكون لدينا لائحة قصيرة من العقائد الأساسية تكون بمثابة مرساة تثبتنا في تعاليم الأسفار المقدسة. ويزودنا قانون إيمان الرسل بمثل هذه المرساة.

 

على سبيل المثال، كان هناك العديد من الهرطقات الرئيسية التي ردّت عليها الكنيسة في القرون الأولى من حياتها. وكانت الغنوسيّة إحداها. فمن ضمن الأمور الأخرى، علّمت الغنوسيّة أن أجسادنا المادية شريرة، وأن الخلاص يتضمن تحرير أرواحنا من سجن أجسادنا. ولم يعرف كل مسيحي، في الكنيسة الأولى، كيف يدحض هذا الخطأ. ولكن تمكّنَ أؤلئك الذين تدربوا في عقائد قانون إيمان الرسل، من دحض هذه البدعة بثقة، مستندين على أن الأسفار المقدسة تعلّم عن قيامة الأجساد. هذا يعني، أنها تعلّم أن يسوع جاء ليفدينا كأشخاص كاملين. ليس أرواحنا فقط، بل أجسادنا أيضاً.

 

لقد ارتبك الكثير منا بسبب حجة ذكية، أو تم تضليلنا بسبب المعطيات الخاطئة أو المُحرَّفة. ولا يمكننا تفسير أخطاء هذه الحجج والاكتشافات دائماً. لكن مع ذلك، يمكننا بثقة رفض تلك الأمور التي تناقض قانون إيمان الرسل، لأننا نعلم أن قانون الإيمان أمين للأسفار المقدسة.

 

القس وليد حرموش

طبعاً، نحن لا نريد أن نرفع “قانون إيمان الرسل” إلى مستوى الأسفار المقدسة. فالكتاب المقدس وحدُه معصومٌ بالمطلق. فحتى بنودُ الإيمانِ في “قانون إيمان الرسل”، يجب أن تُرفض في حال تبيّنَ أنها تتعارض مع الأسفارِ المقدّسة. لكن “قانونَ إيمان الرسل” اجتاز امتحان الزمن منذ القرون الباكرة للكنيسة. وتبيّن تَكراراً أنه يعبّر بدقة عن حقائق الكتاب المقدس. لذلك، يجب أن نكون واثقين، عندما نستخدمه كمقياس للحكم على العديد من العقائد التي تواجهنا في عالمنا اليوم.

 

بعد أن بحثنا في الطريقة التي يخدم فيها قانون إيمان الرسل كمقياس عقائدي مفيد، نحن مستعدين للحديث عن ناحية أخرى من جوانبه التأسيسية: وهي استخدامه كأساس منطقي لوجهات النظر اللاهوتية الأخرى.

 

إن العلاقة المنطقية بين الأفكار مشابهة للعلاقة بين نهر ومنبعه أو مصدره. حيث أن الأفكار الأساسية منطقياً هي مثل منبع النهر. فهي مصدر الأفكار الأخرى. في حين أن الأفكار المعتمدة منطقياً هي مثل نهر يتدفق بصورة طبيعية من منبعه. وهكذا، عندما نقول أن فكرة تخدم كأساس منطقي لفكرة أخرى، فإننا نعني بذلك أنه يمكننا إنشاء حجة معقولة، تنتقل من الفكرة الأساسية منطقياً، إلى تكوين أفكار أخرى معتمدة منطقياً.

 

على سبيل المثال، يقول قانون إيمان الرسل أشياء قليلة جداً بوضوح عن الله الآب. فكل ما يقوله هو:

أؤمن بإلهٍ واحدٍ، آبٍ قادر ٍعلى كل شيء،

خالق السماء والأرض.

لكن تشكّل هذه العقائد الأساس المنطقي لأمور أخرى كثيرة نؤمن بها عن الآب. على سبيل المثال، استناداً إلى كون الله خالق السماء والأرض، نؤمن بحق أيضاً أن له سلطان على السماء والأرض، وأن الخليقة الأصلية كانت حسنة، وأنه يمكننا تعلُّم أشياء عن الله بالنظر إلى العالم الطبيعي.

 

يمكننا توضيح قيمة العقائد الأساسية منطقياً، بالنظر إلى شجرة. فقد نعتبر الأرض نفسها كالأسفار المقدسة، وشجرة اللاهوت تنمو منها. يمثّل جذع الشجرة، وأغصانها الرئيسية، العقائد الأساسية. التي تستند وتعتمد على الأسفار المقدسة وحدها. لكن عندما تنقسم الأغصان الرئيسية إلى أغصان أكثر وأصغر، فإنها تنتقل إلى معتقدات تنبع منطقياً من الأغصان الأكبر. وعندما ننظر إلى أوراق الشجرة، فإننا ننظر إلى الأفكار التي تعتمد على الأغصان الأصغر. وعندما نصوِّر الأمر بهذه الطريقة، تتضح لنا قيمة البداية بقانون إيمان الرسل. علينا أن نتعلم العقائد الكبرى أولاً، حتى ندرك شكل الشجرة بشكل صحيح، ونكون متأصلين بثبات في الأسفار المقدسة.

وينجز لنا هذا الأمر شيئين. أولاً، يساعدنا على رؤية العلاقة بين المعتقدات المختلفة في أنظمتنا اللاهوتية. وثانياً، يساعدنا على التفكير بالعقائد الأبعد عن الأسفار المقدسة، بطرق توفق بين هذه الأفكار الأقل مركزية ومعتقداتنا الأساسية.

 

د. جيمس پاكر

تُبَلوِر العقائد في قانون إيمان الرسل الإيمان المسيحي. ويعود تاريخ قانون إيمان الرسل إلى القرن الثاني، وأخذ عدداً من الصيغ في القرن الثاني، وأخيراً أخذ الصيغة المألوفة لدينا. وتجد هناك الثالوث، الآب، الابن والروح القدس. تجد التجسّد والموت الكفاري والقيامة المنتصرة والمجيء الثاني للرب يسوع. تجد غفران الخطايا. تجد حقيقة الكنيسة باعتبارها شركة أولئك المولودين ثانية في المسيح. وأعتقد أنه مفيدٌ جداً إذا عملت الكنيسة بشكل دوري على قانون إيمان الرسل وسلّطت الضوء على هذه العقائد.ٍ

 

بعد أن نظرنا إلى أهمية قانون إيمان الرسل بالنسبة لطبيعته التأسيسية، نحن مستعدين لوصف الإقرار الشامل بتعاليمه.

 

إن إحدى الطرق التي نحكم بها على حقيقة الوقائع، هي بالنظر إلى ما يقوله الشهود المختلفين. وبقدر ما يزيد عدد الشهود الذين يُشيرون إلى حقيقة فكرة، فمن الأرجح أننا سنصدقها. في الواقع، ينطبق الأمر نفسه على اللاهوت. فعندما نحاول تحديد ما يجب أن نؤمن به، سيساعدنا أن نعرف ما آمن به أناس آخرون عبر التاريخ، بالاضافة إلى ما يؤمن به الناس في عالمنا المعاصر. وعندما يتعلق الأمر بقانون إيمان الرسل،  فقد تم الإقرار بتصريحاته العقائدية من قبل معظم المسيحيين في معظم الأماكن.

 

سنستعرض الطبيعة الشاملة لبنود الإيمان في قانون إيمان الرسل في ثلاث حِقْبَات تاريخية. أولاً، سنرى أن هذه المعتقدات متأصلة في العهد الجديد. ثانياً، سنرى أن معظم المسيحيين عبر تاريخ الكنيسة أقرّوا بها. وثالثاً، سننظر إلى الطرق التي لا تزال تصف بها الكنيسة في الوقت الحاضر. فلنبدأ بالعهد الجديد، وإقراره الثابت بهذه العقائد.

 

كان هناك خلافات حول تعليم المسيح والرسل منذ الأيام الأولى للكنيسة. وقد نشأ بعض هذه الخلافات خارج الكنيسة، بينما نشأت خلافات أخرى من داخلها. على سبيل المثال، كتب بولس مراراً ضد المسيحيين اليهود الذين طالبوا أن يُختَتن الأمميون المتحولون، كما في غلاطية 5. ونبّه بطرس في رسالة بطرس الثانية 2، بأنه سيكون هناك معلمون كَذَبة في الكنيسة. إن العهد الجديد مليء بالأمثلة عن يسوع والرسل وهم يصحّحون الأفكار الخاطئة لمختلف الأشخاص.

 

إن الأخطاء في الكنيسة خطيرة عندما تكون المعتقدات الأساسية على المحك. لهذا السبب، كان يسوع ومؤلفو العهد الجديد مهتمين بتصحيح الأخطاء حول النقاط الرئيسية للاهوت. والملفت للنظر، أنهم عندما قدّموا تصحيحاتهم، كانوا متفقين مع بعضهم البعض بشكل كامل. وعلى الرغم من التعاليم الكاذبة الكثيرة التي كانت موجودة في الكنيسة في ذلك الوقت، يُظهِر العهد الجديد وحدة عقائدية ثابتة مع ذاته.

 

د. ديڤيد باور

أنشأت الكنيسة قانونية الأسفار المقدسة من هذه الأسفار، وقد تطلب هذا الوقت مدة قرون من الكنيسة ولم يكن عملية سريعة. تشير هذه الحقيقة إلى أن الدينونة المُعتَبَرة للكنيسة هي بوجود جوهر الوحدة هنا. ولا يمكننا أن نغض النظر عن هذا الاعتبار. وفي الواقع، لقد كان هذا رأي العلماء داخل الكنيسة على مدى الألفي سنة الماضية. علاوة على ذلك، ورغم أنه يمكننا الحديث عن جوهر الوحدة ضمن وثائق العهد الجديد، لسنا مضطرين للاعتراف بالاختلافات في وجهات النظر بينها. وأعتقد ان القضية الفعالة هي ِأن الاختلافات في وجهات النظر لا تؤدي إلى تناقض التأكيدات العقائدية. لكن أعتقد أن لا وجود لتناقض صارخ بين مختلف أسفار العهد الجديد.

 

عندما يقرّ العهد الجديد ببنود الإيمان المُدرَجة في قانون إيمان الرسل في ضوء هذه الوحدة، من العدل أن نقول أنه يفعل ذلك بصورة شاملة. فهو يناقش لاهوت الآب والابن والروح القدس باستمرار، بينما يصرّ في نفس الوقت على وجود إله واحد فقط. وتقدّم الأناجيل حقائق قانون الإيمان حول الحبل بالمسيح، ولادته، حياته، خدمته، موته، قيامته وصعوده. وتؤيد أسفار العهد الجديد، بشكل كامل تصريحات قانون الإيمان حول الكنيسة والخلاص.

 

بعد أن نظرنا إلى العهد الجديد. دعونا ننظر كيف تم وصف هذه المعتقدات المسيحية بصورة شاملة عبر تاريخ الكنيسة.

 

وتماماً مثل الكنيسة في العهد الجديد، أظهرت كنيسة القرون اللاحقة مجموعة متنوعة من اللاهوت. فقد كان هناك القليل جداً من الوحدة في الكثير من المسائل البسيطة. لكن تم قبول العقائد الأكثر أهمية، مثل بنود الإيمان في قانون إيمان الرسل، والإقرار بشكل شامل تقريباً. وفي هذه الحالات التي رُفِضَت فيها هذه المعتقدات الأساسية، فقد اعتبرت الكنيسة والتاريخ المنشقين إلى حد كبير، كمعلمين كذبة.

 

وكمثال واحد فقط، تأمل في أحداث القرن الرابع للميلاد. حيث كانت النسخ الأقدم لقانون إيمان الرسل مُستخدَمة في ذلك الوقت. وقد برزت في تلك الحِقبة من التاريخ، عدة بدع، تعاملت الكنيسة معها في مجامعها. وكان بعض هذه المجامع محلياً، بينما اُعتبِر البعض الآخر مسكونياً، لأنهم تضمّنوا أساقفة من معظم أجزاء الكنيسة حول العالم. على سبيل المثال، كان مجمع نيقيّة، في سنة 325 ميلادية ومجمع القسطنطينية في سنة 381 ميلادية، مجمعان مسكونيان يعالجان مسائل تتعلق بعدة بنود في قانون إيمان الرسل.

 

لقد تم صياغة قانون الإيمان النيقاوي الحديث في مجمع نيقية سنة 325 ميلادية، ووصل إلى شكله الحالي في “مجمع القسطنطينية سنة 381 ميلادية. وهو إلى حد بعيد امتدادٌ وتفسيرٌ لقانون إيمان الرسل، والغاية منه، توضيح العديد من أفكاره بغرض إنكار التفسيرات الخاطئة لقانون الإيمان.

 

على سبيل المثال، علَّمت البدعة المعروفة بالغنوسية، بأن إله الكتاب المقدس الذي خلق العالم، هو نفسه، مخلوق من إله آخر. لم يدين قانون إيمان الرسل بدعاً مثل الغنوسية بوضوح، ولهذا أضاف قانون الإيمان النيقاوي اللغة ليجعل قانون إيمان الرسل أكثر وضوحاً.

 

على وجه التحديدً، عندما قال قانون إيمان الرسل أؤمن بإلهٍ واحدٍ، آبٍ قادر ٍعلى كل شيء، خالق السماء والأرض، قدّم قانون الإيمان النيقاوي هذا البيان الموسّع: نؤمن بإله واحد آب ضابط الكل، خالق السماء والأرض، كل ما يُرى وما لا يُرى. لاحظ أربعة أمور هنا: أولاً، يستند قانون الإيمان النيقاوي على قانون إيمان الرسل. وقد أظهر المجمع النيقاوي المسكوني، بإسناد قانون إيماهنم على قانون إيمان الرسل، بأن الكنيسة أقرّت بقانون إيمان الرسل بصورة شاملة. ثانياً، بدأ قانون الإيمان النيقاوي بكلمة نؤمن بدل أؤمن، ففي حين أن القصد من قانون إيمان الرسل هو اعتراف الفرد بالإيمان عند المعمودية، كان قانون الإيمان النيقاوي تصريحاً بأن الكنيسة تصادق على هذه العقائد بصورة شاملة وجماعية. ثالثاً، قدّم قانون الإيمان النيقاوي توضيحاً بإضافة كلمة[واحد بعد كلمة إله. وقد أوضح هذا، ما تضمنه قانون إيمان الرسل: بأن هناك إلهاً واحداً فقط. ورابعاً، قدّم قانون الإيمان النيقاوي توضيحاً بأن الله خلق كل شيء، بما في ذلك الأشياء غير المنظورة مثل الأرواح. وقد أوضح هذا أن الله نفسه لم يُخلق. مرةً أخرى، كانت هذه النقطة مُتضمَّنة في قانون إيمان الرسل، حتى أن قانون الإيمان النيقاوي كان بكل بساطة توضيحاً لتلك المسألة.

 

لقد استمر اللاهوتيون والمجامع الأخرى عبر القرون بتقديم هذه الأنواع من الإقرارات والتوضيحات. ولم تقبل كل الكنائس قرارات المجامع في بعض الأحيان. حيث أدان مجمعٌ آراء بعض الكنائس، بينما أدان مجمعٌ آخر آراء كنائس أخرى. لكن في معظم الحالات، استمرت الكنائس في كلا الطرفين بالإقرار بالمبادئ الأساسية لقانون إيمان الرسل.

 

القس وليد حرموش

لهذا السبب، نُظر إلى “قانون إيمان الرسل بصورة عامة كالبيان الأبسط للإيمان المسيحي والأكثر قبولاً بين الكنائس. وحده، “قانون الإيمان النيقاوي” اقترب من “قانون إيمان الرسل” من ناحية قبوله مسكونياً عبر التاريخ. لكن قانونَ الإيمانِ النيقاوي ليس بالبساطةِ ذاتها. فهو يتضمنُ عدة تصريحاتٍ لاهوتيةٍ يصعبُ فهمها حتى على اللاهوتيين. لهذا السببُ اخترنا قانونَ إيمانِ الرسلِ كـأساسٍ لهذه الدراسةِ من عقائدِ الإيمانِ المسيحي الأساسية.

 

لقد أشرنا حتى الآن إلى الاتفاق الشامل للعهد الجديد مع قانون إيمان الرسل، وذكرنا قبول عقائده عبر تاريخ الكنيسة. نحن مستعدون للحديث عن الحاضر، مع الإشارة إلى أن هذه المعتقدات ذاتها، ما زالت تميّز الكنيسة المسيحية.

 

أنكر المعلمون الكذبة، في كل عصر، المعتقدات الأساسية التي تمسكت بها الكنيسة لمدة قرون. حيث تعتبر البدع، في العالم المعاصر، مثل شهود يهوه والمورمونيّون، أنهم مسيحيون لأنهم يقبلون الكتاب المقدس ويحاولون اتباع المسيح بطريقة ما. لكنهم ليسوا مسيحيين حقاً، لأنهم ينكرون المعتقدات الأساسية التي رسمت حدود المسيحية لألفَي سنة – معتقداتٌ يمكن أن نجدها في بنود قانون إيمان الرسل. وتنكر حتى بعض الكنائس التي لا تُعتَبر بدع، تعاليم أساسية مشابهة، كما يفعل بعض المعلمين الأفراد داخل الكنائس المسيحية.

 

لكن إذا رفض عدد كبير من الناس العقائد المُدرَجة في قانون إيمان الرسل، كيف يمكننا أن نقول أن قانون الإيمان يميّز الكنيسة اليوم بصورة شاملة ؟ في الواقع، إن الإجابة على هذا السؤال ثنائية. فمن جهة، إن الغالبية العُظمى من الكنائس التي تدّعي أنها مسيحية، تقرّ بهذه العقائد. حيث تم تَعلُمُها والإيمان بها من قبل البروتستانت المحافظين بكل أنواعهم، بما فيهم المعمدانيين، الميثودست، اللوثريين، الإنجليين، المشيَخيين، وما شابه. وتم الإقرار بها أيضاً من قبل عدد أكبر من الكنائس غير البروتستانتية مثل الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، وكنائس الأورثوذكسية الشرقية. بالإضافة إلى هذا، ربما ينبغي عدم دعوة الكنائس التي تنكر هذه العقائد بأنها مسيحية، فرغم أنها تصادق على الكتاب المقدس، وتدعي اتباع المسيح، فهي لا تتمسك في الواقع بتعاليم الأسفار المقدسة أو تعاليم الكنيسة التاريخية. ولهذا السبب، فهي لست حقاً مسيحية.

 

د. ستيڤ بلاكمور

في الواقع عندما نفكر بأهمية العقائد المُعبَّر عنها في قانون إيمان الرسل، نجد أنها جوهرية تماماً لحياة الكنيسة، فهمنا لطبيعة الإنجيل، وفهمنا لخلاصنا الشخصي في المسيح. على سبيل المثال، أعلن قانون الإيمان عن الطبيعة الثالوثية لله، الله الآب الله الابن والله الروح القدس. وهكذا، لا يمكننا أن نتظاهر وكأن عقيدة الثالوث هي غطاء لطيف إضافي لإيماننا وكأنه يعطيه حيوية إضافية من نوع ما. بدلاً من هذا، إن عقيدة الثالوث هي تصريح عمن يكون إلهنا في جوهره الحقيقي.

 

د. پيتر واكر

يمكنني ان أقول أن العقائد في قانون إيمان الرسل، جوهرية وأساسية للمسيحية، وبالفعل إذا ابتعدت عنها، فإنك تبتعد عن الإيمان المسيحي التاريخي. وقد كانت هذه خبرة الكنيسة الأولى، حيث اكتشفوا بأن هناك كل أنواع الطرق المختلفة التي يمكن تفسير الكتاب المقدس بها وقالوا، هذه هي الطريقة الصحيحة.

 

ولأن المعتقدات المُلخَّصة في قانون إيمان الرسل تأسيسية وشاملة، فهي تترك تأثيراً موحّداً بين المؤمنين. ويُعتَبَر هذا قيّماً بصورة خاصة اليوم، بسبب وجود الكثير من الانقسامات في الكنيسة المعاصرة.

 

 

نقرأ في أفسس (4: 1113) هذه الكلمات:

«وَهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِل. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ».

أشار بولس في هذه الفقرة إلى الكنيسة كجسد المسيح. وأوضح أن الكنيسة لن تصل إلى النضوج في المسيح، حتى نتحد في الإيمان والمعرفة. لهذا السبب، يجب أن تكون الوحدة العقائدية هدف كل مسيحي.

 

وبالطبع، لابد أن يؤثر العديد من الجوانب الأخرى لحياتنا المسيحية على دراستنا للعقيدة. إننا بحاجة للقيام بأمور مثل محبة الله والقريب، السعي للقداسة، الاعتماد على قوة الروح القدس، والتأمل بالله وكلمته. وعندما نركّز بكل بساطة على العقيدة، ونتجاهل الاهتمامات الأخرى، فإننا غالباً ما نضل.

 

كما حذّر الرسول بولس في رسالةكورنثوس الأولى (13: 2):

«وَإِنْ كَانَتْ لِي نُبُوَّةٌ وَأَعْلَمُ جَمِيعَ الأَسْرَارِوَكُلَّ عِلْمٍ وَلكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَلَسْتُ شَيْئاً».

كما تشير هذه الآية والعديد من الآيات الأخرى، إن اكتساب المعرفة اللاهوتية مهمٌ، لكنه ليس أعظم خير للإيمان المسيحي.

 

إن إحدى الطرق الأكثر فعالية لتجنب العواقب المدمرّة للجدل اللاهوتي، هي في التمتع بالوحدة العقائدية التي نشترك فيها مع كل أتباع المسيح حول العالم. وعندما نوازن بين اهتمامنا بتفاصيل اللاهوت واهتمامنا الصحيح بالوحدة، يمكن للعقيدة في الواقع، أن توحّدنا بدلاً من أن تفرّقنا.

 

د. صامويل لنچ

إن كنيسة يسوع المسيح اليوم مهتمة بالوحدة، مع العديد من الطوائف ووجهات النظر المختلفة عن الروح القدس، النساء، والمعمودية. ومع ذلك، يبدو أننا مهتمون اليوم في القرن الحادي والعشرين بالاجتماع معاً على أساس العمل، وتبشير العالم أكثر من أساس الحقيقة. كما وأنه مثيرٌ للاهتمام عندما يفكر الرب يسوع والرسول بولس بالوحدة –فهم يفكرون بوحدتنا بسبب الله الواحد، الرب الواحد، الروح الواحد، والمعمودية الواحدة.

 

يوجد في العالم مئات الملايين من أتباع المسيح الحقيقيين الذين يتمسكوا بثبات ويلتزموا بالتعاليم الكتابية المركزية المُعبَّر عنها في قانون إيمان الرسل. في الواقع، وفي هذا الوقت بالذات، يعاني عدد لا يُحصى من المسيحيين من الاضطهاد، وحتى الشهادة، بسبب هذه الالتزامات. وقد يختلفوا معنا حول عدد من المسائل اللاهوتية. في الواقع، قد يعترضوا بشدة على بعض وجهات النظر التي نعتز بها أنا وأنت. لكن رغم اختلافاتنا، نحن نتفق معاً حول ما يقوله قانون الإيمان عن الله، الكنيسة، والخلاص.

 

تذكّر صلاة يسوع لأجل الكنيسة في يوحنا (17: 23):

«أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِيوَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي».

لاحظ أن يسوع قال أن الوحدة في الكنيسة هي الدليل على أنه مُرسَلٌ من قبل الآب. وعندما نقف جنباً إلى جنب مع أتباع للمسيح الآخرين، مشدّدين على ما هو مشتَرك لاهوتياً فيما بيننا، فإننا نشهد للعالم بأن الإنجيل حقيقي، وهذا يدعم تبشيرنا.

 

د. ليچن دنكن الثالث

بعد أن عرّفنا الإنجيل واتفقنا على أصوله العامة، أعتقد بأن الطريقة الواحدة للسعي نحو الوحدة والحقيقة هي بالقول أننا ملتزمون بالوحدة الموجودة في الإنجيل، بأننا سنسعى نحو الوحدة معاً في الحياة والخدمة بطريقة لا نطلب فيها من بعضنا البعض أن نتنازل عن الحقيقة. لكن نحتفل في الواقع حتى باختلافاتنا. لكن نبحث عن الأشياء المشتَركة بيننا التي تُفرحنا على مستوى الحقيقة والقناعة. ونحتفل بهذه الأمور لدرجة معينة، بحيث نتمتع بالوحدة، ويكون لدينا اختلافات وجدانية شرعية في مناطق أخرى من قناعاتنا اللاهوتية.

 

يمكن أن يساعد قانون إيمان الرسل المسيحيين في كل مكان للتمييز بين المعتقدات الأساسية، والمعتقدات ذات الأهمية الثانوية. فعندما نشدّد على قانون الإيمان هذا في حياتنا الشخصية، وفي الحياة المشتَرَكة للكنيسة، سنجد أن اللاهوت لا يفصلنا عن بعضنا البعض بالضرورة. بدلاً من ذلك، سنجد أنفسنا متحدّين مع خدّام أمناء آخرين للمسيح، ونتمّم بذلك رؤية يسوع من جهة كنيسته.

 

لقد قمنا في هذا الدرس الذي استعرضنا فيه بنود إيمان قانون إيمان الرسل: بالحديث عن تاريخ قانون الإيمان بالنسبة لتطوره وهدفه. قدمنا نظرة عامة لعقائده بالنسبة لله، الكنيسة، والخلاص. وذكرنا أهمية بنود إيمانه بالنسبة لطبيعتا التأسيسية، الشاملة، والموحِّدة.

 

القس وليد حرموش

“قانون إيمان الرسل” هو وثيقة تاريخية هامة لخّصت المعتقدات المسيحية الأساسية لعدة مئات من السنين. ولا زالت هذه الوثيقةُ تشكّلُ حتى اليوم، نقطةَ انطلاقٍ مُوَحِّدة للاهوتيين المسيحيين من كل الطوائف. في الدروس القادمة من هذه السلسلة، سندرس بنود “قانون الإيمان” بأكثر تفصيل، ونرى كيف تُقدِّمُ الحقائقَ الكتابيةَ التي تُوحّدُ التعليمَ المسيحيَ حول العالم.

والآن، ها هي فرصتك للحديث معنا عما تفكّر فيه
يا صديق، نحن نريد أن نساعدك في رحلة الإيمان. الخطوة التالية هي أن ترسل لنا برغبتك في المعرفة والإيمان لنتواصل معك، فنشجعك ونصلي من أجلك. نحن نتعامل بحرص وسرية مع كل رسائل الأصدقاء