المساق: العقيدة المسيحية الأساسية

السلسلة: قانون إيمان الرسل

الدرس 5: الكنيسة

 

في يومنا هذا عندما يسمع الناس كلمة “كنيسة”، يفكرون في مبنى يجتمع فيه المؤمنون ليعبُدوا الله. أحياناً تكون هذه الأبنية كاتدرائيات كبيرة مزخرفة ومزيّنة بالرسومات الجميلة. وأحياناً تكون كنائسَ صغيرةً، بأثاثٍ بسيط. وفي أحيانٍ أخرى، تكون مخازنَ حُوّلت إلى كنائس. أو منازلَ أو أكواخاً صغيرة أو بيوتاً من طينٍ أو حتى كهوفاً يجتمع فيها العابدون بعيداً عن الخطر. لكن في “قانون إيمان الرسل”، كما في الكتابِ المقدّس، فإن كلمةَ “كنيسة” تشيرُ أولاً وبصورة رئيسيةٍ إلى شعبِ الله، الجماعةِ المقدّسةِ المؤلفةِ من أولئك الذين يجاهرونَ بإيمانِهم بالآب، والابنِ، والروحِ القدس.

 

 

هذا هو الدرس الخامس في سلسلتنا قانون إيمان الرسل. وقد دعونا هذا الدرس الكنيسة. وسننظر في هذا الدرس، إلى تصريحات قانون إيمان الرسل التي تعترف بالاعتقاد بهذه المؤسسة المقدّسة.

 

 

يتحدث قانون إيمان الرسل عن الكنيسة بوضوح بهذه الكلمات:

أؤمن …

      بكنيسة جامعة مقدسة،

      وبشركة القديسين،

تَظهر هذه السطور في قانون الإيمان، في القسم الأكبر المُكرّس للروح القدس وخدماته. وذلك لأن الروح القدس هو أقنوم الثالوث الأكثر ارتباطاً بالكنيسة بصورة يومية. وهكذا، كان بإمكاننا مناقشة موضوع الكنيسة في درسنا عن الروح القدس. لكننا أردنا تخصيص درس كامل للكنيسة، بسبب أهميتها الأساسية للمسيحية ولحياتنا كأتباع المسيح.

 

 

كما ذكرنا في درس سابق، يستغرب الكثير من البروتستانت من الاعتراف بالكنيسة، كما لو أن إيماننا بالكنيسة مشابه نوعاً ما لإيماننا بالله. فعندما يقول قانون الإيمان أننا نؤمن بـ الكنيسة، هذا لا يعني أننا نثق بالكنيسة للخلاص. إن الإيمان الخلاصي هو بالمسيح وبالمسيح وحده. لكننا نؤمن بـ الكنيسة بمعنى أننا نؤمن بالكتاب المقدّس عندما يعلّم عن الكنيسة، ويخبرنا عن أهميتها بالنسبة للمسيحيين. وينطبق الشيء ذاته على الإيمان بـ شركة القديسين. حيث أننا لا نثق بالمؤمنين الآخرين لخلاصنا. لكننا نؤمن بالتعليم الكتابي، بأن الله يستخدم المؤمنين لكي يبشرونا، يخدمونا، ويقووا إيماننا.

 

 

سينقسم درسنا عن الكنيسة إلى أربعة تعاليم رئيسية، تنعكس في قانون الإيمان. أولاً، سننظر إلى التفويض الإلهي للكنيسة. ثانياً، سنناقش حقيقةَ كون الكنيسة مقدّسة. ثالثاً، سنتحدث عن كونها جامعة أو شاملة. ورابعاً، سنستكشف فكرة كون الكنيسة شركة. وسيساعدنا كل قسم من هذه الأقسام في فهم هوية وطبيعة الكنيسة كما تم الإقرار بها في قانون إيمان الرسل. دعونا نبدأ بالنظر إلى التفويض الإلهي للكنيسة.

 

 

يؤمن الكثيرُ من المسيحيين اليومَ أن الكنيسةَ غير ضرورية – أو يتصرفون كما لو أنها كذلك. وفي الكثير من الأحيان، يظن بعض المؤمنين المخلصين، أن مؤسسات مثل الكنيسة هي من اختراع البشر وهي دخيلةٌ على علاقتِنا الشخصية مع الله. لكن تعليمَ الكتابِ المقدّسِ عن الكنيسةِ مغايرٌ تماماً. بالمعنى الأوسع، الكنيسةُ هي ملكوتُ الله على الأرض، جماعةُ شعبِه الخاص، ووسيلةٌ رئيسيةٌ يمنحُ الله من خلالِها نعمتَه للمخلصين له. وبحسب الأسفارِ المقدّسة، الكنيسةُ ضروريةٌ لكي نؤسسَ علاقةً مع الله ونحافظَ على تلك العلاقة.

 

 

عندما نقول أن الكنيسة مفوَّضة من الله، نعني أنه خلقها لهدف ما ومنحها سلطانه. وتعلم الأسفار المقدّسة، بصورة عامة، أن الله موافق على الكنيسة. فهي مؤسسته التي عينّها للقيام بإرساليته في العالم.

 

 

كما قال يسوع نفسه في [متى 16: 18]:

«أَبْني كَنِيسَتِي وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا».

ليست الكنيسة من اختراع البشر الساقطين، إنما أسسها يسوع نفسه.

 

 

وهكذا، ورغم أننا نرى أخطاءً في الكنيسة عبر التاريخ، وأحياناً تبتعد الكنائس كثيراً عن الإنجيل بحيث أنها لم تعد كنيسة الله، يجب ألا نستنتج أن الكنيسة غير نافعة أو غير ضرورية.

 

 

يقرّ قانون إيمان الرسل بهذا التفويض الإلهي للكنيسة بهذه الكلمات البسيطة:

      أؤمن … بكنيسة

وكما تَذكُر من الدروس السابقة، إن قانون إيمان الرسل هو ملخّصٌ لقواعد إيمان الكنائس الأولى. وكانت قواعد الإيمان تلك ملّخصات للأسفار المقدّسة. وهكذا، عندما يعلن قانون الإيمان إيمانه بالكنيسة، فهو يقصد الإقرار بما يعلّمه الكتاب المقدّس عن الكنيسة. إن إحدى أهم جوانب تعليم الكتاب المقدّس عن الكنيسة، هو أن الله عيّنها لتتمم مقاصده في العالم.

 

 

بينما نتأمل في التفويض الإلهي للكنيسة، سنركّز على ثلاث أفكار رئيسية. أولاً، سننظر إلى خلفية العهد القديم للكنيسة. ثانياً، سنركّز على ما فعله يسوع ليؤسس الكنيسة خلال خدمته الأرضية. وثالثاً، سنستكشف بعض المضامين لوجهات النظر الكتابية هذه. دعونا نبدأ بخلفية العهد القديم للكنيسة. حيث يجد مفهوم الكنيسة في العهد الجديد جذوره في العهد القديم.

 

 

يميل الكثير للاعتقاد بأن الكنيسة بدأت في يوم الخمسين، عندما صعد يسوع إلى السماء وسكب روحه على التلاميذ. لكني أعتقد أن هذا سوءَ فهمٍ لطبيعة الكنيسة. وأعتقد أن الكنيسة استمرارية لشعب الله في العهد القديم. حيث دعا الله إبراهيم وشعب العهد القديم، ويمكننا أن نقول بسهولة أن هذه هي الكنيسة، أي بداية الكنيسة. وهكذا، بدأت الكنيسة هناك، وتستمر في عصرنا، وستستمر إلى الاكتمال، إلى اليوم الذي يعود فيه يسوع من السماء.

 

 

كثيراً ما يتحدث العهد الجديد عن الكنيسة مُستخدِماً الكلمة اليونانيةekklesia. لكن هذا المصطلح مُشتق من الترجمة السبعينية، أي الترجمة اليونانية للعهد القديم. وكثيراً ما استُخدِمت ekklesia ونظيرتها العبرية، في العهد القديم، للإشارة إلى تجمّع أمة إسرائيل. ونرى ذلك في تثنية 9: 10، و31: 30؛ قضاة 20: 2؛ الملوك الأول 8: 14؛ مزمور 22: 22 و25؛ وعدة أماكن أخرى. حتى في العهد الجديد، أصبحت ekklesia مصطلحاً تقنياً يشير إلى الكنيسة، وما تزال الكلمة مُستَخدَمة للإشارة إلى جماعة إسرائيل في العهد القديم.

 

Placard: 14

على سبيل المثال، نقرأ هذه الكلمات في [أعمال الرسل 7: 38]، في خطاب اسْتِفَانُوسَ لقاتليه:

«كَانَ [موسى] فِي الْكَنِيسَةِ فِي الْبَرِّيَّةِ مَعَ الْمَلاَكِ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُهُ فِي جَبَلِ سِينَاءَ وَمَعَ آبَائِنَا. الَّذِي قَبِلَ أَقْوَالاً حَيَّةً لِيُعْطِيَنَا إِيَّاهَا».

إن الكلمة اليونانية المُترجَمة كنيسة هي ekklesia، هذا يعني أن جماعة إسرائيل كانت المرادفة والسالفة لكنيسة العهد الجديد.

ودعا بطرس الكنيسة في [رسالة بطرس الأولى 2: 9]، بأسماء تنطبق على إسرائيل العهد القديم أيضاً. اصغ لما كتبه:

«وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ شَعْبُ اقْتِنَاءٍ».

اقتبس بطرس هنا من عدة فقرات في العهد القديم، تتحدث عن أمة إسرائيل. وطبّق الأسماء الخاصة لإسرائيل على كنيسة العهد الجديد، مُشيراً إلى وجود استمرارية هامة بين هاتين الجماعتين.

 

 Johnson: 14.5 

عندما نفكر بنصٍ مثل رسالة بطرس الأولى 2، حيث يطبّق بطرس الآن على الكنيسة، سلسلة كاملة من الألقاب التي أُعطيت في الأصل لإسرائيل في العهد القديم، مثل كهنوت مُلوكي، أمة مقدّسة، وشعب اقتناء. ونرى أن بطرس يعلّم مجموعة من الكنائس في مناطق مختلفة، الذين هم على الأغلب أمميين، حتى يروا أنفسهم كإتمام لوعود الله لإسرائيل فعلاً، وأن يقرّوا بأن هذه هي هويتهم.

 

Animation: 15

هذا لا يعني بالطبع أن كنيسة العهد الجديد مطابقةٌ تماماً لجماعات إسرائيل في العهد القديم. إنهما مترابطتان لكنهما مختلفتان أيَضاً. واستخدم بولس في رومية 11 استعارتين، للحديث عن العلاقة بين جماعة إسرائيل في العهد القديم والكنيسة المسيحية. وقال أنهما كالعجين وشجرة الزيتون.

 

Placard: 16

اصغ لما كتبه في [رومية 11: 16]:

«وَإِنْ كَانَتِ الْبَاكُورَةُ مُقَدَّسَةً فَكَذلِكَ الْعَجِينُ وَإِنْ كَانَ الأَصْلُ مُقَدَّساً فَكَذلِكَ الأَغْصَانُ».

أولاً، قال بولس أن جماعة العهد القديم هي باكورة نفس العجين الذي صُنعت منه كنيسة العهد الجديد.

 

Animation: 17

فرض لاويين 23: 17 على إسرائيل أن تُحضِر تقدمة باكورة الخبز للرب. ولم تكن الباكورة حصاداً منفصلاً. بل كانت جزءاً وممثلاً للحصاد كله. وهكذا، عندما قال بولس أن إسرائيل وكنيسة العهد الجديد أتيا من نفس العجين، أشار بذلك إلى أن إسرائيل ومسيحيي العهد الجديد كانوا جزءاً من المؤسسة ذاتها، من شعب الله ذاته، والكنيسة ذاتها.

 

Placard: 18

ثانياً، قال بولس أن جماعة العهد القديم هي أصل الشجرة، وأن كنيسة العهد الجديد هي أغصان الشجرة ذاتها.

 

Animation: 19

لقد توسّع بولس فعلاً في هذا التوضيح إلى عدة آيات. وشبّه الكنيسة عبر العصور بشجرة الزيتون المزروعة. حيث كانت كنيسة العهد القديم، والتي تتألّف أساساً من اليهود، الجزء الأكبر من الشجرة: الجذور، الجذع، والأغصان العديدة. وكان المسيحيين الأمميين أغصان الزيتون البريّة التي تم بها تطعيم الشجرة. لقد تم تطعيم المسيحيين الأمميين في الكنيسة اليهودية. وهكذا، رغم أن الكنيسة في زمن بولس تألفت من اليهود والأمميين، كان جذعها وجذورها، نفس الشجرة التي امتدت في الزمن إلى الوراء خلال العهد القديم. نعم، إن هذه الشجرة الجديدة مختلفة في كثير من النواحي. فقد تحسنت ونمت. لكنها ما تزال الشجرة ذاتها. وبنفس الطريقة، تحسنت كنيسة العهد القديم ونمت إلى كنيسة العهد الجديد. وهما مختلفتان بطرق هامة، وتمثلان مراحل مختلفة من النمو. لكن ما يزال كلاهما الكنيسة ذاتها.

 

Panel: 20

بعد أن درسنا تفويض الكنيسة من معيار خلفية العهد القديم، دعونا ننظر كيف بنى يسوع كنيسته بطريقة اعتمدت على كنيسة العهد القديم، لكن حسّنتها أيضاً.

 

Host: 21

لا بد أن نعترفَ أنه بمجيءِ يسوعَ، تركت خدمتُه الأرضية تأثيراً دراماتيكياً على العالمِ وعلى شعبِ الله. وقد أشار اللاهوتيون بحقٍ إلى أن يسوعَ لم يؤيدْ ببساطة النظامَ القديم، بما فيه كنيسته القديمة. لكن من المهمِ أن ندركَ في الوقت ذاته، أن يسوعَ لم يؤسسْ كنيسةً جديدةً بالكامل. فكنيستُه ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بكنيسةِ العهدِ القديم.

 

Animation: 22

أشار يسوع إلى الكنيسة باسمekklesia، في ثلاث مناسبات مدوّنة في الأناجيل. في الواقع، إنها المرات الوحيدة التي تَظهر فيها كلمةekklesiaفي أي مكان في أناجيل متى، مرقس، لوقا أو يوحنا. إن هذه الفقرات الثلاث موجودة في إنجيل متى –واحدة في 16: 18، واثنتان في 18: 17. دعونا ننظر إلى هاتين الآيتين بقرب أكثر.

 

Placard: 23

قال يسوع هذه الكلمات في [متى 16: 18]:

«أَبْني كَنِيسَتِي وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا».

يمكن أن تشير الكلمة اليونانية oikodomeo المترجمة هنا أبني، إلى بناء شيء جديد، أو إعادة بناء وتجديد ما هو موجودٌ مسبقاً. ورغم أن يسوع لم يعلن بوضوح عن المعنى الذي قصده، فإن ما سبق ورأيناه في تعليم بولس في رومية 11، يجعلنا نميل إلى تفضيل الرأي بأن يسوع كان يعيد بناء وتجديد كنيسة العهد القديم.

وتُعَدُّ كلمات يسوع في [متى 18: 17] أقل غموضاً. اصغ لما قاله هناك:

«وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ».

تكلم يسوع في هذه الآية عن التأديب الكنسي. وكانت نصيحته بأن يَمثُل الشخص غير التائب أمام الكنيسة أو الجماعة. حيث كانت الكنيسة الوحيدة الموجودة في السياق الأصلي لخدمة يسوع، المجامع اليهودية المنتشرة في كل أنحاء المنطقة، والهيكل في أورشليم. وقد كانت هذه أشكال العهد القديم المُميَّزة لجماعات إسرائيل، لكن مع ذلك دعاها يسوع “الكنيسة”.

 

Animation: 24

لقد أمر العهد القديم بأن تتم معالجة النزاعات عادة من قبل الشيوخ، الكهنة، والقضاة – أي ممثلي الجماعة الذين تم تعيينهم لمهمة إصدار الحكم. ونرى ذلك في أماكن مثل خروج 18، وتثنية 1 و19. وقد أقرّ يسوع بهذا المبدأ في يومه، مذكّراً مستمعيه بأنهم ما زالوا مُلزَمين بحلّ نزاعاتهم ضمن جماعة إسرائيل. لكن قصد يسوع أيضاً أن تُطبَّق كلماته على كنيسته، أي تلك التي سبق وذكرها في متى 16. ولهذا السبب دوّن لنا متى كلمات يسوع. حيث كانت كنيسة العهد الجديد، في فكرِ يسوع ومتى، كما في فكرِ بولس، تطوراً لجماعات إسرائيل العهد القديم. لم يأتِ يسوع ليَحلّ الكنيسة مكان إسرائيل، بل ليخلّص إسرائيل ويجددها في صورة كنيسة العهد الجديد.

 

Animation: 25

وبينما ننظر إلى الاستمرارية بين كنيستََي العهد القديم والجديد، مهمٌ أن ندرك الدور المركزي الذي يلعبه يسوع في ربط هاتين الكنيستين. أولاً، يقدم العهد الجديد يسوع بشكل عام كتحقيق لمواعيد الله لإسرائيل. فكما نرى في رومية 8: 1–4 وغلاطية 3: 16–29، يسوع هو الإسرائيلي الأمين الذي يحفظ العهد مع الله، ويرث كل البركات التي وعد بها الله لإبراهيم وموسى. وكما نتعلم من لوقا 1: 32 وأعمال الرسل 2: 31–33، إنه ابن داود الذي يسترد كرسي داود ويملك على إسرائيل ويهوذا. ولم يقطع يسوع الصلة بالماضي. بل هو ذروة كنيسة العهد القديم، العضو والخادم الأكثر كمالاً فيها. وثانياً، إن يسوع مؤسس كنيسة العهد الجديد، أي الشخص الذي حقق الإصلاح والتجديد اللذَين حوّلا كنيسة العهد القديم الفاشلة إلى كنيسة العهد الجديد. وتدعوه الأسفار المقدّسة رأس الكنيسة في أفسس 5: 23 وكولوسي 1: 18. وعريس الكنيسة في أفسس 5: 22–33 ورؤيا 19: 1-10. وعيَّن يسوع نفسه الكنيسة لتتلقى سلطته المُفوَّضة في الإرسالية العُظمى في متى 28: 18–20. ويحب يسوع الكنيسة، يوافق عليها، ويعطيها السلطان.

 

Ling: 26

إن علاقة كنيسة العهد القديم بيسوع المسيح هي في جوهرها، في لبها، نفس علاقة كنيسة العهد الجديد بيسوع المسيح تماماً. وقد يبدو مصطلح كنيسة العهد القديم غريباً نوعاً ما بالنسبة لبعض المسيحيين. فقد نظن أن الكنيسة وُلِدت في يوم الخمسين في أعمال الرسل 2. لكن إذا فكّرنا بالكنيسة كشعب الله الذي قطع معه عهداً، شعب الله الذي فداه من خلال عمل الرب يسوع المسيح، فإن كنيسة العهد القديم هي ببساطة جماعة المؤمنين الذين يتطلعون إلى إتمام الله للخلاص يوماً ما عند مجيء المسيّا. وهكذا وثقت كنيسة العهد القديم بنعمة الله، بدم الله المسفوك، أي دم يسوع المسيح على الصليب. ويتطلع مسيحيو العهد القديم، مؤمنو العهد القديم، أعضاء كنيسة العهد القديم إلى العمل التام لربنا يسوع المسيح. فقد وثقوا بنعمة الله ورحمته القوية غير المُستَحَقَّة، لينالوا غفران خطاياهم ويتبرروا أمام الله. وهكذا، إن علاقة مؤمن العهد القديم وكنيسة العهد القديم مع الله، في لب المسألة، هي نفس علاقتنا بالله كمؤمني العهد الجديد وكنيسة العهد الجديد.

 

Panel: 27

لقد نظرنا حتى الآن، إلى تفويض الكنيسة من معيار خلفية العهد القديم ومن معيار خدمة يسوع الأرضية. نحن مستعدون الآن لنتأمل في بعض المضامين لهذه النقاط.

 

Animation: 28

عندما ندرك أن يسوع عيّن كنيسة العهد الجديد كإصلاح وتطور لإسرائيل العهد القديم، فإن أحد المضامين الهامة هو وجود استمرارية أساسية بين إسرائيل في العهد القديم والكنيسة المسيحية في العهد الجديد. ويجب أن نتوقع، عملياً، من جماعة شعب الله في العهد الجديد أن تعكس جذور العهد القديم. وبالطبع، إن بعض الأمور مختلفة، ويهتم العهد الجديد بالإشارة لتلك التغييرات، لكنه يعلّم أيضاً أن الكنيسة تشبه إسرائيل إلى حد بعيد.

 

List: 29

يوجد الكثير من نقاط الاستمرارية بحيث يصعب علينا ذكرها جميعاً. لكن يستحق الأمر أن نشير إلى ثلاث منها بوضوح. أولاً، يوجد استمرارية كبيرة في الهدف بين كنيستََي العهد القديم والعهد الجديد.

 

Animation: 31

غالباً ما يلخّص اللاهوتيون تاريخ العالم في ثلاث مراحل: الخليقة، السقوط والفداء. فقد خلق الله، في مرحلة الخليقة الموصوفة في تكوين 1-2، العالم، النباتات، الحيوانات، والبشر. وأقام جنة عدن في جزء خاص من العالم. وكانت مسؤولية البشر وفقاً لتفويض الله، أن يملئوا الأرض ويُخضِعوها، ويجعلوها مثل جنة عدن، مكاناً مناسباً لحضور الله القدوس. وتمرّدت البشرية على الله في مرحلة السقوط في تكوين 3 وطُرِدَت من جنة عدن. وفسدت الخليقة بأكملها بسقوط البشرية في الخطيّة. وقد شرح بولس هذا في رومية 8: 20-22. ويصنع بقية التاريخ مرحلة الفداء، التي يعمل فيها الله ليعيد البشرية إلى حالة الكمال، ومن خلال البشرية يعيد الخليقة إلى حالتها الأصلية. وستكون المرحلة النهائية لفترة الفداء، السماء الجديدة والأرض الجديدة التي نقرأ عنها في إشعياء 65: 17؛و66: 22، رسالة بطرس الثانية 3: 13، ورؤيا 21: 1. وقد كان فداء البشرية والخليقة دائماً هدف الله لكنيسته في كلا العهدَين.

 

Animation: 32

وما تزال الكنيسة، في عالمنا المعاصر، تجاهد من أجل هدف تجديد الخليقة. ونقوم بذلك بصورة رئيسية من خلال الكِرازة بالإنجيل، تماشياً مع أولويات تعليم العهد الجديد، عالمين أن كل شخص يأتي إلى المسيح، يمثّل خطوة نحو الحالة النهائية للفداء. ونقوم بذلك أيضاً، من خلال العيش في العالم كمسيحيين مُظهِرين محبة المسيح للأقرباء، وبتغيير الثقافات حولنا لتعكس مجد الله إجلاله وشخصه. ونفعل ذلك من خلال الرجاء والصلاة لليوم الذي سيعود فيه يسوع ليتمّم عمل الفداء.

 

List: 33

إن نقطة الاستمرارية الثانية بين كنيستَي العهدَ القديم والعهد الجديد في عصرنا الحالي، هي شُمول جماعتَي شعب الله للمؤمنين وغير المؤمنين.

 

Animation: 34

تذكر أن كنيسة الله لم تكن كاملة أبداً في العهدين القديم والجديد. حيث كان بعض الإسرائيليين في العهد القديم، أوفياء لله ونالوا بركاته. لكن تمرّد العديد من الآخرين على الله في عدم إيمان، وسقطوا تحت اللعنات الإلهية. ونجد هذا في كل العهد القديم، لكن ربما كان أكثر وضوحاً في ملخصات بركات ولعنات عهد الله، في لاويين 26 وتثنية: 27-30. وينطبق الأمر ذاته على جماعة أتباع يسوع، أي كنيسة العهد الجديد. حيث يوجد مؤمنين وغير المؤمنين في كنائسنا. كان يهوذا، مثلاً، غير أمين بين الرسل. ونقرأ عن هذا في يوحنا 6: 70-71، ونراه أيضاً في خيانته للمسيح. وتتضح الطبيعة المختَلَطة للكنيسة في الرسائل إلى الكنائس في رؤيا 2-3.

 

Animation: 35

ويتوقع هذان الفصلان، من سفر الرؤيا، من المؤمنين الحقيقيين في الكنيسة أن يغلبوا. لكنهما يحذّران أيضاً أن الذين لا يغلبون، يبرهنوا أن قلوبهم غير مخلصة. كما أن جزءاً كبيراً من رسالة يوحنا الأولى، مخصّصٌ للتمييز بين المؤمنين الحقيقيين والمؤمنين المزيفين في الكنيسة، وفوق هذا، تحذّر عدة فقرات أخرى من المعلمين الكَذَبة في الكنيسة، أو تشجع من يعلنوا إيمانهم على الثبات إلى النهاية ليبرهنوا على صحة إيمانهم.

 

Placard: 36

اعترف بولس أيضاً بهذه الحقيقة في رسالة كورنثوس الثانية 13: 5، وشجّع الناس على التفكير بها. اصغ لما كتبه هناك:

«جَرِّبُوا أَنْفُسَكُمْ هَلْ أَنْتُمْ فِي الإِيمَانِ. امْتَحِنُوا أَنْفُسَكُمْ. أَمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ أَنْفُسَكُمْ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ فِيكُمْ إِنْ لَمْ تَكُونُوا مَرْفُوضِينَ».

أراد بولس أن يدرك الجميع أن أموراً مثل عضوية الكنيسة، المعمودية، وإعلانُ إيمانٍ موثوقٍ به، ليست علامات أكيدة للإيمان الخلاصي بيسوع المسيح. حيث يمكن للأشخاص الذين لم يقبلوا المسيح بالإيمان فعلاً، أن يفعلوا هذه الأمور أيضاً. وهكذا، شجّع بولس الناس في الكنيسة ليجرّبوا أنفسهم، حتى يتأكدوا أنهم يثقون بالمسيح للخلاص فعلاً.

 

Animation: 37

وبالطبع، لا يمكننا كبشر معرفة حالة قلب الشخص الآخر. لكن يمكننا رؤية أعماله وسماع كلماته فقط. ولهذا، كثيراً ما يستحيل علينا معرفة من هم المؤمنين الحقيقيين. لكن يجب أن تؤثر معرفتنا بإمكانية وجود غير المؤمنين في رعيتنا، على الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا والآخرين في الكنيسة. يجب أن نستمر في تعليم الإنجيل والكرازة به لكل الكنيسة، ليَخلُص أولئك الذين لم يختبروا الإيمان بعد – حتى إن لم نعرف من هم. يجب أن نكون منفتحين في الكنيسة على من يطلبوا الله، ونشّجعهم على المجيء إلى الكنيسة، حتى لو لم يثقوا بالمسيح بعد. ويجب أن نكون صبورين مع الآخرين، مع العلم أن هناك تنوعاً كبيراً في الإيمان والنُضج، حتى بين الأشخاص الموجودين في الكنيسة منذ وقت طويل.

 

List: 38

إن نقطة الاستمرارية الثالثة بين كنيسة العهد القديم وكنيسة العهد الجديد هي أن لهما التزامات مماثلة أمام الله.

 

Animation: 39

تم إعطاء شعب الله في كلا العهدين مسؤولية محبة الله، نشر ملكوته في كل أنحاء العالم، وتمجيده. أما بالنسبة لمحبة الله، فقد علّم تثنية 6: 5-6 كنيسة العهد القديم أن تحب الله، وتطيع شريعته من كل القلب.

وبنفس الطريقة، دُعيت كنيسة العهد الجديد لتحب الله وتطيع ناموسه. وكما علّم يسوع في متى 22: 37، إن المحبة الصادقة نحو الله هي أعظم وصية في الناموس. وكما علّم يوحنا في رسالة يوحنا الأولى 5: 3، إن المحبة الصادقة نحو الله تُنتِج طاعة صادقة لوصاياه.

 

 Oswalt: 40

إن أحد الأسئلة التي يطرحها الناس عادةً، هو فيما إذا كانت كنيسة العهد الجديد مُطالَبةٌ بحفظ شريعة العهد القديم. إن الإجابة القاطعة هي نعم ولا. لا بمعنى أنه تم إزالة الوصفات المحدّدة الموجودة في توراة العهد القديم عنا. فنحن غير مُطالَبين بختان أولادنا. ولا بالذهاب إلى الهيكل ثلاث مرات في السنة. وغير ذلك. في الواقع، كان هذا، هو نقاش مجمع أورشليم في أعمال الرسل 15. لكن، ما هو القصد من توراة العهد القديم؟ بمعنى أن التوراة تُظهِر لنا شخص الله وطبيعته، والطبيعة والشخصية التي يُفتَرَض أن نتشارك بها، نعم ما تزال التوراة تنطبق بهذا المعنى. وأعتقد أن هذا واضح في رسائل بولس. حيث يمكن أن يقول بولس لقرائه، كلا، أنتم أحرار. أنتم غير مطالبين بالقيام بكل تلك الأمور. لكن بما أنكم أحرار، لن تسرقوا بالتأكيد، لن تكذبوا، لن تشتهوا ولن تزنوا. وهكذا، هل من الضروري أن يحفظ المؤمنون التوراة من أجل خلاصنا؟ بالطبع لا. لكن بما أننا خَلُصنا بالمجان، هل يُفتَرَض علينا أن نشترك في حياة الله ونعرضها؟ نعم.

 

Animation: 41

لاحظ أنه كان على شعب الله في كلا العهدين القديم والجديد، أن ينشروا ملكوت الله. وقد عرفت كنيسة العهد القديم ذلك في تكوين 17: 4-5، حيث وعد الله إبراهيم بأنه سيكون أباً لأمم كثيرة. وكما علّم بولس في رومية 4: 13، عرفت كنيسة العهد القديم أن هذا الوعد ألزمها بنشر ملكوت الله في كل العالم بالإيمان. وبنفس الطريقة، ما تزال كنيسة العهد الجديد تعمل على تنفيذ هذه الخطة عن طريق إيصال الإنجيل إلى كل أمة.

 

Placard: 42

كما أمر يسوع كنيسته في [متى 28: 19]:

«فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ».

 

Animation: 43

إن الواجب الثالث الذي تشترك فيه إسرائيل العهد القديم وكنيسة العهد الجديد هو تمجيد الله. أما بالنسبة لكنيسة العهد القديم، فإننا نجد هذا في مزمور 86: 12، مزمور 115: 18، وكذلك في وصف العهد الجديد لعالم العهد القديم، مثل أعمال االرسل 17: 24-28. كما يمكن أن نستنتجه ضمناً من خلال حقيقةِ أننا مخلوقين على صورة الله، كما يعلّم تكوين 1: 27. كانت الصور في عالم العهد القديم، تماثيل الملوك التي تذكّر الشعب بأن يحبوا الملوك، يطيعوهم ويمجدوهم. وبما أنهم صور لله، تم تصميم البشر ليمجدوه.

وبنفس الطريقة، يجب أن تمجّد كنيسة العهد الجديد الله أيضاً. ونتعلّم هذا في رسالة كورنثوس الأولى 10: 31، رسالة بطرس الأولى 4: 11، رؤيا 4: 11، وعدة أماكن أخرى.

 

Animation: 44

إن المسؤوليات التي يضعها الله على عاتق الكنيسة ليست ثقيلة، خاصة عندما نكون في المسيح. فإن كان علينا الوقوف أمام الله باستحقاقنا، فإننا سنُسحَق تحت ثِقَل واجباتنا. لكنّ المؤمنين الحقيقيين في الكنيسة، أحرار من الدينونة في المسيح، وبإمكانهم العمل على نشر ملكوت الرب، حِفظ شريعته، وتمجيده، دون الخوف من الفشل. في الواقع، إن النجاح مضمون في نهاية المَطاف. ورغم أننا قد نواجه نَكَسات مؤقتة، يسير التاريخ نحو النصر الذي لا يمكن إيقافه. وهو يتقدم من خلال الكنيسة. وهكذا، كلما زادت طاعتنا، كلما قمنا بواجباتنا، كلما كان التحقيق المجيد لملكوت الله أقرب.

 

Host: 45

عن طريق النظرِ إلى الطريقةِ التي نمتْ فيها الكنيسةُ في مراحلِها الأوَلية في العهد القديم وبلوغِها الكيانَ الذي صادقَ عليه يسوع في العهد الجديد، يتضحُ لنا أن الكنيسةَ مقبولةٌ بالكاملِ من الله. وهي موجودةٌ لأن اللهَ يريدُها أن توجد، وهي تخدمُ قصدَه. فهي ليست مجرد اختراعٍ بشريٍ. وليست تحريفاً للدين الكتابي. بل هي عروسُ المسيحِ وجسدِه، محبوبةٌ من الله ومكرسةٌ لخدمتِه ومجدِه.

 

Signpost: 46

بعد أن فهمنا التفويض الإلهي للكنيسة، أصبحنا مستعدين للانتقال إلى موضوعنا الرئيسي الثاني: وهو حقيقةُ أن الكنيسة مقدّسة.

 

Animation: 47

تم استخدام الكثير من الكلمات في الكتاب المقدّس للإشارة لفكرة القداسة. حيث توصف الكنيسة في العهد الجديد مقدسة أو مكرَّسة. ويُدعى الأشخاص الذين هم جزء من الكنيسة قديسين، وتأتي هذه الكلمات الثلاث مقدسة، مكرّسة وقديسين من مجموعةِ نفسِ الكلمة في اللغة اليونانية. حيث تُتَرجِم مقدسة الصفة hagios، مكرّسة هي من الفعل hagiazo الذي يعني يجعله مقدساً. وقديسين هي من الاسم hagios، ويعني الشخص المقدس. ونجد نفس المفاهيم في العهد القديم مُمَثّلَةً في كلمات عبرية مثل الصفة qadoshوتعني مقدّس؛ الفعل qadashيعني يجعله مقدساً، والاسم qodeshيعني الشخص المقدس.

 

Animation: 48

عندما نتحدث عن القداسة، يفكر الكثير من المسيحيين بالقداسة عادةً كالأمر الذي يميّز الله عن خليقته. وكثيراً ما يُقال أن قداسة الله هي صفة كونه آخَرْ بالكامل، أو مختلفاً بالكامل عن خليقته. لكن ليست هذه الطريقة الوحيدة التي استُخدِمت فيها كلمة “قداسة” في الأسفار المقدّسة. حيث يشير الكتاب المقدّس أيضاً إلى المخلوقات والأشياء بصفتها مقدّسة، عندما تتمتع بصفات خاصة تعكس قداسة الله. ويقرّ قانون إيمان الرسل بهذا المعنى بأن الكنيسة مقدّسة.

 

Panel: 49

سنتناول فكرة أن الكنيسة مقدّسة في جزأين: أولاً، سنستعرض تعريف كلمة “مقدّس”. وثانياً، سنستخدم هذا التعريف لتحديد الأشخاص المقدسين. دعونا نبدأ بالتعريف الكتابي للقداسة.

 

Definition: 50

إن مفهوم القداسة في الأسفار المقدّسة معقد. لكن يمكننا القول أنه عندما يشير الكتاب المقدّس إلى شخص أو شيء بأنه مقدّسٌ، فإن الفكرة الأساسية هي أنه: طاهر أخلاقياً وبمعنى قريب، يمكن أن تصف كلمة “مقدّس” أيضاً الأشخاص أو الأشياء المفروزين لخدمة خاصة لله. دعونا ننظر إلى جانبي هذا التعريف، بدءاً بكوننا طاهرين أخلاقياً. عندما نقول أن شخصاً أو شيئاً طاهر أخلاقياً، نعني أنه خال من الخطية والفساد.

 

Animation: 51

إن القداسة متأصلة في شخص الله من جهة الطهارة الأخلاقية. حيث يصفه الكتاب المقدّس بأنه قدوسٌ في عدة أماكن، مثل الملوك الثاني 19: 22، أمثال 9: 10، إشعياء 30: 11–15،ورسالة يوحنا الأولى 2: 20.

 

 Duncan: 52

ليست المسألة أن الله أعظم منا. وأنه غير محدود ونحن محدودين. بل أنه مختلف عنا أخلاقياً. فليس عنده تغيير ولا ظل دوران. ليس فيه دافع أو ميل شرير لفعل ما هو خاطئ. وليس فيه أدنى إشارة أو رغبة لفعل الشر.

 

Animation: 53

ولأن الله قدوس تماماً، يكون أي شيء خاطىء يدخل محضره المباشر، خاضعاً لحكمه وغضبه. ونجد هذا في صموئيل الأول 6: 20، الملوك الثاني 24: 3، وعبرانيين 12: 14. ورغم أن الله قد يمنع الدينونة لفترة ما، فإن حضوره المقدّس سيدمر في النهاية من لم تُحجَب خطيّتهم. وبالتالي، يجب أن يتقدس أي شخص أو أي شيء أولاً، قبل أن يدخل محضر الله.

 

Placard: 54

على سبيل المثال، تأمل في هذا الوصف في [إشعياء 6: 3-7]:

«[السَّرَافِيمِ] نَادَى ذَاكَ وَقَالَ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ... فَقُلْتُ وَيْلٌ لِي إِنِّي هَلَكْتُ لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ الشَّفَتَيْنِ لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا الْمَلِكَ رَبَّ الْجُنُودِ. فَطَارَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ السَّرَافِيمِ وَبِيَدِهِ جَمْرَةٌ قَدْ أَخَذَهَا بِمِلْقَطٍ مِنْ عَلَى الْمَذْبَحِ وَمَسَّ بِهَا فَمِي وَقَالَفَانْتُزِعَ إِثْمُكَ وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ».

كان إشعياء خائفاً، في هذه الفقرة، من أن يهلك في المحضر الخاص للرب القدوس بسبب إثمه أو خطيّته. ولهذا، قام السرافيم، وهو أحد ملائكة الرب الخادمة، بتطهير خطيّة إشعياء بجمرة حارّة من مذبح الله المقدّس. وتطهّر إشعياء من خطيته من خلال هذا التطهير – وأصبح مقدساً. وبسبب قداسته الجديدة، استطاع الوقوف في محضر الله دون الوقوع تحت الدينونة.

 

Animation: 55

كما نرى في إشعياء 6، إن قداسة الله إحدى صفاته القابلة للنقل– أي صفة تميّزه بشكل تام وكامل، لكن يمكن أن تميّز أيضاً خليقته بطرق محدودة. وتقع الطبيعة القابلة للنقل للقداسة وراء العديد من الوصايا الكتابية للمؤمنين ليكونوا مقدسين، كما في أفسس 1: 4، عبرانيين 12: 14،ورسالة بطرس الأولى 1: 15-16. يجب أن نسعى لنكون طاهرين أخلاقياً مثل الله. وبالطبع، لا يمكننا أن ننجح بهذه المحاولة بقوتنا أبداً. لكنّ المسيح نفسه يمتلك طهارة أخلاقية كاملة. وعندما نكون فيه، يُحسَب بره لنا، ونُحسَب طاهرين كلياً، وأحراراً تماماً من الخطيّة والفساد.

 

Definition: 56

إن الجانب الثاني لتعريفنا لكلمة مقدس، هي أنها تصف الأشخاص والأشياء المفروزين لخدمة خاصة لله. ووفقاً لهذا المعنى، يمكن أن تكون الأشياء مقدّسة حتى لو لم تكن طاهرة أخلاقياً.

 

Placard: 57

وكمثال واحد، اصغ لما كتبه بولس في [رسالة كورنثوس الأولى 7: 14]:

«الرَّجُلَ غَيْرَ الْمُؤْمِنِ مُقَدَّسٌ فِي الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ الْمُؤْمِنَةِ مُقَدَّسَةٌ فِي الرَّجُلِ».

قال بولس هنا أنه عندما يتزوج المؤمن من غير المؤمن، يصبح غير المؤمن مقدّساً، أو كما تصفها الترجمات الأخرى يتقدس غير المؤمن. الفكرة هي أن غير المؤمن يكون معروفاً عند الله ويصبح نافعاً لخدمته – حتى لو لم يتم تطهيره أخلاقياً من الله في المسيح.

 

Host: 58

يستغربُ بعضُ المسيحيينَ الفكرة بأن اللهَ يفرز أشخاصاً غير كاملين وغير طاهرين لخدمته. لكن إن تأملنا في الموضوعِ، نجد أن الكتابَ المقدّس يقدّم أمثلة كثيرة عن أشخاص غير مؤمنين فرزهم الله لينجزوا إرادته. ولعل المثلَ الأعظمَ على ذلك هو حقيقة خيانة الرسولِ يهوذا لربِنا ومخلصِنا يسوع المسيح. وكما علّم يسوعُ نفسُه، اختيرَ يهوذا لأجل ذلك الغرضِ عينِه. وأدّت خيانتُه إلى أطهرِ وأنقى تقدمةٍ لله – أي موتُ ابنه الثمينِ. وإن كان اللهُ قادراً على استخدامِ غيرِ المؤمنينَ في خدمته، فكم بالحري يمكنه أن يتمجدَ من خلال خدمةِ القديسين الذين يحبونه؟

 

Definition: 59

وكما رأينا، إن لمفهوم القداسة عدة أبعاد في الكتاب المقدّس. ولهذا، يجب أن نكون حذرين في فهم ما تقصده الأسفار المقدّسة عندما تستخدم كلمات مثل مقدس، مكرّس أو حتى قديسين كأوصاف للكنيسة. ويلفت الكتاب المقدّس الانتباه أحياناً إلى حقيقةِ أن المؤمنين الحقيقيين في الكنيسة طاهرين أخلاقياً بسبب قداسة المسيح الممنوحة لهم. ويشير، في أحيان أخرى، إلى أشخاص مفروزين من العالم من أجل خدمة خاصة لله، حتى لو لم يكونوا مؤمنين حقيقيين. بينما يشير، في بعض الحالات، إلى فكرةِ أن المؤمنين الحقيقيين مفروزين من أجل خدمة خاصة لله.

 

Animation: 60

أياً كانت الحال، هناك أمر نعرفه وهو أن كل شيء وكل شخص مقدّس، هو مميَّز عند الله. إننا نكرم اسم الله ونرفض أن ننطق به باطلاً لأنه مقدّس. نخضع للكتاب المقدّس لأنه الكلمة المقدّسة لإلهنا القدوس. نحترم ونسعى من أجل الطهارة الأخلاقية في كل جانب من حياتنا، عالمين أن الرب يدعونا لنعيش حياة مقدّسة. ونشترك في كنيسته المقدّسة ونخضع لها. وحيثما نجد القداسة، ندرك أنها من الله، ونعطي انتباهاً خاصاً لنعاملها باحترام إلهي.

 

Panel: 61

بعد أن بحثنا في تعريف كلمة “مقدّس”، دعونا نستخدمه لنتعرّف على هوية الأشخاص المقدّسين.

 

Animation: 62

يشير الكتاب المقدّس، على نطاق واسع، إلى الأشخاص “كمقدّسين”، عندما يكونوا مفروزين عن بقية العالم، ليكونوا نافعين في الخدمة الخاصة لله. على سبيل المثال، دُعيت كل أمة إسرائيل العهد القديم “مقدّسة” بانتظام، لأن الله قطع عهداً معها. ونجد هذا في أماكن مثل خروج 19: 5-6، تثنية 7: 6–9؛ و28: 9، وحزقيال 37: 26-28.ويستمر هذا الموضوع في كنيسة العهد الجديد أيضاً. على سبيل المثال، يتحدث لوقا 1: 72 عن يسوع بأنه أتى ليتمّم عهد الله المقدّس. وبسبب فهم الكنيسة على أنها إسرائيل العهد الجديد المتجددة والمُستعادة، فهي مقدّسة أيضاً. ونرى ذلك في كولوسي 3: 12، عبرانيين 10: 29، وعدة أماكن أخرى.

 

Placard: 63

وكمثال واحد فقط، اصغ لكلمات بطرس إلى كنيسة العهد الجديد في [رسالة بطرس الأولى 2: 9]:

«وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ شَعْبُ اقْتِنَاءٍ».

اقتبس بطرس هنا من عدة فقرات من العهد القديم تتحدث عن قداسة إسرائيل، وطبّقها على الكنيسة. وكانت وجهة نظره أن الكنيسة في العهدَين القديم والجديد كانت واحدة ونفس الجماعة المقدّسة.

 

Animation: 64

كما رأينا، ورغم أن الجميع في إسرائيل أو في كنيسة العهد الجديد لم يكونوا مؤمنين حقيقيين، فقد اعتُبروا مقدّسين لأنهم كانوا جزءاً من جماعة عهد الله، أي الشعب الذي دخل في عهدٍ مع الله. وفاقت قداسة المؤمنين في جماعة العهد، قداسة غير المؤمنين. حيث كان غير المؤمنين مقدّسين، فقط لأنهم مفروزين لله. لكن لم يكن المؤمنين مقدّسين فقط لأنهم مفروزين لله، بل لأنهم طاهرين أخلاقياً في المسيح ومطيعين لله أيضاً. وكان الهدف دائماً، بالطبع، أن تؤمن جماعة العهد بأكملها – وأن يكون الجميع أمناء لله ويعيشوا حياة طاهرة أخلاقياً.

 

Bullet: 65

يمكن إيجاد إحدى الطرق المساعدة في فهم الأشخاص المقدّسين، في التمييز التقليدي بين الكنيسة المنظورة والكنيسة غير المنظورة. دعونا ننظر إلى هاتين الفئتين، بدءاً بالكنيسة المنظورة.

 

Strauss: 66

تشير الكنيسة المنظورة إلى كنيسة يمكن رؤيتها، فهي منظورة بهذا المعنى بوضوح. وتكون الكنيسة المنظورة مكوّنة ممن يدّعون أنهم الكنيسة في جميع أنحاء العالم. أي الطوائف التي تدّعي أنها تَتْبَع يسوع المسيح وقصد الله وكلمته في العالم اليوم. وتشمل العديد من الطوائف، بما فيها الذين لا يدّعون الانتماء إلى أي طائفة محددة. ويعتبرون أنفسهم أتباعاً للمسيح.

 

Animation: 67

تشمل الكنيسة المنظورة، في كل لحظة، كل من يشارك في اجتماعات الكنيسة بانتظام، بغض النظر عن حالة قلوبهم. وهناك عدة طرق مختلفة يمكن أن يُحسَب بها الناس جزءاً من الكنيسة المنظورة. ويمكن إثبات أنهم في عهد مع الله، بالمعمودية في العهد الجديد، أو الختان في العهد القديم. ويمكن أن يكونوا مؤمنين أو يعترفوا بإيمانهم بالمسيح. أما في الكنائس التي لا تحتفظ بعضوية رسمية، أو لا تمارس مراسيم تثبيت العهد، مثل المعمودية، فقد يتم اعتبارهم كأعضاء عهد، فقط لأنهم يخضعون لتعليم الكنيسة بشكل منتظم. أو كما علّم بولس في رسالة كورنثوس الأولى 7: 14، يمكن أن يكون لهم ببساطة والد أو شريك حياة مؤمن.

 

Animation: 68

على سبيل المثال، كانت كل أمة إسرائيل في العهد القديم جزءاً من الكنيسة، رغم عدم امتلاك الجميع للإيمان الخلاصي. وكان الجميع على الأقل ضمن الأمة. بالإضافة إلى ذلك، وكما أوصى الله في تكوين 17، فقد تم تثبيت الجميع في العهد مع الله من خلال ختان الذكور.

 

Animation: 69

ونجد شيئاً مشابهاً في العهد الجديد. حيث اعتُبِرَ كل من كان جزءاً من اجتماعات الكنيسة، كجزءٍ من الكنيسة. ويشمل هذا كل من أعلن إيمانه، كل من اعتمد، أولاد وأزواج المؤمنين، وخدام وعبيد بيوتهم على الأغلب. على سبيل المثال، عندما كتب بولس الرسائل إلى الكنائس المختلفة، قصد أن تُقرأ تلك الرسائل على كل من كان مرتبطاً بتلك الكنائس. كما يمكننا أن نرى من تحذيراته للمسيحيين حتى يفحصوا أنفسهم لمعرفة فيما إذا كان لديهم الإيمان حقاً، توقع بولس تماماً وجود أشخاص غير مؤمنين داخل الكنيسة. ونرى هذا في فقرات مثل رسالة كورنثوس الثانية 13: 5. كما توقّع يسوع الأمر ذاته في مثله عن الحنطة والزوان في متى 13: 24–30، حيث تكلم عن عدم إخراج غير المؤمنين من الكنيسة. كما نرى الأمر ذاته في الرسائل إلى الكنائس في رؤيا 2-3، حيث شجعهم يسوع باستمرار على الغَلَبَة والتحمل حتى النهاية. ونرى نفس التشديد في التحذيرات من كسر العهد الجديد في فقرات مثل عبرانيين 6: 4–8؛و10: 29.

 

Placard: 70

وكمثال واحد فقط، اصغ لهذه الكلمات من [عبرانيين 10: 29]:

«فَكَمْ عِقَاباً أَشَرَّ تَظُنُّونَ أَنَّهُ يُحْسَبُ مُسْتَحِقّاً مَنْ دَاسَ ابْنَ اللهِ وَحَسِبَ دَمَ الْعَهْدِ الَّذِي قُدِّسَ بِهِ دَنِساً وَازْدَرَى بِرُوحِ النِّعْمَةِ».

أشار كاتب العبرانيين هنا إلى إمكانية رفض المسيح بعد تقديسنا في العهد مع الله. وكما يتضح من بقية الفصل، إن العقاب المذكور هنا هو المعاناة الأبدية في الجحيم.

 

70.5 :Dr. Donald Whitney

مهمٌ أن نتذكر في الكنيسة المنظورة، بأنه سيكون هناك “قمحٌ وزوانٌ” دائماً كما قال يسوع. وستجد شعب الله الحقيقي والمدّعين. وكما كان لدينا الرسل الأمناء ليسوع، كان يهوذا موجوداً أيضاً. وكان لبولس مثلاً خصومه بين تلاميذه. وهكذا، سنجد مثل هؤلاء في الكنيسة دائماً.

 

Animation: 71

تعني الصفة المختلطة للكنيسة المنظورة، وجوب أن نكون مستعدين دائماً ضد عدم الإيمان والأخطاء في الكنيسة. وفي الوقت نفسه، تستمر قداسة الكنيسة حتى عندما يشترك غير المؤمنين في خدماتها. ولهذا، نكرم الأسرار، أي فرائض الله المقدّسة. ونحترم كلمة الله المقدّسة، حتى عندما يُكرَز بها بشكل رديء أو برياء، كما علّم بولس في فيلبي 1: 14–18. إن قداسة الكنيسة تحذير بعدم وضع الكنيسة مكان الله، وتأكيد بأن الله يستخدم الكنيسة بصورة فعّالة رغم خطيّة الإنسان وعدم إيمانه.

 

Bullet: 72

بعد أن فهمنا مفهوم الكنيسة المنظورة، دعونا نتناول فكرة الكنيسة غير المنظورة.

 

Vibert: 73

إن الكنيسة المنظورة هي تجمّع المؤمنين أحداً بعد أحد، في جماعة محلية، حول العالم، وتتكوّن من الذين أظهروا اعترافا خارجياً بالإيمان. إنها أولئك الذين يجتمعون معاً ويشتركون في فريضتَي المعمودية، وعشاء الرب، ويعطوا بذلك دليلاً على أنهم أعضاء فعّالين في كنيسة الله المنظورة.

 

74 :Animation

وفي حين أن الكنيسة المنظورة تشمل كل جزء من جماعة عهد الله، تتألف الكنيسة غير المنظورة فقط ممن اتحدوا بالمسيح في الخلاص. ولهذا تسمى أحياناً بالكنيسة الحقيقية. وقد نفكر بها كمجموعة أصغر مُحتواة كلياً داخل الكنيسة المنظورة. ونعامل معظم الناس في الكنيسة المنظورة عموماً كما لو أنهم مُخلَّصين فعلاً، دون الشك بإيمانهم. لكن الحقيقة هي أن الله وحده قادرٌ على كشف القلب، كما نقرأ في مزمور 44: 21 وأعمال الرسل 15: 8. وهكذا، وحده الله قادرٌ على معرفة الكنيسة غير المنظورة بكل يقين في هذه المرحلة من التاريخ. ورغم أننا سنركّز بصورة رئيسية على الكنيسة غير المنظورة كما هي موجودة على الأرض في أية لحظة، مهمٌ أن ندرك أن الكنيسة غير المنظورة تشمل أيضاً كل المؤمنين الذين عاشوا قبل خدمة المسيح الأرضية وبعدها.

 

75 :Animation

إن الأسفار المقدّسة مُوجَهةٌ عادةً إلى الكنيسة المنظورة بدلاً من الكنيسة غير المنظورة، لكنها تعطي قرّائها بشكل عام الثقة فيما يتعلق بخلاصهم. وتوجد بعض الاستثناءات الجديرة بالملاحظة، مثل رسالة كورنثوس الأولى 5 ورسالة تيموثاوس الأولى 1: 19-20. ولم تكن بعض الرسائل إلى الكنائس في رؤيا 2-3 متفائلة بالنسبة لقرّائها. لكن توقع كتّاب الأسفار المقدسة من قرائهم، بصورة عامة، أن يؤمنوا بالله، يثقوا به ويطيعوه بأمانة. وقد كان الهدف أن يتم إثبات إخلاص الجميع – أن تكون الكنيسة المنظورة بأكملها، جزءاً من الكنيسة غير المنظورة.

 

76 :Animation

عندما يعود يسوع سيطهّر كنيسته من الأشخاص غير المؤمنين بالكامل، حتى تكون الكنيسة غير المنظورة مطابقة للكنيسة المنظورة. ونجد هذا في متى 7: 21–23؛ و13: 24–30، رسالة كورنثوس الأولى 3: 12–15، ورسالة بطرس الأولى 4: 17–19. لكن حتى ذلك الوقت، ستكون هوية من في الكنيسة غير المنظورة، معروفة بكل يقين عند الله وحده.

 

77 :Animation

إن لحقيقة وجود كنيسة غير منظورة داخل الكنيسة المنظورة في الوقت الحالي، مضامين هامة بالنسبة لمن يدّعون أنهم مسيحيين. وأحد أعظم تلك المضامين هو أن الكنيسة بحاجة لسماع الإنجيل بشكل منتظم. إننا على عِلم بوجود أشخاص غير مؤمنين في الكنيسة المنظورة. وهذا يعني، أن عضوية الكنيسة غير كافية لتضمن خلاصنا. ولهذا السبب، يجب أن نستمر في تعليم إنجيل الفداء والكِرازة به، ليس للآخرين فقط بل لنا أيضاً. يجب أن نتأكد أن الأشخاص غير المؤمنين في كنائسنا مدعوين إلى المسيح وليكونوا جزءاً من الكنيسة غير المنظورة.

 

78 :Host

عندما يُقرُّ “قانون إيمان الرسل” بأن الكنيسةَ مقدّسةٌ، فهذا يعني أن الكنيسةَ هي في عهدٍ مع الله، وأنها مفرزةٌ كشعب الله المميّز والمكرّسِ لخدمته. كما يعني ذلك أن الهدفَ النهائيَ للكنيسةِ هو الطهارةُ الأخلاقيةُ على الرغم من أن الاختبارَ الحاليَ للمؤمنين يسترُهم في طهارةِ المسيحِ الأخلاقية. لكن أبعد من ذلك، نحن إذ نخضعُ لوصايا الرب، نتطهّرُ باستمرار من الخطيّة التي نرتكبُها، ونقتربُ أكثرَ من هدفِ القداسةِ الكاملةِ التي قصدها الله لنا.

 

79 :Signpost

بعد أن نظرنا إلى التفويض الإلهي للكنيسة الذي يعطي الكنيسة أهميتها وسلطانها، وإلى فكرة أن الكنيسة مقدّسة لله، نحن مستعدون لنتناول موضوعنا الثالث: وهو حقيقةُ أن الكنيسة جامعة أو شاملة.

 

80 :Panel

ستنقسم مناقشتنا لمصطلح جامعة إلى ثلاثة أجزاء. أولاً، سنقدم تعريفاً لكلمة جامعة. ثانياً، سننظر إلى جامعيّة الكنيسة المنظورة. وثالثاً، سنتناول جامعيّة الكنيسة غير المنظورة. دعونا نبدأ بتعريف كلمة “جامعة“.

 

81: Definition

وكما ذكرنا في درس سابق، فإن كلمة جامعة تعني

شاملة أو تضم كل المسيحيين في كل الكنائس.

إن كلمة “جامعة” هي ترجمة للكلمة اللاتينية catholicus، المُشتقَّة بدورها من حرف الجر اليونانيkata  والصفةholos  التي تعني “كاملاً” أو “تاماً”. وهي لا تشير إلى “الكنيسة الرومانية الكاثوليكية”. إنما تصف الوحدة الموجودة بين كل الكنائس التي تتبع المسيح بأمانة.

 

82: Animation

ستذكر من دروس سابقة في هذه السلسلة، أن صيغة قانون إيمان الرسل الموجودة اليوم، تطورت من قوانين الإيمان العِمادية الأولى. ففي الوقت الذي كُتبت فيه قوانين الإيمان الأولى هذه، لم تجتمع الكنائس المسيحية المختلفة حول العالم تحت إدارةٍ كنسيةٍ شاملةٍ واحدة بعد. ولهذا، عندما يتحدث قانون إيمان الرسل عن جامعيّة الكنيسة، فهو لا يقصد منظمة تضم كل الكنائس المسيحية. بل يتحدث عن وحدة الروح القدس الموجودة بين كل الكنائس المسيحية الشرعية، بالرغم من اختلافاتنا التنظيمية. وكانت كلمة “جامعة” شاملة في هذه المرحلة من التاريخ. وكان القصد منها أن تنشر اسم “الكنيسة” إلى كل رعية مسيحية.

 

83: Placard

كانت هذه الفكرة منسجمة مع تعليم بولس في رسالة كورنثوس الأولى 1: 2 حيث وجّه رسالته بهذه الطريقة:

«إِلَى كَنِيسَةِ اللهِ الَّتِي فِي كُورِنْثُوسَ الْمُقَدَّسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ الْمَدْعُوِّينَ قِدِّيسِينَ مَعَ جَمِيعِ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ فِي كُلِّ مَكَانٍ لَهُمْ وَلَنَا».

كانت الكنائس المسيحية المختلفة في كورنثوس التي أشار إليها بولس هنا بالكنيسة… في كورنثوس بشكل جماعي، جزءاً من كنيسة أكبر شملت جميع الذين دَعَو باسم المسيح، بغض النظر عن المكان الذي عاشوا فيه.

 

84: Quotation

بدأ قبريانوس أسقف قرطاجة، في منتصف القرن الثالث، بالتشديد على دور الأساقفة أو الكهنة في تحديد الكنيسة. وقال في رسالته الثامنة والستين:

[إنهم الكنيسة أي الأشخاص المتّحدين بالكاهن … إن الكنيسة الجامعة والواحدة، غير منقسمة أو منشقة، بل هي في الواقع مترابطة ومتماسكة من خلال إسمنت الكهنة المتّحدين مع بعضهم البعض]. 

كانت وحدة الكنيسة، بالنسبة لقبريانوس، متأصّلة في وحدة الكهنة وخدمتهم. ومع نمو هذا الرأي، بدأ المسيحيون أيضاً بالإقرار بوحدة الكنيسة في وحدة الإدارة. لقد كانت الكنيسة المؤسسة الوحيدة الموجودة في كل مكان في العالم، لأن أساقفتها وكهنتها كانوا موجودين في كل مكان في العالم.

 

85: Animation

حتى عند هذه النقطة، كان المقصود من كلمة “جامعة” أن تكون [شاملة]، وتضم كل الناس والكنائس المدعوة باسم المسيح، والتي كانت مُخلصة للعقائد التقليدية للكنيسة. لكن انشقت الكنيسة لاحقاً نتيجة الانقسامات. على سبيل المثال، قامت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في سنة 1054 ميلادية بعزل الكنائس الشرقية الأرثوذكسية كنسياً، وعزلت الكنائس الشرقية الأرثوذكسية الكنيسة الرومانية الكاثوليكية كنسياً. وبدأت تلك الكنائس في هذا الوقت، باستخدام كلمة “جامعة” بمعنى حصري جديد. وأرادت كل فئة، بإصرارها على أن كنائسها جامعة أو شاملة، أن تعرّف عن نفسها كالكنيسة الشرعية الوحيدة، وتدين الكنائس المنافسة.

 

86: Animation

لاحقاً، وفي أعقاب الإصلاح الديني في القرن السادس عشر، اتخذت معظم الكنائس البروتستانتية منهجاً مختلفاً. فقد عادوا، خاصةً، إلى المعنى الأصلي لقانون الإيمان، وناشدوا المعنى الشامل السابق لكلمة جامعة. وأقرّت انسجاماً مع الكتاب المقدّس وقانون إيمان الرسل، الكنائس البروتستانتية، بوحدة الروح التي تشترك بها كل الكنائس المسيحية تحت قيادة المسيح. وأدركوا أنه يمكن الحِفاظ على هذه الوحدة حتى بدون التضامن في مجال الإدارة الكنسية، ودون فقدان الإسهامات الإيجابية التي قامت بها كل طائفة.

 

87: Animation

يعني إدراك جامعيّة الكنيسة في العالم المعاصر، الإقرار بشرعية كل كنيسة تحافظ على التعاليم التي أقر بها قانون إيمان الرسل. حيث يكون كل المسيحيين في كل الكنائس المُخلصة تحت قيادة المسيح العهدية، ويتبارك كل المؤمنين الحقيقيين بمواهب الروح القدس. ولهذا السبب، يجب أن نكون متلهفين للاستفادة من مواهب كل مسيحي حقيقي في كل كنيسة مُخلصة، ويجب أن نكون مستعدين حتى نخدم إلى جانبهم قدر المستطاع.

 

88: Panel

بعد هذا التعريف لكلمة “جامعة”، دعونا ننظر إلى الطرق التي يمكن أن ندعو بها الكنيسة المنظورة بأنها “جامعة”.

 

89: Definition

عندما نجمع فهمنا للجامعيّة مع فهمنا للكنيسة المنظورة، يمكننا تعريف الكنيسة الجامعة المنظورة كما يلي: شركة عالمية واحدة لكل الناس الذين هم في عهد مع الله وتحت قيادة المسيح. منالواضح أن هذه الشركة هي من الروح وليست من الإدارة الكنسية. فلا وجود لطائفة واحدة تمتد إدارتها إلى كل الكنائس المسيحية. بل تقوم وحدة الكنيسة المنظورة على حقيقةِ أن كل كنيسة هي في عهد مع نفس الإله، وتحت القيادة العهدية للمسيح ذاته.

 

90: Animation

تتبعت الكنيسة المنظورة جامعيّتها تاريخياً بعدة طرق. فقد تم تتبعها في بعض التقاليد، من خلال الإدارة الكنسية. حيث تمتد الكنيسة بينما تضاعف نفسها، ويُرسَم كل خادم جديد وتوضع الأيدي عليه من قِبَلِ الخُدّام السابقين. لكن شدّد البروتستانت بصورة عامة على أن وحدة الكنيسة بأكملها تقوم على إيماننا بالمسيح وعمل الروح، وليس على تسلسل الخدّام والكهنة المرسومين. لهذا السبب، يمكن أن تنشأ الكنائس الجديدة حيثما توجد وحدة الروح، وحيثما يجتمع أولئك الذين هم في عهد مع الله باسم المسيح. ويصرّ البروتستانت على أن الكنيسة المنظورة جامعة، لأنها موجودة في كل مكان يكون فيه الناس في عهد مع الله، تحت قيادة المسيح، في وحدة الروح.

 

91: Animation

إن إحدى أكثر المشاكل شيوعاً والتي يواجهها العديد من المسيحيين اليوم، هي معرفة الكنائس التي يجب أن يتبنّوها كجزء من كنيسة المسيح الجامعة أو الشاملة. حيث يوجد في معظم أنحاء العالم، أصناف كثيرة من الكنائس التي تدّعي أنها مسيحية، وغالباً ما يتخذ المسيحيين ذوو النية الحسنة فيها أحد الموقفين المتطرفَين. فإما أن يفتحوا أذرعهم ويضموا أية كنيسة تدّعي أنها مسيحية، أو يستثنوا الجميع ما عدا رعيتهم أو طائفتهم المحددة بدقة.

 

92: Animation

يمكن أن نجد أحد الحلول المساعدة لهذه العقبة في علامات الكنيسة التقليدية الثلاث. وقد صاغ هذه العلامات جون نََكص[1] في اسكتلندا في القرن السابع عشر، لكنها مثّلت طريقة تفكير الكثير من الكنائس البروتساتنتية في عصره. وتساعد العلامات المسيحيين بشكل خاص على التمييز بين الكنائس الحقيقية للكنيسة الجامعة المنظورة وبين الكنائس الدجّالة.

 

93: Mohler

كانت علامات الكنيسة ضرورية بكل تأكيد، حتى نكتشف مكان الكنيسة، لأنه في الواقع، يمكن أن يسّمي أي شيء نفسه كنيسة. وكان السؤال في أوقات الأزمة اللاهوتية الكبيرة، كما في الإصلاح الديني في القرن السادس عشر: أين يمكننا إيجاد الكنيسة الحقيقية؟ وكما حدّد المصلحون، على سبيل المثال، علامات الكنيسة بدقة بالقول: “في الواقع، ليست هي اللافتة في الخارج، ليست هي هندسة البناء. بل هي موجودة في الكرازة بكلمة الله. فحيث توجد كرازة صحيحة بكلمة الله، هناك تكون الكنيسة. وحيث تتم ممارسة الفرائض والأسرار بصورة صحيحة، هناك تكون الكنيسة. وتضمنت العلامات اللاحقة، وخاصة تأديب الكنيسة، الإدراك أنه بدون علامة التأديب تخسر الكنيسة نقاوتها وبالتالي تفقد الكنيسة في النهاية نزاهتها وهويتها.

 

94: List

دعونا نلقِ نظرة على كل واحدة من العلامات التقليدية للكنيسة الجامعة المنظورة، بدءاً بالكرازة بكلمة الله.

 

95: Animation

لا توجد كنيسة أو طائفة تدّعي بأن لها وحدها حق مُلكية، تفسير، تطبيق، أو إعلان كلمة الله. وتدّعي بعض الكنائس والطوائف بأن لها الحق الحصري في تفسير الأسفار المقدّسة وتعليمها. ويدّعي بعضها بأنها تمتلك استنارة خاصة تجعل فهمها للكتاب القدس أصح من الآخرين. لكن لا تُظهِر أية كنيسة أي من العلامات بشكل كامل، بما في ذلك الكرازة بالكلمة. فقد أعطى الله الكتاب المقدّس للكنيسة المنظورة بأكملها. وأعطاها روحه القدوس ليساعدها على فهم الكتاب المقدّس. ونرى هذه الأمور في فقرات مثل رسالة تيموثاوس الأولى 3: 15، وعبرانيين 4: 11–13، و6: 4-6. بالإضافة إلى ذلك، تشجّع الأسفار المقدّسة كل الكنيسة المنظورة على قراءة، فَهم، وتعلّم كلمة الله، كما في متى 28: 20، رسالة تيموثاوس الأولى 4: 17، رسالة تيموثاوس الثانية 2: 15؛ و3: 14–17.

 

96: List

إن العلامة الثانية للكنيسة هي الممارسة الصحيحة لسرَّي المعمودية وعشاء الرب. حيث ينتمي هذان السرّان إلى الكنيسة المنظورة كلها، وليس لطائفة واحدة أو أخرى.

 

97: Animation

إن ممارسة الأسرار بطريقة تتفق مع الأسفار المقدّسة امتياز ومسؤولية لكل رعية ضمن الكنيسة المنظورة. ونرى هذا في وصية الإرسالية العظمى بالمعمودية في متى 28: 19، وفي تعليم بولس عن المعمودية في رسالة كورنثوس الأولى 1: 13–17. ونراه أيضاً في تأسيس يسوع لعشاء الرب في لوقا 22: 15–20، حيث أشار الرب إلى أن العشاء مُعَدٌّ لكل الملكوت، أي لكل من هم تحت قيادة عهده. وتشكل فقرات كهذه، السبب لاعتراف معظم الكنائس البروتستانتية وإقرارها بأسرار الكنائس والطوائف الأخرى.

 

98: List

أما العلامة التقليدية الثالثة للكنيسة الجامعة المنظورة، هي تأديب الكنيسة الرسمي، مثل العزل الكنسي.

 

99: Animation

لا يستمتع أي مسيحي بممارسة تأديب الكنيسة الرسمي، لا سيما العزل الكنسي. وغالباً ما قاد هذا الكنائس لتتجنب استخدام التأديب الرسمي. وبالطبع، إن للصبر تبريراً كتابياً أيضاً. كما نرى في مَثل القمح والزوان في متى 13: 24–30، ورغم ذلك، إن للتأديب مكانه. حيث توجد أوقات تكون فيها خطية الشخص مزعجةٌ لدرجةِ وجوب التعامل معها من خلال التأديب – خاصةً عندما تهدّد الكنيسة وسمعتها. إن القصد من التأديب في هذه الحالات، حماية الكنيسة ودفع الآثم إلى التوبة. ويمكن إيجاد الأسس الكتابية للتأديب الرسمي في فقرات مثل متى 16: 19؛ و18: 18، يوحنا 20: 23، وتيطس 3: 10.ونرىممارستهافيفقراتمثل رسالة كورنثوس الأولى 5: 1-13. ولأن الكنيسة المنظورة بأكملها تخص المسيح وتمثّله على الأرض، مهمٌ أن يحمي كل جزء من الكنيسة المنظورة شعب المسيح ويدافع عن كرامته من خلال الممارسة الملائمة للتأديب الكنسي.

 

100: Host

ما زالت علاماتُ الكنيسةِ مهمةً بالنسبة لنا، لنأخذَ بها اليوم. وهي تساعدنا لنتأكد من بقاء كنائسنا الخاصة ضمن حدود الكنيسة الجامعة المنظورة، في عهد مع الله تحت رياسة المسيح. كما تساعدنا هذه العلاماتُ على التعرّف على الدجالين وأعداء الكنيسة، بحيث يمكننا أن ننذرَ المسيحيين ليتجنبوا مجموعاتٍ مماثلة ونعلنَ للعالمِ أن هذه المجموعاتَ المزّيفةَ لا تُمثل ربَنا ولا إنجيلَه. وتشجعُنا العلاماتُ أيضاً على تخطي الحدودِ الطائفيةَ ونحن نخدم. فإذ نُدركُ أن جسد َ المسيحِ ليس محصوراً بكنائسنا أو طوائفنا، بل يمتدُ أبعدَ في كل العالم، في كل مكان يُكرز فيه بإنجيل المسيح، نتشجعُ بقبولِ كل شخص ينتمي إلى الكنيسة المنظورة.

 

101: Panel

بعد أن نظرنا إلى الطبيعة الشاملة للكنيسة المنظورة، لنتأمل في بعض الطرق التي تُعتَبَر بها الكنيسة غير المنظورة جامعة أو شاملة أيضاً.

 

102: Definition

عندما نجمع فهمنا للجامعيّة مع فهمنا للكنيسة غير المنظورة، يمكننا تعريف الكنيسة الجامعة غير المنظورة بأنها:

[كل الناس من كل العصور، الذين هم متّحدين بالمسيح للخلاص].

وكما قلنا، إن الكنيسة غير المنظورة جزء من الكنيسة المنظورة، ولهذا يصح أيضاً أن نقول أن الجميع في الكنيسة غير المنظورة هم في عهد مع الله تحت قيادة المسيح. لكن حتى نميّز الكنيسة غير المنظورة، سيركّز تعريفنا فقط على كيفية اختلافها عن الكنيسة المنظورة.

 

103: Bullet

ورغم وجود عدة طرق لنتأمل في جامعيّة الكنيسة غير المنظورة، سنركّز على اثنتين منها فقط. أولاً، إن الكنيسة غير المنظورة شاملة بسبب وجود مخلّص واحد. ثانياً، إن الكنيسة غير المنظورة شاملة بسبب وجود ديانة حقيقية واحدة فقط، يمكن أن تقودنا إلى ذلك المخلّص. دعونا ننظر أولاً إلى فكرة وجود مخلّص واحد.

 

104: Animation

تعلّم الأسفار المقدّسة بوضوح أن يسوع المسيح هو المخلص الوحيد للبشر. فهو الوحيد الذي يمتلك القدرة على تخليصنا، والوحيد الذي سيفعل ذلك.

 

105: Placard

وكما شدّد بطرس في[أعمال الرسل 4: 12]:

«وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ».

وأعلن ربنا نفسه هذه الحقيقة في[يوحنا 14: 6] عندما نطق بهذه الكلمات:

«أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي».

 

106: John Frame

لماذا يسوع وحده قادرٌ على تخلصينا؟ في الواقع، يجب أن يكون المخلّص إنساناً كاملاً وإلهاً كاملاً حتى يتمكن من أخذ مكاننا، يكون ذبيحتنا، ويكون بديلاً عنا. وحده يسوع قادرٌ على إتمام هذا الدور. وبالطبع تم إعداد هذا في التاريخ الفدائي عندما عيّن الله أسد داود ليكون العظيم، أن يكون داود مسيّا الله، أن يكون الممسوح. ويسوع هو الملك العظيم بعد داود، وقد تمّم يسوع هذا الدور، وهكذا أعدّ كل العهد القديم لمجيء يسوع. إن يسوع، بالتالي، الوحيد الذي يفي بالمعايير ليخلّص شعبه من خطيتهم بشكل تام.

 

107: Animation

إن يسوع مخلّص المَشيَخيين، المعمدانيين، الإنجيليين، الميثودِست، اللوثريين، الروم الكاثوليك، الأورثوذكس الشرقيين، والطوائف الأخرى في الكنيسة المنظورة. ويوجد كنيسة غير منظورة واحدة، لأن كل من خَلُصَ، اتحد بالمسيح ذاته، المخلّص ذاته. إنه مصدر وحدتنا. ولأنه هو نفسه غير منقسم، هكذا نحن أيضاً.

 

108: Bullet

هناك فكرة ثانية مرتبطة بحقيقةِ أن الكنيسة غير المنظورة جامعة أو شاملة، وهي وجود ديانة حقيقية واحدة يمكن أن تقودنا إلى المسيح.

 

109: Animation

مهمٌ أن ندرك أن المسيحية ليست في المقام الأول نظاماً خلاصياً، بل علاقة عهد مع الله. هذا يعني، وبعكس الديانات الأخرى، أن المسيحية ليست في الأساس منهجاً لننال الخلاص. بل علاقة بين الله وشعبه. نعم، إن الإيمان أساسي كوسيلة لتضعنا في علاقة صحيحة مع الله. لكن السؤال الكبير هو: ما هي هويتك عندما تقف أمام الله؟ هل أنت مواطن أمين في ملكوت الله؟ وعندما ينظر الله إليك، هل يرى شخصاً مستتراً في دم العهد مع المسيح؟ أم أنك مواطن في ملكوت أعدائه؟ هل أنت واقف أمام الله باستحقاقك، وبالتالي ستدفع عقاب خطيّتك؟ للأسف، إن أولئك الموجودين في الديانات الكاذبة هم أعضاء في ممالك العدو. فهم ليسوا جزءاً من شعب العهد مع الله، ولهذا لا ينتموا ولا يمكنهم الانتماء للمسيح. وحدها المسيحية قادرة على توصيلنا إلى المخلّص. ولهذا السبب تُنكر المسيحية الكتابية إمكانية خلاص الناس من خلال ديانات أخرى، حتى لو بدا أن لتلك الشعوب أو الديانات نيّات حسنة.

 

110: Whitney

يوجد العديد من الديانات غير المسيحية، التي تُدعى أحياناً ديانات العالم الكبرى، بسبب حجمها وتأثيرها. والسؤال الذي يُطرح غالباً هو، إذا كان الشخص غير مسيحي لكنه ملتزم بأمانة في إحدى ديانات العالم الكبرى هذه، وهو تابع وفيّ لعقائد وتعاليم تلك الديانة، وإذا كان مُخلِصاً في ممارسته، فهل سيذهب إلى السماء، حتى إن لم يعترف بالمسيح، وربما لم يسمع عنه قط؟ في الواقع، إن الكتاب المقدّس واضح في هذا الشأن. حيث كان يسوع في يوحنا 14: 6 واضحاً بخصوص هذه المسألة بالتحديد. وقال عن نفسه: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ». وإن لم يكن ذلك واضحاً بما فيه الكفاية، تابع بقوله «لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي».

Thoennes

وبسبب نعمة الله العامة، نجد كل أنواع الصلاح في حياة الناس بغض النظر عن الدين الذي ينتموا إليه. لكننا نرى أيضاً شراً عظيماً في حياة الناس، وإن كنا نعترف بقداسة الله وبسقوط البشر، فإننا ندرك أن المثول أمام الله وبناء علاقة معه، يتطلب أكثر بكثير من مجرد سلوكٍ أخلاقي. حيث لا يمكننا فعل أي شيء مُرْضٍ لله بطبيعتنا الخاطئة. ولهذا نحن بحاجة لفادٍ ومخلّص، وليس لممارسة دينية. ويسوع هو الشخص الوحيد الذي يوفّر ذلك الطريق لتأسيس علاقة مع الله من جديد.

 

111: Animation

وكما قلنا، يتواجد الأعضاء الأحياء في الكنيسة غير المنظورة عادة داخل الكنيسة المنظورة. ولهذا أشار الكثير من اللاهوتيين إلى أن الخلاص غير ممكن عادة للذين هم خارج الكنيسة المنظورة. هذا يعني، إذا لم يكن الشخص جزءاً من الكنيسة المنظورة، لن يكون له فرصة عادية للخلاص.

 

112: Quotation

ووصفها أب الكنيسة الأولى قبريانوس، الذي عاش بين 200 و258 ميلادية، بهذه الطريقة في بحثه [حول وحدة الكنيسة]:

[إن كل من ينفصل عن الكنيسة ويتّحد بزانية، ينفصل عن وعود الكنيسة، ولا يتمكن من يَهجُر كنيسة المسيح من نوال مكافآت المسيح. فهو غريب، نجس، وعدو. ولا يمكنه أن يحسب الله أباً له، إن لم تكن الكنيسة أمه].

جادل قبريانوس هنا ضد أولئك الذين تركوا الكنيسة المنظورة. وكانت وجهة نظره أنه لا يمكنك دخول الكنيسة غير المنظورة لتنال مكافآت المسيح، ما لم تكن جزءاً من الكنيسة المنظورة أيضاً. وتنسجم هذه الحجة مع ما قلناه عن الكنيسة المنظورة من جهة كونها في عهد مع الله.

 

113: Animation

إن حقيقة المسألة هي أن الخلاص نفسه هو بركة العهد مع الله. ونراه في إرميا 31: 31-34، لوقا 1: 69-75، رومية 11: 27، عبرانيين 7: 22-25، وعدة أماكن أخرى.

 

114: Placard

اصغ، مثلاً، لكلمات يسوع في [لوقا 22: 20]، عندما أقام عشاء الرب:

«هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ».

قال يسوع، في الليلة التي أُسلم فيها، أن الدم المسفوك للتكفير عن خطايانا، سيكون عهداً. بعبارة أخرى، يأتي الخلاص بدم يسوع فقط من خلال عهده.

 

115: Animation

بما أن عهد الله قد قُطِع مع الكنيسة المنظورة، فإن الخلاص يأتي عادةً من خلالها. وهذا يحدث عندما يأتي الناس في الكنيسة المنظورة إلى الإيمان، أو عندما تربح الكنيسة المنظورة بالتبشير متحولين جدد. وبالطبع، يَخلُص بعض الناس أحياناً دون أن يكون لهم أي تفاعل مع الكنيسة. لكن عندما يحدث هذا، مهمٌ أن ندرك أن شيئاً غير عادي يحدث – شيئاً استثنائياً.

 

116: Host

ولأن الكنيسةَ غير المنظورة جامعةٌ، فقط أولئك الأوفياءُ للعهد مع الله يُمكنهم أن يَخلصوا. ولا يوجد أملٌ بدخول أشخاص من ديانات أخرى السماءَ عن طريق أعمالهِم الصالحة، أو من خلال مقاييس دياناتهم. لذا علينا أن نبشّر. يجب أن نخبرَ الناسَ عن المخلصِ الوحيدِ، وندخلَهم إلى مجتمع العهد الوحيد، مملكةِ الله الأرضية. ونعَلّمُهم أن يُحبوا ويُطيعوا ربَها وملكَها. وشموليةُ الكنيسةِ غيرْ المنظورةِ هي تشجيعٌ كبير لنا جميعاً نحن المخلَّصين – فهي إعلان عن تماسكنا في المسيح.  لكنها في الوقت ذاتِه إنذارٌ رهيبٌ لجميعِ الذين لم يأتوا إلى المسيح بعد.

 

117: Signpost

لقد نظرنا في درسنا عن الكنيسة إلى التفويض الإلهي للكنيسة، ورأينا أن الكنيسة مقدّسة وجامعة أو شاملة. نحن مستعدون للانتقال إلى موضوعنا الرئيسي الأخير: وهو فكرة أن الكنيسة شركة القديسين.

 

118: Animation

لقد رأينا في مناقشتنا لكلمة مقدس، أن مصطلح القديسين يشير بطريقة عامة إلى كل من في الكنيسة المنظورة، وبطريقة خاصة إلى كل من في الكنيسة غير المنظورة. ولهذا، وبينما نناقش شركة القديسين، سنركّز انتباهنا على المصطلح الذي لم نستكشفه بعد، وهو الشركة.

 

119: Animation

إن كلمة شركة هي κοινωνία في النسخ اليونانية القديمة لقانون إيمان الرسل. وتَستخدم الأسفار المقدّسة هذه الكلمة عادة للإشارة إلى الشركة الموجودة بين أعضاء الكنيسة وخاصةً من خلال اتحادهم بالله. ونجد هذا في فقرات مثل أعمال الرسل 2: 42، رسالة كورنثوس الثانية 13: 14، ورسالة يوحنا الأولى 1: 3. ويستخدم العهد الجديد κοινωνία أيضاً للإشارة إلى المشاركة غالباً في المواد الممتِلكات والمال. ونرى هذا في رومية 15: 16 رسالة كورنثوس الثانية 9: 13 وعبرانيين 13: 16. وهي مُستَخدَمة أيضاً لوصف المشاركة بالإنجيل، ليس في التبشير بالدرجة الأولى بل بطريقة متبادلة ضمن الكنيسة كما في فليبي 1: 5 وفليمون الآية 6.

 

120: Definition

وتماشياً مع هذه الأفكار، تشير كلمة شركة في قانون الإيمان، عادةً، إلى الشركة بين أعضاء الكنيسة؛ إلى المشاركة في الأشياء التي نمتلكها معاً. وضمناً إلى اعتمادنا المتبادل على الذين يشتركون معنا.

 

121: Panel

وبينما نستكشف شركة القديسين، سننظم مناقشتنا حول فارق يجب أن يكون مألوفاً لدينا. أولاً، سننظر إلى الشركة الموجودة ضمن الكنيسة المنظورة. وثانياً، سنتأمل في الشركة الموجودة ضمن الكنيسة غير المنظورة. دعونا نبدأ بشركة القديسين في الكنيسة المنظورة.

 

122: Bullet

رغم وجود عدة جوانب للشركة الموجودة في الكنيسة المنظورة، سنركّز على ثلاثة أمور فقط: أولاً، وسائط النعمة، ثانياً، المواهب الروحية؛ وثالثاً الممتلكات المادية. دعونا نبدأ بالنظر إلى وسائط النعمة.

 

123: Definition

وسائط النعمة هي الأدوات أو الآليات التي يستخدمها الله عادة ليطبِّق النعمة على شعبه.

 

124: Quotation

وَصَفَ جون وِسلي، وهو أحد مؤسسي كنيسة المثودِست، وسائط النعمة بطريقة تعكس معتقدات الكثير من التقاليد المسيحية. اصغ لما كتبه في عظته السادسة عَشَر، استناداً إلى [ملاخي 3: 7]:

أفهم بوسائط النعمة” العلامات، الكلمات، والأعمال الخارجية المعيّنة من الله والمحدّدة لهذا الغرض، لتكون القنوات العادية التي يمكن أن ينقل بها الله للناس النعمة المانِعة، المبرِّرة، أوالمقدِّسة.

 

125: Harper

يشير بعض الناس إلى وسائط النعمة بالتأديبات الروحية أو بأعمال التقوى، وفقاً للتقليد الذي ينتموا إليه. وعندما أسمع هذه العبارة، أتساءل كيف تعمل هذه الوسائط؟ إن ما أريد قوله دائماً، هو أنها لا تعمل، إنما الله هو الذي يعمل، نعمة الله هي التي تعمل. لكن توفر لنا وسائط النعمة الفرص للحصول على تلك النعمة والتعامل معها. فهم يجدون الوقت والمكان للانتباه إلى نعمة الله العاملة في حياتنا. وأحب أن أفكر بها كالأنابيب. فنحن لا نريد الخلط بين الماء والأنبوب. بل نريد الحصول على ماء الحياة. لكنّ الأنابيب هي التي تساعد في نقل المياه إلينا. وحتى نتمكن من شرب تلك المياه. تمكّننا وسائط النعمة من شرب مياه الحياة.

 

126: Animation

فمن الناحية العملية، يستخدم الله العديد من الوسائط ليطبّق النعمة علينا، مثل المحنة والمعاناة، الإيمان، المحبة، والشركة نفسها. لكن ركّز اللاهوتيون، من الناحية التقليدية، على ثلاث وسائط خاصة للنعمة: كلمة الله، سِرَّي المعمودية وعشاء الرب، والصلاة. وتنتمي كل وسائط النعمة الثلاث، إلى الكنيسة المنظورة ككل، بما في ذلك المؤمنين وغير المؤمنين.

 

127: Quotation

يصف أصول الإيمان الويستمنستريالمختصر، وهو ملخّصٌ بروتستانتي تقليدي للتعليم المسيحي، وسائط النعمة في السؤال الثامن والثمانين وجوابه:

ما هي الوسائط الخارجية والعادية التي بها يوصل المسيح لنا فوائد الفداء؟

الوسائط الخارجية والعادية التي بها يوصل المسيح لنا فوائد الفداء، هي فرائضه والأخص الكلمة، الأسرار والصلاة؛ وهذه جميعها فعّالة للمختارين لأجل الخلاص.

تتحدث الأسفار المقدّسة عن فوائد وسائط النعمة مثلاً في رومية 10: 14، رسالة كورنثوس الأولى 10: 17، ورسالة بطرس الأولى 3: 12 و21.

 

128: Animation

ورغم أن فوائد الفداء هي للمخلّصين فقط، أي للكنيسة غير المنظورة، فإن الفرائض نفسها هي للكنيسة المنظورة بأكملها. وتَذَكّر، أن الكنيسة غير المنظورة هي غير منظورة تماماً، ولا نعرف من فيها. حيث أنها لا تعقد اجتماعات عبادة خاصة بها. وليس لها خدّام وإدارة كنسية خاصة بها. فهذه الأمور تَخُص الكنيسة المنظورة. وبنفس الطريقة، إن كل وسائط النعمة التي نمتلكها – كِرازتنا، معموديتنا، ممارستنا لعشاء الرب، وصلواتنا – يمكن أن تُرى من قبل الآخرين. فهي أمور منظورة، وتتشارك بها الكنيسة المنظورة مع الآخرين، ولهذا فهي جزء من الشركة في الكنيسة المنظورة.

 

129: Animation

كانت وسائط النعمة دائماً فرائض مهمة يطبّق بها الله بركات الفداء على حياتنا، ويجب أن نستفيد منها بالكامل. يجب أن نكرز بالإنجيل الذي يحوّل، ونعلّم الكلمة التي تعطي الحكمة والنُضج. يجب أن نمارس الأسرار التي تقدّم الإنجيل بصورة منظورة وتختمنا في عهد الله. ويجب أن نصلي من أجل نعمة الله وغفرانه، الاهتداء والنُضج، العون لمقاومة الخطيّة، الحماية من الشر، والإنقاذ في أوقات الحاجة. إن وسائط النعمة خدمات قيّمة في الكنيسة المنظورة، بهذه الطرق وأكثر منها.

 

130: Bullet

بالإضافة إلى وسائط النعمة، تمتلك الكنيسة المنظورة المواهب الروحية أيضاً.

 

131: Host

من المهمِ أن نفهمَ أنه عندما نقولُ أن المواهبَ الروحيةَ تخصُّ الكنيسةَ المنظورةَ كلَها، فنحن لا نعني أن كلَ واحدٍ في الكنيسةِ المنظورةِ يسكنُ فيه الروحُ القدس. فالأمرُ ليس كذلك. وحدَهم المؤمنون يسكنُ فيهم الروح القدس. لكن مع ذلك، يستخدمُ الروحُ القدسُ كلَ المواهبِ الروحية من أجل بنيان الكنيسة المنظورة. بالنسبة للبعض، هذا يعني زيادةُ قداستِهم ونموُّهم نحو النضوج. بالنسبة لآخرين، هذا يعني اهتداؤهُم إلى الإيمان أولاً. لكن في كل الأحوال، كل شخصٍ في الكنيسة المنظورةِ يمكنُه أن يستفيدَ من المواهبِ الروحيةْ، لا بل أن يشاركَ فيها إلى حد ما. لذا، يمكننا أن نقول أن الكنيسةَ المنظورةَ بأجمعِها تشتركُ في المواهبِ الروحية.

 

132: Animation

يَظهر اشتراك الكنيسة المنظورة بأكملها في المواهب الروحية بعدة طرق. أولاً، إنها مُستخدَمة في اجتماعات العبادة العامة. ونرى هذا بوضوح في رسالة كورنثوس الأولى 14: 13–26. ثانياً، أُعطيت المواهب لتبني الكنيسة بأكملها. ونرى هذا في رسالة كورنثوس الأولى 12: 4–7 وأفسس 4: 3–13. ثالثاً، قال بولس بالتحديد أن الألسنة هي علامة حتى لغير المؤمنين داخل الكنيسة، كما نقرأ في رسالة كورنثوس الأولى 14: 21-22. ورابعاً، إن غير المؤمنين داخل الكنيسة مُدانون لفشلهم في الاستفادة من المواهب الروحية في عبرانيين 6: 4–6. توضح الأسفار المقدّسة بهذه الطرق، أن المؤمنين وغير المؤمنين على السواء يشتركون ويتقاسمون المواهب الروحية للكنيسة.

 

133: Animation

إن للمواهب الروحية، مثل وسائط النعمة، فائدة عظيمة للكنيسة المنظورة الحديثة. فهي مفيدة لإعلان الحق، اهتداء الضالين ولمساعدة المؤمنين على النمو في الإيمان والنُضج. كما وأن العديد من المواهب، مثل الرحمة وحُسْن الضيافة، مفيدة لسد الاحتياجات الأرضية لشعب الله. وعندما يمنح الروح القدس المواهب لشعبه، يجب أن نشجّعهم على استخدام تلك المواهب من أجل منفعة الجميع، وألا نمنعها عن أحد في الكنيسة المنظورة.

 

134: Bullet

إن الشركة موجودة في الكنيسة المنظورة أيضاً، في الطريقة التي يتشارك فيها الأعضاء في الممتلكات المادية مع بعضهم البعض.

 

135: Animation

كان جزءاً من معنى الشركة أو κοινωνία في الكتاب المقدّس والكنيسة الأولى، أن المسيحيين تشاركوا في ممتلكاتهم المادية مع أشخاص آخرين محتاجين في الكنيسة المنظورة. وغالباً ما تم استخدام كلمةκοινωνία  للإشارة إلى التبرعات للفقراء كما في رومية 15: 26، رسالة كورنثوس الثانية 8: 4؛ و9: 13، وعبرانيين 13: 16.

 

136: Animation

حتى عندما لا تُستَخدَم كلمة κοινωνία يمكن رؤية هذا الجانب للشركة في ممارسة المسيحيين الأولين. على سبيل المثال، باع الكثير من المسيحيين الأولين ممتلكاتهم وقدموا العائدات للكنيسة، كما نرى في أعمال الرسل 2: 44-45؛ و4: 34-35. وقام حتى بعض الأبطال المسيحيين في الكنيسة الأولى، ببيع أنفسهم عبيداً ليحرروا آخرين أو ليجمعوا المال لإطعام الفقراء.

 

137: Quotation

كتب أب الكنيسة الأولى إكْلمندُس، الذي عاش بين 30 و 100 ميلادية، عن هذه الممارسة في الرسالة المعروفة بإكْلمندُس الأولى، التي كتبها إلى أهل كورنثوس. اصغ لكلمات الفصل الخامس والخمسين من تلك الرسالة:

[نعرف الكثيرين بيننا ممن سلّموا أنفسهم للقيود، لعلهم يفدون الآخرين. كما وسلّم الكثيرون أنفسهم للعبودية أيضاً، لعل الثمن الذي نالوه، سيمكّنهم من توفير الطعام للآخرين].

كان الشعور بالشركة قوياً جداً في الكنيسة الأولى، وفضّل المؤمنون، الآخرين على أنفسهم، لدرجةِ أنهم لم يكونوا مستعدين للمشاركة بممتلكاتهم فقط، بل للتضحية بحريتهم أيضاً من أجل الآخرين.

 

138: Placard

تساعد كلمات بولس في رسالة كورنثوس الثانية 8: 3–5 في شرح طريقة تفكيرهم. اصغ لما كتبه هناك:

«لأَنَّهُمْ أَعْطَوْا حَسَبَ الطَّاقَةِ أَنَا أَشْهَدُ وَفَوْقَ الطَّاقَةِ مُلْتَمِسِينَ مِنَّا بِطِلْبَةٍ كَثِيرَةٍ أَنْ نَقْبَلَ النِّعْمَةَ وَشَرِكَةَ الْخِدْمَةِ الَّتِي لِلْقِدِّيسِينَ... أَعْطَوْا أَنْفُسَهُمْ أَوَّلاً لِلرَّبِّ وَلَنَا بِمَشِيئَةِ اللهِ».

وصف بولس في هذه الفقرة، سخاء كنائس مكدونية. وشرح أن تكريسهم للرب قادهم ليكونوا مضحّين جداً في مشاركتهم مع كنيسة الرب المنظورة.

 

139: Animation

إن مشاركة الممتلكات المادية مع المحتاجين، جزءٌ هامٌ من حياة الكنيسة المنظورة. حيث أن الكنيسة بأكملها شعب الله، جماعة عهده. وهو يهتم بكل شخص فيها، ويدعونا للقيام بالأمر ذاته. ببساطة، إن كل ما لنا هو ملك لله. فقد جعلنا فقط وكلاء على ممتلكاته. وهذا يعني أن محبتنا وعطاءنا هما خدمة الرب لشعبه، وشهادته بالإنجيل إلى العالم. وهكذا، إذا أردنا أن نكون أمناء له، يجب ألا نمنع ممتلكات الرب عن شعبه الذي يحتاجها.

 

140: Panel

بعد أن استكشفنا شركة القديسين في الكنيسة المنظورة، أصبحنا مستعدين لنتأمل في الشركة في الكنيسة غير المنظورة.

 

141: Bullet

سننظر إلى فكرتين رئيسيتين مرتبطتين بشركة القديسين في الكنيسة غير المنظورة. أولاً، سنتحدث عن الاتحاد الذي يشترك فيه كل المؤمنين بالمسيح. وثانياً، سنتحدث عن الاتحاد الذي نشترك فيه بالمؤمنين الآخرين في الكنيسة غير المنظورة. فَلْنبدأ بالنظر إلى اتحادنا بالمسيح.

 

142: Animation

يذكر العهد الجديد كثيراً أن المؤمنين متحدّين بالمسيح. ويتم التعبير عن هذه الفكرة عادة بالقول، المؤمنين في المسيح، في يسوع، أو فيه. يعني هذا الاتحاد من جهة، أن يسوع يمثّل المؤمنين أمام الآب، خاصةً في موته وقيامته. لكنه يعني من جهة أخرى، أن المؤمنين متحدّون بشكل سرّي بيسوع وبطريقة أساسية. حيث يسكن يسوع في المؤمنين، وهم يسكنون فيه.

 

 Schreiner: 142.5

اعتقد أن أحد تعاليم الرسول بولس الرئيسية، هي أننا متّحدون بيسوع المسيح؛ وأننا مُلكه. فعندما ننظر إلى كل الإعلان الكتابي، أعتقد أن الكتاب المقدّس يعلّم إما أننا في آدم أو في المسيح. وبالطبع، كان آدم الإنسان الأول. ووُلِدَ كل البشر كأبناء وبنات له. ولهذا يولدوا في العالم كخطاة. وتكون طبيعتهم خاطئة. ويكونوا بعيدين عن الله. ويكون معنى أن نَخلُص ونُفتَدى ونثق بالمسيح، أن نكون متّحدين بالمسيح، وننتمي إليه. ويكون معنى الاتحاد بالمسيح، أن نكون جزءاً من شخصه.

Jeffrey Jue

نحن نحصل على كل بركات المسيح من خلال اتحادنا به. ونَعتبر أن هذه البركات هي التبرير، التقديس، التبني، وكل الأمور التي نصفها عندما ننال الخلاص، ويمكننا الحصول عليها من خلال المسيح فقط. ولهذا، إن اتحادنا بالمسيح لننال هذه البركات، أمر مهمٌ وأساسيُ بالنسبة لنا. كيف ننال هذه البركات أو كيف نتحد بالمسيح؟ نتحد بالمسيح بالإيمان، وبالإيمان وحده. فهو يوحّدنا بالمسيح، وتأتي موهبة الإيمان تلك من الله.

 

Animation: 143

غالباً ما يتكلم اللاهوتيون عن هذا الاتحاد الأساسي بين يسوع والمؤمنين كاتحاد سرّي، لأن الكتاب المقدّس لا يشرح تماماً كيفية عمل هذا الاتحاد. لكن الأسفار المقدسة توضّح أن هذا الاتحاد يشمل أجسادنا وأرواحنا. ونرى هذا في يوحنا 15: 4-7، رومية 8: 9–11، وعدة أماكن أخرى.

 

Placard: 144

اصغ، مثلاً، لكلمات بولس في [رسالة كورنثوس الأولى 6: 15–17]:

«أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَجْسَادَكُمْ هِيَ أَعْضَاءُ الْمَسِيحِ وَأَمَّا مَنِ الْتَصَقَ بِالرَّبِّ فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ».

 

Quotation: 145

تكلم تشارلز سبرجن، الواعظ المعمداني الشهير الذي عاش بين 1834 و1892 ميلادية، عن اتحادنا بالمسيح في عظته السر المنقطع النظير، استناداً إلى [أفسس 5: 30]. اصغ لما قال:

[هناك اتحاد حيوي بيننا وبين المسيح… وهو ليس وحدةً؛ بل هويةً. إنه أكثر من الانضمام؛ إنه كوننا جزءاً، وجزءاً أساسياً من الكل… ويجب أن يكون للمسيح… شعبه؛ فهم أساسيين بالنسبة له].

 

Animation: 147

من المذهل أن نفكر بأن اتحادنا بالمسيح أساسي لدرجةِ أن المسيح نفسه سيخسر إذا أُخِذْنا منه. فقد أحبنا ومات لنكون جائزته وميراثه. ولأننا متحدين به، يجب أن يشعر كل مؤمن بأمان عظيم في خلاصه، يقين عظيم في غفرانه، وتشجيع كبير لوضعنا الصحيح أمام الله. يجب أن نستمد القوة من هذا الاتحاد بما أننا نتغذى من المسيح ونتأيد بروحه. ويجب أن نشعر بالجُرأة في شركتنا مع الله، عالمين أنه بسبب كوننا مستورين بالمسيح، فإننا كاملون في عينَي الآب، الابن والروح القدس. وهذا لا يعني أنهم لن يؤدّبونا على خطايانا. لكنه يعني أنهم سيفعلوا ذلك بدافع المحبة، بغرض إيصالنا إلى النُضج والكمال المناسبيَن للاتحاد بالله للأبد.

 

Bullet: 148

بعد أن نظرنا إلى اتحاد المؤمنين بالمسيح، أصبحنا مستعدين للنظر إلى اتحادنا بالمؤمنين الآخرين في المسيح.

 

Animation: 149

ولأن كل شخص في الكنيسة غير المنظورة متحدٌ بالمسيح، فإن المؤمنين متحدون ببعضهم البعض فيه أيضاً. ونرى هذا في رومية 12: 5، غلاطية 3: 26–28، أفسس 4: 25 وعدد من المقاطع الأخرى.

 

Placard: 150

اصغ للطريقة التي كلّم بها يسوع الآب عن هذه الشركة في [يوحنا 17: 22-23]:

«وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لِيَكُونُوا وَاحِداً كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ. أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي».

 

Animation: 151

وفي حين أن اتحادنا بالكنيسة المنظورة عقلاني واختباري، إن اتحادنا بالكنيسة غير المنظورة روحي ووجودي. حيث أن شخصياتنا ملتحمة معاً من خلال المسيح وروحه. وبالتالي، لدى جميعنا كرامة متساوية في المسيح، كما علّم بولس في رسالة كورنثوس الثانية 5: 14–16، غلاطية 3: 28، وكولوسي 3: 11. ونختبر حتى أفراح وآلام بعضنا البعض، كما نقرأ في رسالة كورنثوس الأولى 12: 26.

ولا تنحصر شركة الكنيسة غير المنظورة بالكنيسة على الأرض، بل تمتد إلى الكنيسة في السماء أيضاً، أي المؤمنين الذين سبق وماتوا وذهبوا ليكونوا مع الرب. وكما أن للمؤمنين على الأرض شركة سرّية بعضهم ببعض في ومن خلال المسيح، فإن لنا الشركة ذاتها مع كل المتّحدين بالمسيح – بما فيهم المؤمنين الموجودين في السماء الآن. وتعلّم الأسفار المقدّسة هذه الفكرة في أماكن مثل عبرانيين 11: 4؛ و12: 22–24.

 

Animation: 152

إن إحدى الصور المدهشة التي تستخدمها الأسفار المقدّسة لتعلّم هذه الحقيقة، هي تصوير الكنيسة كعروس المسيح. فهناك معنى يتم التعامل فيه مع الكنيسة المنظورة كعروس المسيح، لكن يكون هذا من منطلق كمال العروس في الكنيسة غير المنظورة. ونرى هذا في العهد القديم في إشعياء 54: 5–8، هوشع 2: 19–20،وفي العهد الجديد في أفسس 5: 26-27. ويظهر إتمام هذه الصور في الكنيسة غير المنظورة الكاملة في رؤيا 19.

 

Placard: 153

اصغ لوصف يوحنا في [رؤيا 19: 6–8]:

«وَسَمِعْتُ كَصَوْتِ جَمْعٍ كَثِيرٍ وَكَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ وَكَصَوْتِ رُعُودٍ شَدِيدَةٍ قَائِلَةًهَلِّلُويَا فَإِنَّهُ قَدْ مَلَكَ الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ الْمَجْدَ لأَنَّ عُرْسَ الْخَرُوفِ قَدْ جَاءَ وَامْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا. وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزّاً نَقِيّاً بَهِيّاً لأَنَّ الْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ».

نرى هنا أن عروس المسيح تتكوّن من كل القديسين المفديين في كل العصور، الذين هم في شركة مع بعضهم البعض. ونقف جميعاً كواحد، ونلبس رداء العرس المكوّن من الأعمال البارة لكل مؤمن.

 

Animation: 154

تستنتج الأسفار المقدّسة العديد من التطبيقات من حقيقةِ أن المؤمنين متحدّين ببعضهم البعض في المسيح. فهي تعلّمنا أن كل مؤمنٍ مهمٌ بل ولا غِنى عنه بالنسبة للمسيح، أن نُكرِم ونَخدُم بعضنا البعض، أن نكون شفوقين نحو بعضنا البعض، ونكون لطفاء، وُدعاء، صبورين، ومسامحين. وأن نعامل الآخرين كما نريدهم أن يعاملونا وبنفس الطريقة التي نعامل بها أنفسنا. لأننا باتحادنا بهم في المسيح، هم جزءاً منا بقدر ما تكون أجسادنا جزء منا.

 

Signpost: conclusion: 155

لقد استكشفنا عقيدة الكنيسة في هذا الدرس من قانون إيمان الرسل. وقد نظرنا إلى التفويض الإلهي للكنيسة كجماعة الله الخاصة. ناقشنا حقيقةَ أن الكنيسة مقدّسة، كونها مفروزة وطاهرة. تحدثنا عن طبيعتها الجامعة أو الشاملة. وشرحنا الطرق التي تكون بها شركة للقديسين.

 

Host: 156

كمسيحيين معاصرين، يختلف اختبارنا للكنيسة كثيراً عما كان في زمن الكتاب المقدس، أو حتى في الزمن الذي صيغ فيه قانون إيمان الرسل. لكن حقائق الحياة الأساسية في الكنيسة لم تتغير أبداً. فلا تزال الكنيسة الشعب الذي في عهد مع الله. ولا تزال إنائه المختار لإيصال الإنجيل إلى العالم، وتحويله إلى ملكوته على الأرض. ونحن كنيسته مقدسون للرب. نحن شعبه، متحدون بعضنا ببعض فيه. والرب نفسه يعمل من خلالنا.

 


[1]

والآن، ها هي فرصتك للحديث معنا عما تفكّر فيه
يا صديق، نحن نريد أن نساعدك في رحلة الإيمان. الخطوة التالية هي أن ترسل لنا برغبتك في المعرفة والإيمان لنتواصل معك، فنشجعك ونصلي من أجلك. نحن نتعامل بحرص وسرية مع كل رسائل الأصدقاء